|
ايناس البدران: خير من يكتب عن المرأة.. المرأة نفسها
عبدالجبار العتابي
الحوار المتمدن-العدد: 3102 - 2010 / 8 / 22 - 22:54
المحور:
بوابة التمدن
ايلاف
عبد الجبار العتابي من بغداد: قالت القاصة العراقية ايناس البدران:(لالف ليلة ظلت شهرزاد تروض الوحش داخل شهريار، تواجه الموت كل ليلة..، انتظرت ما يقرب من الثلاثة اعوام لترى الدموع لاول مرة في عينيه، لتحدث ذلك الانزياح المنتظر في المنظور الذكوري عبر خلخلة ثقافته الشاهقة الظلم، كانت بذلك تدعو نظاما ابويا صارما لاعادة النظر في مفاهيمه الشائهة وركائزها التي تآكلها الملح، نظام يحاول دائما اسكات المرأة على حد قول روجيه غارودي)، هذا ما بدأت به الحديث معي وانا احاول استقراء افكارها حول المجموعة القصصية الجديدة التي اصدرتها مؤخرا والتي تحمل عنوان (الليلة الأولى بعد الألف)، وكأنها تعلن ارتباطها السري بشهرزاد على الرغم من المسافة البعيدة بينهما والتي تقف فيها عشرات الالاف من النساء، ثم تقول وهي تقلب صفحات قصصها: (هل يمكن ان ندعوها بالمنقذة؟)، لكنها سرعان ما تجيب:(كيف.. لا، وهي التي جعلت من ذاتها سدا بوجه طوفان الدم الذي اغرق شهريار نفسه والمملكة فيه حين واجهت القسوة بالصبر والغضب بالحلم، والكراهية العمياء بمنتهى الحب، فصارت الاسطورة والمثل الذي يحتذى به على مر العصور).
ثم سألتها: كيف يمكن لك الكتابة عن شيء ما؟ فأجابت: حين اكتب أسأل نفسي: ما الذي أود ان اقوله؟ او ايصاله، وبصراحة، لا أحد يستطيع ان يكتب صفحة واحدة ما لم يكن لديه شسء يقوله، رصيد كاف مما يود ايصاله، فالادب مرآة عصره والادباء شهود عليه، افكارنا لا تتولد من فراغ، فقد يتوافق وجودنا مع موقف او حادث يستوقفنا او وجه او حتى عطر يوحي لنا بفكره.
وسألتها: برأيك اي الافكار ابقى؟ فأجابت: بالتأكيد فأن اقوى الافكار واطولها عمرا هي تلك التي لا يحدها زمان او مكان، بل هي افكار انسانية تدفع الكاتب للتفاعل مع كل ما يجري حوله، فيتحول الى شاهد ابداعي ولا يكتفي بأن ما يكتبه هو محض تجليات وخيال.
سألتها: ما ابرز ما يميز شخوص مجموعتك الجديدة؟ واجابت: شخوص مجموعتي عموما تحاول التحرر من نفاق اجتماعي وقوالب زيف وجدت نفسها محشورة فيها بمغامرة اخلاقية تسعى وراء الصدق الشامل والعودة الى المنبع الاصلي كصبوة سامية تعري الانسان تعزله عن الراحة الاجتماعية لتضعه وجها لوجه امام حقيقة الحياة العميقة بكل ما فيها من مجازفة وطابع مأساوي، حين يكتشف وهو في لجة الخطر والمغامرة الشرط الاساسي والانساني لوجوده، لحقيقته الجوهرية..، الحقيقة التي لا يدركها المرء الا حين تنزل به كارثة، مثل سر لا يسلم مفتاحه، فقط يكتفي بحضوره المستبد حتى انه ليلقي الى العدم بكل ما عداه كما يفعل حضور الموت.
سألتها: هل تعنين انهم مغامرون؟ اجابت: نعم.. انهم مغامرون يبحثون عن حياة تتعرى من القشور والروتينات، حياة قد تبدو بدون سبب لكن في قلب العمل العبثي ظاهريا تتكشف حقيقة معينة، الحقيقة التي لا يعرفها الانسان الا ازاء الموت، الحقيقة التي تخرس كل الحقائق الاخرى حين تتكشف للانسان قوته اي شجاعته رغم ما يحيط به من جبروت، الامر الذي يمنحه القدرة على مقازمة الهوان.
سألتها: لماذا تشغلين نفسك بالمرأة؟ اجابت: ككاتبة.. شغلتني بلا شك قضية المرأة، المرأة الشرقية بالذات التي عاشت وتعيش عالما متناقضا قاسيا متذبذبا، لذا تجد النماذج النسوية قد افترشت اغلب المجموعة، تناولت فيها تفاصيل عالم المرأة الذي يسميه البعض غامضا، خوفها الفطري، سلبيتها المتوارثة، مواقفها تجاه ما يواجهها.. ايمانا مني ان خير من يكتب عن المرأة.. المرأة نفسها.
سألتها: هل تقصدين ان ما تكتبه المرأة مختلف؟ فأجابت: اننا نكتب لنحفز الناس على التفكير والتواصل وجعلهم يعون اشياء ربما لا يتمكنون من سماعها او مشاهدتها في دوامة الحياة، فالكتابة اخذ ورد، كما تقول دوريس ليسنغ، لكن ما تكتبه المرأة يشكل فرقا، فالمرأة ترى اشياء معينة بصورة مختلفة تماما عن تلك التي يراها الرجل، بل ثمة كتاب رجال يدعون المقدرة على سبر اغوار وجدان المرأة لكن يتعذر حصول ذلك، وأظن ان المرأة تتصرف بشكل فطري وبصورة اعمق مما عند الرجل.
سألتها: لماذا اخترت هذا العنوان الذي يرتبط بالليلة الاخيرة لشهرزاد مع شهريار؟ فأجابت: اخترت (الليلة الاولى بعد الالف) عنوانا للمجموعة ليست لانها من القصص الفائزة بمسابقة نادي القصة فقط، انما لان الليلة الاولى تمثل الانعطافة الاهم والاروع بعد الف ليلة من مواجهة البطش والخوف والجنون، انها ليلة انعتاق شهرزاد ومئات وربما الاف النساء من بنات جنسها في مملكة لا تختلف كثيرا عن سواها من ممالك الشرق.
سألتها: لماذا هذا الارتباط او الاعجاب بشهرزاد؟ فأجابت: شهرزاد استطاعت من خلال الحكي ان تخضع شهريار الى اطوار من التهذيب لتحوله من سيف مسلط غاضب راغب في الثأر الى اذن تصغي لاول مرة، من مرتبة اللسان الاوحد الذي يتكلم ووظيفة الجميع السمع والطاعة الى انسان قادر على التواصل، لتعلمه (ان الاعتناء بالحياة لا التهديد بالقتل هو الذي يمنح السلطة منفذها الى الجسد) على حد قول فوكو، هذه المرأة الذكية واجهت بمفردها غضب الرجولة الجريحة والكبرياء المتضخمة بجنون العظمة، هي لم تكن رد فعل مباشر على فعل بلغ ذروة القسوة والنرجسية، ولم يكن همها الابقاء على حياتها قدر رغبتها بأنقاذ بنات جنسها من مصير مشؤوم، واصرارها على البحث عن العلة في شهريار وكشفها له عبر ما روته من قصص وحكايا مرت بملوك وسلاطين ورجال من عامة الناس، فعملت بذلك عمل الطبيب النفسي وتعاملت مع العلة بحكمة وشجاعة وصبر.
سألتها: كيف استطاعت شهرزاد ان تروض شهريار؟ اجابت: يقول المثل اليوناني (اذا كان الرجل رأسا فأن المرأة الذكية رقبة، والرقبة تستطيع ان تدير الرأس حيت ما شاءت) وشهرزاد امرأة ذكية لم تكتف بجمالها وسحر انوثتها انما تميزت باليقظة والحنكة والثقافة المتوجة بالشجاعة، هكذا استكملت طبيعتها كأنثى بجمال اضافي متأت من اكتسابها المعرفي وثقافتها وعذب حديثها لترتقي بذلك الى مراتب اسمى خارج قفص الانوثة الخانق.
سألتها: ما الذي كانت تواجهه برأيك في شهريار؟ اجابت: هي كانت بحكيها تواجه جبروت ثقافة ذكورية ترى بعين واحدة، ثقافة متجذرة حول اسطورة نقص عقل المرأة رغم ان كيدها عظيم في احيان اخرى، وتحملها وحدها اباطيل تقاليد واعراف وضعتها في مرتبة اصل الشر، فهي التي اخرجت ادم من الجنة، ولا ندري اين كان عقله حينها ولا اين ولت ارادته، وهي التي التي تلطخ شرف العشيرة بجسدها المسبي فيتبارى الى غسل عارها بحد السيف او الوأد درء للعار !!!، ولعل فيما قام به شهريار الغاضب لكبريائه الجريحة خير دليل، اذ كان يختار في كل مرة عروسا عذراء ليسلمها بعد ليلة واحدة الى مسرور السياف وسيفه اللاصف ضمانا لاخلاصها وعفتها،هو بفعلته كان يبغي قتل المرأة قتلا مزدوجا بأغتصاب الجسد ومن ثم بسلب الحياة من ذلك الجسد الذي تحول الى سلعة تستخدم لمرة واحدة.
سيرتها: إيناس البدران، قاصة وروائية عراقية من مواليد بغداد 1960، خريجة كلية الآداب/ قسم اللغة الإنكليزية، عضو المجلس المركزي في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ورئيسة منتدى نازك الملائكة الأدبي في الاتحاد، حصلت على العديد من الجوائز والشهادات التقديرية، صدرت لها ثلاث مجموعات قصصية هي (عيون النمرة) عام 2003، و(انعكاسات امرأة) عام 2008، و(الليلة الأولى بعد الألف) عام 2010، كما صدرت لها رواية بعنوان (حب في زمن الحرب) عام 2004 بالإضافة إلى ترجمتها لقصة طويلة لأليسن وركن بعنوان (العوامة) عام 1985، ولها تحت الطبع رواية بعنوان (بنات آل سلطان).
#عبدالجبار_العتابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
حَمّاد فوّاز الشّعراني
/ حَمّاد فوّاز الشّعراني
-
خط زوال
/ رمضان بوشارب
-
عينُ الاختلاف - نصوص شعرية
/ محمد الهلالي
-
مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة
/ فاروق الشرع
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4
/ ريبر هبون
المزيد.....
|