|
المفاوضات المباشرة والانتحار الذاتي
راسم عبيدات
الحوار المتمدن-العدد: 3102 - 2010 / 8 / 22 - 19:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
........ من كان يتوقع أن لا تستجيب السلطة الفلسطينية للمطلب الأمريكي- الأوروبي- الإسرائيلي بالذهاب للمفاوضات المباشرة،فهو جاهل حتى في ألف باء السياسة،فهذه السلطة لا تمتلك لا خياراتها ولا قراراتها،فسلطة تعتاش بشكل كلي على المساعدات الأمريكية والأوروبية،ولم تبني طوال الفشل المتكرر للمارثون التفاوضي العبثي لأكثر من تسعة عشر عاماً أي إستراتيجية بديلة لهذا المارثون،يستحيل عليها أن لا تستجيب لشروط مشغليها أو مموليها،فهذه السلطة حتى القرار الفلسطيني المستقل والذي بقيت طوال أربعين عام تتغنى به تخلت عنه،وحولت مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية الى مجرد يافطات وواجهات استخدامية،وأصبحت تستقوي عليها بالقرار العربي،وأضحى دورها فولكلوري وشكلاني،وهذا التوصيف لقادة يساريين فلسطينيين، طالما سمعناه منهم ،ففي هذه المرحلة الحاسمة والدقيقة والخطيرة جداً فإنه يتطلب منهم الإجابة على سؤال،لماذا البقاء والمشاركة في مثل هذه الهيئات وبهذه المواصفات،وهل هذا الجسم هو أيقونة مقدسة لا يجوز المساس به حتى لو قادنا الى الدمار والهلاك؟،أم أن المطلوب من هذه القوى التطهر من الدنس وتطهير هذا المعبد من الرجس والنجاسة؟ أكثر من ستة مائة شخصية مجتمعية وسياسية وأكاديمية فلسطينية والعديد من الفصائل الفلسطينية وفي المقدمة منها الجبهتان الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب والمبادرة الوطنية مضافاً اليها حماس والجهاد الإسلامي رفضت خيار العودة للمفاوضات المباشرة دون مرجعية وواضحة ومحددة ودون التزام إسرائيلي واضح وصريح أيضاً بوقف كافة الأنشطة الاستيطانية في الضفة والقدس،والسلطة قالت على لسان قادتها وجهابذة مفاوضيها بأنه لا عودة للمفاوضات المباشرة إلا بوقف الاستيطان وتحديد المرجعية والسقف الزمني للمفاوضات،وفي نفس الوقت لكي تمهد وتبرر لنفسها التخلي عن هذه الشروط وإدارة الظهر والضرب بعرض الحائط بموقف هذه الشخصيات والفصائل،كما تخلت عنها في السابق،بدأت تسرب معلومات عن الأزمة المالية الحادة التي تعاني منها السلطة وأنها تتعرض لضغوط هائلة من أجل الذهاب للمفاوضات المباشرة ،وأنها لن تعود الى المفاوضات بدون شروط مسبقة،وهي تدرك جيداً أن مثل هذا الكلام ليس له أي أساس من الصحة،كما هو الحال في تصريحات ما يسمى بكبير مفاوضي السلطة صائب عريقات واضح وشارح نظرية الحياة مفاوضات،والذي أتمنى عليه أن يصدق ولو مرة واحدة،فهو يقول بأن السلطة ستنسحب من المفاوضات اذا ما أقرت إسرائيل بناء أي مستوطنة جديدة،وهي التي أعلنت رداً على بيان ما يسمى باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قبل أن يجف حبره بأن تجميد الاستيطان ليس مطروحاً بعد 26 أيلول الحالي ،فالسلطة من خلال لقاءاتها السرية وافقت على العودة للمفاوضات بدون شروط مسبقة،فمندوب الرباعية للشرق الأوسط"ميتشيل" ومفوضة الاتحاد الأوروبي "آشتون" تحدثا عن موافقة السلطة الفلسطينية بالعودة للمفاوضات المباشرة،قبل أن تعلن ذلك وزيرة الخارجية الأمريكية "كلينتون" عن موافقة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي العودة للمفاوضات المباشرة في الثاني من أيلول للعام الحالي،وليعلن الجانب الفلسطيني أنه ينتظر صدور بيان من اللجنة الرباعية يتضمن وقف الاستيطان في القدس والضفة الغربية،وهو يعلم جيداً أن مثل هذا البيان لا يتضمن هذا الشرط،وليأتي بيان الرباعية خالياً من هذا الشرط،ومن ثم تدعى اللجنة التنفيذية لتدارس بيان الرباعية وأخذ قرار أخذ مسبقاً بالذهاب للمفاوضات المباشرة ووفق ما أعلنته "كلينتون" الذهاب للمفاوضات المباشرة بدون شروط مسبقة وبدون مرجعية وبدون وقف للاستيطان،وليخرج علينا بيان التنفيذية غير المكتمل نصابها بقرار غير شرعي لا شكلاً ولا مضموناً بالموافقة على الذهاب للمفاوضات المباشرة؟. أي خداع وأي تضليل هذا وأي استهتار ليس بعقول شعبنا،بل بكل مكونات حركته السياسية،وبكل المؤسسات والهيئات الشرعية الفلسطينية،والتي أصبحت تأخذ القرارات زوراً باسمها؟. نتنياهو أعلن أنه لن يوافق على بيان من الرباعية يشير الى وقف الاستيطان،وكان له ما أراد،بل هو يعلم تماماً بأنه سراً تمت الموافقة على العودة للمفاوضات المباشرة وفق شروطه وإملاءاته من قبل السلطة الفلسطينية،ولكن أصول اللعبة تقتضي ذلك،حتى لا تظهر السلطة الفلسطينية بأنها جاءت للمفاوضات مذعنة،ولا بد من إلقاء عظمة اليها تستر بها عورتها وتبرر بها ذهابها للمفاوضات،من خلال تحديد سقف زمني للمفاوضات ولو بطريقة شكلانية. المهم هنا أن نتنياهو واضح ومتصالح مع ذاته وممسك بشروطه ولا يتخلى عنها،ولا يخشى لا ضغوط أمريكية ولا أوروبية غربية ولا يساوم على قضايا يعتبرها من وجهة نظره جوهرية واستراتيجية ويصارح شعبه بالحقيقة، أما في الجانب الفلسطيني فأصبحت أمنيتنا أن تصدق السلطة وتصارح شعبها بالحقيقة ولو مرة واحدة،ففي كل المرات التي وعد بها الشعب الفلسطيني،بأن ذهابه للمفاوضات والمؤتمرات سيحول أرض فلسطين الى أنهار من العسل واللبن،لم يجني الشعب الفلسطيني إلا "الخراء"،والسلطة جاهزة تخترع وتختلق الحجج والذرائع التي تبرر بها تقديم التنازلات المجانية والتخلي عن شروطها. واليوم وهي تذهب لهذه المفاوضات المباشرة بدون أية ضمانات جدية وحقيقية،معتمدة على حسن النوايا الأمريكية،هذه النوايا التي يشير الواقع أنها غير موجودة ،فالرهان على الموقف الأمريكي أثبت عدم جدواه،حيث تراجع واستدار الموقف الأمريكي لجهة التطابق والتماثل مع الموقف والرؤيا الإسرائيلية من العملية السياسية والمفاوضات والتسوية،وليس أدل على ذلك من البيان الذي أصدرته وزيرة الخارجية الأمريكية "كلينتون" حول دعوة الطرفين للذهاب للمفاوضات المباشرة وبدون شروط مسبقة في الثاني من أيلول القادم.ورغم ذلك نرى إصرار عالي عند البعض فلسطينياً لحلب الثور وأبعد من ذلك دفع الساحة الفلسطينية نحو المزيد من الضعف والشرذمة والانقسام والانتحار الذاتي ونحر المشروع الوطني وإعطاء إسرائيل الفرصة لكي تزداد تغولاً وتوحشاً من خلال فرض الوقائع على الأرض في القدس وتنفيذ سياسة التهويد والأسرلة والتطهير العرقي على وضد سكانها العرب،ورفع وزيادة وتائر الاستيطان في الضفة الغربية وتشديد الحصار على قطاع غزة،وكذلك التملص والتحلل من الضغوط الدولية المطالبة بوقف الاستيطان ودفع استحقاقات عملية السلام والتسوية،تجاه الاستمرار بإدارة الأزمة وفق ايقاعاتها وتصوراتها وشرعنة استيطانها واحتلالها. واذا كانت السلطة الفلسطينية تذهب الى المفاوضات المباشرة دون أي غطاء شرعي لا شعبي ولا حزبي ولا مؤسساتي،وتتجه نحو ما فعله نيرون بحرق روما وتدميرها على رأس من فيها،فإن القوى الأخرى المعارضة سواء داخل إطار المنظمة أو خارجها ،تتحمل مسؤولية كبرى في وقف حالة التدهور تلك ولجم هذا الانفلات المحموم نحو العبث بالمشروع الوطني،ومسألة إصدار بيان أو تصريح وكفى الله المؤمنين القتال لم تعد كافية،فلا بد من أوسع تحرك جماهيري وشعبي على الأرض،وبشكل متواصل ومستمر يشكل رادع وضابط لهذه السلطة للمقامرة بحقوق الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني.
القدس- فلسطين 22/8/2010 0524533879 [email protected]
#راسم_عبيدات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة مغرقة بالعنصرية والتطرف
-
العراقيب رأس الحربة في مواجهة سياسة تهويد النقب ..
-
في مقبرة مأمن الله لا حرمة ولا قدسية للقبور ..!!
-
مبعدو منيسة المهد ...معتصمو الصليب الأحمر..مبعدو السجون ..
-
المجتمع المقدسي يذبح من الوريد للوريد ..
-
حقائق وأنصاف مواقف ..
-
أنقذوا أسرى العزل من الموت البطيء ..
-
دوران مستمر في الفراغ
-
مفاوضات مستمرة بغطاء عربي وانقسام قائم ..
-
شيخ الأقصى والقدس خلف القضبان ..
-
على ضوء قضية النواب/ المطلوب مبادرة مقدسية
-
قراءة متأنية في كتاب مقاومة الاعتقال / لمروان وعاهد وعبد الن
...
-
عزمي بشارة ...حنين الزعبي.....الشيخ رائد صلاح ...و..
-
النواب المقدسيون والحالة المقدسية الموحدة..
-
أوكتافيا ناصر والسي أن أن ..
-
حول زيارة نتنياهو لواشنطن
-
العظماء يرحلون في تموز/ وفي تموز تحل المصائب
-
ميتشل وهوية النائب المقدسي أبو طير
-
وحدة الموقف الفلسطيني أفشلت ابعاد نواب القدس ..
-
هل ستنفذ صفقة شاليط ..؟؟
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|