|
عراق مابعد عام 2003 .. الكعكة الفاسدة !!!
عماد البابلي
الحوار المتمدن-العدد: 3102 - 2010 / 8 / 22 - 17:55
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لن تكون هذه الدراسة المختصرة عن الواقع الاجتماعي بعد عام 2003 تحت سقف أن الحزب مؤسسة أبحاث تهتم بالجانب الجيوبولتيك للواقع العراقي والعربي ، الدراسة ستكون واقعية باسم حزب له دور جماهيري في الأوضاع السياسية للعراق .. من المسلم به في كل الأدبيات اليسارية القديمة والحديثة بأن الإنسان صانع التاريخ وصانع مصيره ، ووجوب الاستناد على مبدأ الترابط العام والتفاعل المتبادل للظواهر المختلفة .. ومن تلك المسلمتين الرئيستين سنحاول فهم الخارطة الجديدة للواقع العراقي بعد عام 2003 ، أي تحديدا بعد غياب نظام الفاشست البعثي ، ولكي نفهم معالم الأزمة الأيديولوجية والسياسية لخارطة المجتمع العراقي بعد عام 2003 ، يجب علينا أولا فهم طبيعة النظام البعثي حتى نرسو على نتائج اقرب للدقة من خلال هذه الدراسة ، بعد عام 1968 ونجاح الانقلاب الذي تزعمه الجناح القومي بقيادة عصابات البعث ، تحول العراق لمعقل مهم من قلاع القومية العربية بجانب القلعة الناصرية في مصر ، هذه القلعة الكبيرة التي نادت بإعادة المجد العربي لحضارة مزعومة اسمها الحضارة العربية والتي كانت بمعالم إمبراطورية أقرب منها للحضارة ، وكانت قضية فلسطين وتحريرها من أول تلك الأهداف التي رفعتها حكومة البعث في ذاك الوقت ، وأعلن البعث نفسه حارسا للبوابة الشرقية للوطن العربي ، على الصعيد الداخلي كان البعث ، يمارس طقوسا خاصة بالتعامل مع الشعب العراقي ، عبر تفتيت النسيج الاجتماعي ومسخ الهوية وغسيل العقل ، فقد همش أي شيء ينافس مشروعه القومي ، طقوس تمحورت حول مسخ الهوية لسكان الجنوب العراقي لمذهبهم الشيعي الذي كان في نظر البعث مذهبا مستوردا من إيران ، وسكان شمال العراق من الأكراد ، الذين مارس البعث في حقهم عملية طمس عرقي واضح عبر وسائل مختلفة ، الشيعة والأكراد هما خطر على الحلم القومي العربي بنكهته البعثية ولهذا كانت تلك الفئتين ضحية أكبر جريمة تغير ديموغرافي جرت في التاريخ الحديث للشرق الأوسط ، وبهذا كان فقط من كان على المذهب السني يصلح للحياة في هذا البلد وخصوصا بعض العشائر التي قربها صدام حسين للسلطة وأعطاها حقوق وسلطات باسم مؤسسات أمنية مخلقة لاحقا ، كان الغرض منها ضمان بقائه في السلطة .. على الصعيد الاقتصادي ، طبق البعث الحاكم سياسة عسكرة الاقتصاد العراقي في بناء منظومة عسكرية كبيرة صرفت لها المليارات من الدولارات ، وبهذا غابت معالم الإنتاج الواضحة عبر مفهوم بسيط جدا ، الاستيراد بنسبة 100 % والتصدير صفر 100% ، بهذه السياسة الاقتصادية الرعناء تحول المجتمع العراقي لمجتمع داجن غير منتج ، مجتمع كسول يبيع نفطه ويأكل ويتسلح منه !! هذا النمط البدوي في التفكير ، كان له نتائج خطيرة انعكست لاحقا في مجتمع ما بعد 2003 ، الاقتصاد العراقي الحالي محتكر اليوم بيد نخبة من المقاولين ، الذي جعلوه ينمو بشكل سرطاني بمسار أحادي ، يبشر بسوق النخبة لا سوق الدولة . معالم الأزمــــــــــة .. دخل الجيش الأميركي للعراق لتطبيق هدف من أهداف المحافظين الجدد الذين تزعموا مفاصل السلطة بعد تسعينات القرن المنصرم في البيت الأبيض ، كان الهدف المبطن هو أقامة الشرق الأوسط الجديد ، وفي سبعة عشر يوما انهار النظام الصدامي بأكمله وهي أسرع حرب في العالم !! المواطن العراقي الحائر المربك في أمره في كيفية التعامل مع هذا التغيير السريع ، هل هو محتل أم فاتح ؟؟ تلك الحيرة جعلت من الشعب يخضع لعملية سحب ميتافيزيقي كبرى من العملية السياسية ، فقد أعتزل من أعتزل وهاجر من هاجر من الرموز والقوى الوطنية الداخلية التي كان من المفروض أن تأخذ دورها في عملية أعادة بناء السلطة المنهارة ، عملية السحب هذه جعلت من جيل طفيلي نائم يظهر للسطح ، جيل كان مهمشا يقتات على فتات السلطة في الداخل وعلى فتات موائد الدول الكبرى وفي إيران !! هذا الجيل تزعم السلطة تحت سقف العملية الديمقراطية الوليدة في العراق التي باركتها الإدارة الأميركية ، جيل من البرجوازية الصغيرة ذات المنبت الاجتماعي المهمش ــ الريفي ، تلك الطفيليات التي تخندقت في قوى سياسية وأحزاب محدثة في يومين فقط ، التي راحت تتلاعب بمفاصل العراق جنوبا وشمالا ، والأخطر من عمليات الفساد المالي المنظم ، كانت البعض منها محملة بأجندات خاصة تريد تحويل العراق لساحة تفريغ النفايات الفكرية والدينية والسياسية لتلك الدول التي عبثت بشكل واضح بالعملية السياسية ، عبث واضح اقرب للمهزلة وكوميديا مؤرقة تثير الاكتئاب لأي مواطن يضع عراقيته في مقدمة باقي الاعتبارات الأخرى .. أهم نقطة يجب التركيز عليها هو غياب الطبقة الوسطى ، فقد غابت وقبرت في زمن ما قبل 2003 وبعده ، مازالت بنفس درجة التغييب ومن الكسل والتخدير الجمعي .. الخارطة الجديدة للبلد انقسمت لثلاث أقسام رئيسية وهي باختصار : - الأكراد في الشمال نادوا بالعراق الكردي النكهة ، عبر مطالب غير مشروعة منها ضم كركوك ومحاولة جادة ومبطنة للاستقلال وخصوصا الاقتصادي عن السلطة المركزية في بغداد ، المجتمع الكردي المنفصل بكل أطواره عن عراقية هذا البلد .. - الشيعة في جنوب العراق نادوا بالعراق ذو النكهة الدينية الأصولية الرجعية تحت ما يسمى دولة ولاية الفقيه الغريبة الأطوار ، وراحت مظاهر مزعومة للتدين تنتشر بإفراط في البيت الشيعي العراقي ، وكانت تلك المظاهر السطحية التي تمحورت على طقوس ماسوشية تمارس بمباركة السلطة التي تزعمتها الأحزاب الدينية التي وصلت للسلطة عبر استغلال الفراغ السياسي الذي حدث بعد 2003 .. - الأقليات الدينية الأخرى كانت هي كبش الفداء الرئيسي لعمليات العنف التي سادت هذا البلد وخصوصا بعد عام 2006 ، مما جرت عمليات هجرة جماعية لتلك الأقليات . ما يحدث الآن فقط هو ردة فعل قسري مؤدلج لسياسات البعث الفاشلة في التعامل مع هذا الشعب ، الشعب يعيش فقط في حالة ردة فعل فقط دون معالم واضحة للتركيبة البنيوية التي يتسم بها ، العراق يعاني الآن من كارثة ثقافية اجتماعية بغياب الوعي وكل أنواع الثقافة والفكر الليبرالي وصارت الايدولوجيا الرجعية تخنق مفاصل هذا البلد ، تلك الايدولوجيا المبرمجة كان ولازال الهدف منها تغييب الشعب عن حقوقه الوطنية حتى يسمح لتلك الطفيليات بالنمو بشكل غير قلق في هذا البلد .. سيادة الأيديولوجية الدينية دليل واضح على حالة اليأس والإحباط التي يعيشها المواطن العراقي الذي يترنح تحت تلال من الأنقاض والأوساخ من بقايا الفكر البعثي المظلم الذي لا زال يمشي في عروقه .. أما المرأة فلها نصيب من التعاسة في هذه الخارطة الجديدة الثقافة الإسلامية الدينية هي في أبهى صورة لها هي ثقافة بطريركية تعتمد على سيادة الرجل اجتماعياً واقتصاديا ، ذلك لكون المجتمعات الشرقية والإسلامية من الناحية التاريخية تتصف بكونها مجتمعات ذكورية يسود فيها الرجل على قطاعات حياتية واسعة ، بناءً على التوظيف المشخصن سلبياً للفوارق والتمايز الفسلجي ، ولهذا تمت عملية تغييب واسع للمرأة وعن وعيها الطبقي بكونها نصف المجتمع الذي نعيش فيه ولها دورا كبيرا بناء هيكلة سليمة لهذا المجتمع .. لقد شكل الانغلاق على الذات للمحافظة على الهوية الوطنية والثقافة في مرحلة الانفتاح العالمي حالة من التقوقع والتخلف المعرفي في لحظة تفترض الانفتاح كشرط مهم لتطوير مضامين الثقافة الليبرالية بما ينسجم مع سمات المرحلة الراهنة التي شهدت تحولات واسعة كان المواطن العراقي بعيدا عنها ، وذلك في سياق مواجهة هيمنة الفكر الأحادي الشمولي الذي ساهم في انتشار ثقافة استهلاكية ووعي مفوت ومجوف كفزاعة يقوم على فكرة الخلاص الفردي المتناقضة مع النسيج الاجتماعي العراقي المترابط رغم تنوع فئاته الاجتماعية .. الانغلاق على الذات أو الخلاص الفردي هي أهم ثيمة يتصف بها الهيكل العام لمفاصل الخريطة الاجتماعية بعد عام 2003 ، وهي مخلفات واضحة لسياسة الحزب الواحد واحتكار السلطة لتي مارسها البعث والتي يمارسها الآن من يسكن في أعلى الهرم السياسي ذو السمات الإلهية البعيد عن الأخر والمحطم له في نفس الوقت !! وإنا لله وإنا أليه راجعون في أمر البلد
#عماد_البابلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حينما حاولت ثقافة ال ( ...... ) نقد نظرية دارون
-
دفاع عن الإلحاد .. !!!
-
حفلة موت على طريقة ( حاحا وتفاحة ) في مدينة الكوت
-
مسرد ميثولوجي متواضع مهدى لزمن مبعثر
-
أبن الراوندي .. شيء واشياء أخرى !!!
-
دليل متواضع لسلامة الدماغ العربي غذائيا
-
مالذي يحدث في مسرحية TRIFLES لسوزان غلاسبل
-
أنقسام الله وإعادة تشكيله !!!
-
كافكا .. اللحضات الأخيرة لنسر
-
أثنولوجيا قطع الرؤوس عند العرب .. الطقس والجذور
-
متى يكون العربي ليس عربيا !!
-
نحو لاهوت مخنث !!
-
الكانزفيلد في البارا سيكولوجيا .. وعن الكانزفيلد العربي الأس
...
-
جدلية الحب .. حسب قاموس بريجيت باردو !!!!
-
حين شرحت الشيوعية لجدتي ... لماذا أنا شيوعي ؟؟؟
-
عزرا ئيل بقبعته المكسيكية في مدينة الحلة سائحا !!!
-
من مفكرة نيزك يتسول في شوارع المجرة !!
-
أنا ونرجس ونيتشه ... الوحي بلون أحمر !!!
-
فأر يكتب مذكراته .. ( الأنزيمات التي أعلنت نبوتها )
-
ماكياج عربي ... فقط !!!
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|