|
البغدادي والعلمانية الكونية
طالب المولي
الحوار المتمدن-العدد: 3102 - 2010 / 8 / 22 - 13:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الغموض المكتنف - كما يدّعون - حول العلمانية كتعريف حول المعنى لهذا المصطلح ، هو في الواقع محاولة منهجية لتشويه هذا المفهوم الكوني من قبل التيار الديني ، وحتى لا تكون السلطة الممنوحة لرجال الدين الكهنوتيين تحت مبضع الجراحة النقدية للدور الحقيقي لرجل الدين ، والذي استطاع عبر التحالف الوثيق بينه وبين سلطة المال المتمثل بدور السلطة السياسية . لم تجد السلطة السياسية على مر العصور أبرع من التيار الديني في الدفاع والتستر والتبرير لشبهات وسرقات التي تقوم بها السلطة السياسية . وبهذا يتفوق التيار الديني بجدارة في الحصول على مغانم الدولة عبر المؤسسات المالية المنتشرة على طول وعرض البلاد . بعيدا عن التعريف للمصطلح العلماني والذي " أصبح من السذاجة والطفولة الفكرية أن يسجن الإنسان عقله وفكره في إطار تعريف زالت قيمته الفكرية بعد أن أصبح ظاهرة عالمية متجسدة واقعا ماديا فيما يعرف بـ(المجتمع المدني) " كما يقول البغدادي في كتابه تجديد الفكر الديني . هذا الانتشار الواسع لدور مؤسسات المجتمع المدني المختلفة في جميع الفروع الحياتية ، أصبح البحث عن التعريف للعلمانية ضربا من الجهل وسذاجة فكرية بعد أن ضجت المكتبات ودور النشر بمباحث فكرية حول الأسس الفلسفية والمنطقية للعلمانية ، ودورها الفعال في المجتمعات الديمقراطية التي اتخذت من العلمانية منهجا حياتيا وحلا لمشكلات التطرف والتعددية بأنواعها الدينية والفكرية والعرقية ، وتحت ضل قانون فصل السلطات والحاكمية للشعب والذي هو عنوان لدور العقل في تأصيل هذا الفكر على مناحي الحياة المختلفة .وبهذا وجد المسلمون الذين يرزحون تحت سياط السلطة في بلدانهم الإسلامية والعربية في الهروب إلى الجنة العلمانية الديمقراطية في أوربا وأمريكا خلاصا واحتراما لآدميتهم . ولذلك يحلل البغدادي في كتابه " التجديد " أسباب فزع التيارات الدينية من هذا المفهوم الكوني ، هو خوفهم من بقاء رجل الدين ضمن إطاره الطبيعي بين الناس ،أي ذئبا بشريا بلا أنياب السلطة . فيقول المرحوم البغدادي : " لقد استاء رجل الدين من العلمانية لأنها جعلت من المرجعية الدينية متساوية في قوتها مع المرجعيات الأخرى مثل العرف والتقاليد والمنطق ،بعد أن كان الدين مرجعية متفوقة ، وساءه تراجع مكانته بسبب تفوق العلمانية " وقد رأى هؤلاء اللاهوتيون تراجع دور رجل الدين في أوربا بعد الدمار الذي ألحقوه بالبلاد والعباد ، وتقنين دورهم في المجتمع كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني ، وبهذا فقد رجل الدين المحتكر لفهم النصوص الدينية لدوره الفعال في إحكام قبضته على الناس إلى ما يشبه " بخيال مآته " . ويتساءل البغدادي حول قبول المسلمين للمفاهيم العلمانية عمليا لا فكرا ؟!! لقد أصبحت هذه المفاهيم جزءا من متطلبات الأساسية في المجتمعات الحديثة والذي أخذ المسلمون يجدون فيها الحياة السعيدة ، في ظل دولة القانون وفصل السلطات حقوق الإنسان ، بعد أن كانت جميع السلطات تحت قبضة رجل الدين فهو يبدأ بالإفتاء بدءا من الحيض وانتهاء إلى الاستنساخ والتطور ونشأة الكون .وبهذا يصبح رجل الدين يفهم في كل صغيرة وكبيرة في الحياة المعقدة ويصبح "الفقيه الموسوعي" كما يحب أن يسميه البغدادي . إن تطور المدارس الفكرية الحديثة والمعاصرة ومدى تأثيرها في العقل العربي في عصر التكنولوجيا الحديثة والاتصالات الكونية، أثرت بشكل مباشر في تشكيل عقل الإنسان الحديث وتفكيره النقدي في تحدٍ واضح لسلطة رجل الدين ، وقيام تلك المدارس الفكرية في مجابهة التكتلات الدينية المتطرفة عبر قراءة جديدة للنص الديني ، ومدى تفوق رجالات الإصلاح الديني في إنعاش روح البحث والتصدي لتلك السلطة الكهنوتية وفك الحصار حول فهم الدين أو بتاريخية النص الديني أي بفهم النص بآليات عقلية جديدة . إن العلمانية كمفهوم كوني عالمي يتيح للإنسان حرية البحث والتفكير والنقد ، وبهذا المفهوم أصبحت العلمانية ضرورة حياتية لتحرر الإنسان من نير الفكر الأحادي المتطرف والفهم الضيق والمحدود للحياة ، إلى رحابة وسعة العقل في البحث والتقصي حول أسرار الطبيعة والكون . وحول حرية الإنسان في الاعتقاد والتفكير خارج الصندوق المغلق والمعلب للفكر الديني .ويقول البغدادي : " ولولا مفهوم الدولة القانونية التي أسسها الغرب وفرضها على العالم الثالث لنال مؤيدو المجتمع المدني – العلمانيون - الأذى الكثير " وقد كان المرحوم يستشعر بعجز رجل الدين في اللحاق بركب التطور المتنامي في جميع الحقول الحياتية ، ويحاول بشراسة وبضراوة متناهيين في حصر رجل الدين في موقعه الطبيعي من الحياة ، لعجزه عن إيجاد البديل لرفاهية الإنسان وسعادته ، بل أقحم الناس في العالم الإسلامي في محيط متلاطم من التطرف ومحاربة المفكرين والعلماء بصور مختلفة من الملاحقة والقتل وتشويه صورتهم أمام الآخرين ، لتبدأ دوامة القتل والإرهاب في التنامي في العالم بسبب التخلف الفكري ونمطية التفكير في مواجهة المد العلماني الكوني .
كاتب كويتي [email protected]
#طالب_المولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
د البغدادي : دعوة لاستخدام العقل
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
-
“فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور
...
-
المقاومة الإسلامية تواصل ضرب تجمعات العدو ومستوطناته
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|