|
شَخْصُ باختين في النقد الأدبي الحديث
نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري
(Nayf Saloom)
الحوار المتمدن-العدد: 3100 - 2010 / 8 / 20 - 13:20
المحور:
الادب والفن
"ميخائيل باختين؛ المفكر السوفييتي الأكثر أهمية في حقل العلوم الإنسانية ، وأعظم منظر في حقل الأدب في القرن العشرين" "إن منظراً عبقرياً في حقل الأدب ينبغي أن يأخذ في اعتباره حقولاً أخرى غير حقل الأدب ؛ إن تخصصه هو ألا يكون متخصصاً. لقد وجد باختين نفسه منظراً في حقل النصوص .. مدفوعاً بالحاجة إلى تدعيم نظرياته ، إلى القيام بغزو شامل لحقلي علم النفس وعلم الاجتماع ، وقد قفل عائداً من غزوه وهو محمل بمنظور متكامل وموحد لمجال العلوم الإنسانية بكامله" . لقد اهتم باختين اهتماماً خاصاً بعلوم اللغة ، ففي بداية العشرينات من القرن العشرين راج موقفان متعارضان في [النقد الأدبي]: الأول، هو النقد الأسلوبي الذي التفت فقط إلى التعبير الفردي . والموقف الثاني، تبنته اللغويات البنيوية الناشئة (سوسير) والتي ركّزت على اللغة language ؛ أي الصورة النحوية المجرّدة على حساب حقول بحث أخرى متعلقة باللغة . أما موضوع باختين فيقع بين هذين الموقفين : التلفّظ utterance البشري بوصفه نتاجاً لتفاعل اللغة والكلام (الكلام في سياق التلفّظ الذي ينتسب إلى الشروط الزمانية والمكانية ؛ إلى التاريخ) ولد ميخائيل باختين عام 1895 في أريول ابناً لعائلة ارستقراطية ما لبثت أن أضحت معدمة ، كان والده كاتباً في مصرف . أمضى باختين فترة حياة في ڤلينوس وأوديسّا ، درس فقه اللغة philology في جامعة أوديسّا ثم في جامعة بتروغراد وتخرج عام 1918 . عمل في سلك التعليم الابتدائي في بلدة نيفيل الريفية 1918-1920 وبدءاً من عام 1920 في فيتبسك حيث تزوج هناك عام 1921 . ساهم باختين في تشكيل حلقة من الأصدقاء ضمت فاليريان فلوشينوف وهو شاعر وعالم وموسيقي وليف يوبيامنسكي وهو فيلسوف وباحث أدبي وعازف البيانو م. ب. يودينا والشاعر ب. ن. زرياكين والفيلسوف ماتفي كاجان وقد لعب الأخير دور المحرّض في الحلقة ، حيث كان عائداً للتو من ألمانيا حيث درس الفلسفة ... نظّم كاجان مجموعة أولية غير رسمية أطلق عليها "حلقة البحث الكانطيّة" وشارك أعضاء الحلقة في المناظرات العامة وقدموا محاضرات في الشكليّة formal وتتحدث النشرة المحلية Molot (المطرقة) عن حدوث مناظرة حول موضوع "الله والاشتراكية" وهي مناظرة ملفتة لكونها توفر تبصراً نادراً للبيئة الثقافية في الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت وتعطي مؤشراً على اهتمام باختين بالموضوعات الدينية . بالطبع إن انشغال كاجان بـ كانط دليل على أصول اجتماعية محددة لهذه الحلقة ذات طابع رجعي، بيد أن نتاجاتهم الشكلانية والنقدية وفي العلوم الإنسانية فكانت تقدماً ملفتاً حقاً وفتحاً جديداً في حقول اللسانيات والنقد الأدبي وعلوم اللغة وغيرها . يلفت كاجان الانتباه إلى "دفاع باختين عن الغموض المكبوت الذي يمثله الدين" كما يلاحظ كاجان "ارتياع باختين من الماركسية السوفييتية التي لا تلقي بالاً للأموات " ، بالتالي يشير إلى نقص في الاشتراكية السوفياتية يتمثل بنقص فادح في التعاطي مع التراث الديني ومع البعد الحضاري (الثقافي) أو التراث القومي ونقده.
خطان أسلوبيان للرواية الأوربية يختبر باختين نظرياته في قراءة النصوص وفي التلفّظ والأسلوبية الاجتماعية و في ديالكتيك اللغة والكلام (التلفّظ) في حقل الرواية الأوربية. سوف أعتمد أسلوب الاقتطاف لإنارة هذا النص الصعب "خطان أسلوبيان..". مقتطف- 1 ، يكتب باختين : "الرواية هي التعبير عن الوعي الغاليلي للغة ، الذي برفضه لمطلقية لغة واحدة ووحيدة ، وتخليه عن اعتبارها بمثابة المركز الوحيد اللفظي والدلالي للعالم الأيديولوجي يقر بتعدد اللغات القومية وبالأخص الاجتماعية ، القابلة لأن تصير لغات للحقيقة ، مثلما تصير لغات نسبية ، غيرية محدودة ، أي لغات للفئات الاجتماعية وللمهن وللأشغال الجارية " المُنشد: يا حضرات المواطنين الأشراف .. شاهدوا الاكتشاف العظيم لغاليليو غاليلي: الأرض وهي تدور حول الشمس.. غاليليو أستاذ الرياضيات في بادوا يصمم على شرح النظام الجديد للكون الذي اكتشفه كوبر نيكوس. في نهاية القرن السادس عشر وبداية السابع عشر يقدم غاليليو برهاناً أكيدا لنظريات كوبر نيكوس القائلة بعدم ثبات الأرض وعدم مركزيتها في الكون ، وبأن الأمر الذي نراه من تبدل النهار والليل وحدوث الأيام والفصول والشهور ناجم من حركة الأرض حول الشمس ومن علائقية شاملة بين عناصر الكون من شمس وأرض وقمر ونجوم وكواكب ومذنبات . لم تعد الأرض مركز الكون حسب عبارة الكتاب المقدس ومعها الميْت من أرسطو، لم يعد فهم الكون الطبيعي ولاحقاً الاجتماعي ممكناً من خلال فهم عنصري ممركز ، بل بات فهمه من خلال تفكير علائقي نسبي(من النسبة ، مثلاً 22/7) ومتعدد . هذا الوعي الغاليلي كان تعبيراً عن الصعود التاريخي للبورجوازية الأوربية جارفة معها جميع الطبقات المهمّشة الاجتماعية والقومية. باختين هو المعبر عن هذه الثورة في حقل اللغة والكلام والتلفظ وفي حقل الأيديولوجيا، كما داروين في حقل تطور الأنواع ، و كما ماركس في حقل الفهم المادي للتاريخ البشري وصراع الطبقات وعلم السياسة. مع صعود البورجوازية بدأت تتحرر طبقات اجتماعية جديدة كالفلاحين وفئات اجتماعية مهمشة كأصحاب الحرف والبروليتاريا الرثة ، وكلها بات لديها تعبيرها الأيديولوجي واليومي الذي يعكس مصالحها ودورها الجديد. لم تعد لغة الارستقراطية المتكلّفة ولغة الشعر الأحادية الصوت هي اللغة الوحيدة ، بل بات كل هذا التنوع في تعدده الصوتي والإيديولوجي الجبار حاضراً على مسرح التاريخ وهو ما عكسته الرواية الحديثة في لغتها المتعددة الأصوات. هكذا جاءت البورجوازية بالرواية الحديثة كما جاءت بالعلوم التجريبية الحديثة ، وكما جاءت بوعي الديالكتيك لذاته كمنهج إجمالي في التحليل التاريخي والاجتماعي/السياسي على يدي هيغل. هذا التحرر للقوى الاجتماعية المتعددة لم يقتصر على مجتمع أمة واحدة بل امتد ليشمل أمماً جديدة بدأت تشعر بكيانها القومي. الرواية في افتراضها لا مركزية العالم الأيديولوجي لفظياً ودلالياً تعبر على مستوى التلفُّظ عن هذا التحرر للطبقات والأمم والفئات الاجتماعية بحيث بات الصراع بين الطبقات الاجتماعية يظهر كحوار داخل اللغة القومية الواحدة وكذلك بين اللغات القومية . مقتطف-2 : "يتعلق الأمر ، هنا، بثورة جد هامة وجذرية في مجال مصائر اللفظ البشري ؛ فالنوايا الثقافية، الدلالية والتعبيرية ، قد تحررت من نير لغة وحيدة ، ونتيجة لذلك لم تعد اللغة تدرك كأنها أسطورة أو كأنها تشكّل مطلق للفكر." ظهور قوى اجتماعية جديدة فرض نفسه على المسرح الاجتماعي والسياسي الأوربي ما زعزع احتكار الكنيسة للنص الذي يدّعي احتكار الحقيقة الإلهية المطلقة. كان عمل غاليليو في الأساس تشكيكاً بهذه الإطلاقية للنص الديني ، حيث بين بالبراهين الدامغة خطأ بعض عبارات هذا النص التي تقول بثبات الأرض ومركزيتها الكونية و"عنصريتها". لم تعد الحقيقة الكونية (الكوزمية) ولا الحقيقة الاجتماعية معبر عنها بنص ديني مقدس مطلق في تعبيره ودلالته، بل بات للنص الديني منافسون في الفلسفة وفي الفكر العلمي التجريبي الحديث، وفي كلام القوى الاجتماعية الجديدة وأيديولوجياتها. لقد دمرت البورجوازية الصاعدة في أوربا كل هذه القدسية للغة ودمرت معها القدسي في تماهيه مع سلطة الإقطاع الأوربي وهيمنة الكنيسة الكاثوليكية كمثقف جمعي وعضوي لهذا الإقطاع. بات هذا التعدد اللساني في اللغة الواحدة جوهري ، بات التلفظ الجديد حدثا جوهريا مع الصعود التاريخي للبورجوازية كطبقة ذات آفاق كونية جارفة معها الأمم الأخرى في الخارج تارة ومشكلة لها تارة ومخضعة لها تارة ثالثة ، وجارة طبقات اجتماعية كانت خاملة حتى حينه ومعكرة ركود مجتمعات بكاملها. هكذا جرى "تحويل جذريّ لطريقة الإحساس بالكلام على المستوى الأدبي واللساني العام..." وجرى "التكيف مع الكلام بوصفه ظاهرة موضّعة ، مميزة لكل أمة ، لكنها قَصْدّية في الوقت نفسه" وهذا ما يعبر عنه بـ ديالكتيك اللغة الموضّعة والكلام اليومي القصدي ذو العلاقة يالسياقات والتاريخ (سياق التلفظ). لقد ظهرت علاقة الكلام باللغة (الخاصة بأمة بعينها) على أنها علاقة بلغة أجنبية . في الحياة اليومية علينا في التعليم الحديث للغة العربية تعلمها كلغة أجنبية بالتالي لا نأخذها من الشارع مباشرة؛ أي من الكلام اليومي. وهذا يختلف إلى حد ما عن تعليم الكتاب أو قراءة القرآن وتحفيظه بشكل مطلق للأطفال منذ الصغر ، تعليم ألفاظ غير قابلة لأي تعديل مهما كان طفيفاً. إنه الإحساس بما هو غيري / الغيرية في وجهات النظر ، في الأفعال والإشارات ومختلف القول والتعبير .. والرؤيا للعالم التي هي جزء لا يتجزأ من اللغة التي تعبر عنها." يقول باختين: "إن التقاطع الهام للغات متعددة داخل وعي معين، مساهمٌ بكيفية ما مع تلك اللغات المتعددة" ؛ التقاطع مساهم في التعددية. لقد ظهر للوعي أن الفرد ليس أكثر من تقاطع لغات أو ملتقى أنهار متعددة تصب فيه من المجتمع المصطخب بطبقاته وفئاته وأممه.. لقد خرج الخدم يطالبون بحقهم في وجدان وتلفّظ ولغة سيدهم. لقد أزال المجتمع الفرد وظهر على صورته ، وهذا ما برهنت عليه الرواية الحديثة. مقتطف - 3 "إن تفكيك مركزية العالم الأيديولوجي لفظاً والذي يجد تعبيره في الرواية الحديثة ، يفترض وجود فئة اجتماعية شديدة التباين ولها علاقة توتر وتبادل حي مع فئات اجتماعية أخرى . فإذا كان هناك مجتمع مغلق على نفسه ، أو طائفة caste ، أو طبقة لها نواتها الداخلية ، الوحيدة والصلبة ، فإن عليها أن تتفتت ، أن تتخلى عن توازنها الداخلي ، وعن اكتفائها بذاتها ، لتصبح مجالاً منتجاً اجتماعياً لصالح نمو الرواية" وهذا بالضبط ما فعلته البورجوازية في أوربا ولم تستطع انجازه بورجوازيات الأطراف الرأسمالية الهامشية الرثة." . أما فعل البورجوازية في أوربا القرن التاسع عشر ، فأفضل ما عبر عنه قول ماركس في البيان الشيوعي: "لعبت البورجوازية في التاريخ دوراً ثورياً تماماً ، فحيثما استولت على السلطة حطمت جميع العلاقات الإقطاعية، الأبوية، العاطفية ، ومزقت دون رحمة جميع العلاقات المعقدة المتنوعة التي كانت تشد الإنسان الإقطاعي إلى من هم طبيعياً أعلى منه مقاماً، لكي لا تبقي على أية علاقة أخرى بين الإنسان والإنسان سوى علاقة المصلحة الصرفة والإلزام القاسي بالدفع فوراً . لقد أغرقت أقدس انفعالات الوجد الديني ، والحمية الفروسية ورقة البورجوازية الصغيرة الوضيعة في صقيع الحساب الأناني ، وحولت الكرامة الشخصية إلى مجرد قيمة تبادل ، وأحلت حرية التجارة الوحيدة والغاشمة محل الحريات العديدة المعترف بها كتابة والتي انتزعت بأغلى التضحيات ، وباختصار ، فقد استبدلت بالاستغلال الذي كانت تموهه الأوهام الدينية والسياسية استغلالاً صريحاً وقحاً ، مباشراً ووحشياً . لقد جردت البورجوازية من هالتها جميع ألوان النشاط التي كانت حتى ذلك الحين مجللة بالوقار ..لقد مزقت البورجوازية الحجاب العاطفي والتأثير الذي كان يغطي العلاقات العائلية واختزلتها إلى مجرد علاقات مالية.. لا تستطيع البورجوازية أن توجد دون أن تثور باستمرار أدوات الإنتاج ، إذن علاقات الإنتاج ؛ أي مجموع العلاقات الاجتماعية " . لقد حطمت من قبل علاقات الإنتاج الإقطاعية ، وها هي نتيجة التثوير المستمر لأدوات الإنتاج وقوى الإنتاج فإنها تهدد علاقات الإنتاج التي تخصها بالذات ؛ علاقات الإنتاج الرأسمالية . .. تكتسح البورجوازية، مدفوعة بحاجتها إلى أسواق أبداً جديدة ، الأرض بأسرها ، فلا بد لها من أن تعشش في كل مكان ، وان تستغل في كل مكان ، وان تقيم العلاقات في كل مكان. أعطت البورجوازية ، باستغلالها للسوق العالمية ، طابعاً عالمياً لإنتاج جميع البلدان واستهلاكها . ورغم أسى الرجعيين العميق انتزعت البورجوازية من الصناعة قاعدتها القومية . فالصناعات القومية القديمة دمرت، ويلحق بها يومياً مزيد من الدمار . وحلت محلها صناعات جديدة أصبح تبنيها من جميع الأمم المتحضرة ، مسألة حياة أو موت ؛ ولم تعد هذه الصناعات تستخدم المواد الأولية المحلية ، بل مواد أولية آتية من أكثر البلاد بعداً، وتستهلك منتوجاتها لا داخل البلد وحسب بل في جميع أنحاء العالم. وعلى أنقاض الحاجات القديمة التي كانت تلبيها المنتوجات الوطنية ، تلد حاجات جديدة يتطلب إشباعها استيراد منتوجات البلدان والأقاليم النائية ، وعلى أنقاض الانعزال القطري والقومي القديم ، القائم على الاكتفاء الذاتي ، تنمو تجارة عالمية وتبعية متبادلة بين جميع الأمم . وما هو صحيح بصدد الإنتاج المادي لا يقل صحة بخصوص الإنتاج الفكري . فالآثار الفكرية لأمة ما تصبح ملكاً مشتركاً لجميع الأمم . ويغدو قصر النظر والتقوقع القوميان مستحيلين أكثر فأكثر . ويلد ، من مجموع الآداب القومية والقطرية أدب عالمي. " مقتطف- 4 "إن التعدد اللغوي الخارجي سيثبت ويعمق التعدد اللغوي الداخلي للغة الأدبية نفسها ، وسيضعف من سلطة الأساطير والتقاليد التي ما تزال تشل الوعي اللساني ، وسيفكك نسق الأسطورة القومية الملتحمة عضوياً باللغة ؛ ومجمل القول ، فإنه سيحطم كلية الإحساس الأسطوري والسحري للكلام ... إن المساهمة القوية في ثقافات ولغات الآخرين ستقود حتماً إلى فصل النوايا والفكر والتعبيرات عن اللغة " ينتج عن قول كهذا أمران: أن علاقة المعنى بالصوت علاقة موضّعة ، اتفاقية ، اصطلاحية بالمعنى الاجتماعي والقومي والأقوامي ، فيها الكثير من الاعتباط) . المعنى ليس منحلاً في الصوت بل محملاً عليه كما يركب الروح على النفس والريح على السحاب. اللغة اتفاق وتواضع يعاد إنتاجه بشكل موسّع في كل لحظة عبر ديالكتيك الكلام الحادث / اللغة. والثاني: عدم إمكانية فصل النوايا والفكر والتعبير عن اللغة في النصوص الأسطورية المحكمة كالنص القرآني. يقول باختين موضحاً: "إننا نتحدث عن "الفصل" بمعنى حذف ذلك اللحام المطلق القائم بين المعنى الأيديولوجي واللغة ، الذي يحدد الفكر الأسطوري والسحري.. ولا جدال أن اللحام المطلق بين الكلمة والمعنى (الصوت والمعنى ) الأيديولوجي الملموس ، هو إحدى الخصائص المكونة والجوهرية للأسطورة ، وهي خاصية تحدد من جهة تطور الشخصيات الأسطورية ، ومن جهة ثانية تحدد إدراكها نوعياً للأشكال اللغوية وللدلالات والملاءمات الأسلوبية...الفكر الأسطوري يخدم لغته التي تلد هي نفسها حقيقتها الأسطورية ، وتقدم علائقها الخاصة وتعالقاتها اللسانية على أنها علائق وتعالقات عناصر الواقع" هنا المقولات اللغوية ملتحمة بالعلائق المشيّأة ؛ بالواقع الملموس. إن اللغة التي كانت قديماً تجسيداً لا يجادل ، ووحيداً للمعنى وللحقيقة ، قد صارت أحد افتراضات المعنى الممكنة ".. لن يتم هذا التفكيك اللفظي والأيديولوجي للمركزية إلا عندما تكون الثقافة القومية قد فقدت طابعها المغلق المستقل وأصبح لها وعي بذاتها بين الثقافات واللغات الأخرى " مع هذا التفكيك يغدو إدراك العالم ذو طابع إنساني أو نزعة إنسانية . إنه لا مناص من أن تتفكك وتختفي السلطة الدينية والسياسية والأيديولوجية بالترافق مع نزع جذور الشعور الأسطوري من لغة مبنية على انصهارها المطلق بالمعنى الأيديولوجي" مقتطف أخير: "هكذا ظهرت بذور النثر الروائي في عالم متعدد اللغة والأصوات ، خلال الفترة الهيلينية باليونان وفي روما الإمبراطورية ، وفي أثناء تفكك المركزية الأيديولوجية لكنيسة القرون الوسطى وسقوطها . كذلك الشأن بالنسبة للأزمنة الحديثة، فازدهار الرواية مرتبط ، دوماً، بتحلل الأنساق اللفظية والأيديولوجية المستقرة ، وفي المقابل بتعزيز التعدد اللغوي والسعي إليه عن قصد سواء في داخل حدود اللهجة الأدبية نفسها أو خارجها " ويضيف باختين: "إن خطاب الرواية الباروكية هو خطاب مثير للانفعال. وفيه نشأ (وأدرك نموه اللامحدود) الباتُوس الروائي ، المختلف كثيراً عن الباتُوس الشعري. لقد أصبحت الرواية الباروكية مستنبتاً لباثوس مؤثر نوعي ، في كل موضع وصله تأثيرها.."
ملحق حول الباتوس: يقول أفلاطون: "الدهشة هي "الباثوس" (الحال) الذي يميز الفيلسوف حقاً ، وليس للفلسفة من مبدأ إلا الدهشة من حيث هي باثوس (حال) ؛ هي الأرخية (المبدأ) للفلسفة". المبدأ هو العين أو النبع (الدهشة نبع أو عين)، والنبع لا يطرح جانباً مع جريان الماء في المجرى؛ لا يزول مع هذا الجريان ، بل ما يزال بحيث يهيمن على مجرى النهر (الجريان ) ويسود . الدهشة فعل سائد كالنبع بالنسبة للنهر ؛ نهر الفلسفة وسيرها الطويل. يقول هايدغر: "الدهشة هي أرخيّة (مبدأ) ، إنها تسري في كل خطوة من خطوات الفلسفة. الدهشة "باثوس" (حال) . ونحن [يقصد الأوربيين] نترجم عادة "باثوس" بـ حال ، أي فورة من فورات العاطفة ، لكن كلمة "باثوس" مرتبطة بالفعل اليوناني "باسخين" [ومعناه]: يعاني ويكابد ويخبر ويتناغم مع. ".. ونحن نخاطر - كما هو الحال دائماً في مثل هذه الحالات – لو ترجمنا كلمة "باثوس" بكلمة نغم. هايدغر قلق من إمكانية عدم حصول الدهشة على مبتغاها ؛ قلق من ألا يصل النهر إلى البحر ؛ بحيث لا تعرف ماهية الموجود. يقول ابن عربي: "الحال هو الديمومة ؛ .. عين وجود الموجود" "الدهشة هي التحدد الذي فيه ومن أجله ينكشف وجود الموجود . الدهشة هي التناغم الذي من خلاله قيض للفلاسفة اليونانيين التجاوب مع وجود الموجود" ولكن ، ما هو "الحال" عند العرب. يقول سيبويه في "الكتاب" : "هذا باب ما ينتصب من المصادر لأنه حال وقع فيه الأَمْرُ فانتصب لأنه موقوع فيه الأمر، وذلك قولك: قتلته صبراً " ؛ يقول سيبويه: "وليس كل مصدر وإن كان في القياس مثل ما مضى من هذا الباب يوضع هذا الموضع ؛ لأن المصدر ههنا في موضع فاعِل إذا كان حالاً " إذاً المصدر يكون في موضع فاعل إذا كان حالاً أو "باثوس". وجاء في القاموس المحيط أن "الحَوْلُ: السَّنة ... وأحال: أَسْلَمَ ، والشيء تحوَّل..وجمع الحول: حوليات .. والمستحالة والمستحيلة من القِسيّ: المُعْوَجَّة .. وكل ما تحول أو تغير من الاستواء إلى العوج ، فقد حال واستحال "
- تزفيتان تودوروف: "المبدأ الحواري" دراسة في فكر ميخائيل باختين ترجمة فخري صالح ، دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد الطبعة الأولى 1992 - المبدأ الحواري – مرجع مذكور - اللغة هي الصورة المجردة للكلام المتراكم عبر التاريخ لدى أمة من الأمم والمجسدة بكتب المعاني والنحو والصرف ، الخ.. والعلاقة الاعتباطية بين الصوت والمعنى والتواضع على الأسماء تفترض وضع قواعد لهذا التواضع حتى يمكن توريثه للجيل اللاحق لأمة من الأمم . فرديناند دي سوسير عالم لسانيات حديث في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، اعتمد المنهج البنيوي في دراسة اللسان واللغة - العودة إلى كانط وعلاقة ذلك بالأيديولوجيات المضادة للثورة في روسيا نهاية الحرب العالمية الأولى. هذه العود تحمل طابعاً رجعياً بالمعنى التاريخي ، لأنها نكوس عن عمل هيغل وعمل ماركس/ لينين . - نشير هنا إلى أن هنري دو بلزاك 1799-1850 كان ارستقراطياً رومانسياً في مذهبه الاجتماعي ومع هذا كان مؤسس الرواية الواقعية؛ حيث يعتبر أحد أركان المدرسة الواقعية . وكذلك ت. س. إليوت 1888-1965 الشاعر والناقد الإنكليزي الذي يعتبر رجعياً في مذهبه الاجتماعي ومجدداً في الشكل الشعري ؛ حيث يعتبر ابرز ممثلي الشعر الحر. - حجب الأسرار الوجودية عن العامة وقصرها على الخاصة من "العلماء" - ميخائيل باختين: خطان اسلوبيان للرواية الأوربية ، ترجمة محمد برادة ، الكرمل العدد 19-20 / 1986 - ماركس ، انجلز: "البيان الشيوعي " ترجمة وتقديم وتعليق العفيف الأخضر ، الطبعة الأولى أيلول 1975 ، دار ابن رشد بيروت - pathos: الحال (في العربية حال منصوب وعلامة نصبه الفتحة): العاطف للقلب، المثير للشفقة - في الإنكليزية: pathos: كلمة إغريقية تعني العاطف للقلب؛ العنصر المثير للشفقة في الحياة أو في التصوير الأدبي أو الفني ، شفقة، رثاء" ص 664 المورد 2006 و patho باللاتينية تعني condition وتلفظ كلمة patho بمقطعين pah-tho وتعني كلمة condition: شرط ، حالة ، منزلة ؛ وضع اجتماعي ، يقرر ، يحدد ، يتحكم . وفي قاموس oxford الطبعة السادسة وردت كلمة pathos: (في الكتابة أو الكلام أو الأعمال المسرحية والموسيقية ) هو قوة الأداء ، أو الوصف، الخ.. التي تولد مشاعر الحزن (الأسى) أو مشاعر الأسف . والسابقة patho مرتبطة بالمرض . - ما يزال الموجود عينه في النفس بعد زواله بالفعل؛ هو ما يعنيه ابن عربي بالديمومةأو الحال . راجع الفتوحات المكية السفر الأول - مارتن هايدغر: "ما الفلسفة؟، ما الميتافيزيقا؟ هيلدرلين وماهية الشعر" ترجمة فؤاد كامل، محمود رجب ، راجعها على الأصل الألماني وقدم لها عبد الرحمن بدوي. دار الثقافة للطباعة والنشر ، القاهرة 1974 الطبعة الثانية ص 70 - الكتاب ، ص 370 - الحال : موقع الأمر في النفس أو "مُوقع فيه الأمر" ؛ وإذا وقع الأمر في النفس كأنها نتأت في هذا الموقع كوقوع حجرة في بركة وما ينتأ من الماء والرذاذ . قارن فكرة الناتئ والمنتشر عند رولان بارت . ومثال سيبويه أن الروح يقتل النفس ويظهر وكلما قتلها أكثر ظهر أكثر وانتصب حالاً.
#نايف_سلوم (هاشتاغ)
Nayf_Saloom#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تلخيص كتاب بليخانوف -أبحاث في تاريخ المادية-
-
مطارحات عن الحزب الاشتراكي الماركسي
-
خلاصة كتاب لينين:-الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية -
-
لينين؛ أهمية فكره وحيوته في السجال الراهن
-
ورقة مقدمة إلى اجتماع القاهرة للماركسيين العرب
-
حواشي بيان الحزب الشيوعي
-
من له عين لترى وأذن لتسمع!
-
العرّاب الرأسمالي المحدث أو محامي الشيطان
-
ما بعد الحداثة؛ انحطاط الروح البورجوازية
-
أبعاد التحرك الدبلوماسي الروسي الأخير في منطقة الشرق الأوسط
-
نقد المنهج الاعتباطي عند د. التيزيني في كتابه -بيان في النهض
...
-
الارتدادات الإقليمية والأممية للحرب الإسرائيلية الأخيرة على
...
-
النجاحات العسكرية للمقاومة الإسلامية في لبنان وتداعياتها الأ
...
-
الوطنية في سوريا والسياسة الثقافويّة/الإعلانيّة
-
الشرط التاريخي للمقاومة العربية في لبنان
-
فزيولوجيا النمل في القرآن
-
مدخل إلى فكر هيغل
-
لينين: أهمية فكره اليوم
-
كراسات السجن-تمهيد على شكل إضافة
-
ما الحاجة لإطلاق حوار جديد؟
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|