|
من تاريخية الأنقلابية في العراق الحديث
عقيل الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 939 - 2004 / 8 / 28 - 12:07
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في جذور الظاهرة النقلابية تراكمت وتفاعلت فيما بينها بصورة جدلية ، العديد من العوامل السببية : التاريخية، الطبيعية الاجتماعية والحضارية، بل وحتى السيكولوجية عبر أزمنة طويلة من الاندماج المتبادل ، لتتبلور بعض من نتائجها في البروز المترافق للعنف والعنف المضاد، ليس باعتبارها قدراً حتمياً، قدر كونهما يمثلان حالة اجتماعية تبرز في منعطفات التغييرات الأجتصادية السياسية الجذرية، وتنمو في حالات التصادم والتناقض الاجتماعيين مما ينتج عنها وضعية اللااستقرار بالمفهوم الواسع ، تنضّج وتبلور سلوكية اجتماعية ـ نفسية، بل حتى ثقافة ذات نزعة عنيفة ـ انقلابية. أي إنها بمعنى أخر، نتاجاً للظروف المادية المحسوسة وليست نتاجاً للقدرية الغيبية أو نتاجاً طبيعياً وراثياً. وإذا كانت هذه الخصائص العمومية تساهم بصورة مكثفة، في بلورة الوعي الاجتماعي العام في تجلياته الأرأسية كالوعي : السياسي ، الحقوقي، الجمالي، الديني والفلسفي والعلمي، فهنالك أيضاً الخصائص الذاتية لكل شعب من الشعوب، التي تساهم بدورها في التأثير على الوعي الاجتماعي ومكوناته في تجلياتها العامة ، وفي حركية صيرورتها المتوائمة مع التغييرات الجذرية في حياة الشعب، طالما ( لفهم حالة الفكر ـ الدماغ ـ في كل عصر فحسب، ومن أجل تفسير أسباب سيادة هذه التعاليم وليس غيرها في عصر ما، ، يجب على المرء أن يتعرف على حالة الأدمغة في العصر السابق وأن يعرف التعاليم والاتجاهات التي سادت آنذاك، بغير ذلك لن نفهم الحالة الفكرية لعصر ما، حتى لو تعرفنا على خير وجه على اقتصاده) أي من الضروري مراعاة القوانين العامة للتأثير المتبادل بين الوجود والوعي الاجتماعي، مع الأخذ بعين الاعتبار الاستقلالية النسبية للأخير وتجلياتهما ، واستمرارية ارتقائهما باعتبارهما نتاجاً لجملة الظروف المؤثرة في صيرورة نشوءهما وصيرورة تطورهما فإلى جانب الوسط الاجتماعي بإنتاجه المادي والفكري الخاص به، والمتطابق مع بنيته الاجتماعية، يؤثر فيه أيضاً الوسطين الطبيعي والتاريخي، مما يؤدي كل ذلك إلى تفسير معتقدات وأوضاع وعي الناس والكتلة الواسعة للشعب. خاصةً إذا علمنا بأن ( فوق الأشكال المختلفة، وفوق شروط الوجود الاجتماعي، تنتصب بنيّة فوقية كاملة من المشاعر والأوهام وطرز التفكير والتطلعات الحياتية المختلفة. إن الطبقة بأسرها تخلق وتصوغ هذه المشاعر والأوهام وطرز التفكير والتطلعات الحياتية من أساسها المادي والعلاقات الاجتماعية المطابقة لها). لذا يحتم التناول التاريخي/ العيان، دراسة المسائل الخاصة والعامة بالظاهرة المبحوثة عين الوقت، بغية تفسير أسباب استمرارية مخلفات الماضي في وعي البشر واكتشاف طرق التغلب عليها.. وفي الظرف الراهن غدا من الضرورة بمكان معرفة الظاهرة الانقلابية ومسبباتها ودور الماضي (القديم) في التأثير على الحاضر الجديد في العراق الحديث، انطلاقاً من مضمون المقولة الشائعة (إن الأموات لازالوا يمسكون بالأحياء)، سواء أكانوا هؤلاء الأموات بشراً أو منظومة قيم، أفكاراً و معتقدات تكون جزءً من بنية البناء الفوقي . سنحاول دراسة الظاهرة الانقلابية ضمن الرؤيا التاريخية العينية الملموسة لنشوؤها وارتقاءها ونضعها في مكانها التاريخي ومعرفة ماهية دورها الفعلي وتأثيراتها عبر حركة التكوين في المراحل السابقة، إذ آلت جملة الظروف الموضوعية والذاتية ببعديهما السيسولوجي والتاريخي، منذ مطلع العشرينات، وما نجم عن الإدارة السياسية للدولة العراقية الحديثة وكيفية حلها للتناقضات الاجتماعية، المنطلقة من التصورات الفكرية/ الاجتماعية لمثلث الحكم آنذاك(بريطانيا(سلطة الانتداب) العرش، الوزارة). آلت كل هذه الظروف الى شيوع ثقافة انقلابية، فكراً وممارسةً، تعمقت أبعادها عملياً في سياقات بناء الدولة العراقية، من خلال فرض مركزيتها ومسارات قراراتها عبر العنف المادي واللامادي، وعززت أسسها جملة الظروف والشروط الاجتماعية للوجود المادي التي سادت آنذاك وما قبلها، التي يمكن أجمالها بـ: 1.طبيعة الواقع المادي ومنظومة قيم الموروث السيسولوجي/ الديني ببعدها التاريخي للمجتمع العراقي، وطبقية التركيبة الاجتماعية السائدة، غير المتبلورة، وما تحمل في جوانبها من تعددية أثنيه/ دينية/ مذهبية والتي آلت، بعد انهيار، الدولة العباسية، إلى سيادة العلاقات العشائرية / الأبوية ذات الاستغلال المشترك لوسيلة الإنتاج الرئيسية حين ذلك (الأرض)، في أغلب مناطق العراق الحالي، مما أثرت وانعكست في مجمل بناءه الفوقي من علاقات ومؤسسات، بالإضافة إلى إنها أنشأت ثقافة / روحية ووحدات اجتصادية، ذات نفوذ سياسي، محدد بجغرافية تواجدها، ولها هويتها المتميزة نسبياً… هذا الوضع الأجتصادي بالإضافة إلى قوى الاحتلال (على تعدد مسمياتها) أدى إلى انهيار المؤسسات الاجتماعية السابقة الأكثر تطوراً، مما ساعد على التدفق المستمر للمؤثرات الاجتماعية للبداوة ومنظومة قيمها. كل هذه الظروف أفرزت قيماً وعلاقات اجتماعية كانت تنظر للقوة كأداة رئيسية، أما كل إشكاليات الحياة وديمومة البقاء فيها سواءً للذات الفردية أو/ والاجتماعية؛ وأما للتعبير عن المظالم ورد عنف السلطة، بمختلف مكوناتها. كما تعززت هذه القيم العنيفة، بالتناظر المنطلق من النظم الدينية وموروثها الفلسفي/الإيماني، الذي ينطلق من تبجيله للقوة ودورها باعتبارها وسيلة تحقيق وبلوغ المرامي الدنيوية، ويجسد هذه الأبعاد نظرة التقديس والتبجيل إلى الجهاد/ المجاهد.(3) هذا المنطلق الأساسي أثر في عمق التكوينات النفسية لأفراد المجتمع الإسلامي ، خاصة إذا علمنا إن الإسلام السياسي لا يفصل بين المدنية والعسكرية بعضها عن بعضها الآخر. هذه الظروف، المادية واللامادية، فسحت مجالاً واسعاً لانتشار
مضامين مفهوم الفكرة الانقلابية وصنوها القوة دورهما، واللتان عززتهما أيضاً. 2ـ طبيعة قوى الاحتلال، على تعدد مسمياتها على مسارات تاريخية وادي الرافدين، وخاصة تلك، التي غزت المجتمع العراقي منذ بداية القرن الثالث عشر، وما رافقها من حروب محلية ومن استبداد ذات طابع شمولي متكرر، أدى، ضمن ما أدى، إلى التدمير الشامل للقوى المنتجة وانحلال المؤسسات الاجتصادية وتحطيم مقومات التحضر والارتقاء، كما أدى إلى الانكفاء نحو ذاتويه رابطة الدم وبالتالي العود القهقري إلى المجتمعات العشائرية المتشظية، بعد ما زادها عمقاً توقف الزمن الحضاري وازدياد العنف والعنف المضاد بين القوى الاجتماعية والسلطات الغازية، وخاصة الاحتلال العثماني ذو الطبيعة الاستبدادية الشاملة، وما نجم عنها من تعزيز فكرة وثقافة الانقلاب/ القوة التي تصاعدت وتائرها من خلال الممارسات العملية لإدارة الحكم وما تتسم به من صفات الخشونة والقسوة؛ ومن خلال جملة النزعات التي كانت قائمة بين الإدارة المركزية في أسطنبول وولاتها في بغداد، إذ غالباً ما كان يتم تبديل الولاة بالقوة والعنف، وبالخديعة والحصار. كما لعب الصراع التركي/ الإيراني وحروبهما المستمرة للسيطرة على خيرات العراق، وما نجم عنهما من تفشي للفوضى والفساد والاستخدام التعسفي والثأري للقوة المادية التي مارستها قوى الاحتلال، مهما كان نوعها، وشكلها وما نجم عنها من ردود فعل سيكولوجي/ اجتماعي .انعكست في المفاهيم الثقافية وتركيبة قيم ممارسة الإنتاج الاجتماعي وما آل إليه من تدهور. كل ما ذكر أعلاه، كنتائج ومسببات وغيرها، عززت مكانة مبدأ استخدام القوة كوسيلة سهلة لإدارة الاجتصادية/ السياسية وبالتالي ترسيخ مفاهيم الانقلابية/ الفوقية، ومما ساعد على غرسه هو واقع التشظي للمجتمع العراقي وانعزالية مكوناته الاجتماعية لغاية عشرينات القرن الحالي. 3ـ لعب الاحتلال البريطاني دوراً في تثبيت هذه الأفكار الانقلابية وذلك من خلال دعمهما الكبير للضباط العراقيين في الجيش العثماني وتسليمهم مقدرات الدولة الوليدة؛ وكذلك ما رافق احتلالها ثم (انتدابها!) من قمع ووحشية، مقترنة بروح الغطرسة والنظرات الاستعلائية، للانتفاضات الاجتماعية/ السياسية منذ انتفاضة النجف الأولى 1918 ، مروراً بثورة العشرين وجملة الانتفاضات التي سادت عراق العشرينات، والتي بلغت لغاية1932 في حدود 130 حالة، أُخمدت بواسطة طيران جيش الاحتلال والجيش العراقي وقوات الليفي.. كما ساهمت عملية انتقاء وتكوين القاعدة الاجتماعية للحكم الجديد من قبل قوى الاحتلال ومن ثم فرضها بالقوة المعنوية والمادية، وتركيزها على الضباط المتعاونين معها والذين استولوا على أهم مفاصل السلطة المركزية، ساهمت هذه العملية في ترسيخ وشيوع مفاهيم الانقلابية الفوقية وتعميقها،لكون هؤلاء الأخيرين [أخصائيون محترفون للعنف]. 4- اعتماد السلطة، سواءً العرش أو/ و الوزارة- ضلعي مثلث الحكم، والعناصر الأرأسية لقاعدة الحكم، على استخدام العنف والقوة (المادية والمعنوية) باعتبارها الحل الأمثل لكل معضلات الحياة العملية التي كانت تنتصب أمامهم، متخذين من الاتاتوركية التركية نموذجا أعلى يحتذي به، ومن الانقلابية العسكرية الإيرانية مثالاً لكيفية سيطرتهم على منافذ القرار المركزي. لقد لعب الضباط العراقيون، الذين سيطروا على مفاصل السلطة، دوراً أرأسيا في ترسيخ هذه المفاهيم منذ استيلائهم على السلطة السياسية عند تكوين الدولة الحديثة في العشرينات، ومركزوها في أيديهم في الثلاثينيات، باعتبارهم نواة النخبة السياسية، منذ خروجهم المباشر من ثكناتهم، لأجل قمع الانتفاضات العشائرية في البدء، ومن ثم الاستحواذ المباشر على السلطة وسيطرتهم التامة عليها وكان انقلاب بكر صدقي الترجمة العملية لها؛ وغير المباشر من خلال تحكمهم وسيطرتهم على السلطة التنفيذية، بل وحتى التشريعية، حيث بات مكوث الوزارة في الحكم مرهوناً بموافقة المؤسسة العسكرية ورضاها.. إذ عمل هؤلاء الضباط – والشريفيون خاصةً، على عسكرة الحياة الاجتماعية والسياسية وحتى الثقافية منها. كما لعبت نخبة الحكم السياسية، سواءً كانوا من ذوي الأصول العسكرية أم المدنية، دورها في تعميق هذه الحالة، من خلال عدم ممارستها الفعل الديمقراطي وعدم مراكمتها للخبرة المشتقة من هذا الفعل، وعدم تطويرها للآلية البرلمانية، مما أغلق منافذ التغيير السلمي للسلطة وعدم تداول الحكم عبر الآلية البرلمانية… كما أن الحجم الكمي الصغير لهذه النخبة وطبيعتها الضيقة اجتماعياً واثنياً وطبقياً، جعلها تعتمد في بقاءها في السلطة، على قوى العنف المنظم (المؤسسة العسكرية والأمنية) لأنها أقلية، مما أدى إلى توفير تربة خصبة للثقافة الانقلابية، خاصةً أنها النخبة اعتمدت وسائل غير ديمقراطية في صراعها السياسي سواءً بين كتلتها أو ومع القوى الاجتماعية الأخرى. 5- لعبت السياسة التربوية التعليمية، التي خطتها حكومات المرحلة الملكية، وعلى الأخص منذ الثلاثينات، دورها في هذا المجال، إذ استهدفت عسكرة الحياة الثقافية التعليمية العامة من خلال برامج ومناهج التعليم الرسمي العام الخالية من المضامين الاجتماعية، والبعيدة عن واقع العراق وامتداده العربي الإسلامي وما غرسته من أفكار طائفية وقومانية تهدد تعزيز الهوية الوطنية وما حبذته من تبجيل للقوة بدلاً من الحوار، والعاطفة دون العقل… هذا الواقع تزامن مع صعود دور المؤسسة العسكرية من جهة، ومن جهة ثانية ما كان يمارسه مثقفين الخط القومي العروبي من تهيئة الأجواء الثقافية المشبعة بروح القتال والأفكار البسماركية، وما فرض (نظام الفتوة) الذي طبق في كافة مراحل الدراسة الثانوية وأعداد المعلمين والمدارس المهنية، إلا دليلاً على ذلك، إذ أقر هذا النظام واجب التدريب العسكري مع المواد الدراسية، كما ألزم الانتماء لهذه المنظمة… حتى بلغ الأمر أن يصبح رئيس أركان الجيش مديراً للمعارف في الوقت نفسه… بالإضافة لذلك أسس التيار القومي/ العروبي، (جمعية الجوال) الداعية إلى تقوية القدرات العسكرية وحث الشبيبة للانتماء إلى الجيش… وكان نادي المثنى بمثابة الموجه الأيديولوجي لهذه النزعة، التي كانت تدعو إلى صهر الأثنيات المتعددة في بوتقة الوطن الواحد وتكوين الهوية الوطنية من خلال الاعتماد على العنف (المادي واللامادي)، بغية الانطلاق نحو الأمة العربية. تجلت هذه الأفكار في دعوة سامي شوكت إلى تأسيس حزب باسم البعث القومي، وكان قد دعا إلى عسكرة التربية للوحدة العربية على أساس القوة، هذه الآراء انعكست في مناهج الدراسة التي ركزت، أيضاً، على دور القائد دون الأمة، عن المثل الأعلى (السوبرمان) دون الواقع المعاش، على تبجيل القديم دون الاعتناء بالحاضر ومتغيراته… الخ وهكذا شهد عقدا العشرينات والثلاثينات الكم الوافر من ممارسات العنف المادي واللامادي وخاصةً ذلك الذي طبق بالريف المتسم بالوحشية البالغة التي أثارت حفيظة العديد من أعضاء نخبة الحكم، وكانت إحدى غاياتها هو اخضاع العشائر المتشظيه، إلى سلطة القرار المركزي وأبعادها من التأثير عليه وجعلها إحدى مكونات القاعدة الاجتماعية للحكم، من خلال تغيير واقع الملكية الزراعية. لقد تمت هذه الصيرورة بواسطة ومباركة قوى العنف المنظم (المؤسسة العسكرية والأمنية)… مما أدى لاحقاً إلى أن يصبح الضباط الشريفيون مركز ثقل نخب الحكم ونواتها الأساسية. لقد تجلى ذلك من خلال سيطرتهم على المناصب الأرأسية في الدولة سواءً رئاسة الوزارة أو وزارات القوة (الدفاع، الداخلية، المالية، الخارجية)، كذلك رئاسة مجلس الأمة (الأعيان والنواب). ومما ساعد على بلورة الثقافة الانقلابية/ العنفية، هي كون مثلث الحكم أنطلق، منذ تكوين الدولة الحديثة، من فكرة رئيسية، شكلها منطقي/ تبريري، ومضمونها يعبد الطريق نحو الاستبداد وثقافة الانقلاب والقوة، ماهيتها أن المجتمع العراقي يتكون من مكونات اجتماعية و مذهبية، أثنيا متعددة، ذات مستويات تطويرية متباينة، لذا توجب ضرورات (الحكم). تعزيز سلطة التنفيذ على حساب سلطة التشريع، أي الإخلال دستورياً بمبدأ الفصل بين السلطات، مما مهد إلى الهيمنة على النظام السياسي وآلية الحكم دون رقيب أو حسيب على أساس أن وجود سلطة تنفيذية قوية أقدر على تنفيذ برامجها التنموية، عندما تكون بعيدة عن الرقابة الفعالة للسلطة التشريعية وتحصر في يدها القرار السياسي المركزي وتحقق تنفيذ مساراته بالقوة، التي هي القرينة الملازمة لإدارة الدولة بل وحتى الإصلاح الاجتماعي وهذا ما عبر عنه توفيق السويدي/ عضو النخبة الدائم بالقول: [لكن القول بالإصلاح لا يكفي إذا لم تدعمه القوة. وقد توفرت هذه القوة لمصطفى أتاتورك، ولم تتوفر لي حينذاك، فبقيت أُمني النفس بالآمال وأُعللها بالأقوال المزوقة دون جدوى ].. هذا المضمون كان يمثل جوهر نظرة النظام الملكي رغم الشكلية البرلمانية التي كان يكتسي بها، لذا وبالتفاعل الجدي مع بقية العوامل، أصبحت الانقلابية الفوقية والتآمر والفتن أساس تبادل وتداوي السلطة بين أعضاء النخبة الحاكمة والتي بلغ عددها166 شخصاً (وزيراً)،عززها الاستخدام المكثف للأحكام العرفية والقوانين والمراسيم الاستثنائية. وعلى ضوء ما ذكر أعلاه، فقد خلقت هذه العوامل وغيرها من العوامل الاجتماعية والتاريخية، مناخاً مواتياً للعنف حتى أمسى جزءً من الصورة السياسية في العراق [فالمشاكل الطائفية وحالات الفقر والتخلف، كانت تسلك سبيل إيضاح وجودها الواقعي دون ان تقدم إجابة تامةً. ثم ان تياراً خفياً من تيارات الرأي العام كان يتخلل الطبقة الكبرى من عامة الشعب خارج إطار سياسة القوة. إذ كان من السهولة بمكان تعبئة مئات الألوف لأتفه الذرائع، هذه الألوف هي عنصر إقلال وتململ دائم مستعدة لتفجير اضطرابات عنيفة كانت تتمخض بمجازر جماعية أكثر من قوة. مناخ العنف هذا أطمع تلك الزمر الطامحة إلى السلطة، وكان سبباً في عدد من الاغتيالات السياسية يفوق ما وقع مثله في أي بلد عربي يساوي العراق في التقدم الاجتماعي. هذه الظروف، أفرزت من الناحية العملية بروز ظاهرة الانقلابية العسكرية في العراق منذ، استقلاله عام 1932 بغض النظر عن شكل تحققها (العلني والمستتر) وكان انقلاب بكر صدقي هو الأول لها في المشرق العربي، باعتباره الوليد الطبيعي لهذه الثقافات، المتأثرة إلى حد التماثل مع ما كان سائداً في تركيا وإيران آنذاك . خاصةً إذا علمنا ان أغلب، ان لم يكن كل، الضباط الذين مارسوا أو دعموا الحركات الانقلابية في الثلاثينيات، هم من خريجي المدرسة العسكرية العثمانية، تساندهم في عين الوقت، قوى مثقفة، لا تخرج عن هذا الإطار، أيديولوجياً وممارسةً وتطلعاً. وهكذا يوضح تاريخ العراق الحديث، عمق الظاهرة الانقلابية (وشكلها الأكثر بروزاً / العسكرية) التي يمكن نؤرخها منذ بداية تكوين الدولة الحديثة عام 1921 وان اتخذت أشكالاً متعددة، لم ترتقي إلى شكل انقلاب عسكري، بالمفهوم الواسع، بسبب ضعف المؤسسة العسكرية كماً ونوعاً آنذاك في العشرينات، والتي أخذت ولغاية الانقلاب الأول (1936)، أبعاد ((تآمري)) ضد هذه الشخصية أو تلك ضد هذا التيار أو ذاك التجمع تارةً بالتهديد العلني أو المبطن، وأخرى بالقوة أو التلويح بها، وفي حالات، وان كانت نادرة، فقد كان الاغتيال/ كما جرى بالنسبة لتوفيق الخالدي في شباط 1925، والذي يعتبر أول اغتيال سياسي في العراق الحديث، أو بالنفي للخارج كما حدث لطالب النقيب وغيرهُ. وقد عاد مضمون هذه الحالة يتجسد عملياً ما بعد فشل حركة مايس 1941 ولغاية ثورة 14 تموز 1958 إذ اتخذ شكلاً تآمرياً أدق وأنظم بين كتلة النخبة السياسية ، التي أجمعت حينها على عدم إشراك المؤسسة العسكرية في حل خلافاتها الأنوية، بعد المخاض العسير الذي تعرضت له أثناء حركة مايس التحررية عام 1941. ان القراءة المتأنية لتاريخ العراق السياسي الحديث تمكن من رصد مرحلتين زمنيتين تكاثفت فيها وعجت بالحركات الانقلابية، الظاهرة والمستترة وهما: 1- مرحلة الثلاثينيات 1936 - 1941 29. 10. 36 - 01. 06. 41 أمدها (1671) يوماً. 2- المرحلة التموزية/ القاسمية 1958 - 1963 14. 07. 58 - 08. 02. 63 أمدها (1666) يوماً. ان التقارب الزمني بين المرحلتين، والذي بلغ في حدود 4 سنوات وسبعة أشهر تقريباً يخفي في الوقت ذاته اختلافاً كبيراً من حيث كثافة حضور الظاهرة الانقلابية وفعلها وطبيعتها، إذ بلغ عددها في الأولى سبع محاولات، في حين بلغت ما يقارب 39 محاولة، المعلن عنها رسمياً، في المرحلة الثانية، بمعنى كانت هنالك محاولة كل 238 يوماً بالنسبة للأولى (الثلاثينيات)، في حين كانت هنالك محاولة كل 43 يوماً بالنسبة للثانية (التموزية / القاسمية)..كما يكمن الاختلاف بين المرحلتين ليس بالجانب الكمي فحسب، بل في نوعية وطبيعة وخاصية هذه المحاولة والقوى التي ساهمت فيها، والدوافع المحركة لها، داخلياً وخارجياً.. وهذا ما سنحاول إلقاء الضوء عليه. مرحلة الثلاثينيات تميزت هذه المرحلة بتكاثف حضور مؤسسات العنف المنظم وخاصةً العسكرية منها، وتصاعد دورها في مناحي الحياة العامة والسياسية منها خاصةً، كذلك من خلال ممارساتها القمعية المتعددة، حيث عجت المرحلة بالممارسات العسكرية لإخماد الكم الوفير من الانتفاضات الفلاحية والعشائرية والتي عمت عموم مساحات الوطن وعلى الأخص منها: [ في كردستان: حركة أحمد البرزاني - كانون أول 1931. حركة الآشوريين النساطرة - آب 1933؛ حركة البرزاني الثانية – آب1935 ؛ حركة اليزيدين – تشرين أول 1935؛ في الفرات الأوسط والجنوبي: الدغارة (الديوانية) – آذار 1935؛ الرميثة الأولى (الديوانية) مايس1935؛ سوق الشيوخ (الناصرية) مايس 1935 ، المدينة ( البصرة ) 1935، بني ركاب ( الناصرية ) شباط 1936، الرميثة الثانية (الديوانية) نيسان 1936؛ السماوة (الديوانية) حزيران 1937..وغيرها من الحركات الأصغر كثافة وحجماً، مما بوء المؤسسة العسكرية وقادتها مكانتهم الطبيعية باعتبارهم أحصائيون محترفون للعنف] (14). أهلهم هذا الوضع، بالإضافة إلى غيره، فرضوا توجهاتهم من خلال قيامهم بسبع محاولات انقلابية، اثنان منها مكشوفتان (مباشرة) وخمسة مستترة (غير مباشرة)..وهي:- 1- الانقلابات المباشرة الحركة القيادة الهدف النتيجة 101- 29 تشرين أول 1936 بكر صدقي الإطاحة بالحكومة وإجراء إصلاحات نجاح نسبي 201- 1 مايس 1941 العقداء الأربعة محاربة بريطانيا وتغير البنية الفوقية للحكم الفشل 2ـ الانقلابات غير المباشرة 102- 11 آب 1937 اللواء أمين العمري العودة للحكم القديم النجاح والعقيد عزيز ياملكي 202- 24 كانون أول 1938 الزعماء السبعة(**) تأييد لنوري سعيد = 302- 5 آب 1939 الزعماء السبعة تنصيب عبد الآله وصيا = 402- 21 شباط 1940 العقداء الأربعة تأييد للسعيد = 502- 1 شباط 1941 العقداء الأربعة حكومة قومية مدعومه عسكرياً = ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*)- العقداء الأربعة : صلاح الدين الصباغ، محمود سلمان، فهمي سعيد وكامل شبيب (**)- الزعماء السبعة هم : اللواء أمين العمري، اللواء حسين فوزي، العقيد عزيز ياملكي والعقداء الأربعة. المصدر- أُعد الجدول وفقاً للعديد من المعطيات أهمها – جرجيس فتح الله – العراق في عهد قاسم- الجزء الثاني ص 576.
لقد نجحت أغلب هذه الحركات في السيطرة على الحكم وتحقيق أهدافها بوسائل العنف المادي أو التلويح به، كما عبرت في عين الوقت عن إحدى سمات مراكز القوة والضغط التي ملكتها المؤسسة العسكرية،مما نبه كتل نخبة الحكم المدنية إلى ضرورة وعي ذلك الدور الخطير الذي تمتلكه المؤسسة العسكرية مما حفزها إلى تبني ود قيادة هذه المؤسسة أو بعض أجنحتها لتكن قاعدة لها، إن لم تكن أهمها، تستند إليها سواءً كتلك النخبة أو / و النظام برمته. ناهيك عن كتل ذوي الأصول العسكرية التي وعت دورها ومدى خطورته واستثمرته بالشكل الذي أدى إلى قيادتها لواقع البلد منذ ذلك الحين وإلى نهاية الستينات. لقد تميزت الحركات الانقلابية في هذه المرحلة بالعديد من السمات المستوحاة من جوهر الظاهرة وكذلك من طبيعة الظروف الاجتصادية، السياسية المحيطة بها، ومن العوامل الذاتية للمؤسسة العسكرية ذاتها… من هذه السمات. 1ـ كانت المحاولات الانقلابية انعكاساً مباشراً لبدء العسكرة (النسبية) للمجتمع، وخاصةً منذ انتهاء الانتداب عام 1931، وازدياد دور المؤسسة العسكرية، كماً ونوعاً، وهيمنتها على الحصة الأكبر من الميزانية السنوية للدولة، مقارنةً بمؤسسات الدول الأخرى، حتى أنها التهمت في بعض السنين أكثر من 50% من الميزانية. 2ـ إنها جاءت في خضم الصراع السياسي بين المؤسسة العسكرية وبين المؤسسة التقليدية، والعشائرية على وجه التحديد، بغية تعزيز سيطرة الدولة وسريان قرارها المركزي، وكانت حصيلة هزيمة العشائر كقوة اجتماعية أرأسية مؤثرة على الدولة، بفضل ما امتلكته المؤسسة العسكرية من أسلحة متطورة وحداثة تنظيمية مقارنة بما لدى العشائر… هذه الهزيمة آلت إلى أن تكون قوة العشائر تابعة لسلطة الدولة وإحدى مكونات القاعدة الاجتماعية لها… هذا التحول ترافق مع استكمال ولادة النمط الشبه إقطاعي في الريف والاجتثاث المادي لنمط الإنتاج (العشائري) المشترك للأرض. هذه الوضعية التي سادت تسمح لنا بالقول أن المؤسسة العسكرية كانت الذراع الأساسية لهذا التحول في الأنماط الاقتصادية لعراق المرحلة الملكية، مما أدى، بالترافق مع غياب الآلية البرلمانية، إلى 3ـ أن تصبح المؤسسة العسكرية صاحبة المركز الأول المؤثر على القرار السياسي ومساراته اللاحقة، إذ بسطت نفوذها، المباشر أو غير المباشر من خلال ذوي الأصول العسكرية من نخب الحكم، على مجمل النشاطات السياسية، بل وأحياناً. حتى على الاجتصادية، وقد تصورت إن لديها مشروعاً تنموياً، عندما كانت تطرح برامجها الحكومية المستوحاة مفرداته من النقل الميكانيكي للتجربة الأتاتوركية ومن القراءة المشوه لواقع العراق وأفاق مستقبله. ولنا من السعيد وياسين الهاشمي والأيوبي والمدفعي والعسكري نماذج لمثل هذه المشاريع المتوائمة وطبيعة ظروف المرحلة… لكنها فشلت جميعها في تحقيق ما كان مستهدفاً على كافة المستويات الاجتصادية/ السياسية، مما أدى إلى عدم تقبله من الأغلبية الشعبية سواءً بالريف أو المدينة وأطال من عمق التخلف ونموه، وتعمق أبعاده… مما آل الى : 4ـ عدم مساهمة القطاعات الاجتماعية المدنية وأحزابها السياسية، العلنية والسرية، في كل الانقلابات المستترة (غير المباشرة)، إذ كانت انقلابات فوقية تهم مصالح أعضاء النخبة السياسية والعرش، في حين أن الانقلاب الأول كان بالاتفاق المسبق بين جماعة الأهالي، رغم تحفظ عبد الفتاح إبراهيم على ذلك، والضابط الاحتياط النخبوي حكمت سليمان مع بكر صدقي نائب رئيس أركان الجيش. وقد ساندت القوى السياسية المعارضة (الوطنية/العراقوية واليسارية) هذا الانقلاب؛ حتى كفت عند ذلك عندما تحول إلى حكم عسكري صرف. كذلك الحال بالنسبة للانقلاب الأخير (حركة مايس 1941) وان تزعمه شكلياً النخبوي رشيد عالي الكيلاني لأسباب أنوية/ ذاتية أكثر مما هو تعبير عن موقف مبدأي كالذي كان عليه العقداء الأربعة سواءً في برنامجهم أو طموحاتهم ورؤاهم المستقبلية التي تتجاوز تفكير الكيلاني ومنظومة قيمه. كما ساند الحركة قطاعات مدنية واسعة نسبياً من ذوي الاتجاه العروبي والعراقوي على السواء، مما كان تحمله الحركة من مضامين الأستقلال السياسي عن بريطانيا والتطلع نحو الأمة. 5ـ كانت قيادات المؤسسة العسكرية تخضع، في البدء، إلى زعماء كتل نخبة الحكم السياسية منذ تأسيس الجيش ولغاية منتصف الثلاثينيات..إذ كانت كل كتلة تحتضن العديد من ضباط القيادات العسكرية العليا وتحركهم وفقاً لعملية الصراع على السلطة ولعبة التوازنات فيها. لكن هؤلاء الضباط طرحوا على أنفسهم ضرورة القيام بدورٍ مستقل عن هذه الكتل، بعد اشتداد عود المؤسسة العسكرية ذاتها ووضوح الصراعات الأنوية بين كتل النخبة، وبعد تبلور ملامح (مشروع !) وطني أو/ و قومي معادٍ لبريطانيا لدى بعض الضباط وهذا ما يخص إلى حد بعيد انقلابي بكر صدقي وحركة مايس 1941 . 6ـ لقد مثل هذان الانقلابان الأخيران ما نسبته 6, 28% من الحركات الانقلابية آنذاك، وكانا يحملان مضامين وأهداف اجتصادية / سياسية مُعبر عنها مطلبا، وتسندها قوى اجتماعية حية واسعة نسبياً، وان تباينت من أحدهما إلى الأخر، كما انهما هددا مقومات النظام السياسي ذاته وقاعدته الاجتماعية المستند عليها، نظراً لنزعتهما التحررية، لذا تدخلت بريطانيا بالتعاون مع الضباط الشريفين الكبار، على إجهاضهما.. هذه الميزة تتماثل مع طبيعة الانقلابات العسكرية في عالم الأطراف النامي، حيث نسبة الانقلابات ذات المنحنى اللاتحرري هي الأكبر في حين ان الانقلابات التحررية (اليسارية / الوطنية) هي الأقل نسبة في الغالب وهذا ما دللت عليه تجارب بلدان أفريقيا وأمريكا اللاتينية وفي المنحنى، ينطبق كلياً على المرحلة التموزية / القاسمية لاحقاً، الثورة كذات تحررية والانقلابات كثورة مضادة لا تحررية في الوقت ذاته كانت بقية الانقلابات في الثلاثينيات والتي نسبتها 4, 71% ، خالية من تلكم المضامين الاجتصادية إذ كان يعبر أغلبها عن صراعات كتل الحكم، المتلحفة بالمصالح الأنوية والنظرات الضيقة. 7ـ كل هذه الحركات الانقلابية، وإن كانت متباينة نسبياً،لم تكن بتلك الجذرية التي تجتث النظام السياسي وقاعدته الاجتماعية مقارنة بثورة 14 تموز 1958 ، والتي حققها أيضاً الضباط المسيسون في المؤسسة العسكرية خريجي المدرسة العسكرية العراقية. كما إن أغلبها كان ينحو نحو القديم ولا يتطلع إلى المستقبل كبرامج وطموح ، بل تعبر ، في الوقت ذاته عن إحدى سمات الصراع بين كتل الحكم في تلك المرحلة التي استخدمت في البدء العشائر كوسيلة بلوغ للسلطة وبعد هزيمة هذه استخدمت الجيش لذات الغاية وهذا يوضحه التبدل السريع للوزارات في تلك المرحل الذي تم بفعل ثورات العشائر في البدء ومن ثم بتأثير المؤسسة العسكرية لغاية مايس 1941. 8ـ كانت بريطانيا- كعامل خارجي، لها اليد الطولى في تحبيذ بعضٌ من هذه الانقلابات أو في إجهاض بعضها الأخر، إذ كانت هي وراء القضاء على حكم بكر صدقي وحركة مايس..وكانت هي وراء حركة الجيش لتنصيب عبد الاله ولياً على العرش (5 أب 1939). لكنها في نهاية الثلاثينيات رغبت في تحريم استخدام الجيش كوسيلة صراع حفظاً لمصالحها واستراتيجيتها للمنطقة آنذاك، خاصةً ونذر الحرب الثانية على الأبواب. لذا طلبت عدم تدخله بالسياسة، خاصة بعد فك تحالف العقداء الأربعة مع السعيد، ذو الصلة الوطيدة مع بريطانيا،بعد اكتشافهم من أنه معهم إلى ذلك القدر الذي يحقق سيطرته عليهم ويحقق ذاتويته في استخدامهم كوسيلة ضد خصومه من أعضاء نخبة الحكم. 9ـ استندت هذه الانقلابات إلى الكثير من المطاليب المعبر عنها، كوسيلة للوصول إلى غاياتها الحقيقية والمتناقضة، إلى حدٍ كبير، مع هذه المطالب. كما اتسم خطابها السياسي بالهلامية المتسربلة بالوعود العريضة.. والذي ينطلق من إبراز ((المرشد)) المخلص الذي ينهي حالات الشذوذ المشار اليها لذا. 10ـ فشلت أغلب هذه الانقلابات في إيجاد قاعدة اجتماعية تعتمد عليها، خارج قاعدة الحكم، ولا برنامجاً يستقطبها، ولا قائداً يحتذى به، ولا وضوحاً سياسياً في كيفية إدارة الحكم، الآني والمستقبلي، مقارنة بما كانت تصبو إليه قطاعات اجتماعية واسعة، ناهيك عن الماهية والمضمون الاجتماعيين للمطالب الشعبية المعبرة عنها في حراكها الاجتماعي المتواتر. كما كانت أغلبية القيادات العسكرية التي شاركت أو/ و ترأست هذه الانقلابات ينقصها النضج السياسي ووضوح الرؤيا العلمية والمعرفية لواقع العراق وتركيبته الاجتماعية وامتداده القومي، ولطبيعة البرامج الواجب إنجازها.. بمعنى أخر نقص البعد الذاتي لنقطة انطلاق هذه الانقلابات سواء المعرفية منها أو/ و القيادية. 11ـ لم تساهم دول الجوار،العربي أو غير العربي، أو غيرها في أي من هذه الانقلابات التي يمكن اعتبارها انعكاساً للوضع الداخلي إلى درجةٍ كبيرة، إذا استثنينا بريطانيا، ذات الدور الفعال، وألمانيا وما قامت به من إرسال بعض من المعونة المادية بعد الاستيلاء على السلطة وليس قبلها، أي إنها لم تساهم في الأعداد للانقلاب وهذا ما يخص حركة مايس تحديداً. وهكذا كانت عليه الحركات الانقلابات في عقد الثلاثينيات، والتي خمدت بعد فشل حركة مايس لتعيد ذاتها بشكل أرقى ونوعاً اكثر جذريةً تمثل في ما يمكن أن نطلق عليه ظاهرة ((حركة الضباط الأحرار)) التي مثلت الظاهرة الأرأس لواقع المؤسسة التي أنجزت التغيرّ الكبير والذي أصاب عمق الظاهرة الاجتصادية / السياسية للكيان العراقي والدول المحيطة، مما حفز العديد من القوى الداخلية والخارجية، بصورة انفرادية أو مشتركة، على التكاتف لأجل احتواء النظام وعندما عجزت قررت إسقاطه بأشرس ما يكون.. وهذا ما سيكون موضوع دراستنا التالية.
#عقيل_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أفكار أولية: عن طبيعة ومهام المؤسسة العسكرية في عراق المستقب
...
-
مدخل نظري: من ملامح المؤسسة العسكرية العراقية
-
الإرهاصات الفكرية للمساواتية الحديثة في العراق الحديث
-
دور الفـرد في التاريـخ - عبد الكريم قاسم نموذجاً
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|