|
فروقات المصاحف (12) مصحف أم سلمة
نبيل فياض
الحوار المتمدن-العدد: 3097 - 2010 / 8 / 17 - 00:55
المحور:
بوابة التمدن
في السنة الرابعة للهجرة على الأرجح، “تزوّج رسول الله (ص) أم سلمة بنت أبي أمية، ودخل بها” (تاريخ الطبري 2: 230؛ راجع أيضاً ترجمتها في : الاستيعاب؛ أسد الغابة؛ الإصابة؛ وطبقات ابن سعد).
“واسمها هند… وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد… [ وقد] شهد بدراً… وأصابته جراح يوم أحد، فمات منها، وكان ابن عمّة رسول الله ورضيعه… فتزوّجها [النبي] قبل الأحزاب سنة ثلاث” (تاريخ الطبري 2: 414) للهجرة.
يذكر المنتظم (3: 208) عن النبيّ قوله : “إنّ لعائشة منّي شعبا ما نزلها مني أحد. فلما تزوّج أم سلمة، سئل، فقيل: يا رسول الله! ما فعلت الشعب؟ فسكت، فعرف أنّ أم سلمة قد نزلت عنده”. بالمقابل، تقول عائشة ذاتها: “لمّا تزوج رسول الله (ص) أم سلمة، حزنت حزناً شديداً، لما ذكر الناس جمالها. فتلطفت حتى رأيتها، فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن والجمال، فذكرت ذلك لحفصة، وكانتا يداً واحدة، فقالت: والله إن هذه إلا الغيرة؛ ما هي كما تقولين! فتلطفت لها حفصة حتى رأتها، فقالت: والله ما هي كما تقولين ولا قريب، وإنها لجميلة”(المنتظم 3: 208 )، ويضيف مصدر آخر، أن عائشة قالت، ردّاً على ما ذكرته لها حفصة : “فرأيتها بعد، فكانت - لعمري - كما قالت حفصة، ولكني كنت غيرى”(طبقات 8: 75 ). يذكر النسائي (2: 159؛ راجع أيضاً: السمط الثمين 81 ) عن أم سلمة، “أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله (ص) وأصحابه، فجاءت عائشة (رض) مستترة بكساء، ومعها فهر، فتلقت به الصحفة، فكسرتها، فجمع رسول الله (ص) بين فلقتي الصحفة، يقول: غارت أمكم، غارت أمكم”.
بالمقابل، فإن أم سلمة اعتذرت بادئ ذي بدء عن الزواج بالنبي، متذرعة أيضاً بأنها “غيرى” (عيون الأثر 2: 304 )؛ يروي ابن سعد ( طبقات 8: 63 – 64) الحكاية التالية، نقلاً عن عائشة : “دخل عليّ يوماً رسول الله (ص)، فقلت: أين كنت منذ اليوم؟ قال: يا حميراء، كنت عند أمّ سلمة! فقلت: ما تشبع من أمّ سلمة؟! فتبسّم، فقلت: يا رسول الله، ألا تخبرني عنك لو أنك نزلت بعدوتين إحداهما لم ترع والأخرى قد رعيت، أيهما كنت ترعى؟ قال : التي لم ترع. قلت : فأنا ليس كأحد من نسائك”: أي أن عائشة الوحيدة التي تزوجها بكرا من بين كلّ نسائه. بالمقابل، فعلى ما يبدو لم تكن أم سلمة ترتاح لعائشة. فذات مرّة قال لها النبيّ: “يا أم سلمة، لا تؤذيني [في عائشة]، والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكنّ غيرها”( تاريخ الإسلام للذهبي، عصر معاوية. راجع : صحيح البخاري، فضائل النبي 7: 84 باب فضائل عائشة، الهبة، باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض؛ صحيح مسلم، فضائل الصحابة 2441 مختصراً، 2442 مطولاً). وهكذا يذكر البخاري في صحيحه (هبة 2393. راجع أيضاً: السمط الثمين 39 – 40) “أن نساء رسول الله (ص) كنّ حزبين : فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة؛ والحزب الآخر، أم سلمة وسائر نساء رسول الله (ص)”.
وفي الصراع المادّي بين الحزبين، كانت أم سلمة الناطق باسم حزبها ضدّ عائشة، التي كان المسلمون يخصون النبي بهداياهم في يومها (أنظر على سبيل المثال: الترمذي، مناقب 3814؛ أسد الغابة 5: 503؛ البخاري، وصايا 2536). حدث آخر يذكره أحمد في مسنده (مسند الأنصار 23838؛ أنظر السمط الثمين 35) نقلاً عن عائشة، يلقي بعض الضوء على شكل التعامل بين أزواج النبي: قالت عائشة : “كانت عندنا أم سلمة، فجاء النبي (ص) عند جنح الليل فذكرت شيئاً صنعه بيده، وجعل لا يفطن لأم سلمة، وجعلت أومئ إليه، حتى فطن. قالت أمّ سلمة : أهكذا الآن! أما كانت واحدة منا عندك إلا في خلابة كما أرى! وسبّت عائشة! وجعل النبي (ص) ينهاها، فتأبى! فقال النبي (ص) [لعائشة]: سبّيها! فسبّتها! حتى غلبتها ( في نص النسائي (عشرة النساء 3887)، تقول عائشة: “قال رسول الله (ص): يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما يأتيني الوحي في لحاف امرأة منكن إلا هي”! فانطلقت أم سلمة إلى عليّ وفاطمة، فقالت: إنّ عائشة سبّتها، وقالت لكم وقالت لكم. فقال عليّ لفاطمة : اذهبي إليه، فقولي: إن عائشة قالت لنا، وقالت لنا! فأتته، فذكرت ذلك له! فقال لها النبي (ص): إنها حبّة أبيك وربّ الكعبة. فرجعت إلى علي، فذكرت له الذي قال لها فقال : أما كفاك ألا أن قالت لنا عائشة وقالت لنا، حتى أتتك فاطمة فقلت لها : إنها حبة أبيك، ورب الكعبة”. أخيراً، يبدو أن أم سلمة ظلت تنافس عائشة على قلب النبي حتى لحظاته الأخيرة. إذ لما “همّ رسول الله أن يطلّق بعضهنّ [نساؤه]، جعلنه في حلّ لما خشي أزواج النبي أن يفارقهن، قلن: إرض لنا من نفسك ومالك ما شئت! فأمره الله، فأرجأ خمساً، وآوى أربعاً”( طبقات ابن سعد 8: 158) وكان الأمر في آية: “ترجئ من تشاء منهن”(المرجع السابق) [أحزاب 51]. ورغم الاختلاف في اللاتي عزلهنّ، إلا أنّ هنالك شبه إجماع على أنه ظلّ يأتي “عائشة وأم سلمة” ( أنظر: الكشاف 3: 552؛ طبقات ابن سعد 8: 158 – 159 ).
الجنس… وسورة الأحزاب:
لا شك أن الأحزاب هي أكثر السور في القرآن التي ثارت حولها الزوابع. وكنّا أشرنا إلى كثير من الشواهد في الملفات السابقة حول مشاكل الأحزاب. ففي "إتقان السيوطي" (285)؛ ينقل عن عائشة قولها: " كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي (ص) مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن". " وقالت عائشة : كانت الأحزاب تقرأ في زمن الرسول (ص) مائة آية، فلما جمعه عثمان لم يجد إلا ما هو الآن وكان فيه آية الرجم" (محاضرات الأدباء 510). وينقل الإتقان أيضاً عن "عن ذر بن حبيش : قال لي أبيّ بن كعب: كأين تعد سورة الأحزاب? قلت: اثنتين وسبعين آية أو ثلاثة وسبعين آية، قال: إن كانت لتعدل سورة البقرة، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم. قلت: وما آية الرجم قال: إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم. و… عن أبي أمامة بن سهل أن خالته قالت: لقد أقرأنا رسول الله (ص) آية الرجم: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة" (الإتقان 258).
نص قريب ينقله لنا الأصبهاني، "عن زر بن حبيش؛ قال: قال: أبي بن كعب أين تقرأ سورة الأحزاب؟ قال: قلت: ثلاثاً أو اثنتين وسبعين! قال: قط! قلت: قط! قال: فقال: والله لقد كانت توازي سورة البقرة ولقد كانت أطول؛ ولقد كان فيها آية الرجم! قال: قلت: أبا المنذر! وما آية الرجم؟ قال: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم" (تاريخ أصبهان للأصبهاني 149؛ راجع أيضاً: القاموس المحيط للفيروز أبادي 1362). نص قريب أيضاً يقدمه لنا المتقي الهندي، "عن زر؛ قال: قال: لي أبي بن كعب: يا زر! كأين تقرأ سورة الأحزاب? قلت: ثلاثاً وسبعين آية، قال: إن كانت لتضاهي سورة البقرة، أو هي أطول من سورة البقرة، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم، وفي لفظ: وإن في آخرها، الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم، فرفع فيما رفع (كنز العمال 284).
في هذه المقاربة المطوّلة، التي نساهم عبرها في تقديم ما استطعنا إليه سبيلا من مشاكل تخص النص القرآني، لن نتناول سورة الأحزاب من حيث الآيات التي حذفت منها أو تدخل عثمان فيها؛ بل سنأخذ نصّها كما هو، ونحاول من ثم إخضاعه لضوء العقل: فماذا سنكتشف دون كثير عناء؟
تبدو سورة الأحزاب عصيّة على الفهم أو المقاربة العقلانيّة. فهذا التدخّل شبه المتكرر للإله في قضايا جنسيّة تخص النبي غير قابل "للهضم" خارج إطار التسليم الإيماني اللاعقلاني [أو المعادي للعقل]؛ خاصّة وأن النبي محمداً يجعل إلهه ينزّل آيات غاية في الذاتيّة وتلبية لرغباته الجنسية الخاصّة. وحتى يكون كلامنا مفهوماً، سنقوم بمقاربات لبعض آيات من تلك السورة- المعضلة، دون أن نتوانى للحظة عن إرفاق ذلك بتفاسير إسلاميّة بارزة. ما نقصده هنا حكاية زيد بن حارثة. فمن هو زيد هذا؟ وما أهمّيته التاريخية حتى يجعل محمد إلهه يفرد له كثيراً من الآيات، بل يذكره بالاسم في كتاب مقدّس يفترض به الأزليّة، ويخرجه بالتالي من إطاره المكاني- الزماني ليصبح زيد عبر القرآن روحاً مطلقة؟
زيد بن حارثة هو “رجل من بني كلب سُبي صغيراً. وكانت العرب في جاهليتها يتغاورون ويتسابون. فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة. فلما تزوجها محمد (ص)، وهبته له. وطلبه أبوه وعمّه، فخُيّر، فاختار رسول الله (ص)، فأعتقه. وكانوا يقولون: زيد بن محمد” ( الزمخشري، الكشاف 3: 520 ).
يقول القرطبي في تفسير الآية 36 من الأحزاب، " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً : أَنَّ رَسُول اللَّه (ص) خَطَبَ زَيْنَب بِنْت جَحْش، وَكَانَتْ بِنْت عَمَّته، فَظَنَّتْ أَنَّ الْخِطْبَة لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ يُرِيدهَا لِزَيْدٍ [بن حارثة]، كَرِهَتْ وَأَبَتْ وَامْتَنَعَتْ، فَنَزَلَتْ الْآيَة. فَأَذْعَنَتْ زَيْنَب حِينَئِذٍ وَتَزَوَّجَتْهُ. فِي رِوَايَة : فَامْتَنَعَتْ وَامْتَنَعَ أَخُوهَا عَبْد اللَّه لِنَسَبِهَا مِنْ قُرَيْش، وَأَنَّ زَيْدًا كَانَ بِالْأَمْسِ عَبْدًا، إِلَى أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة، فَقَالَ لَهُ أَخُوهَا : مُرْنِي بِمَا شِئْت، فَزَوَّجَهَا مِنْ زَيْد". في تفسيره للآية ذاتها، يقول ابن كثير مضيفاً تفاصيل أخرى على القرطبي: "عَنْ اِبْن عَبَّاس (رض)؛ قَوْله تَعَالَى “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة“ الْآيَة! وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه (ص) اِنْطَلَقَ لِيَخْطُب عَلَى فَتَاهُ زَيْد بْن حَارِثَة (رض)؛ فَدَخَلَ عَلَى زَيْنَب بِنْت جَحْش الْأَسَدِيَّة (رض) فَخَطَبَهَا؛ فَقَالَتْ: لَسْت بِنَاكِحَتِهِ! فَقَالَ رَسُول اللَّه (ص): بَلَى فَانْكِحِيهِ! قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّه أُؤَامَر فِي نَفْسِي؟ فَبَيْنَمَا هُمَا يَتَحَدَّثَانِ أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة عَلَى رَسُول اللَّه (ص)” وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُوله“ الْآيَة! قَالَتْ : قَدْ رَضِيته لِي يَا رَسُول اللَّه مَنْكَحًا! قَالَ رَسُول اللَّه (ص): نَعَمْ قَالَتْ : إِذًا لَا أَعْصِي رَسُول اللَّه (ص) قَدْ أَنْكَحْته نَفْسِي! وَقَالَ اِبْن لَهِيعَة عَنْ أَبِي عَمْرَة عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس (رض) قَالَ خَطَبَ رَسُول اللَّه (ص) زَيْنَب بِنْت جَحْش لِزَيْدِ بْن حَارِثَة (رض) فَاسْتَنْكَفَتْ مِنْهُ؛ وَقَالَتْ: أَنَا خَيْر مِنْهُ حَسَبًا! وَكَانَتْ اِمْرَأَة فِيهَا حِدَّة! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى: “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة“ الْآيَة كُلّهَا! ". تكتمل الصورة بتفسير الطبري للآية ذاتها: " وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي زَيْنَب بِنْت جَحْش حِين خَطَبَهَا رَسُول اللَّه (ص) عَلَى فَتَاهُ زَيْد بْن حَارِثَة ، فَامْتَنَعَتْ مِنْ إِنْكَاحه نَفْسَهَا … عَنِ ابْن عَبَّاس، قَوْله: " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُوله أَمْرًا ". . . . إِلَى آخِر الْآيَة …عَنْ مُجَاهِد، قَوْله : "أَنْ تَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَة مِنْ أَمْرهمْ"؛ قَالَ : زَيْنَب بِنْت جَحْش وَكَرَاهَتهَا نِكَاحَ زَيْد بْن حَارِثَة حِين أَمَرَهَا بِهِ رَسُول اللَّه (ص)".
وتؤكد رواية أخرى الأحداث السابقة، فتقول: “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. المؤمن: عبد الله بن جحش؛ والمؤمنة: زينب أخته، في الزواج من زيد”( أبو الفرج الجوزي، زاد المسير 6: 385 ).
من ناحيته، يقول المرجع الشيعي الإثنا عشري، الميزان في تفسير القرآن: “خطب رسول الله (ص) زينب بنت جحش لزيد بن حارثة، فاستنكفت منه، وقالت: أنا خير منه حسباً! وكانت امرأة فيها حدّة - فأنزل الله “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة“، الآية كلها“ (16: 325- 326).
لم يمض وقت طويل على تدخل الله في زواج زيد-زينب، حتى عاد ليتدخل من جديد في زواج جديد أيضاً. فبعد أن تزوج زيد من زينب، “جاء رسول الله (ص) بيت زيد بن حارثة، وكان زيد بن حارثة إنما يقال له: زيد بن محمد! فربما فقده رسول الله (ص) الساعة، فيقول: أين زيد؟ فجاء منزله يطلبه، فلم يجده، وقامت إليه زينب بنت جحش فضلاً، فأعرض عنها رسول الله (ص)، فقالت: ليس هو هاهنا! يا رسول الله! أدخل!… فأبى… وإنما عجّلت زينب أن تلبس حين قيل لها: رسول الله (ص) على الباب، فوثبت عجلة، فأعجبت رسول الله (ص)، فولّى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم، إلا أنه أعلن: سبحان الله العظيم! سبحان الله مصرف القلوب!… فجاء زيد… فقال له: لعل زينب أعجبتك؟… فقال رسول الله (ص): أمسك عليك زوجك… ففارقها زيد، واعتزلها، وحلّت… فبينا رسول الله (ص) يتحدّث مع عائشة، إذ أخذت رسول الله (ص) غشية، فسرّى عنه وهو يبتسم، ويقول: من يذهب إلى زينب يبشرها، يقول: إن الله زوجنيها؟” ( تاريخ الطبري 2: 231 - 232. راجع: المنتخب من كتاب ذيل المذيل ). وتقول رواية أخرى: “كان النبي (ص) قد زوّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، ابنة عمته، فخرج رسول الله (ص) يوماً يريده، وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر، فانكشفت وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي (ص)، فلما وقع ذلك، كُرِّهت إلى الآخر… فجاء، فقال: يا رسول الله! إني أريد أن أفارق صاحبتي” ( تاريخ الطبري 2: 232؛ تفسير الآية 37 من سورة الأحزاب في تفسير القرطبي ). وتقول رواية ثالثة: “إن رسول الله (ص) أبصرها بعدما أنكحها إياه [زيد بن حارثة]، فوقعت في نفسه، فقال: سبحان الله مقلب القلوب! وذلك أن نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها، ولو أرادتها لاختطبها، وسمعت زينب بالتسبيحة، فذكرتها لزيد، ففطن وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول الله (ص)، فقال لرسول الله (ص): إني أريد أن أفارق صاحبتي! فقال [النبي]: مالك، أرابك منها شيء؟ قال: لا والله، ما رأيت منها إلا خيراً، ولكنها تتعظّم عليّ لشرف وتؤذيني. فقال: أمسك عليك زوجك واتق الله! ثم طلّقها بعد؛ فلما اعتدت، قال رسول الله (ص) [لزيد]: ما أجد أحداً أوثق في نفسي منك، اخطب عليّ زينب! قال زيد: فانطلقت، فإذا هي تخمر عجينتها، فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها [هذا يناقض ما قيل حول إيقاع الله لكراهيتها في صدره]، حين علمت أن رسول الله (ص) ذكرها، فوليت ظهري، وقلت: يا زينب! ابشري! إن رسول الله يخطبك. ففرحت، وقالت: ما أنا بصانعة شيء حتى أؤامر ربي! فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن “زوجناكها”، فتزوجها رسول الله (ص)، ودخل بها، وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها: ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار” (الزمخشري، الكشاف 3: 540 – 541).
تبسّط إحدى الروايات القصة كلها باختصار مفيد، فتقول: «كان النبي خطبها [زينب] أولاً لمولاه زيد بن حارثة، فترفّعت عليه لشرف نسبها وجمالها، وساعدها أخوها، عبد الله بن جحش، فأنزل الله عز وجل فيهما: “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً”. فلما سمعت بذلك، رضيا طاعة لله ولرسوله، فأنكحها النبي (ص) زيداً، فمكثت عنده ما شاء الله. ثم رآها النبي (ص) يوماً متزينة، فأعجبته، ورغب في نكاحها، لو طلّقها زيد. فأوقع الله كراهيتها في قلب زيد، فجاء إلى النبي (ص) يستأمره في فراقها، فقال له: أمسك عليك زوجك، واتق الله في طلاقها من سبب. فأبى إلا طلاقها، وطلّقها… ولما انقضت عدّتها، بعثه النبي (ص) إليها ليخطبها له. قال زيد: ما أستطيع النظر إليها إجلالاً للنبي (ص)! فوليتها ظهري، وقلت: يا زينب! أرسلني رسول الله (ص) إليك يذكرك. فقالت: ما أنا بصانعة شيئاً.. أو أمر ربي. فقامت إلى مسجدها، تصلّي الاستخارة… وأنزل القرآن: “فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها”» (ابن الربيع الشيباني الشافعي، حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار 2: 600 – 602 ).
بعودة تفصيلية إلى التفاسير، نقرأ عند الطبري: " الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : " وَإِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسك مَا اللَّه مُبْدِيه وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّه أَحَقّ أَنْ تَخْشَاهُ "؛… وَذَلِكَ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْت جَحْش فِيمَا ذُكِرَ رَآهَا رَسُول اللَّه (ص) فَأَعْجَبَتْهُ، وَهِيَ فِي حِبَال مَوْلَاهُ، فَأُلْقِيَ فِي نَفْس زَيْد كَرَاهَتهَا لِمَا عَلِمَ اللَّه مِمَّا وَقَعَ فِي نَفْس نَبِيّه مَا وَقَعَ، فَأَرَادَ فِرَاقَهَا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه (ص) زَيْدٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه (ص): أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك! وَهُوَ (ص) يُحِبّ أَنْ تَكُونَ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ لِيَنْكِحَهَا … وَتُخْفِي فِي نَفْسك مَحَبَّة فِرَاقه إِيَّاهَا لِتَتَزَوَّجهَا إِنْ هُوَ فَارَقَهَا، وَاللَّه مُبْدٍ مَا تُخْفِي فِي نَفْسك مِنْ ذَلِكَ … وَتَخَاف أَنْ يَقُول النَّاس : أَمَرَ رَجُلًا بِطَلَاقِ امْرَأَته وَنَكَحَهَا حِين طَلَّقَهَا، وَاللَّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ مِنَ النَّاس … خَشِيَ نَبِيّ اللَّه (ص) مَقَالَة النَّاس … قَالَ ابْن زَيْد : كَانَ النَّبِيّ (ص) قَدْ زَوَّجَ زَيْد بْن حَارِثَة زَيْنَب بِنْت جَحْش، ابْنَة عَمَّته، فَخَرَجَ رَسُول اللَّه (ص) يَوْمًا يُرِيدهُ وَعَلَى الْبَاب سِتْر مِنْ شَعْر، فَرَفَعَتْ الرِّيح السِّتْر فَانْكَشَفَ، وَهِيَ فِي حُجْرَتهَا حَاسِرَة، فَوَقَعَ إِعْجَابهَا فِي قَلْب النَّبِيّ (ص); فَلَمَّا وَقَعَ ذَلِكَ كُرِّهَتْ إِلَى الْآخَر، فَجَاءَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّه، إِنِّي أُرِيد أَنْ أُفَارِقَ صَاحِبَتِي، قَالَ : “مَالَك، أَرَابَك مِنْهَا شَيْءٌ؟ قَالَ : لَا، وَاللَّه مَا رَابَنِي مِنْهَا شَيْء يَا رَسُولَ اللَّه، وَلَا رَأَيْت إِلَّا خَيْرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه (ص): “أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك وَاتَّقِ اللَّهَ…"!
يقول القرطبي: "وَقَالَ مُقَاتِل : زَوَّجَ النَّبِيُّ (ص) زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ مِنْ زَيْد فَمَكَثَتْ عِنْده حِينًا، ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى زَيْدًا يَوْمًا يَطْلُبهُ، فَأَبْصَرَ زَيْنَب قَائِمَة، كَانَتْ بَيْضَاء جَمِيلَة جَسِيمَة مِنْ أَتَمِّ نِسَاء قُرَيْش، فَهَوِيَهَا وَقَالَ : سُبْحَان اللَّه مُقَلِّب الْقُلُوب! فَسَمِعَتْ زَيْنَب بِالتَّسْبِيحَةِ فَذَكَرَتْهَا لِزَيْدٍ، فَفَطِنَ زَيْد فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه، اِئْذَنْ لِي فِي طَلَاقهَا، فَإِنَّ فِيهَا كِبْرًا، تَعْظُم عَلَيَّ وَتُؤْذِينِي بِلِسَانِهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجك وَاتَّقِ اللَّه. وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه بَعَثَ رِيحًا فَرَفَعَتْ السِّتْر وَزَيْنَب مُتَفَضِّلَة فِي مَنْزِلهَا، فَرَأَى زَيْنَب فَوَقَعَتْ فِي نَفْسه، وَوَقَعَ فِي نَفْس زَيْنَب أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي نَفْس النَّبِيّ (ص) وَذَلِكَ لَمَّا جَاءَ يَطْلُب زَيْدًا، فَجَاءَ زَيْد فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ، فَوَقَعَ فِي نَفْس زَيْد أَنْ يُطَلِّقهَا. وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : “وَتُخْفِي فِي نَفْسك الْحُبّ لَهَا". “وَتَخْشَى النَّاس“ أَيْ تَسْتَحْيِيهِمْ وَقِيلَ : تَخَاف وَتَكْرَه لَائِمَة الْمُسْلِمِينَ لَوْ قُلْت طَلِّقْهَا، وَيَقُولُونَ أَمَرَ رَجُلًا بِطَلَاقِ اِمْرَأَته ثُمَّ نَكَحَهَا حِين طَلَّقَهَا. “وَاَللَّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ“ فِي كُلّ الْأَحْوَال . وَقِيلَ وَاَللَّه أَحَقُّ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنْهُ، وَلَا تَأْمُر زَيْدًا بِإِمْسَاكِ زَوْجَته بَعْد أَنْ أَعْلَمَك اللَّه أَنَّهَا سَتَكُونُ زَوْجَتك، فَعَاتَبَهُ اللَّه عَلَى جَمِيع هَذَا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن : أَنَّ النَّبِيّ (ص) كَانَ قَدْ أَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ أَنَّ زَيْدًا يُطَلِّق زَيْنَب، وَأَنَّهُ يَتَزَوَّجهَا بِتَزْوِيجِ اللَّه إِيَّاهَا، فَلَمَّا تَشَكَّى زَيْد لِلنَّبِيِّ (ص) خُلُقَ زَيْنَب، وَأَنَّهَا لَا تُطِيعهُ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ يُرِيد طَلَاقهَا، قَالَ لَهُ رَسُول اللَّه (ص) عَلَى جِهَة الْأَدَب وَالْوَصِيَّة : اِتَّقِ اللَّه فِي قَوْلك وَأَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجك! وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ سَيُفَارِقُهَا وَيَتَزَوَّجهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَخْفَى فِي نَفْسه، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَأْمُرهُ بِالطَّلَاقِ لِمَا عَلِمَ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا، وَخَشِيَ رَسُول اللَّه (ص)أَنْ يَلْحَقهُ قَوْل مِنْ النَّاس فِي أَنْ يَتَزَوَّج زَيْنَب بَعْد زَيْد، وَهُوَ مَوْلَاهُ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا، فَعَاتَبَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذَا الْقَدْر مِنْ أَنْ خَشِيَ النَّاس فِي شَيْء قَدْ أَبَاحَهُ اللَّه لَهُ، بِأَنْ قَالَ : “أَمْسِكْ“ مَعَ عِلْمه بِأَنَّهُ يُطَلِّق … وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى : “وَتَخْشَى النَّاس“ إِنَّمَا هُوَ إِرْجَاف الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُ نَهَى عَنْ تَزْوِيج نِسَاء الْأَبْنَاء وَتَزَوَّجَ بِزَوْجَةِ اِبْنه. فَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ (ص)هَوِيَ زَيْنَب اِمْرَأَة زَيْد - وَرُبَّمَا أَطْلَقَ بَعْض الْمُجَّان لَفْظ عَشِقَ - فَهَذَا إِنَّمَا يَصْدُر عَنْ جَاهِل بِعِصْمَةِ النَّبِيّ (ص) عَنْ مِثْل هَذَا، أَوْ مُسْتَخِفّ بِحُرْمَتِهِ. … “وَتُخْفِي فِي نَفْسك“ قِيلَ تَعَلُّق قَلْبِهِ. وَقِيلَ : مُفَارَقَة زَيْد إِيَّاهَا. وَقِيلَ : عِلْمُهُ بِأَنَّ زَيْدًا سَيُطَلِّقُهَا، لِأَنَّ اللَّه قَدْ أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ.
رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ (ص) أَنَّهُ قَالَ لِزَيْدٍ : مَا أَجِد فِي نَفْسِي أَوْثَقَ مِنْك فَاخْطُبْ زَيْنَب عَلَيَّ؛ قَالَ : فَذَهَبْت وَوَلَّيْتهَا ظَهْرِي تَوْقِيرًا لِلنَّبِيِّ (ص)، وَخَطَبْتهَا فَفَرِحَتْ وَقَالَتْ : مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدهَا وَنَزَلَ الْقُرْآن، فَتَزَوَّجَهَا النَّبِيّ (ص) وَدَخَلَ بِهَا … عَنْ أَنَس قَالَ : لَمَّا اِنْقَضَتْ عِدَّة زَيْنَب قَالَ رَسُول اللَّه (ص) لِزَيْدٍ : فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ! قَالَ : فَانْطَلَقَ زَيْد حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّر عَجِينَهَا. قَالَ : فَلَمَّا رَأَيْتهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي، حَتَّى مَا أَسْتَطِيع أَنْ أَنْظُر إِلَيْهَا، أَنَّ رَسُول اللَّه (ص) ذَكَرَهَا فَوَلَّيْتهَا ظَهْرِي، وَنَكَصْت عَلَى عَقِبِي، فَقُلْت : يَا زَيْنَب، أَرْسَلَ رَسُول اللَّه (ص) يَذْكُرك؛ قَالَتْ : مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي، قَامَتْ إِلَى مَسْجِدهَا وَنَزَلَ الْقُرْآن. وَجَاءَ رَسُول اللَّه (ص) فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْن. قَالَ : فَقَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتنَا أَنَّ رَسُول اللَّه (ص) أَطْعَمَنَا الْخُبْز وَاللَّحْم حِين اِمْتَدَّ النَّهَار".
يقول ابن كثير في تفسير الآية ذاتها : "وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا… يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نَبِيّه قَالَ لِمَوْلَاهُ زَيْد بْن حَارِثَة (رض) وَهُوَ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ أَيْ بِالْإِسْلَامِ وَمُتَابَعَة الرَّسُول “وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ“ أَيْ بِالْعِتْقِ مِنْ الرِّقّ وَكَانَ سَيِّدًا كَبِير الشَّأْن جَلِيل الْقَدْر حَبِيبًا إِلَى النَّبِيّ (ص)؛ يُقَال لَهُ الْحِبّ وَيُقَال لِابْنِهِ أُسَامَة الْحِبّ اِبْن الْحِبّ… كَانَ رَسُول اللَّه (ص) قَدْ زَوَّجَهُ بِابْنَةِ عَمَّته زَيْنَب بِنْت جَحْش الْأَسَدِيَّة (رض) وَأُمّهَا أُمَيْمَة بِنْت عَبْد الْمُطَّلِب وَأَصْدَقهَا عَشَرَة دَنَانِير وَسِتِّينَ دِرْهَمًا وَخِمَارًا وَمِلْحَفَة وَدِرْعًا وَخَمْسِينَ مُدًّا مِنْ طَعَام وَعَشَرَة أَمْدَاد مِنْ تَمْر… فَمَكَثْت عِنْده قَرِيبًا مِنْ سَنَة أَوْ فَوْقهَا ثُمَّ وَقَعَ بَيْنهمَا فَجَاءَ زَيْد يَشْكُوهَا إِلَى رَسُول اللَّه (ص) فَجَعَلَ رَسُول اللَّه يَقُول لَهُ أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجِك وَاتَّقِ اللَّه…
… قَالَ لَمَّا اِنْقَضَتْ عِدَّة زَيْنَب (رض) قَالَ رَسُول اللَّه (ص) لِزَيْدِ بْن حَارِثَة اِذْهَبْ فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّر عَجِينهَا قَالَ فَلَمَّا رَأَيْتهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي حَتَّى مَا أَسْتَطِيع أَنْ أَنْظُر إِلَيْهَا؛ وَأَقُول: إِنَّ رَسُول اللَّه (ص) ذَكَرَهَا؛ فَوَلَّيْتهَا ظَهْرِي وَنَكَصْت عَلَى عَقِبَيَّ؛ وَقُلْت: يَا زَيْنَب أَبْشِرِي! أَرْسَلَنِي رَسُول اللَّه يَذْكُرك! قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُؤَامِر رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ؛ فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدهَا وَنَزَلَ الْقُرْآن. وَجَاءَ رَسُول اللَّه فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْن. وَلَقَدْ رَأَيْتنَا حِين دَخَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه (ص) وَأُطْعِمْنَا عَلَيْهَا الْخُبْز وَاللَّحْم؛ فَخَرَجَ النَّاس وَبَقِيَ رِجَال يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْت بَعْد الطَّعَام؛ فَخَرَجَ رَسُول اللَّه وَاتَّبَعْته فَجَعَلَ يَتَتَبَّع حُجَر نِسَائِهِ يُسَلِّم عَلَيْهِنَّ؛ وَيَقُلْنَ: يَا رَسُول اللَّه كَيْف وَجَدْت أَهْلَك؟ فَمَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْته أَنَّ الْقَوْم قَدْ خَرَجُوا أَوْ أُخْبِرَ فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْت فَذَهَبْت أَدْخُل مَعَهُ فَأُلْقِيَ السِّتْر بَيْنِي وَبَيْنه وَنَزَلَ الْحِجَاب وَوُعِظَ الْقَوْم بِمَا وُعِظُوا بِهِ: “لَا تَدْخُلُوا بُيُوت النَّبِيّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَن لَكُمْ“ الْآيَة كُلّهَا ".
عن زيد يقول القرطبي في تفسيره : "وَكَانَ رَسُول اللَّه (ص) تَبَنَّاهُ وَهُوَ صَغِير، فَلَبِثَ حَتَّى صَارَ رَجُلًا يُقَال لَهُ زَيْد بْن مُحَمَّد، فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى “اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْد اللَّه فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانكُمْ فِي الدِّين وَمَوَالِيكُمْ“ [الْأَحْزَاب : 5] فُلَان مَوْلَى فُلَان، وَفُلَان أَخُو فُلَان، هُوَ أَقْسَطُ عِنْد اللَّه يَعْنِي أَعْدَلُ. قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث غَرِيب قَدْ رُوِيَ عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ مَسْرُوق عَنْ عَائِشَة (رض). قَالَتْ : لَوْ كَانَ النَّبِيّ (ص) كَاتِمًا شَيْئًا مِنْ الْوَحْي لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَة “وَإِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ“ هَذَا الْحَرْف لَمْ يُرْوَ بِطُولِهِ.
وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ هَذِهِ الْآيَة: “وَتُخْفِي فِي نَفْسك مَا اللَّه مُبْدِيه“ نَزَلَتْ فِي شَأْن زَيْنَب بِنْت جَحْش وَزَيْد بْن حَارِثَة. وَقَالَ عَمْرو بْن مَسْعُود وَعَائِشَة وَالْحَسَن : مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله آيَة أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَة. وَقَالَ الْحَسَن وَعَائِشَة : لَوْ كَانَ رَسُول اللَّه (ص) كَاتِمًا شَيْئًا مِنْ الْوَحْي لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَة لِشِدَّتِهَا عَلَيْهِ. وَرُوِيَ فِي الْخَبَر أَنَّهُ : أَمْسَى زَيْد فَأَوَى إِلَى فِرَاشه، قَالَتْ زَيْنَب : وَلَمْ يَسْتَطِعْنِي زَيْد، وَمَا أَمْتَنِع مِنْهُ غَيْر مَا مَنَعَهُ اللَّه مِنِّي، فَلَا يَقْدِر عَلَيَّ … وَفِي بَعْض الرِّوَايَات : أَنَّ زَيْدًا تَوَرَّمَ ذَلِكَ مِنْهُ حِين أَرَادَ أَنْ يَقْرَبهَا، فَهَذَا قَرِيب مِنْ ذَلِكَ. وَجَاءَ زَيْد إِلَى رَسُول اللَّه (ص) فَقَالَ : إِنَّ زَيْنَب تُؤْذِينِي بِلِسَانِهَا وَتَفْعَل وَتَفْعَل! وَإِنِّي أُرِيد أَنْ أُطَلِّقهَا، فَقَالَ لَهُ : أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجك وَاتَّقِ اللَّه! الْآيَة. فَطَلَّقَهَا زَيْد فَنَزَلَتْ: “وَإِذْ تَقُول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ“ الْآيَة. وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة، فَذَهَبَ قَتَادَة وَابْن زَيْد وَجَمَاعَة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ، مِنْهُمْ الطَّبَرِيّ وَغَيْره - إِلَى أَنَّ النَّبِيّ (ص) وَقَعَ مِنْهُ اِسْتِحْسَان لِزَيْنَب بِنْت جَحْش، وَهِيَ فِي عِصْمَة زَيْد، وَكَانَ حَرِيصًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقهَا زَيْد فَيَتَزَوَّجهَا هُوَ ; ثُمَّ إِنَّ زَيْدًا لَمَّا أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ يُرِيد فِرَاقهَا، وَيَشْكُو مِنْهَا غِلْظَة قَوْل وَعِصْيَان أَمْر، وَأَذًى بِاللِّسَانِ وَتَعَظُّمًا بِالشَّرَفِ، قَالَ لَهُ : اِتَّقِ اللَّه - أَيْ فِيمَا تَقُول عَنْهَا - وَأَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجك! وَهُوَ يُخْفِي الْحِرْص عَلَى طَلَاق زَيْد إِيَّاهَا. وَهَذَا الَّذِي كَانَ يُخْفِي فِي نَفْسه، وَلَكِنَّهُ لَزِمَ مَا يَجِب مِنْ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ. وَقَالَ مُقَاتِل : زَوَّجَ النَّبِيُّ (ص) زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ مِنْ زَيْد فَمَكَثَتْ عِنْده حِينًا، ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى زَيْدًا يَوْمًا يَطْلُبهُ، فَأَبْصَرَ زَيْنَب قَائِمَة، كَانَتْ بَيْضَاء جَمِيلَة جَسِيمَة مِنْ أَتَمِّ نِسَاء قُرَيْش، فَهَوِيَهَا وَقَالَ : سُبْحَان اللَّه مُقَلِّب الْقُلُوب! فَسَمِعَتْ زَيْنَب بِالتَّسْبِيحَةِ فَذَكَرَتْهَا لِزَيْدٍ، فَفَطِنَ زَيْد فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه، اِئْذَنْ لِي فِي طَلَاقهَا، فَإِنَّ فِيهَا كِبْرًا، تَعْظُم عَلَيَّ وَتُؤْذِينِي بِلِسَانِهَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجك وَاتَّقِ اللَّه. وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه بَعَثَ رِيحًا فَرَفَعَتْ السِّتْر وَزَيْنَب مُتَفَضِّلَة فِي مَنْزِلهَا، فَرَأَى زَيْنَب فَوَقَعَتْ فِي نَفْسه، وَوَقَعَ فِي نَفْس زَيْنَب أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي نَفْس النَّبِيّ (ص) وَذَلِكَ لَمَّا جَاءَ يَطْلُب زَيْدًا، فَجَاءَ زَيْد فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ، فَوَقَعَ فِي نَفْس زَيْد أَنْ يُطَلِّقهَا. وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : “وَتُخْفِي فِي نَفْسك“ الْحُبّ لَهَا. “وَتَخْشَى النَّاس“ أَيْ تَسْتَحْيِيهِمْ وَقِيلَ : تَخَاف وَتَكْرَه لَائِمَة الْمُسْلِمِينَ لَوْ قُلْت طَلِّقْهَا، وَيَقُولُونَ أَمَرَ رَجُلًا بِطَلَاقِ اِمْرَأَته ثُمَّ نَكَحَهَا حِين طَلَّقَهَا. “وَاَللَّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ“ فِي كُلّ الْأَحْوَال. وَقِيلَ وَاَللَّه أَحَقُّ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنْهُ، وَلَا تَأْمُر زَيْدًا بِإِمْسَاكِ زَوْجَته بَعْد أَنْ أَعْلَمَك اللَّه أَنَّهَا سَتَكُونُ زَوْجَتك، فَعَاتَبَهُ اللَّه عَلَى جَمِيع هَذَا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن : أَنَّ النَّبِيّ (ص) كَانَ قَدْ أَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ أَنَّ زَيْدًا يُطَلِّق زَيْنَب، وَأَنَّهُ يَتَزَوَّجهَا بِتَزْوِيجِ اللَّه إِيَّاهَا، فَلَمَّا تَشَكَّى زَيْد لِلنَّبِيِّ (ص) خُلُقَ زَيْنَب، وَأَنَّهَا لَا تُطِيعهُ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ يُرِيد طَلَاقهَا، قَالَ لَهُ رَسُول اللَّه (ص) عَلَى جِهَة الْأَدَب وَالْوَصِيَّة: اِتَّقِ اللَّه فِي قَوْلك وَأَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجك! وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ سَيُفَارِقُهَا وَيَتَزَوَّجهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَخْفَى فِي نَفْسه، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَأْمُرهُ بِالطَّلَاقِ لِمَا عَلِمَ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا، وَخَشِيَ رَسُول اللَّه (ص) أَنْ يَلْحَقهُ قَوْل مِنْ النَّاس فِي أَنْ يَتَزَوَّج زَيْنَب بَعْد زَيْد، وَهُوَ مَوْلَاهُ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا، فَعَاتَبَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذَا الْقَدْر مِنْ أَنْ خَشِيَ النَّاس فِي شَيْء قَدْ أَبَاحَهُ اللَّه لَهُ، بِأَنْ قَالَ : “أَمْسِكْ“ مَعَ عِلْمه بِأَنَّهُ يُطَلِّق. وَأَعْلَمَهُ أَنَّ اللَّه أَحَقُّ بِالْخَشْيَةِ، أَيْ فِي كُلّ حَال. قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ : وَهَذَا الْقَوْل أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْل التَّحْقِيق مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَالْعُلَمَاء الرَّاسِخِينَ، كَالزُّهْرِيِّ وَالْقَاضِي بَكْر بْن الْعَلَاء الْقُشَيْرِيّ، وَالْقَاضِي أَبِي بَكْر بْن الْعَرَبِيّ وَغَيْرهمْ. وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى : “وَتَخْشَى النَّاس“ إِنَّمَا هُوَ إِرْجَاف الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُ نَهَى عَنْ تَزْوِيج نِسَاء الْأَبْنَاء وَتَزَوَّجَ بِزَوْجَةِ اِبْنه. فَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ (ص) هَوِيَ زَيْنَب اِمْرَأَة زَيْد - وَرُبَّمَا أَطْلَقَ بَعْض الْمُجَّان لَفْظ عَشِقَ - فَهَذَا إِنَّمَا يَصْدُر عَنْ جَاهِل بِعِصْمَةِ النَّبِيّ (ص) عَنْ مِثْل هَذَا، أَوْ مُسْتَخِفّ بِحُرْمَتِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول، وَأَسْنَدَ إِلَى عَلِيّ بْن الْحُسَيْن قَوْلَهُ : فَعَلِيّ بْن الْحُسَيْن جَاءَ بِهَذَا مِنْ خِزَانَة الْعِلْم جَوْهَرًا مِنْ الْجَوَاهِر، وَدُرًّا مِنْ الدُّرَر، أَنَّهُ إِنَّمَا عَتَبَ اللَّه عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَهُ أَنْ سَتَكُونُ هَذِهِ مِنْ أَزْوَاجك، فَكَيْف قَالَ بَعْد ذَلِكَ لِزَيْدٍ : أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجك! وَأَخَذَتْك خَشْيَة النَّاس أَنْ يَقُولُوا : تَزَوَّجَ اِمْرَأَة اِبْنه، وَاَللَّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ. وَقَالَ النَّحَّاس : قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : لَيْسَ هَذَا مِنْ النَّبِيّ (ص) خَطِيئَة، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَر بِالتَّوْبَةِ وَلَا بِالِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ. وَقَدْ يَكُون الشَّيْء لَيْسَ بِخَطِيئَةٍ إِلَّا أَنَّ غَيْرَهُ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَأَخْفَى ذَلِكَ فِي نَفْسه خَشْيَة أَنْ يُفْتَتَن النَّاسُ.
… قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فَإِنْ قِيلَ لِأَيِّ مَعْنًى قَالَ لَهُ : أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجك! وَقَدْ أَخْبَرَهُ اللَّه أَنَّهَا زَوْجه. قُلْنَا : أَرَادَ أَنْ يَخْتَبِر مِنْهُ مَا لَمْ يُعْلِمْهُ اللَّهُ مِنْ رَغْبَتِهِ فِيهَا أَوْ رَغْبَتِهِ عَنْهَا، فَأَبْدَى لَهُ زَيْدٌ مِنْ النُّفْرَة عَنْهَا وَالْكَرَاهَة فِيهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ مِنْهُ فِي أَمْرهَا. فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَأْمُرهُ بِالتَّمَسُّكِ بِهَا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْفِرَاق لَا بُدّ مِنْهُ؟ وَهَذَا تَنَاقُض. قُلْنَا : بَلْ هُوَ صَحِيح لِلْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَة، لِإِقَامَةِ الْحُجَّة وَمَعْرِفَة الْعَاقِبَة، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَأْمُر الْعَبْد بِالْإِيمَانِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِن، فَلَيْسَ فِي مُخَالَفَة مُتَعَلَّق الْأَمْر لِمُتَعَلَّقِ الْعِلْم مَا يَمْنَع مِنْ الْأَمْر بِهِ عَقْلًا وَحُكْمًا. وَهَذَا مِنْ نَفِيس الْعِلْم فَتَيَقَّنُوهُ وَتَقَبَّلُوهُ وَقَوْله : “وَاتَّقِ اللَّه“ أَيْ فِي طَلَاقهَا، فَلَا تُطَلِّقهَا. وَأَرَادَ نَهْي تَنْزِيه لَا نَهْي تَحْرِيم، لِأَنَّ الْأَوْلَى أَلَّا يُطَلِّق. وَقِيلَ : “اِتَّقِ اللَّه“ فَلَا تَذُمّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكِبْر وَأَذَى الزَّوْج. “وَتُخْفِي فِي نَفْسك“ قِيلَ تَعَلُّق قَلْبِهِ . وَقِيلَ : مُفَارَقَة زَيْد إِيَّاهَا. وَقِيلَ : عِلْمُهُ بِأَنَّ زَيْدًا سَيُطَلِّقُهَا، لِأَنَّ اللَّه قَدْ أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ.
… رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ (ص) أَنَّهُ قَالَ لِزَيْدٍ : مَا أَجِد فِي نَفْسِي أَوْثَقَ مِنْك فَاخْطُبْ زَيْنَب عَلَيَّ؛ قَالَ : فَذَهَبْت وَوَلَّيْتهَا ظَهْرِي تَوْقِيرًا لِلنَّبِيِّ (ص)، وَخَطَبْتهَا فَفَرِحَتْ وَقَالَتْ : مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدهَا وَنَزَلَ الْقُرْآن، فَتَزَوَّجَهَا النَّبِيّ (ص) وَدَخَلَ بِهَا.
عَنْ أَنَس قَالَ : لَمَّا اِنْقَضَتْ عِدَّة زَيْنَب قَالَ رَسُول اللَّه (ص) لِزَيْدٍ: فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ! قَالَ : فَانْطَلَقَ زَيْد حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّر عَجِينَهَا. قَالَ : فَلَمَّا رَأَيْتهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي، حَتَّى مَا أَسْتَطِيع أَنْ أَنْظُر إِلَيْهَا، أَنَّ رَسُول اللَّه (ص) ذَكَرَهَا فَوَلَّيْتهَا ظَهْرِي، وَنَكَصْت عَلَى عَقِبِي، فَقُلْت : يَا زَيْنَب، أَرْسَلَ رَسُول اللَّه (ص) يَذْكُرك، قَالَتْ : مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدهَا وَنَزَلَ الْقُرْآن. وَجَاءَ رَسُول اللَّه (ص) فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْن. قَالَ : فَقَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتنَا أَنَّ رَسُول اللَّه (ص)أَطْعَمَنَا الْخُبْز وَاللَّحْم حِين اِمْتَدَّ النَّهَار".
أزمة تنسيق القرآن:
في هذه الفصول المتوالية حول "فروقات المصاحف"، أردنا أساساً أن نثبت أن القرآن، على الأقل في مسألة تنسيقه وترتيب السور والآيات فيه، أمر بشريّ تماماً. وقد سبق وأن حاولنا قبل سنوات طويلة إعادة تنسيق سورة النساء بحيث تتوالى الآيات حسب وحدة الموضوع، وكانت النتيجة جيدة. سورة الأحزاب إحدى السور التي تتضمن، برأينا، كثيراً من التناقض والتعارض في بنيانها. ففي الآية الخامسة من هذه السورة "المطعون بدقتها" تقليدياً، نجد أن الإله يخاطب نبيّه بالقول : "ادعوهم لآبائهم"؛ وفي الآية الأربعين يقال: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم". هاتان الآيتان تهدفان إلى تبرير عشق محمد لزينب بنت جحش، بعد أن رآها شبه عارية، ومن ثم رغبته الجنسية بالارتباط بها، رغم أنها زوجة ابنه بالتبني وقتها، وهذا أمر كان معيباً. وجود آية "ما كان محمد" في موضعها الحالي منطقي جداً لأنها تأتي مبررة رغبة محمد الجنسية بأن يطلّق زيد زينب ويتزوجها النبي، فلا يقال إن محمداً تزوج حليلة ابنه؛ لكن ما هو المبرر المنطقي لوجود آية "أدعوهم لآبائهم" قبل وقوع حدث مصادفة محمد لزينب شبه عارية؟ اعتقادنا أنه ضمن إعادة ترتيب القرآن، الذي نعتقد أنه أمر حان الوقت لطرحه ومن ثم القيام به، يجب أن تكون الآية الخامسة بعد الآية الأربعين. فهل تدعم التفاسير صحة ما نزعم؟ كما رأينا آنفاً، فقد قال الطبري: " جاء رسول الله (ص) بيت زيد بن حارثة، وكان زيد ابن حارثة إنما يقال له: زيد بن محمد ". – هذا يعني أن أبوّة محمد لزيد لم تنسخ حتى نزول الآية 38؛ فهو يدعى هنا زيد بن محمد؛ أي بعد النزول المفترض للآية الخامسة. وما توقف الناس عن تسميته زيد بن محمد إلا بعد الأمر الذي صدر في الآية 40، التي نرى كما أسلفنا ضرورة وضع الآية الخامسة بعدها مباشرة، لتتماسك معنا القصة أكثر.
يحكي البلاذري في "أنسابه" أن النبي "قال لمن حضر : اشهدوا أن زيداً [بن حارثة] ابني أرثه ويرثني. فطابت أنفسهم. فكان زيد يدعى زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام، فزوّجه رسولُ الله (ص) زينب بنت جحش، وهي ابنة عمة رسول الله (ص). فطلقها زيد، وخلف عليها رسول الله (ص). فتكلم المنافقون، وطعنوا في ذلك، وقالوا : محمد يحرّم نساء الولد وقد تزوّج امرأة ابنه. فأنزل الله عز وجل : “ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليماً”، ونزلت : “ادْعوهم لآبائهم هو أقسطُ عند الله” - يعني هو أعدل عند الله - “فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم”. فدُعي يومئذ زيد بن حارثة " (أنساب البلاذري 206؛ راجع: نسب قريش لمصعب الزبيري 7).
في تفسير القرطبي للآية الخامسة من الأحزاب، نجد ما يلي: "قَوْله تَعَالَى : “اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ“ نَزَلَتْ فِي زَيْد بْن حَارِثَة … وَفِي قَوْل اِبْن عُمَر : مَا كُنَّا نَدْعُو زَيْد بْن حَارِثَة إِلَّا زَيْد بْن مُحَمَّد، دَلِيل عَلَى أَنَّ التَّبَنِّيَ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام، يُتَوَارَث بِهِ وَيُتَنَاصَر، إِلَى أَنْ نَسَخَ اللَّه ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : “اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْد اللَّه“ أَيْ أَعْدَلُ . فَرَفَعَ اللَّه حُكْم التَّبَنِّي وَمَنَعَ مِنْ إِطْلَاق لَفْظه" . ثم يقال في التفسير ذاته: "وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه (ص) كَانَ قَبْل النُّبُوَّة قَدْ تَبَنَّى زَيْد بْن حَارِثَة (رض) فَكَانَ يُقَال زَيْد بْن مُحَمَّد فَلَمَّا قَطَعَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ النِّسْبَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى “وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ“ إِلَى قَوْله تَعَالَى “اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَط عِنْد اللَّه“ ثُمَّ زَادَ ذَلِكَ بَيَانًا وَتَأْكِيدًا بِوُقُوعِ تَزْوِيج رَسُول اللَّه (ص) زَيْنَب بِنْت جَحْش (رض) لَمَّا طَلَّقَهَا زَيْد بْن حَارِثَة (رض) وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي آيَة التَّحْرِيم “وَحَلَائِل أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابكُمْ“ لِيَحْتَرِز مِنْ الِابْن الدَّعِيّ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ كَثِيرًا فِيهِمْ وَقَوْله تَعَالَى”وَكَانَ أَمْر اللَّه مَفْعُولًا“ أَيْ وَكَانَ هَذَا الْأَمْر الَّذِي وَقَعَ قَدْ قَدَّرَهُ اللَّه تَعَالَى وَحَتَّمَهُ وَهُوَ كَائِن لَا مَحَالَة كَانَتْ زَيْنَب (رض) فِي عِلْم اللَّه سَتَصِيرُ مِنْ أَزْوَاج النَّبِيّ (ص) ".
يقول الذهبي في تاريخه عن زيد بن حارثة: "وهو الذي سمّى الله في كتابه في قوله : “فلما قضى زيد منها وطراً” يعني من زينب بنت جحش: “زوجناكها”! وكان المسلمون يدعونه زيد بن النبي حتى نزلت: “ما كان محمد أبا أحد من رجالكم”. وقال تعالى: “وما جعل أدعياءكم أبناءكم”. وقال: “أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم”….وكان قصيراً شديد الأدمة أفطس… عن ابن عمر قال: ما كنا ندعو زيداً إلا زيد بن محمد. فنزلت: “أدعوهم لآبائهم” " ( تاريخ الإسلام للذهبي 398 ).
راجع: تاريخ الإسلام للذهبي 400؛ معارف ابن قتيبة 49؛ معارف ابن قتيبة 29؛ تاريخ الطبري 600؛ تاريخ الطبري 494؛ الاستيعاب ابن عبد البر 597؛ النسائي، نكاح 3171؛ أسد الغابة 589؛ كامل ابن الأثير 353؛ طبقات ابن سعد 8: 153؛ الطبري، المنتخب من كتاب ذيل المذيل 99؛ مسلم، تفسير القرآن 3131؛ السمط الثمين 107؛ الميزان في تفسير القرآن، 16: 322؛ أسد الغابة 396؛ طبقات ابن سعد 435؛ أسباب نزول القرآن للواحدي 126.
مصحف أم سلمة:
يقول آرثر جفري في عمله الموسوعي:[الدليل الأوحد الذي لدينا على وجود هذا المصحف هو القصة الواردة عند ابن أبي داودـ ص 87، التي تخبرنا عن أمرها بأن يكتب لها مصحف، والذي أقحم فيه في السورة 238:2، الإضافة “وصلاة العصر“. لكن كون هذه القصة قد تمت روايتها عن عائشة وحفصة أيضاً هنالك مجال لأن نشك، أنها تشير بأية حال إلى نسخة صنعت عن المصحف العثماني القانوني ليس إلا.
أم سلمة كانت زوجاً للنبي محمد، واسمها موجود ضمن قوائم أولئك الذين جمعوا القرآن وقت كان النبي على قيد الحياة (نشر 6:1). قد لا يكون هذا غير استنتاج من الرواية التي تحكي عن امتلاكها مصحفاً، أو ربما أن يكون هنالك عنصر حقيقة، بمعنى أنها كونها كانت في تماسّ مباشر مع النبي قد تكون حفظت مقاطع بعينها كانت تستخدم في الطقوس بشكل أو بآخر من قبل الجماعة الأولى. وأي علاقة أخرى مع نص القرآن لا يمكن أن تكون غير تلفيق من قبل بعض المتدينين المتأخرين] جفري.
لكن الواقع أن آرثر جفري، على الأرجح، لم يبحث في طيّات المراجع كلّها. فقد وجدنا في " المحلّى "النص التالي: "عن عبد الله بن رافع : أن أم سلمة أم المؤمنين أمرته أن ينسخ له مصحفاً، وأمرته أن يكتب فيه إذا بلغ إلى هذا المكان” حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى - وصلاة العصر - وقوموا لله قانتين” " ( المحلى 411 ). وفي نص آخر من المرجع ذاته، نقرأ : "كان أبي ابن كعب يقرؤها:” على الصلوات والصلاة الوسطى”. قالوا: فدل هذا على أنه ليست صلاة العصر? قال علي: هذا اعتراض في غاية الفساد؛ لأنه كله ليس منه عن رسول الله (ص) شيء، وإنما هو موقوف على حفصة، وأم سلمة، وعائشة: أمهات المؤمنين - وابن عباس؛ وأبي بن كعب، حاشا رواية عائشة فقط… وهي أننا روينا خبر أم سلمة من طريق وكيع عن داود بن قيس عن عبد الله بن رافع: أن أم سلمة أم المؤمنين كتبت مصحفاً فقالت: اكتب” حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى” صلاة العصر هكذا بلا واو?" ( المحلى 412 ).
في كنز العمال وجدنا النص التالي: " عن عبد الله بن نافع قال: أمرتني أم سلمة أن أكتب لها مصحفاً وقالت إذا بلغت "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" فأخبرني، فأخبرتها فقالت: أكتب حافظوا على الصلوات، والصلاة الوسطى وصلاة العصر، وقوموا لله قانتين " ( كنز العمال 235 ).
فروقات مصحف أم سلمة بحسب جفري:
[ السورة الثانية: الآية 238: الصلاة الوسطى قرأتها الصلاة الوسطى وصلاة العصر؛ مثل أبي وحفصة. السورة 11: الآية 46: إنه عملٌ غير قرأتها إنه عمل غيرِ؛ مثل أنس وعائشة وابن عبّاس. السورة 39: الآية 59: واستكبرتَ وكنتَ قرأتها واستكبرتِ وكنتِ ؛ كثل عائشة ويعمر والجحدري. هذا يعني بالضرورة أن تكون ما قبلها فكذّبتِ. السورة 108: الآية 3: شانئك قرأتها شانيك ].
عن الاوان
#نبيل_فياض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
---رد على ما يسمى بالعلماء ونصّابي الشهادات العليا في مسألة
...
-
الوجه الآخر للعملة كيف يتعاطى التراث الإسلامي مع الغير -اليه
...
-
بعد هجوم الغوغاء الإسلامي على مراكز الحضارة في دمشق:
-
عيد بأيّة - كل عام والأمن السياسي... بخير!!!
-
إعلان دمشق: التوتاليتاريّة البعثيّة القديمة بلغة ناصريّة غير
...
-
ورقة النعوة السنيّة: هل ستنهار سوريّا؟
-
بسّام درويش: من منكم بلا خطيئة!!؟؟
المزيد.....
-
توجيه تهم رشوة للملياردير الهندي غوتام أداني في نيويورك
-
نيوزيلندا تدرج -حزب الله- اللبناني و-أنصار الله- على قائمة ا
...
-
غارات إسرائيلية عنيفة استهدفت ضاحية بيروت فجرا (صور + فيديو)
...
-
التعب الطويل: إرهاق يستمر بعد الإصابة بالعدوى
-
ضبط لحوم حمير قبل اجتياحها أسواق ليبيا (صور)
-
صحيفة عبرية تحصي عدد العسكريين السوريين القتلى في الغارات ال
...
-
-الشيوخ الأمريكي- يبقي باب تسليح إسرائيل مفتوحا على مصراعيه
...
-
بدولار فقط.. قرية إيطالية تقدم عرضا مغريا للأمريكيين المنزعج
...
-
مباشر: الإعلان عن مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين في معارك لبنان
...
-
أنقرة تندد باستهداف الحوثيين سفينة تركية بالبحر الأحمر
المزيد.....
-
حَمّاد فوّاز الشّعراني
/ حَمّاد فوّاز الشّعراني
-
خط زوال
/ رمضان بوشارب
-
عينُ الاختلاف - نصوص شعرية
/ محمد الهلالي
-
مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة
/ فاروق الشرع
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5
/ ريبر هبون
-
صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4
/ ريبر هبون
المزيد.....
|