|
الغرب وأسطورة التقدم
فتحي الغربي
الحوار المتمدن-العدد: 3096 - 2010 / 8 / 16 - 20:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هنالك توجه نقدي لعلاقة دول المركز بدول الهامش ،أصبح يتطور خلال العشرين سنة الماضية و خاصة لدى بعض المفكرين من دول أمريكا اللاتينية مثل:انريكي دوسيل و انيبال كيخانو.هؤلاء يسلطون الضوء على حقيقة أنه على الرغم من تعميم إنهاء الاستعمار ، فالتبعية واستغلال المستعمرات السابقة لا تزال قائمة. بالنسبة لكيخانو ، المنطق الاستعماري هو ابعد من الاستعمار نفسه فهو مجموعة "قيم" مشكلة لأيديولوجية ولدت مع العالم الاستعماري الحديث منذ القرن16. هو مبدأ وإستراتيجية رقابة لها سمات مميزة. وقد تجاوز المنطق الاستعماري مفهوم الاستغلال الاقتصادي المحض لخدمة هدا الاخير. لذلك فهدا المنطق يؤسس للمركزة الأوروبية لتصبح القوة المحركة للتفرقة الدينية والعرقية وخصوصا معرفيا. هذه النظرة هي الأكثر خطورة إذ أنها لم تشكل فكر وسلوك الحاكم(المستعمر(بكسر الميم)) ولكن أيضا ا فكار وسلوك المستعمر(بفتح الميم) إبان وبعد الاستعمار. فكرة نقاء العرق أو الدم أصبحت تشكل المبدأ الأساسي لتصنيف الشعوب في جميع أنحاء العالم ، وإعادة تحديد الهوية لتبرير العبودية والعمل المذل.التصنيف ألاثني أو العرقي ما يسمى برباعية كانط (سود افريقيا ،حمر امريكا، صفر اسيا و بيض اوروبا) تخلق كيانات جيوتاريخية ، وتضع تسلسلا هرميا بين الأوروبيين وغير الأوروبيين وهده احد السمات المميزة للمنطق الاستعماري. جانب آخر من هدا المنطق تجده في التجسيد الخطي للزمن. لقد نشأ التأريخ قبل القرن 16، وهي سمة أساسية من الحداثة. لدى يجب العودة الى اصول المسيحية الأولى للعثور على أثار له في مجلس الأساقفة الذي أرسى أسس العقيدة المسيحية. فللفصل بين "المعتقدات الوثنية" ، و "العقيدة المسيحية" ،قررآساقفة الكنيسة التخلي عن فرضية ولادة جديدة والتفسير الدوري للزمن وهي المعتقدات التي سبق أن وافق عليها المسيحييون الأوائل. لذلك ، فإن الزمن يظهر في التجسيد المسيحي بوصفه خط زمني توجد به مجموعة من الاحدات : نشأة ، سقوط ، كشف لموسى ، ميلاد المسيح ، الصعود على الجبل ، تم البعث وفيما بعد ، ظهور مدينة الله ، كما يشيرالقديس أوغسطين. المذهل هو ان الاعتقاد العقلاني في مستقبل متجه نحو التقدم ، وهوعنصر رئيسي من عناصر المثالية لحقبة الانوار ليس الا مجرد إعادة للتركيب المسيحي للتاريخ : بعد البدايات البطولية للفكر في اليونان ، وبعد حلول الظلامية في القرون الوسطى ، ها هو تجديد الحداثة وظهور انوار العلم الحديث ، مرفوقة بعدد رائع من اخترعاته. فبالنسبة للمسيح التكنولوجيا والعلوم ترد بوصفهاتجسيدا لمخلص يضمن ظهور عالم رغيد (الجنة) في المستقبل. غالبية فلاسفة التاريخ الغربيين ،سوف يعيدون هذا التجسيد الخطي للزمن. بالنسبة لكوندورسي الإنسانية تتقدم خطوة واحدة باتجاه ظهور العقل ، عن طريق تكوين الجنس البشري في مجال العلوم.اما بالنسبة لأ?وست كانت سنمر من "الحالة اللاهوتية " للمجتمع ، إلى" الحالة الميتافيزيقية "، وأخيرا نصل الى "الحالة الايجابية ". بالنسبة لهيغل التاريخ يسير نحو ظهور دولة الله ، وهي أعلى مظهر منمظاهر الروح. بالنسبة لماركس ، نهاية التاريخ سيكون مجتمع بلا طبقات ، وحركة التقدم تتحقق في الصراع الطبقي. منذ عصر النهضة ، وعلى هذا الخط الزمني ، لايتم تسجيل إلا تلك المحطات التي يتم اختيارها. و بالتالي يتم تنظيف التاريخ من أي شيء يمكن أن يضعف من تجانسه ، وانسجامه.الاثنيات الأوروبية هن وحدهن أطراف في هذه المسيرة نحو التقدم. جميع الاتنيات الأخرى تجد نفسها مقيدة في جمود موحش لتنزل الى شبه انعدام في الزمن. كما يعبر عن ذلك بشكل جيد والترمنيولو : "منذ عصر النهضة ، والزمن يعمل كمبدأ يرتب الاماكن بشكل تصاعدي ، يضعهم في المقدمة او المؤخرة وفقا لمبادئ سادة الزمن". الأفارقة والهنود الحمر حضارات يسهل استبعادها من التاريخ لأنها لم تكن معروفة في أوروبا قبل عصر النهضة. إلا أن هنالك صعوبة اكبر مع حضارة العرب والمسلمين التي تدخلت خلسة في هدا الخطي الزمني المثالي. ما العمل؟ دفعها الى هاوية همجية القرون الوسطى! اختراع اخر ، ومجال آخر من الاستبعاد!الحقبة القروسطية توظف لدفن حضارة كانت ساطعة لأكثر من سبعة قرون ، تمتد من الهند الى جنوب أوروبا.أسطورة القرون الوسطى المظلمة او وادي الدموع على الحداثة ،لا يمكن أن تحجب تماما علماء بمكانة ابن رشد ، أو الخوارزمي. يمكننا ان نثقل الجتة لاخفائها تحت الماء ،لكن ستطفو في الاخير على السطح. ادن سنسعى جاهدين الى التقليل من اهميتهم: المسلمين ، بعد كل ما جرى ليسو الا مجرد نساخ يعيدون كتابات فلاسفة و علماء اليونان ، و لصوص للاعمال الادبية الهندية... لم يتبقى الا ان ينعتوا بلصوص غصار كما في قصص علي بابا،... إلا أننا ننسى أن الحضارة الغربية ، و كمتلقي جيد بنيت من خلال مساهمات الحضارة العربية الإسلامية. وهذا ، بالطبع ، لا يعتبرحدثا استثناءا ، لأن جميع الحضارات تتبادل فيما بينها. المذهل هو أنه منذ العصور الوسطى مرورا بعصرالنهضة وعصر "الانوار" الى أيامنا هذه لا يبدو ان هده المؤامرة ستزول ، بل على العكس تماما. ففي عام 2008 ، جاء المسمى سيلفان ?و?نهيم ، في كتابه "أرسطو في جبل سان ميشال ، الجذوراليونانية لأوروبا المسيحية" ليجادل بأن خصائص اللغة العربية تجعل الحضارة الإسلامية ،غير مؤهل لتلقي الثقافة القديمة بسبب وجود التعارض بين اللغتين العربية واليونانية! التراث القديم تم الحفاض عليه و نقل الى أوروبا من طرف مسيحيي الشرق: السرياك... هدا الكاتب الدخيل طرد بشكل نهائي! مع الادانة الجماعية للأكاديميين الذين رفضوا هذه الأكاذيب لكن موقفهم لم يكن بحجم العداء للإسلام ، وإشادت وسائل الاعلام الرئيسية له. هذا الزمن الخطي الأسطوري يقوم بتقطيع و لصق الأحداث التاريخية وفقا لاحتياجات "القضية" كما لو كان بفعل ساحر يسمح باقتران الحقبة اليونانية القديمة ، التي يعود تاريخها الى اكثر من الفي عام بعصر النهضة. و لكن يعلم الله بكم يبعد الفكر والحضارة اليونانية عن الفكر المسيحي اليهودي. اليونانيون لديهم الوقت او الزمن يتجسد بشكل دوري. أفلاطون سرح بوضوح : الوقت يتحرك في دائرة. في نشأت الكون عند الستواسيون ، زوس يتغذى بالعالم. الكون يستهلك دوريا من طرف النار التي خلقته لينبعت من رماده ثم يعيش نفس القصة. الفكر اليوناني أقرب إلى حكمة الشرق ،بتجسيد دوري لكون يتجدد دائما كما في الفلسفة الهندية. الانسان يعيش حاضره كاملا بدونأسف على مرور الوقت اوخوفا من آمال كاذبة. نيتشه هو واحد من الفلاسفة الغربيين القلائل الذين استوعبوا عمق هذا الفكرالذي يجبر الانسان على تحمل المسؤولية. الخط الأسطوري للزمن سيسمح للغرب ، مند عصر النهضة ،بتقديم تطور المعارف كانتاج او ابداع اوروبي خالص. هذه المعرفة الغربية ستقدم للعالم بدون تحديد جغرافي ،إثني وعرقي ، أو طبقي. أصبحت العلوم الغربية هي "العلوم" في المطلق. وقد أتاح ذلك للانسان الأبيض والغربي ليقدم معرفته بانها فريدة /وحيد تصل الى مستوى العالمية ، وبالتالي إزالة العلوم و المعارف الغير غربية با عتبارها خصوصية، وغير قادرة على الوصول إلى العالمية . حينما نقول : "الطب" يجب أن نعني "الطب الغربي" ، ليس مطلقا كما هو الحال بالنسبة لممارسة الطب في الصين ويسمى تلقائيا بمصطلح "الطب الصيني" لانه خاص ،تقليدي وشعبي الخ... إن نظرية المعرفة الأوروممركزة تعتمد خارج الزمان والمكان ، وتتخذ موقف مبدع ، ينحي بقية المعرفة الإنسانية إلى مستوى الفولكلور. أسطورة التقدم هده التي تميز الحداثة تجمع بين هرمية العرق والتاريخ والمعرفة. بالنسبة لمدرسة امريكا الجنوبية من بين هدا الخليط من العوامل نجد البنية التحتية لا تشكل عاملا حاسما مقارنتا بالبنية الفوقية كما في النظرية الماركسية. جميع العوامل متشابكة وتكون تجمعا يشكل في نفس الوقت غاية ووسيلة للهيمنة الامبريالية. عبر تاريخ النظام العالمي الحديث ، الثقافة ، العلم ، و المعرفة التي تنتج في الغرب تعتبر مفضلة باستمرار ، وتخلق علاقاتها مع غيرها من الثقافات والشعوب من موقع التفوق لتبقى صماء غير مبالية للعلوم الفزيائية للكون وعلوم المعرفةالغيرغربية. ومن هذا الموقف اعتقدت أوروبا بان لها الحق بان تفرض على غير البيض ، حسب العصور، مسيحيتها ، مهمتها الحضارية ، وتنميتها ، وكان آخرها ديمقراطيتها وحقوقها للانسان. مشروع التحرر من استعمار العقول و الشعوب يتطلب عالمية منفصلة عن العالم الامبرياليالاوروممركز سواء كان يميني أو يساري. الفكر ما قبل الحداتي ، على سبيل المثال ، ولوان له انتقادات كثيرة مقارنة بالحداثة ، إلا أنه لا يبقى منحصرا في منظور أوروممركز و بعيدا عن اهتمامات الهامش. من جهة اخرى ، اعادة انتاج النظرة الشمولية للاشتراكية الأوروممركزة فيالقرن العشرين ، و التي هي وليدت مركز معرفي مهيمن بشكل عمودي على بقية العالم ، سيشكل تكرارا لنفس الأخطاء التي أدت إلى فشل اليسار. كما يشير له رامون ?غوسفو?يل : "هذا المشروع الجديد يجمع ما بين "الحداثة العابرة او المتنقلة" "Transmodernité" لدوسيل و" اشتراكوية السلطة " لكيخانو. "الحداثة العابرة " لدوسيل تقترح "التنوعية" " diversalité " كمشروع عالمي لإنهاء استعمارالحداثة الأوروممركزة ، في حين أن" اشتراكوية السلطة " لكيخانو هي دعوة لتشكيل خيال عالمي جديد ،راديكالي ضد النمطية يحرر المنظور الماركسي / الاشتراكيي ، ليخرجه من حدوده الأوروممركزة . الهدف في الاخير هو حركة تفكيك ثم إعادة بناء ، قادرة على تحطيم هيمنة المنطق الاستعماري العمودي، لبناء عالمية أفقية و متعددة مكونة من تنوعية العلوم المعرفية ، تلاقيهاوتفاعلها. حين ذلك تكون النهضة ، نهضة جميع الشعوب ايذانا بالقضاء على الهيمنة الامبريالية العرقية والمعرفية للأقلية.
#فتحي_الغربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|