جورج فارس
الحوار المتمدن-العدد: 3095 - 2010 / 8 / 15 - 19:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مهما بلغت قدسية أي انسان.. فلابد أن ندرك أن لا أحد لا يخطئ... حتى الأنبياء أنفسهم يخطؤون...
قدسية الأنبياء حوّلت حتى أخطائهم إلى قوانين واجبة التطبيق...
تكمن المشكلة الرئيسية فيمن يُسَمَّون أنبياء في هالة القدسية التي تحيط بهم باعتبار أن كل ما قالوه وكل ما فعلوه واجب التطبيق والتنفيذ دون الأخذ بالإعتبار أنهم قد يخطؤون وقد تكون أخطاؤهم جسيمة أحياناً أو قد يتصرفون تبعاً لأهوائهم أحياناً أخرى، وهذا ما جعل هذه الأخطاء وتلك الأهواء تصبح قوانين ومُثل على الجميع اتباعها والخضوع لها، وهنا يمكننا أن نصرخ وا مصيبتاه.
قدسية الأنبياء شكلّت جدار حمايةٍ لهم حتى من النقد...
وهذا بالحقيقة ما زاد الطين بلةً، فإطلاق اسم نبيٍ على شخصٍ ما أصبح يعني بالضرورة أن عملية نقده ممنوعة كما أن الإقتراب منه محرّمٌ وإلاّ سيكون هذا مساساً وعدم احترام للمقدسات. وإن غياب حالة النقد والتدقيق والتمحيص هذه ستعمل على زيادة ترسيخ القوانين التي تشكلت نتيجةً لأخطائه.
فالأمة التي لا تفصل بين أخطاء عظمائها وإنجازاتهم ستكون قد ساهمت في تسرب هذه الأخطاء إليها رويداً رويداً وستصبح آفةً في مجتمعاتها وستصبح عملية التخلص منها صعبةً جداً إن لم تكن مستحيلة وهو ما سيؤدي إلى تدهور حالة هذه الأمة وتراجعها على أصعدةٍ كثيرةٍ.
قدسية الأنبياء أصبحت منطلقاً بدلاً من أن تكون نتيجةً...
إن سيرة حياة أي انسان هي التي ستحدد استحقاقه لدرجة القدسية أوالإحترام من عدمهما، ولكن ما يحدث الآن هو أن القدسية أصبحت أمراً مسلّماً به وبالتالي أصبحت منطلقاً ومعياراً على أساسه نقبل أو نرفض التراث الذي يتحدث عن هذا الإنسان أو ينقل عنه، في الوقت الذي يجب أن يكون هذا التراث هو المعيار الذي على أساسه نمنح القدسية لمثل هؤلاء الأشخاص. وهذا ما جعلنا اليوم نقوم بعملية تغيير التراث بإلغاء ما لا يتوافق مع القدسية التي منحناها مسبقاً والإبقاء على ما يؤكد هذه القدسية، بدلاً من دراسة هذا الموروث ثم الحكم بالقدسية. علماً أن دراسة الموروث يجب أن تكون من أجل الإستفادة منه وتجنب أخطائه وليس من أجل البحث فيه عن القدسية وذلك بعد الأخذ بالإعتبار أن قدسية أي حامل رسالة تنبع من قدسية رسالته أولاً ومن مدى التزامه بهذه الرسالة ثانياً.
إن عملية تغيير التراث بما يوافق القدسية التي صنعناها هي أولى الخطوات في رحلة التغييب العقلي والتي ستزيدنا سباتاً بمرور الوقت.
فقدسية الأنبياء التي صنعناها بأيدينا أصبحنا نحن من ندفع ثمنها في عقولنا ومجتمعاتنا وأيضاً في أجيالنا، وكم أتمنى أن تصحو أجيالنا على ما غفلنا عنه نحن.
#جورج_فارس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟