|
متى أستطيع..؟
نادين البدير
الحوار المتمدن-العدد: 3092 - 2010 / 8 / 12 - 08:28
المحور:
سيرة ذاتية
(بعض من مقدّمة) أينما أذهب يوجهون لي ذات السؤال اللعين، كأنه جرس إنذار يحرمني من الراحة. جميعهم يشتركون بذات السؤال: ألم يحن الوقت لإصدار أول كتبك؟
لماذا يصر الجميع على إزعاجي؟ هل رسم على وجهي وشم لكتاب ؟ حسناً أشكر اهتمامهم بأمر رأسي الصغير وما ينتجه من لوحات.. لكن لو يعلمون كم يزعجني سؤالهم
اعتدت أن أومئ برأسي وأبتسم موافقة. أرد عليهم بعبارة واحدة: نعم بالتأكيد. أعمل على ذلك وسيصدر الكتاب قريباً يزدادون فضولاً. ترتفع نسبة الأسئلة
عما تدور فكرته الرئيسية؟-
إنها مفاجأة -
كذبت كثيراً، إذ لم يكن بجعبتي أي مفاجأة كتابية تنتظر النشر، ولم أكن قد كتبت فصلا ولا حتى سطرا جاهزا للقراءة. صحيح أني بدأت قبل أربع سنوات كتابة المؤلف المزعوم لكني توقفت بعد تأليف خمس صفحات فقط، اعتبرته إنجازا كبيرا أن يكتب المرء خمس صفحات. صرت كلما أردت البدء بالكتابة أعيد ترتيب ذات الصفحات الخمس، أقلبها بإعجاب. أقرأها. أنتقدها. أسخر منها. أعيد تنسيق سطورها وقد أصحح نحو لغتها فأضيف كلمة أو أحذف فقرة، لماذ؟ لعلي شردت. هربت. خفت. أو أصابني الهلع. لا أعلم ما حدث. لكني توقفت
كانت خمس صفحات لا تمكنك من تحديد هوية الكتاب وما هيته، أهي بداية رواية أم كتاب تحليلي؟ أهي كتابة عن نفسي أم عن الغير. حتى أنا لم أكن أعلم الهدف من تلك الصفحات الخمس وإلى ماذا تقود؟
اتجهت لبلدان عديدة علي أتمكن من الكتابة. كنت أشرد بذهني كلما بدأت التفكير، ويسرح خيالي بعيداً . أذكر أشياء من الماضي السحيق، فيضيع النهار وأنا أستحضر الماضي، وقد أنتفض فجأة فأتذكر سخافات يجدر بي القيام بها كزيارة أحدهم أو التسوق مثلاً. أغلق جهاز الكمبيوتر وأرتدي ملابسي وأتجه للساحات المليئة بالناس. مؤكد أن الفكرة ستواتيني هناك. أعود وأنا محملة بالمشتروات والأفكار والكتب الجديدة متناسية هدف مجيئي لهذه المساحة الأرضية. سافرت وتنقلت، وجلست على مقاه لا عدد لها. تحدثت مع كثيرين عل أحدهم يلهمني بفكرة، بكلمة، بتوجه، لكن دون فائدة لمَ لا أكتب؟
تعذرت مرة فقلت إن انشغالي بأزماتي هي سبب حرماني من الإلهام، لكن عدا عن أزمات والداي التي لا تنتهي فقد كانت حياتي تمر بشيء من السلام، يشوبها بعض الاسوداد أحياناً لكنها جيدة بصفة عامة..كانت مجرد ذريعة مرة عشت في أحد المدن البعيدة النائية.. أمضيت الوقت بالتنزه بالمكان ومرة اتجهت لبلدة أوروبية ، حالفني الحظ بشيء كبير من الرغبة القوية للكتابة لكن دون القيام بذلك فعلياً، كنت أتنزه على ضفاف نهر هناك منبهرة بجماليات المشهد وأجري مقارنات بينه وبين الصحراء التي أعيش بها لأستخرج ذات النتيجة كل يوم : الأرض كلها ملكي
ومرة كان مسرح الكتابة قرية نثرت بيوتها على سفح جبل قديم.. لا فائدة أبدا
أريد أن أكتب. لم لا أكتب؟
ومرة ومرة ومرات عديدة.. بدأت أكبر، أود أن أسجل شعوري وانفعالي ورأيي. لم تعد تكفيني مقالاتي الصحفية الأسبوعية في الصحف العربية.. أريد جنونا أكبر. فأنا ناسكة متصوفة حين يأتي الأمر لترجمة عقلي كتابياً. كانت قدرتي على الاستفراغ الكتابي الذي يفعله كثيرون معدومة، وكنت أعرف أن الكتابة مبدأ روحاني خالص كالرقص تماماً، فروحي هي التي تكتب. ورغم أن يدي لم تتحركا وقتها إلا أن روحي كانت تسبح في الفضاء تكتب بانطلاقات وإلهامات عجيبة قلما أشهدها. كانت تدفعني دفعا للتفكير. فحين يتطلب العمل اشتراك الروح كعضو رئيسي فإن كافة الأشياء من حولك ستبدو مختلفة...الناس، الشوارع، المتاحف، الأنظمة، الأديان.. كل شيء تراه روحك بطريقة مختلفة وأكثر حكمة من عينك الفارغة القاصرة، المحدودة بين أسوار المدنية. المشكلة أن روحي كانت تكتب على صفحات السماء فقط. حاولت وبذلت الكثير لألتقط الجمل وأسجلها كتابة، لكنها كانت في كل مرة تختفي كأنها لم تكن، بعضها محته الغيوم حين تلبدت فوقه وأقسمت أن تعزلني عن نتاج عزلتي، مذ ذاك اليوم والسماء متجمدة. لم تمطر من أربعة أعوام. حتى الطبيعة اشتركت بالمؤامرة. وحين تذاكيت مرة فاخترت سماء صافية، قامت المدنية بالمهمة فشوهت أدخنة الطائرات سطوري التي اختفت من يومها. متى أكتب؟
أكان انشغالي باكتشاف العالم من جديد أحد جوانب تأخري عن التأليف؟ ربما. أنا لم أملك الوقت الكافي للكتابة على الورق أو ربما أن الورق لم يملكني بعد. سحبتني اكتشافاتي الجديدة والأوراق السماوية النقية التي كانت جاهزة لأن تتحول لأعظم كتاب. لكنها لم تتحول، بل تركت لمصيرها. وقتها كنت أسافر، كنت أجوب العالم، وأرى أشخاصا لم أكن أعرفهم، يظهرون. يختفون. من أعمار وعصور مختلفة، بعضهم قد يلقي على مسمعي بعبارات أو كلمات غير مفهومة. تنسى بمجرد اختفائهم. لكني اليوم سئمت الصفحات الخمس.. سئمت تعذري. مللت من اكتشاف رفقاء السفر المجهولين.
سئمت حياتي غير المدونة وأردت تدوين كل شيء
الآن استيقظت فجرا قبل أن يستيقظ ضجيج العائلة
الآن أكتب. أو أتوهم
(بعض من مقدمة فصلي الأول)
#نادين_البدير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فتوى المرضعات الجدد
-
ما بكم؟ وما كل هذا الغضب؟
-
أنا وأزواجى الأربعة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|