|
أية حكومة فلسطينية نريد..
رياض المالكي
الحوار المتمدن-العدد: 937 - 2004 / 8 / 26 - 12:56
المحور:
القضية الفلسطينية
*هل نبحث عن حكومة شلل سياسي وحكومة توزيع مناصب ومنافع، أم نبحث عن حكومة حراك وقرارات منسجمة فيما بينها وبين واقع الحال الجماهيري؟* كثُر الحديث مؤخراً لدى فئات حزبية محددة عن ضرورة إدخال تعديلات جوهرية على عملية صنع القرار الفلسطيني القائمة حالياً، وأهمية إشراكها فيها من خلال تبني تشكيلات قيادية جديدة، إمّا باسم إقامة قيادة وطنية موحدة أو حكومة إنقاذ وطني أو حكومة وحدة وطنية أو أية تسميات أخرى متشابهة، تصبّ في نفس الهدف، وتؤدي إلى النتيجة ذاتها؛ أي الدعوة الـمباشرة وعملياً إلى انقلاب على الديمقراطية الفلسطينية الناشئة.
هناك الكثيرون ممن فقدوا دورهم مع بداية تجربة السلطة، أفراداً كانوا أم أحزاباً، بسبب التحول الجوهري في لعبة صنع القرار الفلسطيني، وانتقالها من تركيبة الإجماع الـمريحة لعملية صنع القرار الـمتبعة داخل منظمة التحرير، والتي استفادت منها تاريخياً كافة الأحزاب والفصائل بشكل يفوق حجمها بكثير، إلى تركيبة السلطة التي اعتمدت الانتخابات أساساً لتشكـيلتها أو لنهجها بسبب حاجتها دوماً إلى مصادقة الـمجلس التشريعي، الـمنتخب جماهيرياً بشكل ديمقراطي. مرجعيات أوسلو حدّدت جوهرياً مركز الثقل في عملية صنع القرار الفلسطيني من خلال تأسيسها للسلطة الفلسطينية ابتعاداً عما وُجد سابقاً من منظمة التحرير، وتفاعلات الوضع القائم أضافت عملياً أبعاداً جديدة إلى مرجعية صنع القرار، ما همّش تماماً دور تلك الفصائل والأحزاب، بغض النظر عن مشاركتها أو معارضتها انتخابات العام 1996. يبدو أن تلك الأحزاب والفصائل تندب في هذه الأيام دورها الـمهمّش، ولا تكتفي بالدور الأكثر هامشية الذي أعطاها إياه الرئيس عبر الاجتماعات الدورية الشكلية القائمة، وإنما تبحث عن توسيع لهذا الدور بشكل دائم، وتأخذ من تردي الأوضاع السياسية والأمنيّة العامة مبرراً للعودة إلى طرح الأُمْنية السابقة بالاستمتاع الجزئي بالسلطة، ولو شكلياً، عبر العودة إلى التأكيد على ضرورة تشكيل حكومة إنقاذ أو حكومة وحدة وطنية أو قيادة وطنية موحّدة. كيف يمكن لحكومة إنقاذ تجمع أطياف العمل السياسي الـمتنافرة أن تنقذنا من أوضاعنا، إن كانت هي جزءاً منها، وسبباً لهذه الأوضاع، وبحاجة إلى مَن ينقذها؟ وهل تملك الخطط والأفكار الـمبدعة لعملية إنقاذ ناجحة؟ وهل بإمكانها أن تُنقذ ذاتها من الأوضاع الـمتردية التي وصلت إليها على مستوى العمل السياسي والأيديولوجي، أو في مجال إدخال الديمقراطية إلى الحياة السياسية للحزب، أو في تطور خطابها السياسي، أو في إمكانية إقناع أعضائها التاركين بعودتهم إليها، أو باستقطاب أعضاء جدد؟ يجب أن تكون تجربتها في إنقاذ ذاتها هي الخطوة الأولى لإقناعنا بقدرتها على إنقاذ مجتمع بأسره، وعليه؛ فنحن نراقب وننتظر قبل أن تُقْدم على طرح ذاتها في عمل هو أكبر بكثير من إمكانيات تتوفر لديها حالياً. أمّا فكرة حكومة وحدة وطنية فمن الصعب استيعاب طرح هذه الفكرة من قبل تلك الفصائل، خاصة عندما تحمل هذه الفصائل مواقف متباينة ومختلفة كلياً عن الـمواقف التي تبنتها أو قد تتبناها الحكومة أو السلطة القائمة، ما من شأنه أن يُضيف حالات اختلاف وتناقض بين مواقف أقطاب حكومة الوحدة الوطنية في أغلب القضايا، خاصة السياسية منها، ما سيعطّل تماماً أي حراك سياسي فلسطيني مرتبط بعملية السلام، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية العام 1967. فهل نبحث عن حكومة شلل سياسي وحكومة توزيع مناصب ومنافع، أم نبحث عن حكومة حراك وقرارات منسجمة فيما بينها وبين واقع الحال الجماهيري؟ أما الدعوة إلى تشكيل قيادة وطنية موحدة فهي عملية نسف وتجاهل لـمرحلة السنوات العشر الـماضية، خاصة التزامات منظمة التحرير لها، ومحاولة إحلال قيادة جديدة بدل قيادة منظمة التحرير، وبدل السلطة الفلسطينية القائمة، متعارضين بذلك مع مرجعية السلطة الفلسطينية والتي تتمثل في منظمة التحرير والـمجالس الوطنية الـمتعاقبة. لا يمكن إحلال عملية نسف كاملة لواقع منجز فلسطينياً بسبب تغيبها ديمقراطياً عن عملية صنع القرار، وما يرافقه من امتيازات.
هناك طريقان، لا ثالث لهما، لعودة تلك الأحزاب إلى مسرح الأحداث فلسطينياً، وهما إمّا أن تتأقلـم مع الواقع الجديد، وأن تُحدّث بنيتها الداخلية، وتسمح بالديمقراطية والتجديد باقتحام حـصنها الـمنيع ضد التطور، وأن تبدأ قراءة الواقع بعقلية الواقع، وهذا ما قد يوفر لها فرصة ضئيلة بالاستمرار ولو جزئياً ضمن خارطة العمل السياسي والحزبي الفلسطيني الـمستقبلي، وهذا الطريق في حال تبنيه سوف يعمل على إحداث تغييرات جذرية في هيكل قيادة تلك الأحزاب، وهو ما لا نتوقع حدوثه ضمن عقلية القيادة الحالية الثابتة والراسخة ضد التغيير والتطور. أمّا الطريق الأسهل لهذه الأحزاب، فهو إعادة ضمها إلى عملية صنع القرار الشكلي عبر تركيبة منظمة التحرير، ونقل تلك التركيبة إلى مستوى السلطة والذي سيعطيها ما قد فقدته أصلاً من نفوذ وسلطة وتمويل وتعيينات ودور منذ نشأة السلطة، وما لـم تعد تستحقه ديمقراطياً بسبب عدم مشاركتها في انتخابات 1996، وضعف تأييدها شعبياً، كما تشير كل الاستطلاعات. هذه الأحزاب تعلـم تماماً أن فرصتها في العودة أصبحت شبه معدومة عبر العملية الديمقراطية لضعف الدعم الجماهيري والـمصداقية التي توقفت عن إنتاجها عبر السنوات العشر الـماضية، وعليه؛ فهي تبحث عن البقاء والاستمرار ضمن الواقع القائم، والذي لا يمكن أن يضمن لها ذلك قطعياً إلاّ إذا تم اعتماد فكرة حكومة وحدة وطنية أو حكومة إنقاذ وليس أي شكل آخر. العودة إلى مسرح الحدث عبر حكومة إنقاذ أو وحدة وطنية هو أسهل وأرخص وأضمن طريقة بأقل التكاليف وأعلى النتائج والفوائد. هذا الطرح هو أحادي الفائدة ولا يخدم العملية الديمقراطية التي عملنا طويلاً لإحلالها على مستوى التمثيل والقرار.
إذا ما راجعنا مصدر الدعوات الصادرة من مختلف الاتجاهات بصدد ضرورة تشكيل قيادة وطنية موحدة، أو حكومة إنقاذ وطني، أو حكومة وحدة وطنية فهي مصدرها ودون أي استثناء تلك الفصائل والأحزاب التي تبحث لنفسها عن دور في الوضع السياسي الفلسطيني، بعد أن فقدته أو تأمل في امتلاكه بعد طول انتظار. بالتأكيد هناك اختلاف بين الدعوة إلى حكومة أو قيادة، والاختلاف هو بين الفصيل الـمؤيد لأوسلو والـمعارض له، أما الرغبة فهي ذاتها والهدف مشترك وأسبابه نفسها.
مَنْ يُؤمن بالنهج الديمقراطي وبالنجاحات النسبية التي تمت على هذا الصعيد عليه أن يقاوم هذه الدعوات، وكل من يُؤمن بالحراك الايجابي على مستوى العمل السياسي الداخلي وارتباطاته الدولية والإقليمية عليه أن يقاوم هذه الدعوات، وكل من يرفض نقل التباين والخلاف بين الفصائل الفلسطينية إلى داخل السلطة أو داخل عملية صنع القرار الفلسطيني، ويرفض إحلال الجمود السياسي أو تجزئة القرار بناءً على مصالح حزبية أو توزيع أدوار ومنافع فعليه أن يقاوم هذه الدعوات. الدعوة الحقيقية التي يجب أن تتبناها كافة الفصائل والأحزاب هي الدعوة إلى الانتخابات والـمشاركة الايجابية فيها، وتحفيز الـمواطنين على التسجيل والانتخاب كي تضمن لجمهور الناخبين قراءة متأنية وعميقة للبرامج الانتخابية لكل مرشح ضمن قائمة حزبية أو غير حزبية من أجل اختيار الـممثل/ة الـمناسب/ة في الـمكان الـمناسب، لعل وعسى. هذه هي الطريقة الديمقراطية الأكثر رواجاً والأكثر مصداقية بحيث لن تحتاج هذه الفصائل والأحزاب إلى مواصلة دعوتها إلى تبني ما هو غير ديمقراطي ولسنين طويلة، رغم علـمها برفض هذا الـمطلب جماهيرياً. يمكن البدء بخطوة صغيرة تبني صرحاً كبيراً على أسس ديمقراطية، لتُثبت أحزابنا عكس ما أزعمْ! * مدير عام "بانوراما"- المركز الفلسطيني لتعميم الديمقراطية وتنمية المجتمع
#رياض_المالكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شاهد.. قطيع من الأبقار يقطع الطريق أمام سيارة مغامر في أعالي
...
-
بعد اصطدامها بطائرة ركاب.. محققون يبحثون بين حطام طائرة -بلا
...
-
منها -حماس- والمعارضة الإسرائيلية.. قوى سياسية تُعلق على تصر
...
-
ترامب يفاجئ العالم برغبة أمريكية في الاستيلاء على قطاع غزة
-
الرئيس اللبناني يجدد مطالبته بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنو
...
-
فولودين: بايدن وزيلينسكي جعلا الأوكرانيين -حيوانات تجارب-
-
تضمنت قتل 15 ألف عنصر من -حزب الله-.. غالانت يكشف خطة المؤسس
...
-
منظمة التحرير الفلسطينية تعلق على تصريحات ترامب حول غزة
-
WSJ: فكرة ترامب حول -السيطرة -على غزة ظهرت مؤخرا لديه وعلم ب
...
-
-أكسيوس-: أطباء أمريكيون يرفعون دعوى ضد إدارة ترامب بعد إزال
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|