الوطن الضريح

بكر أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 937 - 2004 / 8 / 26 - 08:41
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

الجميع في أرجاء الوطن العربي يتابع ما يحدث الآن في مدينة النجف العراقية من شد وجذب قائم بين المليشيات التابعة لمهدي الصدر من جهة ، وبين القوات الأمريكية من جهة أخرى ، وهذه الحالة من لا حسم يعود إلى أن الموقع المتنازع عليه هو قبر الأمام علي أبن أبي طالب ، لما لهذا القبر من قداسة كبيرة لدى معظم العراقيين ، وعلنا نذكر الصرخة الأولى التي أطلقها مواطن عراقي في وجه جنود الاحتلال حين قال : ( لك كل المدينة إلا المسجد ) ، فدونه وعلى ما يبدوا ستحدث مجزرة أن تم الأقتراب من الضريح .

في فترات متتابعة من المدة الماضية من الاحتلال لاحظنا ومن خلال استطلاعات الجهات الإعلامية عن مواطني الجنوب العراقي ، بأن الأمر مستتب لهم ، وان زوال الاحتلال ليس بالضرورة أن يتم عبر القوة المسلحة ، بل هناك الكثير من الوسائل السليمة التي تؤدي إلى نفس النتيجة ، ولكن وبعد الأحداث الأخيرة في النجف ، تحولت النبرة من مهادنة مستسلمة إلى ضراوة في التعبير والممارسة والتهديد .

من الواضح أن الوطن تقزم إلى حد صحن حيدري وقبر يحتوي رميم إنسان لم يعد ينفع أو يضر ، وأصبح الجميع يستبسل بالدفاع عنه ، فأن تم دحر قوات الاحتلال ، فالأمر جميل ويصبح الغزاة محررين ، وان حدث العكس ، فما هي إلا قوات بربرية غازية ، طبعا هذه نظرة سطحية جدا لا تتعدى الفهم العادي لعامة الناس ، ولكن قوة الضريح بالنسبة للمرجعيات الدينية تتجاوز قيمتها الروحية إلى قمة الاستحواذ المادي والسلطوي والمعنوي ، فالضريح ليس حجارة مقدسة يحج أليها العامة بقدر ما هي كنز لا يمكن التفريط به .

هذه الحالة المزدوجة في فهم الأمور بين العامة من الناس البسطاء ، وبين المرجعيات الدينية سواء كانت سنية أو شيعية ، تعقد الأمور كثيرا ، خاصة إذا كان رجل الدين يملك قوة في الشرح المقنع الذي تربى عليه المجتمع في وقت يبيح لنفسه أن يتصرف بعدة أمور ينزه نفسه من خلال هذه الممارسة عن الخطأ أو الاستغلال ، مستغلا بذلك نصوص دينية تجعل منه حالة استثنائية يستحق أن يقدم المجتمع نفسه ويضحى بآدميته وحقه في العيش لأجل بقائه ! كما أنها حالة تفرز البعد التاريخي الحاضر حتى الآن الذي يقدس الأموات ويجيد استغلالها رجال الدين لمصالحهم الخاصة .

أليس من الغريب بعد كل هذه السنون من النضال الحداثي والدعوة نحو الرقي بالفكر والمجتمع نحو مدنية تستطيع أن تميز بين الدجل والحقيقة ، بين المعقول و أللامعقول ، أن نرى أو نحاول أن نفسر ماذا يحدث في العراق ، وكيف حافظ المجتمع على هذا الوعاء رغم كل ما مضت من أحداث تثبت أولا أن القبور هي مجرد حجارة ما بداخلها مجرد تراب ، وأن معنى الأوطان تتجاوز كل المرجعيات والصحون والمساجد ، والوطن حلما لفهم آخر للتحرر في حرية الجسد والفكر والخيال ، وهذا ما لا تمنحه القبور لمريديها .

دفاع عن قبر وتناسي وطن ، ليمنحنا القبر في حال حافظنا عليه رجعية أزلية ، ويفقدنا الوطن الذي تنازلنا عنه حرية إنسانيتنا المنشودة .

#بكر_أحمد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات