|
الدكتور مقاومة والمستر.....!!
نور الدين بدران
الحوار المتمدن-العدد: 937 - 2004 / 8 / 26 - 13:03
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
في رائعته المأساوية "دكتور جايكل ومستر هايد " يحدثنا الروائي الإنكليزي روبرت لويس ستيفنسون ، عن الدكتور جايكل الذي اختار انفصامه بنفسه ، عبر قيامه بأبحاث طبية وسحرية طويلة ، للوصول إلى ذلك العقار الذي يحقق له الحياة بشخصيتين :خيرة نهارا حيث يعالج المرضى ، وشريرة ليلا حيث يغيب في عوالم الملذات الفاجرة والجريمة .... والنهاية معروفة ، حيث لا يعود المسكين قادرا على السيطرة على شخصيته الشريرة ويذهب ضحيتها في نهاية فرانكشتاينية إذا جاز التعبير . لكننا في سوريا إزاء حالات انفصام جماعية ، لم يبذل على تحقيقها أي مجهود علمي ، و لاسحري ، وأكثر من ذلك أنها واقعية وليست روائية ، وعلى عكس المبدع ، فهي لا تعرف شيئا عن فصامها ، وبالملموس : لنقرأ هذه الأسطر الواردة في بيان صادر عن " التجمع الوطني الديمقراطي في سوريا " بتاريخ 4/8 /2004 : "إن شعبنا يفرق جيدا بين أعمال المقاومة الوطنية المشروعة ، والتي هي حق لكل مواطن ، وتقوم بها قوى وطنية وقومية وإسلامية ضد قوات الاحتلال ، وبين أعمال الخطف والقتل والتدمير الدموية التي تأخذ شكل [التسويد والتكبير من عندي ، والسبب سيتبين لاحقا ] إرهاب موجه ضد المواطنين والمدنيين العزل ، تنشر الرعب والموت في شوارع العراق ، وتطيل عمر الاحتلال، وتشوه سمعة المقاومة الحقيقية ، وتمنع العراقيين من تضميد جراحهم و الخروج من الأزمة . " عندما لم أجد نفسي من شعب " التجمع " القادر على التفريق على أرض الواقع ، ولا على أرض المنشور بين اعمال المقاومة العراقية ، وأعمال القتل والتدمير ..إلخ ، بذلت طاقتي ، ولكنني في الحقيقة ، أعترف بأنني لم أتمكن من من فك ألغاز هذا البيان الشبيه بطلاسم التعاويذ ، حيث ليس هناك أسماء ، للقوى الوطنية والقومية والإسلامية التي يعتز التجمع بمقاومتها المشروعة ، وأيضا لايسمي واحدة من تلك التي تشوه سمعة الأولى ، بممارستها للقتل والتدمير ، مع أننا وعبر جميع وسائل الإعلام ، لم نسمع أخبارا تتحدث بالوقائع والأرقام والأسماء عن التفريق الآنف ذكره ، والذي يقوم به شعب التجمع . هكذا ، وعلى مبدأ طلب العلم ولو في الصين ، ذهبت إلى أحد المسؤولين وهو من الرفاق القدامى ، ولم أكن متطلبا ، فلم أطلب أكثر من مثال واحد ، عن كل حالة ، بل قبلت في النهاية بمثال وحيد ، ولتكن فاعلته المقاومة: اسلامية أو قومية أو ما يشاء ، حتى نناقش فعلا ، وبشكل ملموس ، عملها ، فكرها ، برنامجها ، ناهيك ببنيتها التنظيمية ، وارتباطاتها الداخلية والخارجية ، وحين خابت مساعيّ ، وأتحفني الرفيق بمحاضرة تجريدية، بل بدائية جدا ، كنقوش الكهوف ، حيث وصلنا في غمارها ، إلى أقاصي التاريخ والجغرافيا ، لم نجد هناك مقاومة ما لاحتلال ما ، لم تعلن الى هذا الحد أو ذاك ، وبهذه الطريقة أو تلك عن نفسها ، وأعمالها ، ومهما كانت سرية ، كان يعرف بعض رموزها ، وقادتها ، مع الفارق النوعي بين اليوم والأمس ، في وسائل الإعلام والاتصال ، وغير ذلك ، والحال أن الوضع اليوم في العراق ، منشور على الملأ وعلى مدى الدقائق ، حيث تتبارى الفضائيات وغيرها ، من أجل الخبطات الصحفية ، من نمط " خبر عاجل " و"فلاش " وغير ذلك ، ولم نسمع بهذه المقاومة ، التي يمجدها البيان ، فجميع الأعمال العسكرية التي تقتل جنود الاحتلال والأميركيين المدنيين ، وغير الأميركيين العزّل، والسائقين العرب وغيرهم ، والخ ... هي نفسها التي تقوم بنسف النفط والثروات الوطنية والبنية التحتية وتهدد حياة الأبرياء ، وتمنع العراقيين من تضميد جراحهم ، إنها نفسها في الواقع الفعلي ، ولم تكن من قبل الأشباح ، فقد حددت بدقة ، بدءا من بقايا نظام صدام وبطانته وحواشيها ، مرورا بشراذم الإرهاب على النمط الطالباني كالزرقاوي [ الحقيقة أن الملا عمر يغدو متنورا أمام هذا السفاح] وانتهاء ، بالشباب الموتورين ، والمأخوذين في تيار الشاب الطائش الثائر والخارج من المولد بلا حمّص ، السيد مقتدى الصدر ، والذي قيل في أعماله الكثير ، حيث أظهرت الأحداث الأخيرة كم هذا الرجل ، وجماعته مهتمون فعلا بالوطن ، و بأرواح الناس، وبالعمل السيلسي السلمي ، وكم هو "عراقي" ، وكيف تعاملوا مع الأماكن التي يعتبرونها مقدسة ، والحقيقة أن أزمة المفاتيح ، للصحن الحيدري ، حيث الكنوز الد نيوية ، أزاحت جزءا واسعا من الستارة عن مسرح المقدس ، إذا لم نقل أنها أظهرت الكواليس والممثلين البدائل أو الاحتياط . وبهذه المناسبة مرة أخرى يعطي السيد علي السيستاني صورة للعقل السياسي الراجح والمسؤول ،النقيض لرعونة الطرف الآخر . لكن البيان أبى أن يسمي طرفا من هؤلاء ، أية تسمية ، كما رفض أن يسمي غيرهم ، واستمرفي مدحه لمقاومة بلا اسم ولا جسم ولا تعيين ، كما تابع ادانته واستنكاره لأعمال القتل والتدمير ، المجردة من كل هوية وتحديد ، وهكذا نجد أنفسنا أمام لغز من الألغاز المولع بقراءتها المراهقون ، يمكن ان نسميه ، حرب الأشباح في العراق ، وبذلك سجل التجمع تراجعا فظا نحو التعمية والطلاسم ، حيث كان سابقا أشاد بالصدر ومقاومته الباسلة ، وبانضمامه إلى تحالف الفلوجة ، مشيدا بوحدة المقاومة كتعبير عن الوحدة الوطنية ، وأصالة الشعب العراقي ، وهذه القهقرى أضاعتنا ولم نعد نعلم إذا كان الموقف تغير ام أنه مازال مستمرا ، لا سيما أنه في السابق لم يتحدث عن أعمال قتل وتدمير مشينة ومدانة كما يفعل اليوم . لكن العراق العظيم فعلا ، كان ، حتى في أيام الحجاج ، كما في عهد آخر سلالة الطغاة المخلوع صدام حسين، كان ذا قوى اجتماعية وسياسية وثقافية لها أسماؤها ، وتعييناتها ، ونضالاتها ، ولم يتمكن أي طاغية من تعمية صورة العراق وقواه ، كما فعلت قريحة البيان المذكور ، عاكسة بتلك الهيولى ، رؤيتها ، أو لنقل النسخة السورية ، من الدكتور والمستر ، حيث أصبحت المقاومة الممجدة والمجرمون والقتلة ، وفي اللحظة عينها ، شخصية شبحية واحدة . وباعتبار أن الدكتور مقاومة هو نفسه ، المستر " أعمال الخطف والقتل والتدمير " حزّ في نفس البيان أن يسمي ذلك المستر " إرهابا " ، فمنحه شكل إرهاب ...ويمكن للاختصاصيين بالتحليل النصي وتفكيكه أن يجدوا مادة خصبة لزملائهم ، من التحليلنفسيين، أكثر مما نجد نحن المهتمين بالموضوع المطروح نفسه ، وعلى العموم، كلها غرف في دار واحدة ، مبنية على أرضية ثقافية ، بل دوغمائية واحدة .
لا أدري إذا كان لدينا معرفة بالديمقراطية ، تسمح لنا ونحن نحترم أنفسنا أن نتكلم عن هذه المأثرة البشرية العظيمة ، ولكن الجهابذة بشحطة قلم ، يطيحون بإنجازات شعوب على هذا الصعيد وغيره ، فليس أسهل على جهبوذ ضئيل ، ان يهاجم الديمقراطية الأوربية أو الأميركية ، وحتى أن ينسفهما من الوجود ، جهلا واحتقارا ب ولتضحيات وتاريخ مجبول بالدم والعرق ، والإبداع ، والإنجازات العلمية والفكرية ، فقط لأنه لايعلم أن تلك المسيرة المذهلة ، حتى في أرقى الديمقراطيات ، لم تكتمل ولهذا هناك أحداث من نمط سجن أبو غريب أو غيرها ، وحتى في سجون الولايات المتحدة نفسها ، فضائح أشد وأدهى ، وما شاهدناه من إدانة ، وفضح واستنكار ، وإحراج للقيادات العسكرية ، وحتى لصقور الإدارة الأميركية ، كان بفعل و ضمن المجتمع الأميركي ، ومؤسساته المختلفة ، و هو في العمق دفاع عن ديمقراطيتهم ، قبل أن يكون ، و أكثر مما هو تعاطف مع ضحايانا ، ولكن الجهابذة الصغار لا يرون الأمور إلا على مستوى عقدهم ، وأخطرها عقدة السلطة / المستبدة ، فأميركا هي جورج بوش ، وليست كل هذه الحضارة والثقافة ، وهذا أمر مفهوم نفسيا لمن رضع الاستبداد في بيته وحزبه وعمله . لم أخرج عن الموضوع ، فالأمر يتعلق أيضا بالمسيرة الديمقراطية الجارية في العراق الآن . فحين قلت لصديقي المناضل ، أن بعض الصحف تتحدث عن وجود مئتي حزب ، ومئات الصحف ، والعديد من الفضائيات ، وان استمرار هذا الواقع وتطويره ودعمه وتعميق وتوسيع الفكر التنويري بكل اتجاهاته فيه ، هو الكفيل بوضع العراق على طريق الاستقلال الناجز ، وهذه هي المقاومة الفعلية التي تعطي العراق فرصة الدخول إلى العصر ، كان الرد جاهزا : كلها من صنع الاحتلال . ولكن أيها المناضل الفذ ، ولنفترض جدلا : فما رأيك لو نحطم التلفزيون والبراد والسيارة ، والمطابع وعيد العشاق ؟ المسألة لا تبتسر هكذا . ما يجري هو صنع الشعب العراقي ، بعد أن تهيأت له الظروف ، أي بعد أن أزيح النظام الشمولي البوليسي ؛ الذي كان يمنع ويقمع ويرهب ويقتل من تسول له نفسه التفكير برأي ، ولمن نسي ذلك ، عليه أن ينظر حوله للكثير من البلدان الشقيقة للعراق ، حيث لايوجد فيها احتلال ، فليتنعم ب"الاستقلال" . وحين قلت إن المجلس الوطني العراقي الذي يضم اليوم ، مئة عضوا يمثلون كل الأحزاب السياسية والقوى العراقية والقوميات والأقليات ، خصوصا اليزيدية والصابئة والفيلية والكلدو آشوريين ، فضلا عن التركمان والأكراد ورؤساء وشيوخ عشائر عربية إضافة إلى ممثلي منظمات المجتمع المدني ، و من بين الأعضاء هناك أكثر من 22 امرأة ، كان الرد مذهلا [ صدّق أو لاتصدّق ] : " تماما كما كان على أيام صدام ، إنه مجلس معين" . إن الدوغما ، لا سيما إذا تضافرت معها الموروثات والكسل وعدم البحث ، وهذه الآفات تجتمع عادة ، تعدم الفروق بين حركة مجتمع أو شعب من أكثر من عشرين مليونا ، وبين حركة عصابة صغيرة كما ونوعا ، ولا أسهل على العقائدي وحسب الدرجة ، من قلب المقاييس والمفاهيم والحجوم والأبعاد ، كأن تصبح بعض الشراذم المسلحة والممولة ومن يتبعها [ من شباب معدوم الثقافة وربما التعليم أيضا و يائس ومقموع وجد نفسه فجأة في وضع يسمح له بالتعبير عن حرمانه وضياعه ، ولو بالانتحار ، فراح يثبت ذاته ] هي البلاد وحركة التاريخ والحتمية وإلى ما هنالك من مصطلحات ولدت ميتة . واخيرا ...إن التجربة العراقية إذا ما تمكن المتنورون على اختلافاتهم ، من السير بها الى شاطىء الديمقراطية ستكون التجربة الاولى والفريدة ، في هذه المنطقة الضاربة فيها عميقا ، جذور الاستبداد ، رغم جميع تعقيداتها الداخلية والخارجية . ربما الأنظمة الشمولية في المنطقة، هي الأكثر وعيا وانتباها وخوفا منها ، ولهذا تدعو وتدعم المقاومة .
#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهاوية
-
جاهلة في الضوء
-
الماضوية الحاكمة
-
ماركس في جبة الغزالي
-
قرب البحر
-
البضاعة والعلبة
-
أنا سوري يا نّيالي!
-
شفقة الأيام الخالية
-
زوابع
-
وجه آخر لثقافة الموت
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|