منذر الفضل
الحوار المتمدن-العدد: 3089 - 2010 / 8 / 9 - 20:52
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
في 6 آب من عام 2010 , أصدرت وزراة الخارجية الامريكية قائمة بأسماء الاشخاص والمنظمات التي اعتبرتها إرهابية ضمن منظور السياسة الامريكية ومصالحها الدولية , وبلغ عددها 44 منظمة وجماعة , أغلبها ترفع أو تتبنى شعارات الاسلام , مثل حركة حماس وتنظيم القاعدة الاجرامي وانصار الاسلام وغيرها . في نفس الوقت اعتبرت الوزارة احدى المنظمات التي تناضل من أجل الحرية وتطالب بحقوق شعبها المضطهد بأنها من المنظمات الارهابية , وهي منظمة حزب العمال الكوردستاني الذي يحمل السلاح تارة ويجنح للسلم تارة اخرى ويناضل من أجل قضية الشعب الكوردي شمال كوردستان ضد الحكومة التركية . ولكن وزارة الخارجية الامريكية تغافلت ادراج بعض الاحزاب الارهابية في قائمتها بالرغم من تسبب هذه الاحزاب في احداث الكوارث والمآسي لشعوبها وللعالم وخاصة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي هو شبيه للحزب النازي الالماني في ايدولوجيته ونهجه وجرائمه وهذا تناقض واضح في المعايير الامريكية .
وبداية لابد أن نشير الى إن هذا الموضوع يثير الكثير من الاسئلة وعلامات الاستفهام القانونية والسياسية , منها موضوع تحديد مفهوم الارهاب ضمن معيار عالمي مقبول دوليا , حيث لا يوجد حتى الآن مفهوم جامع ومانع يحدد معنى الارهاب يمكن أن يعتمد من المجتمع الدولي , لا بل إن من كان يصنف ضمن الارهاب في زمن معين صار في فترة لاحقة وطنيا أو زعيما أو ثائرا أو ناشطا في ميدان السلام , والأمثلة كثيرة على ذلك , نذكر منها ما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها ياسر عرفات الذي نال فيما بعد جائزة نوبل للسلام مناصفة مع اسحاق رابين .
يضاف الى ذلك إن الولايات المتحدة الامريكية كانت من الدول المعترضة على ادراج جرائم الارهاب ضمن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية ( تأسست في روما عام 1998 ) التي صارت تنظر في الجرائم الدولية التي تقع بعد 1 ايلول 2002 , واعترضت الولايات المتحدة الامريكية أيضا على فكرة التمييز بين ارهاب الافراد وارهاب الدولة , وقد جرى حصر الاختصاص الموضوعي للمحكمة بجرائم الإبادة الجماعية ، وجرائم ضد الإنسانية ، وجرائم الحرب ، وجرائم العدوان , وهو ما يطلق عليها بمصطلح ( الجرائم الدولية International Crimes ).
لهذا فأن قائمة أسماء المنظمات والجمعيات والاشخاص من الارهابيين التي أصدرتها وزارة الخارجية الامريكية يوم 6 آب من عام 2010 لم تشر الى الدول الراعية للارهاب ضمن الوصف الامريكي . إذ من المعروف إن الارهاب وهو ( التطرف المقترن بالعنف المادي ) قد يقع من الافراد أو من المنظمات والجماعات والاحزاب أو من الدول , كما إن هذه الدول قد تمارس الارهاب ( إرهاب الدولة ) وقد ترعى الارهاب وتدعمه وتقدم له جميع التسهيلات , مثل سوريا والسعودية وايران وبعض الدول الاخرى التي اسهمت وتسهم في ارباك الوضع السياسي العراقي الجديد من خلال دعم ورعاية وتقديم تسهيلات للارهابيين لارتكاب جرائمهم داخل العراق , والادلة كثيرة في هذا الميدان , ولعل أهمها اعترافات المجرمين الارهابيين المتورطين بإراقة دماء الابرياء في العراق والوثائق لدى الاجهزة الامنية العراقية .
-1-
قانون الارهاب في العراق
أصدر المشرع العراقي قانون رقم 13 لسنة 2005 ( قانون مكافحة الارهاب ) وجاء في تعريف الارهاب ما يلي :
((المادة الاولى : تعريف الارهاب
كل فعل اجرامي يقوم به فرد او جماعة منظمة استهدف فردا او مجموعة افراد او جماعات او مؤسسات رسمية او غير رسمية اوقع الاضرار بالممتلكات العامة او الخاصة بغية الاخلال بالوضع الامني او الاستقرار والوحدة الوطنية او ادخال الرعب والخوف والفزع بين الناس او اثارة الفوضى تحقيقا لغايات ارهابية.)).
وقد حددت المادة الثالثة الافعال الارهابية التي يعاقب عليها القانون بعقوبات قاسية تصل عقوبتها الى درجة الاعدام وهذه الافعال هي :
-1- كل فعل ذي دوافع ارهابية من شأنه تهديد الوحدة الوطنية وسلامة المجتمع ويمس أمن الدولة واستقرارها أو يضعف من قدرة الاجهزة الامنية في الدفاع والحفاظ على أمن المواطنين وممتلكاتهم وحدود الدولة ومؤسساتها سواء بالاصطدام المسلح مع قوات الدولة أو أي شكل من الاشكال التي تخرج عن حرية التعبير التي يكفلها القانون.
2-- كل فعل يتضمن الشروع بالقوة أو العنف في قلب نظام الحكم أو شكل الدولة المقرر في الدستور.
--3 - كل من تولى لغرض اجرامي قيادة قسم من القوات المسلحة أو نقطة عسكرية أو ميناء أو مطار أو أي قطعة عسكرية أو مدنية بغير تكليف من الحكومة.
4- كل من شرع في اثارة عصيان مسلح ضد السلطة القائمة بالدستور او اشترك في مؤامرة او عصابة تكونت لهذا الغرض.
5 - كل فعل قام به شخص كان له سلطة الامر على افراد القوات المسلحة وطلب اليهم او كلفهم العمل على تعطيل اوامر الحكومة.
ونعتقد ان هذه خطوة جيدة من المشرع العراقي في توصيف جريمة الارهاب وتحديد الارهابي وتنظيم أحكام العقوبات عن هذه الافعال الاجرامية التي عدها من الجرائم العادية المخلة بالشرف وبالتالي فهي ليست من الجرائم السياسية حتى ولو ارتكبت بدافع سياسي .
-2-
هل حزب البعث منظمة إرهابية ؟
من الناحية الدستورية وطبقا لنص المادة 7 من الدستور العراقي لعام 2005 , فان حزب البعث في العراق جرى تصنفيه على نوعين :
1- حزب البعث جناح العراق ( جناح صدام ) والذي يسمى ب( البعث الصدامي) وهو محظور طبقا للمادة المذكورة التي جاء فيها :
(( المادة (7): اولاً: يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الارهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت اي مسمى كان، ولايجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون . )).
2- حزب البعث جناح سوريا ومن تفسير النص المذكور لا يعد إرهابيا ! رغم إن العقيدة واحدة والفكر والوسائل لا تختلف عن بعث العراق , ورغم إن البعث في سوريا متورط بجرائم ارهابية ضد العراقيين منذ سقوط الدكتاتورية وحتى الآن طبقا للاعترافات التي أدلى بها المتهمون , ووفقا للادلة التي هي بحوزة الاجهزة الامنية العراقية .
وسبق أن بينا في أكثر من مناسبة بأننا كنا قد اعترضنا على مثل هذه التفرقة غير الدقيقة التي وضعت تحت ظروف ومراعاة من بعض أعضاء اللجنة الدستورية لاوضاعهم السابقة قبل سقوط الدكتاتورية , لأنهم كانوا لاجئين في سوريا خلال فترة حكم الطاغية . كما إن هذا التمييز غير منطقي وليس مبررا , حيث لا يوجد في نظرنا بعث صدامي واخر غير صدامي .
فالبعث فكرا ومنهجا هو واحد في عقيدته القومية المتطرفة والمقترنة بالعنف, وهو ما يعني بأنه حزب ارهابي سواء كان في العراق أم في سوريا , لاسيما وإنه نفذ عمليات عسكرية ضد القوات الامريكية في العراق وضد القوات العراقية , وضد السكان المدنيين , وما يزال يقوم بهذه الاعمال الارهابية .
ثم إن الجرائم التي وقعت في العراق عام 1963 من قتل واغتصاب وتعذيب وترويع قد ارتكبت من حزب البعث , بينما لم يكن صدام حينذاك سوى عضو مغمور في الحزب أو قاتل مأجور. يضاف الى ذلك إن حزب البعث في سوريا هو راعي للعمليات الارهابية في العراق منذ عام 2003 وحتى هذه اللحظة , وقد جرى تصنيف سوريا من وزارة الخارجية الامريكية أيضا بأنها من الدول الراعية للارهاب , فضلا عن جرائم حزب البعث وقياداته في سوريا ضد لبنان ومنها التورط في اغتيال عشرات القيادات الوطنية اللبنانية ومنهم رئيس الوزراء رفيق الحريري اضافة الى جرائم الاضطهاد ضد الشعب الكوردي في سوريا .
أما عن العمليات الاجرامية الارهابية في العراق المرتكبة من قبل حزب البعث , مهما كانت الاجنحة والتسميات ( بعث عزة الدوري , أم بعث محمد يونس الاحمد , أم البعث الصدامي أم غير الصدامي , أم حزب العودة ...وغيرها من التنظيمات ) فان هذه الجرائم التي وقعت وتقع يوميا على المدنيين الابرياء في العراق هي من صنف الجرائم الارهابية وهي جرائم عادية مخلة بالشرف وفقا للقانون .
كما أن حزب البعث في العراق وطيلة اربعة عقود من حكمه الاسود كان يمارس جرائم الابادة والجرائم ضد السلم وجرائم الحرب و الجرائم الارهابية ضد الشعب الكوردي وضد الشيعة في الوسط والجنوب وكذلك جرائم التصفيات الجسدية للمعارضين العراقيين والمناوئين للنظام المقبور , وشن الحروب الخارجية ضد ايران والكويت وحيازة واستعمال اخطر الاسلحة , ومثال جرائم الانفال وتغييب البارزانيين والكورد الفيليين و حلبجة وقصفها بالاسلحة الكيمياوية والغازات السامة هو خير دليل على ذلك بالاضافة الى ضرب العتبات المقدسة والسكان المدنيين بالصواريخ خلال انتفاضة عام 1991 ضد النظام الدكتاتوري .
بعد كل هذا وذاك نتساءل :
لماذا لم تصنف وزارة الخارجية الامريكة حزب البعث ضمن المنظمات والجماعات أو الاحزاب الارهابية ؟
ولماذا تسكت الولايات المتحدة عن جرائم حزب البعث في العراق وفي لبنان وضد الشعب الكوردي وعموم العراقيين وضد ايران والكويت وغيرها , وتتغازل مع اشخاص تعمدت أياديهم بدماء الابرياء وهم من المنتمين الى هذا الحزب الارهابي ؟
وهل أن المعايير المزدوجة والمصالح السياسية والاقتصادية توجب ذلك الان ؟
إن اشراك بقايا حزب البعث في العراق ضمن ما يسمى بالمصالحة الوطنية والتعايش وبناء السلام الداخلي هو خرق للدستورالعراقي لأنه يتعارض مع نص المادة 7 من الدستور ومع الاتفاقيات الدولية التي وقع وصادق عليها العراق والمتعلقة بالاشخاص المتهمين بجرائم ابادة الجنس البشري وجرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية وبالجرائم ضد السلم , ولا يجوز أن يكون هؤلاء ضمن ميدان التعددية السياسية ولا ضمن مفهوم المصالحة الوطنية لأنه يناقض قواعد العدل والانصاف ويضر بحقوق الضحايا , كما لا يمكن التذرع بالمساواة في الحقوق بين الجلاد والضحية , لأن ذلك خلاف العقل والمنطق .
إن حزب البعث في العراق مارس و يمارس دورا ارهابيا في العراق وتقوم خلاياه حاليا بتنظيم اجتماعات دورية سرية متواصلة في مناطق متعددة من المحافظات العراقية وبخاصة في المناطق الغربية وفي الموصل وديالى والوسط والجنوب ( في الجامعات والمدارس وغيرها ) من خلال سياسة الترهيب والترغيب , وهو يخطط ويسعى للعودة الى السلطة من خلال ممارسة العنف لأنه لا يؤمن بالتداول السلمي للسلطة ولا بقواعد الديمقراطية مستغلا ضعف الحكومة والصراعات السياسية على السلطة وإنتشار البطالة والفساد المالي والاداري والثغرات الامنية والدعم الاقليمي .
- للمزيد من التفاصيل عن هذا الموضوع راجع الاسماء والمنظمات الواردة في القائمة الامريكية واسباب تصنيفها ضمن مفهوم الارهاب :
http://www.state.gov/s/ct/rls/crt/2009/140900.htm
- انظر جانب من المعلومات عن معاودة حزب البعث لنشاطاته السرية في العراق:
http://www.iraqi123.com/ar/articles/11801/.html
الإثنين، 09 آب، 2010
#منذر_الفضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟