|
تسويق جمال مبارك .. ب -الكردى-!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 3089 - 2010 / 8 / 9 - 15:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فى معتقل طره السياسى، أوائل سبعينات القرن الماضى، وتحت وطأة سنوات طويلة من الاعتقال لا أحد يعرف كم ستطول أكثر من ذلك، بدأ اليأس يدب فى نفوس البعض. ومع تزايد اليأس والاحباط أخذ رصيد هؤلاء من الصمود فى التآكل بالتوازى مع استفحال احساسهم وشعورهم بأن أجمل سنوات العمر تبددت هباء ودون فائدة. وكانت أدبيات السجن تطلق عليهم إسم "المستنكرين" أى الذين أنكروا واستنكروا تاريخهم – كتابة فى الأغلب الأعم – كعربون لفتح صفحة جديدة مع الحكومة وفتح أبواب الزنزانة المغلقة بالضبة والمفتاح لأيام وأسابيع وشهور تستعصى على الحصر. على هذه الخلفية تقفز إلى الذهن نماذج عديدة للبؤس الإنسانى وانكسار الروح، منهم إمام وخطيب مسجد السيد البدوى كان اسمه الشيخ عارف إن لم تخنى الذاكرة. لم يكن الشيخ عارف يحتل مركزا قيادياً فى جماعة الأخوان المسلمين، لكنه كان أحد "الصقور" بلاشك. حتى أنه كتب قصيدة فى هجاء الرئيس الراحل جمال عبدالناصر (أثناء وجوده فى الحكم طبعا) ولم يكن يتورع عن إلقائها مراراً وتكراراً على الملأ بمناسبة وبدون مناسبة. وكان مطلع هذه القصيدة يقول: جمع الرذائل كلها ذو "فقهش" نذل البلاد معرة الأوطان فاذا ما سألته عن معنى كلمة "فقهش" قال بسرعة أن الفاء هى فاء الفجور والقاف للقهر والهاء للهلس والشين شر مستطير والعياذ بالله. ودارت عجلة الزمان إلى أن تكفلت سنوات السجن - فى نفق لا توجد بارقة ضوء فى نهايته - تكفلت بتقليم مخالبه وخلع أنيابه رويداً رويداً إلى أن أصبح جسداً بلا روح ووصل إلى محطة "الاستنكار". وإمعاناً فى إثبات "تحوله" بمقدار مائة وثمانين درجة أصبحت جلسته المفضلة – جهاراً نهاراً- مع المعتقلين اليساريين الذين كان حتى الأمس القريب يرفض أن يرد عليهم السلام أو تحية الصباح. لكنه الآن يريد أن يراه السجانون جالساً فى وضح النهار مع الشيوعيين والعياذ بالله.. فهل هناك دليل اكثر من ذلك على أنه قام بتطليق الأخوان المسلمين بالثلاثة؟! لكن يبدو أن الرجل تذكر قصيدة الهجاء المقذعة التى كتبها فى الأيام الخوالى ضد جمال عبدالناصر، فسارع من تلقاء نفسه إلى كتابة قصيدة بديلة يكيل فيها المديح لشخص ذات الرئيس، على نفس وزن القصيدة الأولى، يقول فى مطلعها: جمع الفضائل كلها ذو فقهش أسد البلاد معزة الأوطان! وقبل أن تسأله عن موقع "فقهش" من الاعراب يقول لك موضحا أن الفاء للفخر والقاف للقوة والهاء للهمة والشين شرف عظيم. ونلاحظ طبعا كيف أن "الرذائل" تحولت إلى "الفضائل" وكيف أن "نذل البلاد" انقلب إلى "أسد البلاد" وكيف أن راء "المعرة" حملت فوق رأسها نقطة فتحولت المعرة إلى "معزة"!! *** هذا النموذج الصارخ للنفاق السياسى – بصرف النظر عن مبرراته وملابساته التراجيدية – لم يعد مجرد حالات فردية، وإنما أصبح "ظاهرة" تتسع دوائرها وحلقاتها بصورة مرعبة وكأن "أرض الكنانة" قد تحولت إلى "أرض النفاق". *** انظر مثلاً إلى نموذج آخر من الضفة الأخرى للنهر، حين نشر الانبا كيرلس أسقف نجح حمادى فى جريدة "وطنى" يوم الأحد 4 سبتمبر 2005، إعلانا يقول فيه بالنص ما يلى: "مطرانية الأقباط الأرثوذكس وتوابعها – الأنبا كيرلس أسقف نجح حمادى وعضو الحزب الوطنى وجميع الآباء الكهنة و35 الف من الشعب المسيحى يقفون صفاً واحداً خلف الرئيس محمد حسنى مبارك وينتخبونه رئيساً لمصرنا الغاية تحقيقاً لنص الإنجيل: مبارك شعبى مصر". وغنى عن البيان أن من حق نيافة الأسقف أن ينتخب من يشاء رئيساً لجمهورية مصر العربية، فهذا حق دستورى لا جدال فيه. لكن الخطير فى إعلان نيافته هو هذا الخلط غير المقبول بين السياسة والدين، والموقف الطائفى الذى يجبر 35 ألف مواطن مصرى على الوقوف "صفا واحدا" خلف مرشح بعينه حتى لو كان الرئيس حسنى مبارك، والأخطر هو هذا التأويل المبتكر لنص الإنجيل "مبارك شعبى مصر" لتكون هذه الآية أمراً إلهياً بانتخاب الرئيس مبارك رغم أن عمر الآية الكريمة يمتد إلى ما يقرب من ألفى عام قبل ميلاد الرئيس. الأمر الذى يضع نيافة الأسقف جنبا إلى جنب مع الشيخ عارف – مع كل الاحترام لشخصيهما ومكانتهما الدينية الرفيعة – فى "مولد" ملئ بالضجيج والضوضاء لا نجد له – للأسف – إسما غير "مولد النفاق السياسى". *** والنفاق السياسى لا يحمل شهادة منشأ مصرية، ولا يمثل ظاهرة مصرية فقط بكل تأكيد، وإنما هو موجود فى كل تجمع بشرى وفى كل الأزمان. لكن المشكلة أنه فى مصر الآن يكاد أن يكون القاعدة وليس الاستثناء. وهذا التفشى لتلك الظاهرة السلبية الخطيرة ليس إبن "لعنة الفراعنة" أو مكوناً من مكونات الجينات المصرية، وإنما هو عرض لمرض رئيسى دفين هو الاستبداد، كما أنه أثر جانبى لأمراض اجتماعية واقتصادية وسياسية مزمنة فى مقدمتها الفقر "الدكر"، والمحسوبية، و"الكوسة"، والفساد الذى أصبح يشكل أكبر "مؤسسة" بطول البلاد وعرضها. *** ونتيجة لهذه التشوهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية البنيوية أصبحنا ننام ونصحو على صور لا حصر لها من النفاق المقزز للقيادات على كافة المستويات من أصغرها إلى أكبرها وأرفعها شأناً. والمشكلة هى أنه قد أصبح هناك "طلب" متزايد على النفاق. فصغار كبار وكبار صغار وكبار كبار المسئولين يرحبون بالنفاق بل ويطلبوه، ثم يستخدموه كما لو كان شهادة صلاحية أو شهادة تقدير من الناس لتثبيتهم على كراسى الحكم أو وضعهم على السلالم الكهربائية المتحركة للترقى والصعود الصاروخى فى منظومة التراتبية الهرمية للسلطة "الفرعونية". فى حين أن المسألة من أولها إلى آخرها كذبة كبيرة ومسح جوخ وتساند وظيفى بين "عرض" و"طلب" مغشوشان وفاسدان ووهميان ومصطنعان. وهذه ليست مجرد سقطات أخلاقية وإنما هى أعشاب قاتلة تسمم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتبعد الكفاءات الحقيقية فى كافة هذه المجالات حيث تنجح العملة الرديئة فى طرد العملة الجيدة دائماً وأبداً. والنفاق بهذا النحو "صناعة" و "تجارة" و "بيزنس"، أبوه الاستبداد وأمه مؤسسة الفساد. *** وفى ظل هذه المعادلة الكئيبة: "موافقون – منافقون" - وهى معادلة تفهمها الأغلبية الساحقة المسحوقة من المصريين وأصبح من المستحيل خداعهم أو الضحك على عقولهم بصددها- فإن السؤال الذى يطرح نفسه هو: هل يصدق جمال مبارك أن الحملة التى يقودها "كردى" – ولا أعلم إذا كان هذا إسما أم صفة – لترشيحه رئيساً لمصر خلفا لوالده،هى حملة شعبية فعلاً ، أم أنها حملة نفاق سياسى مكثف.. لكنه يفتقر إلى ذكاء السيناريو وجودة الإخراج؟! *** إن حملة المباخر جاهزون دائماً وأبداً ومستعدون للانتقال بين المعسكرات والأكل على كل الموائد، اليوم يأكلون عند ذى "فقهش" ويقولون عنه أنه جمع "الفضائل" كلها وغداً يهجرونه ويقسمون على المصحف والإنجيل أنه يحتكر جميع "الرذائل" . ومبارك شعبى مصر!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-التميمى- فى النار سبعين خريفاً
-
دراسة علمية خطيرة تدق نواقيس الخطر
-
التعذيب .. بنظام »خدمة التوصيل إلى المنازل«!
-
رسالة عاجلة للدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة .. هل وصل التمييز
...
-
قمة -أهلية- .. دفاعاً عن وطن فى خطر
-
نصر حامد أبوزيد.. والفيروس القاتل
-
هل نقول للأوروبيين.. -اشمعني-؟!
-
وراء كل -نصر- .. ابتهال
-
فيلم الموسم وكل موسم: »الأرض«.. تراجيديا مصرية.. إخراج أمين
...
-
احبس صحفياً.. نعفيك من الضريبة العقارية!
-
حدث ثقافي وتنموي مهم لم يلتفت له أحد .. »وثيقة القاهرة«.. لح
...
-
لماذا اشتعلت الفتنة فى عهد سيطرة محاسيب الحزب الوطنى على الم
...
-
وصف سيناء »44« منير شاش يتكلم.. اسمعوا وعوا
-
-تحسين مستوى العسل-.. مطلب من البرنامج الانتخابى للرئيس
-
الغاز تحتاج إلي حل .. القمة الرابعة عشرة للمجموعة الخمسة عشر
-
قمة مهمة.. لكن الكرة أهم (1)
-
-تهميش- مصر فى أفريقيا وآسيا .. وبلاد كانت تركب الأفيال
-
الفساد فى محاربة الفساد
-
وصف سيناء : (1)
-
وصف سيناء : (2)
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|