|
رسالة المفاوضات وعنوانها المراوغ
ماجد الشيخ
الحوار المتمدن-العدد: 3087 - 2010 / 8 / 7 - 20:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يفرّق الصهيوني بين مشروع استعمار فلسطين، وقيام "دولة يهودية" على كامل الأرض، وبين تواصل الاستيطان فوق كامل الأرض الفلسطينية نفسها، فالمشروع الصهيوني كما تجسّد ويتجسّد حاليا فوق أرض فلسطين التاريخية، هو صنو استمرار البناء الاستيطاني الإحلالي ومخططاته الهيكلية، التي تفوق مساحات الاستيطان الفعلية بعشرات بل مئات المرات. كل ذلك على حساب الأرض وأصحابها من الفلسطينيين، نفيا لهم ولهويتهم الوطنية، وذلك على الضد من القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، حيث يؤكد الطرف الرسمي الفلسطيني التزامه بها، بينما لا يلتفت الجانب الإسرائيلي في سياق تطبيقاته العملية لمشروعه الاستعماري؛ لا إلى القانون الدولي، ولا إلى أيّ من قرارات الشرعية الدولية. وحتى إزاء المفاوضات – مباشرة أم غير مباشرة – لا يلتفت المفاوض الإسرائيلي إلاّ إلى ما يخدم مشروعه الأساس، من دون تأتأة ومن دون لف أو دوران.
لهذا تواجه الإدارة الأميركية، ربما ما يفوق الصعوبة، في الانتقال إلى المفاوضات المباشرة، كما وقد تواجه عقبات في إقناع الجانب الفلسطيني بالموافقة عليها، في ظل التزاماته ومطالبته حكومة نتانياهو تنفيذ التزاماتها إزاء عملية التسوية السياسية، تلك التي لا يعتبرها اشتراطات فلسطينية، لا سيما في ضوء الإخفاق الأميركي المباشر، أو عبر الوسيط جورج ميتشيل، في جهود تتواصل منذ عام ونصف حتى الآن، من دون أن تنجح في إقناع الائتلاف اليميني الإسرائيلي بتجميد الاستيطان، أو تحقيق إنجاز ولو أوليا يمكن البناء عليه، في ملفي الحدود والأمن في المفاوضات غير المباشرة التي من المفترض أن تنتهي في أيلول (سبتمبر) المقبل.
ومرة أخرى جديدة، تواجه مساعي الإدارة الأميركية صعوبات من نوع جديد، كونها مطالبة – فلسطينيا – بوقف الإستيطان، وبتحديد مرجعية وسقف زمني للمفاوضات، وتحديد طبيعة الأراضي الفلسطينية، قبل الانتقال إلى المفاوضات المباشرة، وتوفير ضمانات أميركية – إسرائيلية بأن تتناول المفاوضات إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967 بما فيها القدس، وهي هنا من نوع المقاربات التي تحسم مصير المفاوضات قبل أن تبدأ، أو هذا على الأقل ما يمكن أن يُواجه باعتراضات إسرائيلية وأميركية كذلك، استجابة لوجهة النظر الإسرائيلية التي باتت تستولي على خطوات الإدارة الأميركية. هذا في الوقت الذي لا يملك الطرف الفلسطيني سوى مقاربة اشتراطاته للموافقة على دخول حلبة المفاوضات المباشرة، بعد أن فشلت واشنطن في توفير مقومات مواصلة المفاوضات غير المباشرة، بإخفاقاتها في حمل حكومة نتانياهو على تقديم ما يفيد ملفي الحدود والأمن، بدعوى أن فيهما تفاصيل تتطلب طاولة مفاوضات مباشرة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الموقف الفلسطيني يبدو كالمستجير من رمضاء الولايات المتحدة وإسرائيل، بنيران لجنة المتابعة العربية والاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية الدولية والإدارة الأميركية ذاتها مرة أخرى، حيث الضغوط السلبية تحاصر مركز القرار الفلسطيني، وتدفعه دفعا نحو التخلي عن اشتراطاته، حتى التي تبدو مسبقة، للدخول إلى مفاوضات بلا سقف وبلا مرجعية، في ظل فرض حكومة نتانياهو لاشتراطاتها ومواقفها المبهمة والواضحة في الآن نفسه؛ ومن أراد أن يأخذ بما هو مُبهم من مواقف، فهو الطرف الأميركي الساعي إلى إدارة الأزمة، في وقت أمسى واضحا فيه أن ليس باستطاعته إيصال الأطراف المعنية، إلى حلول عملية لإطار التسوية الراهن في المنطقة. ومن أراد أن يأخذ بما هو واضح من مواقف إسرائيلية، وهو الطرف الفلسطيني، فهو لا يقوى على مجابهة ضغوط الأطراف جميعها، ناهيك عن رفضها. وقد ذهب نتانياهو في تصريحات له، إلى حد القول أنه يسعى لإيجاد قوة ضاغطة دولية؛ عربيا وأوروبيا على السلطة الفلسطينية، للشروع في المفاوضات المباشرة في أقرب وقت ممكن.
إن استمرار مسلسل الضغوط على الجانب الفلسطيني، بات لعبة أميركية – إسرائيلية مكشوفة، ففي ظل الفشل الأميركي حتى في إدارة الأزمة طوال عام ونصف حتى الآن، لم يعد هناك من ثقة يمكن محضها لإدارة أوباما، وهي تخفق المرة تلو الأخرى، بالنظر لانحيازاتها المفضوحة، في تحديد الطرف الذي ينبغي ممارسة الضغوط عليه، على الأقل لتيسير أمور التمهيد للمفاوضات، وليس تحقيق إنجازات في جولاتها المُجهضة حتى الآن، فالشريك الإسرائيلي كحليف إستراتيجي للولايات المتحدة، ما فتئ يعلن على الملأ، تردده في قبول شراكته مع الطرف الفلسطيني، ناهيك عن توجهاته المباشرة لإستبعاد أي قواعد لتسوية ممكنة معه، بينما يقوم الحليف الأميركي بالسعي لإعادة انتظام طرفي التفاوض على طاولات لا تعد إلاّ بالإخفاق مرة وبالفشل مرات. ولكن دون أن تحشر واشنطن أنفها أو تدسها إلاّ في ماعون الطرف الفلسطيني للتأثير عليه، فيما هي تتجاهل ما في ماعون الطرف الإسرائيلي، الفاقد لأهلية التفاوض أصلا، طالما أن حكومة نتانياهو، وبشكل متعمّد، تسعى للحفاظ على "مبدئية الاستيطان"، كقاعدة أساس من قواعد المشروع الصهيوني غير القابلة للنقض، بالرغم من استثنائية الخطوة الشارونية بالانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005.
من هنا سعي العديد من شخصيات في اليمين الصهيوني، لتفعيل مبادرات واقتراحات تتمحور أهدافها في الإبقاء على "إسرائيل دولة واحدة" مهيمنة، حتى لو أدى ذلك إلى عملية تجنيس أو توطين الفلسطينيين حيث هم (في فلسطين التاريخية) ومنحهم "هوية مواطنة" إسرائيلية، وذلك كبديل من "حل الدولتين" الذي بات متعذرا، بفعل "الموقف المبدئي" الصهيوني العامل وفق "قانون نفي" فلسطينية الأرض، وكذلك بفعل التوسع الاستيطاني الذي مزّق الأرض، وجعل من إمكانية إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا إمكانية غير واقعية. فأيّ "دولة واحدة" هي التي يلوّح الفلسطينيون بها؛ إن لم تكن هي ذاتها "الدولة الإسرائيلية" المهيمنة على كامل أرض فلسطين التاريخية، بفعل ميزان القوى الراهن؟ وأيّ مفاوضات مباشرة تسعى واشنطن لانتظامها من جديد، وبعد أن فشلت أو أفشلت كل محاولات استئنافها، لا سيما وأن "رسالة المفاوضات" باتت تُقرأ من عنوانها: الهروب أو التهرب والمماطلة فيها وفي زمنها إلى ما لا نهاية، حيث السقوط في وهدة الفشل وهاويته، هي الإمكانية المتاحة حتى اللحظة وفي كل لحظة.
#ماجد_الشيخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نور المعرفة وحجاب السلطة
-
مازق المواطنة والهويات الانغلاقية
-
دولة -الأرض الواحدة- وأرض -الدولة الواعدة-!
-
حق الاختلاف ومحنة المعنى
-
الفلسطيني إنسانا.. قضية القضايا
-
بين -يهودية الدولة- وبقرة الاستيطان المقدسة!
-
استعصاءات التسوية والتوجهات الليكودية و-شرعية- التمثيل الفلس
...
-
حدود الدور الإقليمي التركي.. وأوهامنا
-
مأزق الحقوق الفلسطينية وأزمة القيادة التاريخية
-
ممكنات -اللاحل- التفاوضي واستحالاته!
-
الدوران الأوروبي حول عنق زجاجة الأزمة
-
قلق مصيري غائب ورضا سكوني خائب
-
دولة تنتجها المفاوضات باختلالاتها لن تكون دولة فلسطينية
-
تعافي الاقتصاد من باب العودة إلى السياسة
-
نحو مقاربة تعريفية جديدة للقضية الفلسطينية
-
في الطبائع المتلونة للاستبداد الآسيوي
-
ابتذالات الانقسام الفلسطيني وأضراره الانحطاطية
-
اليونان.. نموذجا وضحية أولى للأزمة
-
وطن النكبة.. الأرض التاريخية للشعب الفلسطيني
-
الفلسطينيون ومأزق التفاوض على المفاوضات!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|