|
نور المعرفة وحجاب السلطة
ماجد الشيخ
الحوار المتمدن-العدد: 3087 - 2010 / 8 / 7 - 13:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يقترح الباحث السعودي د. توفيق السيف "اعتبار التنوير حالة ثقافية – اجتماعية محورها الارتقاء بقيمة العقل والعلم واعتبارهما مصدرا أول للسلطة والمعرفة وقواعد العمل في المجال العام". بينما يقترح د. محمد أركون، بل ويشدّد على ضرورة التعرف إلى أطروحات نيتشة وفرويد اللذين اكتشف كل منهما قارة معرفية جديدة. ومن ضمن تلك المعارف التي أثراها نيتشة في القرن التاسع عشر، رفعه السلطة وليس الخير أو الجمال إلى مصاف الاهتمام الأقصى، وذلك حين كتب عن فكرته في شأن السلطة يقول: " فكرتي هي أن كل جسد يسعى إلى أن يصبح سيدا على كل المساحات، وإلى أن يبسط قوته (رغبته في السلطة) ويصد كل ما يحول من دون توسعها، ولكنه يواجه باستمرار جهودا مماثلة من أجساد أخرى، ينتهي به الأمر بالتوصل إلى تدبير (اتحاد) مع الأجساد المرتبطة به بدرجة كافية، وهكذا تتآمر معا لامتلاك السلطة، وتتواصل هذه العملية". وهذا بالضبط ما كان عبّر عنه ابن خلدون في "المقدمة"، حين اعتبر أن السلطة أو الدولة هي حصيلة ونتاج غلبة القوة والعصبية، قبل أن تصبح نتاجا لآليات أخرى في المجتمعات الحديثة.
هنا تنشأ الفروق الكبرى التي تحكم العلاقة؛ بين امتلاك السلطة أو تملّكها من أجل الهيمنة وإخضاع الآخرين، وبين من يروم استعمال السلطة من أجل التقدم والنهوض باتجاه ما أسماه ونستون تشرشل "المرتفعات التي تنيرها الشمس". حيث هنا أيضا تنشأ صيرورة وسيرورة المعرفة سلطة، لكن السلطة ليست دالة معرفة على الدوام، ربما كانت سببا أو عاملا مشجعا على طمس المعرفة، تغييبها أو تهميشها، واستبعادها من الفضاء العام، ومنعها من الوصول إلى الجمهور أو الجماهير المتعطّشة للمعرفة، كشرط من شروط تقدمها واستنهاض قواها من أجل بناء حداثة عقلانية تترافق وامتلاك أدواتها النقدية.
المعرفة - حسب فوكو- هي في واقع الحال دالة سلطة، بمعنى أن "كلاّ من السلطة والمعرفة يتضمن الآخر مباشرة، حيث لا توجد علاقة قوى من دون مجال معرفة يمثل البنية المترتبة عليها، ولا أي معرفة لا تفترض مسبقا ولا تؤلف في الوقت نفسه علاقات قوى". لهذا ليس هناك ما يضمن بالضرورة أو بالاضطرار، أن تتضمن السلطة معنى الدولة. على العكس من ذلك، يمكن للدولة أن تتضمن معنى السلطة، ولكن ممارستها في نطاق الدولة، يبقى مختلفا ومناقضا لممارستها وسلوكها في نطاق آخر؛ بعيدا عن متناول الدولة، نطاق ما قبل الدولة، أو ما بعدها، أي على أنقاضها، على ما هو الحال في الصومال الآن على سبيل المثال، حيث السلطة أو السلطات المتطاحنة تقوم مقام الدولة وعلى أنقاضها، بل هي تمنع قيام الدولة لمصلحة سلطة أو سلطات متناحرة تتمثلها أو تتضمنها، وتسعى للإبقاء على سلطتها أو سلطاتها البديلة للدولة.
كما أن بروز قوى إقليمية كبرى مثل الصين والهند والبرازيل واليابان وروسيا، وسط الانهيار المالي والركود العالمي، وفقدان المناعات الدولتية الخاصة، وهشاشة الاقتصادات الكبرى المهيمنة، مثل هذا البروز قد يحمل أكثر من دالة انتقال السلطة من مركز وربما توزعها على مراكز أخرى، وإن لم يكن ممارستها فعليا وفق المصالح الدولتية الخاصة، وإنما تعاونا وتشاركا في ما بينها، بما يفيد في قيام سلطة جماعية رغم تباين المصالح وتعارضها، فهي متعاونة إلى أبعد الحدود. وتعاونها هنا ينبع بالتحديد من ضرورة بناء سلطة لها سبق لسلطة نقيضة وأن مارست تسلطا، أفضى إلى تفككها، وبالتالي بروز الأزمة العالمية الراهنة.
إن ما ساعد على تغييب سلطة قديمة، وبروز بوادر أو نذر سلطة جديدة، تلك التداعيات الشاملة السياسية والاقتصادية والثقافية الناتجة من مأزق الرأسمالية المالية، والانهيارات المالية الهائلة التي باتت تترتب على الأزمة العالمية، وفي السياق تتبدد الثقة التي كانت دالة سلطة الأسواق المفتوحة على الاقتصادات الدولية، في استدعاء عاجل لدور الدولة الإنقاذي، ذاك الذي كان يغيّب على الدوام؛ لمصلحة أيديولوجية عقيدية، منحت الأسواق المفتوحة وعدم التدخل فيها ولو ترشيدا مرتبة قدسية، إلى أن كسرت الأزمة الراهنة كل حواجز وتابوات السياسات القديمة لسلطة ربما اندحرت إلى الماضي، مفسحة في المجال لسلطة جديدة قد تسود في الحاضر، ولكنها قد لا تستمر وتتواصل في المستقبل، ذلك إن ديناميكية النظام أو الأنظمة الاقتصادية ليست محكومة للجمود والثبات الذي يمكن، أو كانت تتصوره أنظمة قديمة سادت ثمّ بادت، وصولا إلى لحظة الأزمة – الحقيقة الراهنة التي كشفت أزمة الرأسمالية المالية التي راهنت على دالة سلطة لها، لم تستطع أن تمارس صلاحيات السلوك السلطوي؛ حتى على اقتصادات بلدانها، ناهيك عن إمكانية تحكّمها بالاقتصادات الدولية الأخرى.
أما المعرفة التنويرية – النهضوية فهي أكثر من سلطة، أو على الأقل هي سلطة تعرف كيف تستخدم أدواتها، انطلاقا من فهم السياسة بمعناها الشامل، وفهم السلطة وطبيعتها التراكمية، من حيث هي طريقة للتعلم؛ تعلّم كيفية التأثير على السياسات العامة تحديدا، ورؤية أشمل لتغيير العالم.
من هنا أيضا.. ليس بالضرورة أن تتضمن السلطة معنى الدولة، أو يقتصر مبنى ومعنى السلطة على الهيمنة السياسية في إطارها. السلطة أكثر شمولية من تلك المعاني التي يراد حصرها في نطاقها، إنها العلاقة الأكثر جدية وجدلية؛ بين الحدود الخاصة للفردية في إطار الدولة والمجتمع، وبين الحدود العامة للمساحة المشتركة التي تتضمن الحياة الجماعية للجماعة البشرية، على اختلاف تنظيماتها السياسية الدولتية، كما على اختلاف التنظيمات الاجتماعية وفي أطرها المجتمعية، منذ التقسيمات القديمة لأهل الكهوف، مرورا بالمجتمع الأمومي وصولا إلى المجتمعات الذكورية، وفي نطاقها ممارسة السلطة الثيوقراطية - الدينية منذ نشوئها على هذه الشاكلة حتى اللحظة الراهنة. حيث السلطة موزعة في نطاقات مختلفة من تراتبية هرمية لا تقتصر على أشكالها السياسية في إطار الدولة، أو ما يمكن أن نسميه "السلطة البديلة"، بل هي تشتمل على أشكالها الثيوقراطية – الأبوية (البطركية) في إطار المجتمع /المجتمعات التي تشكلها دالة السلطة حتى في نطاق المجتمع الواحد، الذي أمسى مجموعة "مجتمعات" مفككة، لا ينظمها ناظم سوى ناظم السلطة بدالته البطركية التسلطية والاستبدادية؛ الحاملة إرث "العصمة المقدسة" من جهة، وإرث العبودية والخضوع من جهة أخرى.
وإذا كان هناك من تعبّد للسلطة في محرابها، والإخضاع العبودي لها، فإن شيوع نمط من العبودية الخاضعة لهيمنة سلطوية، يقدم لنا نموذجا عيانيا واضحا للعلاقة التبادلية القائمة بين عبادة السلطة لأجل السلطة، والعبودية الخانعة لأجل العبودية أو الاستجابة لنداء العبودية المتضمنة في الأيديولوجيا الثيوقراطية. هكذا هي العلاقة السياسية، كما الدينية، في إطار السلوك السلطوي، المنساب كما السوائل في الأواني المستطرقة.
#ماجد_الشيخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مازق المواطنة والهويات الانغلاقية
-
دولة -الأرض الواحدة- وأرض -الدولة الواعدة-!
-
حق الاختلاف ومحنة المعنى
-
الفلسطيني إنسانا.. قضية القضايا
-
بين -يهودية الدولة- وبقرة الاستيطان المقدسة!
-
استعصاءات التسوية والتوجهات الليكودية و-شرعية- التمثيل الفلس
...
-
حدود الدور الإقليمي التركي.. وأوهامنا
-
مأزق الحقوق الفلسطينية وأزمة القيادة التاريخية
-
ممكنات -اللاحل- التفاوضي واستحالاته!
-
الدوران الأوروبي حول عنق زجاجة الأزمة
-
قلق مصيري غائب ورضا سكوني خائب
-
دولة تنتجها المفاوضات باختلالاتها لن تكون دولة فلسطينية
-
تعافي الاقتصاد من باب العودة إلى السياسة
-
نحو مقاربة تعريفية جديدة للقضية الفلسطينية
-
في الطبائع المتلونة للاستبداد الآسيوي
-
ابتذالات الانقسام الفلسطيني وأضراره الانحطاطية
-
اليونان.. نموذجا وضحية أولى للأزمة
-
وطن النكبة.. الأرض التاريخية للشعب الفلسطيني
-
الفلسطينيون ومأزق التفاوض على المفاوضات!
-
مفاوضات لا تعد إلاّ بالفشل
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|