أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد قانصو - سكينة ..














المزيد.....

سكينة ..


محمد قانصو

الحوار المتمدن-العدد: 3087 - 2010 / 8 / 7 - 13:36
المحور: حقوق الانسان
    


.. كنا في الطريق إلى بيروت, وكان مقرّراً أن نواصل المسير إلى وجهتنا, لكنّ مرافقيّ العزيزين أصرّا علي التوقّف لتناول الفطور , ولم يكن بإمكاني سوى الإذعان وإلا فإنّ التذمر سيكون سيد الموقف بقية الرحلة .
نزلنا في طلب ما نسكت به جوعنا الصباحي, وما إن اقتربت من المدخل حتى سارعت نحوي فتاة صغيرة تحمل كيساً من التحف المزينة والعلَاقات الصغيرة , وبلهجة من يريد التملّص بحذاقة ولا يجيد المماكسة سألتها عن سعر واحدة من تحفها المعروضة بعقد أصابعها الصغيرة, وحين أفصحَت بحزمٍ عن السعرعاجلتُها بالرفض وأكملتُ مسيريَّ إلى الداخل.
لم تغب عن ناظريّ , فقد كانت تتجول ذهاباً وإياباً في المساحة الواسعة لموقف السيارات,وكنت أراها من وراء واجهة زجاجية مكنتني من رصد حركتها العشوائية, وإصرارها الثابت على التحرّش بالمارّة سعياً وراء بيعٍ قليل وربحٍ زهيد ..
لا أخفيكم الشعور بذنبٍ طاولني جرّاء صدّها , فأنا واحدٌ من أولئك الذين دافعوها تجاهلا, وإن كنت أقلَّ قسوة, ولكنني في النتيجة شريكاً في قسوة مفترضة.
كلما نظرت إليها تولّدت لديّ أفكار متأرجحة بين الحزن حيناً والإعجاب أحيانا, بين الشفقة تارة والنقمة تارة أخرى, ورأيت نفسي متضامناً معها إلى حدٍّ دفعني للخروج اليها .
إقتربت منها بصورة من راجع حساباته وأراد أن لا تفوته فرصة الغنيمة من بضاعةٍ قلَّ نظيرها, ورحت أقلّب في ما تحمله براءة الطفولة من قسوة الزمن, لأشتري خفقة فرحٍ من قلبٍ متعب!.
دفعتني الصفقة العجولة بلهفة لسؤالها عن اسمها .. وبحياء قالت : سكينة! وما أعذب رنين الأحرف حين تناثرت كمعزوفة ساحرة في ليلة مقمرة ..
إنتهى اللقاء وتابعنا المسير وراحت تتقاذفني الأفكار وكانت سكينة محورها, قادتني تلكم الأفكار لحقيقة مرّة مفادها أنَّ وطني الجميل لا يخلو من العنصرية البغيضة, فسكينة من أناس منّت عليهم السلطة بالهوية مؤخرا , ويا لفرحتهم بمواطنة لا رصيد لها, ولا كرامة معها ..
سكينة تنتمي لفئة أطفال الشوارع المتسوّلين, المستوطنين للدروب , المتعبين , المتحرّقين بالشمس صيفا, والمشبعين بالمطر شتاء, سكينة (نوريّة) لا مكان لها على مقاعد الدراسة, ولا الكتاب صديقها, وليست لديها دمية مدلّلة, ولم تعرف هي معنى الدلال أيام المرض, وما نعم كتفها بطابع اللقاح, ولا اختال جسمها يوماً بجديد الثياب أو حتى نظيفها ..
ساعات وتنتهي مهمتنا في العاصمة فنقرر العودة, وننطلق مجدداً باتجاه معاكس, كانت صورة سكينة قد تلاشت وحلّت محلها صور متفرّقة , لكنَّ التحفة كانت تعيدني لوجه صاحبتها, فأرمقها إعجاباً وحبًّا وأعود لتسلسل الأفكار الذي لا ينتهي ..
إنذارٌ آخر استوقفني هذه المرّة لم يكن صوت ولدي المؤذن بجوع الظهيرة, أو سؤال ابنتي عن ساعة الوصول, وإنما كان جوع السيارة للوقود, فقصدت المحطة للتزوّد, وعندها كان الحدث الذي هزّني من الأعماق, فقد رأيت طفلة تقترب منّا وتلوح بيدها الصغيرة التي أحببت وتفرج شفتاها الرقيقتان عن ابتسامة هادئة, وعلى غفلة مني يكتمل المشهد روعة حين أرى سكينة وولديَّ يتبادلان المحبة التي أريدها نخلةً أبديةً في قلبيهما .
التقيت سكينة صدفةً أخرى, ولكنّها لم تكن تلك البائعة الصغيرة هذه المرّة, إنما كانت إنساناً جميلاً جداً جاءني مبادلاً الحبَّ بالحبّ, وهمساً من حياءٍ مرّحبٍّ بلقاء المختلف المشابه في منتصف الطريق!..
فاتني عند الإفتراق أن أحتفظ بصورة لسكينة, لكنَّ احتفار الإسم والمسمّى في ذاكرتي المشرعة سيحفظ تقاسيم الوجه وجمالية الروح ..

الشيخ محمد قانصو
كاتب وباحث لبناني
[email protected]



#محمد_قانصو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيها الحزن الصديق!..
- المحبس !..قراءة تأملية في الزواج المبكر
- أحلام ..
- لا طبقية في الإسلام
- كُسفت شمس الفكر .. يا سيدي الإنسان !!.
- العدل أساس الحكم !..
- الموسيقى في قراءة علمية إسلامية
- أنسنة الجنس في التصور الإسلامي
- أحلامهم الفقيرة !..
- عذراً يا أمِّي .. من قَدرٍ أُميٍّ ..
- الخرس الزوجي
- الخصوصية بين الإحترام والإقتحام ..
- إنتخب وعيك
- هل المهر حبرٌ على ورق ؟!..
- قراءة في مشروع قانون لحماية النساء من العنف الأسري ..
- التخطيط الأسري في المجتمع الإسلامي
- مسرحية العريفي
- شلال الضوء
- الحب من منظور إسلامي
- الحوار


المزيد.....




- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...
- إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا ...
- إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد ...
- مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
- مقررة أممية لحقوق الانسان:ستضغط واشنطن لمنع تنفيذ قرار المحك ...
- اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر ...
- ليندسي غراهام يهدد حلفاء الولايات المتحدة في حال ساعدوا في ا ...
- بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
- مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد قانصو - سكينة ..