|
العِلموية والإسلام (4)
وليد مهدي
الحوار المتمدن-العدد: 3085 - 2010 / 8 / 5 - 11:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في مقالنا السابق تبين لنا كنتيجة لسلسلة المقالات التي سبقت بأن هيكل الأيديولوجيا الإسلامية من ناحية التنظيم الاقتصادي – الاجتماعي ، ووفق نموذجه السلفي الجهادي ، هو نموذج تمددي توسعي بالفتوح مستوحى من عصور الخلافة القديمة ، وهو نموذج عسكري كما شرحناه ما جعل من هذه الأيديولوجيا عاجزة مكبلة عن التطور والتنمية في ظل عالم ٍ تهيمن عليه الحضارة الغربية بالتكنولوجيا ..
لا يمكن للنموذج الأيديولوجي الإسلامي هذا أن يفتح المزيد من البقاع في العالم لكي يستمد نمائه وديمومته ، لابد من تحوله إلى إطار وهيكل جديد يتوافق مع " السكون " في حدود العالم الإسلامي أو ما نسميه : الأمة الإسلامية ، الممتدة من مراكش إلى إندونيسيا وبنغلادش ..
فإذا كانت سمة " العسكرية " التي تعبئ الفقراء في أزياء موحدة وصلاة جماعة موحدة ضمن إطار ثقافي مجرد عن الاقتصاد لتشكيل مد القوة العسكرية التي يحتاجها الإسلام للفتوح فيما مضى ، فإن هذه السمة المتسقة مع طبيعة المجتمع البدوي الصحراوي " الغازية " باتت اليوم ضعيفة في الدفاع عن البلاد الإسلامية لأسباب عدة ، لذا فهي فاقدة لنجاعة وجودها الذي أضحى اليوم عبئاً على الأمة .. بما يمثله من تشدد يناقض موجات التحديث العارمة القادمة من الغرب ..
السؤال الآن هو :
هل النموذج " التركي " للإسلام الجديد الليبرالي المنفتح هو النموذج الإسلامي الرأسمالي القادر على التكيف مع متطلبات العصر ..؟؟
هل سيذوي ذلك الإسلام القديم فيزدهر هذا الجديد المصنع " غربياً " بما يتسق مع مصالح الإمبريالية العالمية ؟؟
هل التغيرات الجيوسياسية الدولية المحتملة لا تحمل في طياتها " تحول " جديد في الأيديولوجيا الإسلامية الإجتماعية يقود إلى إسلام لا رأسمالي ..؟
كيف يمكن لرأس المال أن يتفق مع روح " الجماعية " في الإسلام مع إنه متجذر في صميم الهيكل الاقتصادي له كما شرحنا في الموضوع السابق ؟؟
حقيقة المنهج الإسلامي :
إن الربح اللامحدود هو أساس العقيدة الاقتصادية الرأسمالية ، وقلنا عنها بأنها عقيدة طبيعية مدفوعة بالغريزة التي تؤسس لروح النفعية والتملك بلا ضوابط ..
فالرأسمالية تعول في تنظيمها على مبدأ " المنافسة " ، لأن الأخيرة هي التي تكبح جماح حمى تزايد الأسعار ، وعليه يمكن القول بأن الرأسمالية " قدرية " تسليمية في بعد يمكننا أن نسميه البعد " الابوليني " في خريطة العقائد البشرية عبر التاريخ ..
والسؤال الآن هـــو :
هل الإسلام في حقيقته أبوليني حقاً ، أي تسليمي قدري منجرف في تيار الرغبات البشرية الجامحة كحال الليبرالية - الرأسمالية في ذروة تجلياتها في الحضارة الغربية ، أم هو " فاوستي " يسير بالضد من الحواجز والدوافع الغريزية لغاية تؤدي بالإنسان إلى تحقيق الهدف الكلي وفق منهج الشريعة الدينية أو الأحلام الشعبية الجمعية في الحرية والتحرر وتحقيق المجتمع " الفاضل "؟ ( المصطلحين منقولين عن الراحل عفيف فراج )
في الحقيقة ، و في تعميمات أساسها القراءة العابرة للدين دون منهج علمي تفكيكي انثروبولوجي معمق ، يرى الكثير من المفكرين العلمانيين و اللادينيين و الإسلامويين إن الإسلام متناقض بتعبير العلمانيين ومعتدل بتعبير الإسلامويين ( بين بين ) ..!
فهو متناقض للأسباب التي ذكرناها في مقالنا السابق ، رأسمالي أبوليني بالنسبة للنخبة الدينية المهيمنة ، و فاوستي زاهد ثوري محارب بالنسبة للطبقات الفقيرة المسحوقة , هذه هي الرؤية العلمانية والماركسية بالنسبة للدين بصورة عامة والإسلام بصورة ٍ خاصة حيث الزيجات المتعددة والثراء الفاحش في نفس الوقت الذي يدعو فيه الدين للعفة والصوم والرضا بالمقسوم !
هذا التناقض ، في حقيقته ، هو أهم عامل إضعاف رؤية دور الدين لدى النخبة المتنورة المثقفة في عصرنا الراهن ، هذه النخبة التي كانت في عصور ٍ خلت هي العقول و الأقلام المطورة لمنهج المعرفة و الأدب في الحضارة الإسلامية ، الأقلام المحاربة الذابة عن حرماته ، كيف ترى أصبحت اليوم عامل تحطيم بنيوي في هيكل الثقافة الإسلامية ، مثل سرطان داخلي يحطم أنسجة الفكر التاريخي للأمة ..؟؟
لماذا لم تستفق هذه النخبة في العصور القديمة ، كيف كانوا وعاظاً للسلاطين باسم الإسلام وباسم الشريعة وكيف أصبحوا اليوم أبواقا للإمبرياليين المستعمرين باسم التنوير والحداثة ..؟؟
في واقع الأمر ، نحن أمام نفس الفئة من " المثقفين " اللاعقلانيين في مفارق مختلفة من التأريخ مع إنهم يعرفون خطأ ً بالعقلانيين ! فئة ابولينية غرائزية مأفونة بأعباء عقدها ورواسب تنشئتها الإجتماعية الخاطئة التي تدفعها لتسلق " الهرم " الثقافي الاجتماعي بحثا عن الأضواء والظهور و الفوز بالحظوة لدى السلطان سواء أكان خليفة المسلمين أم إمبراطورا من أباطرة اليانكي الجدد ..!
في واقع الأمر ، الملابس فقط هي التي تغيرت واللغة ، لكن الأمراض هي الأمراض في صميم اللاوعي الإجتماعي والفردي ، هناك وعاظ سلاطين تحولوا إلى وعاظ " إشك بـــشك " ..!!!
أولاء أنفسهم هم الداعين اليوم إلى الاسلمة الليبرالية الرأسمالية الجديدة انطلاقاً من قواعدها التركية بعد فشل المشروع الإمبريالي " الكبير " في بلاد بابـــل و أفغانستان ..! والسؤال الآن هو :
هل التبعية للغرب تبني الحضارة ذات السبعة آلاف عام أم تحيلها إلى رماد في قاعدة الهرم الرأسمالي المليئة بالحسك ؟
بالتأكيد إن الحضارة الغربية تسعى لتعميم نموذجها الليبرالي الرأسمالي الابوليني ، مع إن ثقافة الفرد الغربي العلمية فاوستية ضد التيار ، لكن النزوع نحو الثروة والسيطرة يجعل الحضارة الغربية بالمجمل أبولونية ، فيما تراث الشرق الأوسط الممتد لسبعة آلاف سنة يقطع الطريق في نموذجه النهائي الإسلامي نحو " ثقافة كلانية " تسير بالضد من الميول النفسية و الأهواء .. مع إن غالبية الفقراء .. أبولونيين قدريين .. حسيين لافتقادهم للثقافة العلمية ، إلا ان مجمل عقيدتهم الدينية حاثة على محاربة النفس والهوى ( والتناقض أصيل في طبيعة الكون – هيجل )
#وليد_مهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العِلموية والإسلام (3)
-
العِلموية والإسلام (2)
-
العِلموية والإسلام (1)
-
العراق : هرم الحضارات والتأريخ في الذكرى التسعين لثورة العشر
...
-
لكتاب - اليسار - في الحوار المتمدن مع التقدير
-
تكنولوجيا التخاطر Telepathy technology
-
السحر السياسي الأسود
-
حادثة اسطول الحرية و الدور التركي - الأطلسي - في المنطقة
-
رجل ٌ .. وإيمانٌ عظيم
-
سياسة بريطانيا و أميركا : تراكمات أخطاء حررت المارد الشيعي م
...
-
مورفين ٌ .. و ابتسامة
-
سقوطُ بغداد : مدرسة ُ الحرب الجديدة وكلمة ٌ أخرى سيقولها الت
...
-
لماذا نعتقد ؟ .. الإيديولوجيا من منظور عصبي
-
العقل والدين Mind And Religin
-
العقل ُ : آلة ُ بناء ِ الحضارة
-
الوعي والزمن
-
الباراسايكولوجي بين نظريتي الكم و النسبية
-
نظرية - عربية - في علم الاقتصاد
-
كيف أدرك الشرق الوعي الكلي ؟
-
الآلة الواعية .. بين الوهم ِ والحقيقة
المزيد.....
-
هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية
...
-
المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله
...
-
الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي-
...
-
أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ
...
-
-حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي
...
-
شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل
...
-
-المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|