سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 936 - 2004 / 8 / 25 - 11:09
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في اوار الازمة السياسية المشتعلة بين رئيس الوزاء ، الدكتور أياد علاوي من جهة ، وبين مقتدى الصدر وجنده من جهة اخرى ، يقف قادة الاحزاب التي تتشكل منها حكومة علاوي موقفا أقرب الى الانتهازية منه الى الموقف المسؤول ، والمطلوب من جماهير شعبنا التي ملت دوامة الازمة تلك ، وصارت تتوق الى حلّ جذري وعاجل لها ، يجعلها تعود لممارسة عيشها وعملها بهدوء بال واطمئنان 0
ففي الوقت الذي تستخدم فيه الحكومة العراقية اسلوب الجزرة والعصا مع العصيان المسلح الذي أعلنه مقتدى الصدر وجنده ، متحديا به الدول العراقية بحكومتها ، واحزابها السياسية ، ومتخالفا مع رغبة الاغلبية المطلقة من شعبنا في الأمن والسلام اللذين بددهما هو وجنده ، ومن قبله الفلوجة وجندها 0
والمراقب للاحداث التي تمرّ على العراق اليوم يجد وضوحا لا لبس فيه في موقف رئيس الوزراء ، واعضاء من مجلس وزارئه ، ومن بينهما موقف وزيري الدفاع والداخلية ، هذا الموقف الذي تجلى بضرورة استخدام القوة ضد الطرف الاخر ، واعني به مقتدى وجنده ، ما دام هو يستخدم القوة ذاتها ، ليس مع الحكومة فقط ، بل مع الناس الذين يخالفونه الراي في العراق ، وعلى كثرتهم ، والدليل القاطع على أن مقتدى لا يريد حلا سياسيا هو إنه يرفض القاء السلاح الذي اشاد به دولة داخل دولة ، واقام به محاكمه الشريعة ! لمعاقبة كل من لم يعلق صورته على واجهة دكانه في مدينة النجف الاشرف ، وكأن شوارع العراق ما تخلصت من صور صدام حتى استبدلتها بصور مقتدى ، ورفض مقتدى لنزع سلاح ميليشياته لا يعود لرغبة منه ، وإنما هو إملاء عليه من أيران التي بات تتحكم بتلك الورقة ، والتي اندفع حكامها المتشددين والاصلاحيين على حد سواء ، وخلال اليومين الاخيرين للدفاع عن تلك الورقة الخاسرة ، حيث تمثل هذا الاندفاع بطلب ايران تدويل مشكلة النجف من خلال دعوتها رسميا لانعقاد جلسة طارئة لمنظمة المؤتمر الاسلامي ، ثم اعقب ذلك التصريح الذي أدلى به رئيس الجمهورية الايرانية ، محمد خاتمي الاصلاحي ! والذي لا يخلو من سخرية بالعراق والجكومة العراقية دون وجه حق 0
يضاف الى ذلك ما نقلته بعض التقارير الصحفية من أن قيادة جند مقتدى الصدر الذي يقاتلون الدولة العراقية هي الان بيد مخابرات الحرس الثوري الايراني فقد أكد مصدرعراقي مطلع أن قائدا سابقا لمنظمة بدر العسكرية التابعة للمجلس الاسلامي الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بزعامة عبد العزيز الحكيم هو أبو مهدي المهندس هوالذي يقود العمليات العسكرية الحالية لجيش المهدي في النجف وبغداد ومناطق اخرى ، كما أكد المصدر المطلع القريب من المجلس الاعلى أن 150 عنصرا سابقا من فيلق بدر قد بدأوا العمل مع جهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري الإيراني " اطلاعات سباه باسداران " الذي يشرف عليه شقيق الرئيس الايراني علي خامنئي مباشرة ، بعد ان قطعوا علاقتهم بفيلق بدر بالكامل موضحا انهم مكلفون الآن بتنفيذ أجندة العناصر الايرانية في داخل العراق اضافة الى نجاح عدد منهم في الانضمام إلى جهاز الاستخبارات العراقي الجديد 0 وأضاف المصدر ان أبو مهدي المهندس قائد فيلق بدر السابق يتولى الآن إدارة القتال الميداني مع جيش المهدي في النجف ويشرف بنفسه على تهريب الأسلحة والتمويل الذي تتلقاه ميليشيا السيد مقتدى الصدر من حرس الثورة الإيراني 0 يذكر أن المهندس ، وهو خبير عسكري اعتمدته قناة "العالم" الايرانية بالعربية محللا عسكريا في أثناء الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على نظام صدام ، قد قاد انشقاقا في فيلق بدر ضد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في مطلع عام 2003 اثر مشاركته اواخر عام 2002 في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية بذريعة اشراف الولايات المتحدة عليه وزيارة عبد العزيز الحكيم لنيويورك ودخولهما في تحالف المعارضة العراقية السابقة التي نسقت مع الولايات المتحدة لضرب النظام العراقي السابق. وقد أسس المهندس، إثر ذلك، "تجمع المجاهدين المستقلين" المكون من مجموعة من الضباط والمسؤولين المنشقين عن فيلق بدرالذين عرفوا بقربهم من فيلق نصر (قراركاه نصر) وهو فرع من جهاز استخبارات الحرس الثوري المكلف بملف العراق، وفيلق القدس الإيرانيين وهم ينتمون الى الاتجاه المؤمن بولاية الفقيه وإمامة علي الخامنئي. لكن هذا التنظيم بقي بعيدا عن الأضواء، ودخل العراق بصمت من خلال جمعيات خيرية وإعلامية، حتى برز بعض أفراده أخيرا إلى جانب ميليشيا جيش المهدي في بغداد والنجف. قال المصدر أن" المهندس يعد المسؤول الأول عن التفجيرات التي طالت الكويت في عام 1984. وتنقل بعد ذلك بين إيران ولبنان وعمل مع حزب الله اللبناني في الثمانينيات وبات مستشارا في الحرس الثوري الإيراني لشؤون العراق. وقد تلقى، لذلك، دورات أركان قادته إلى أن يحمل رتبة عسكرية رفيعة في الحرس الثوري الإيراني".واشار المصدر الى انه "التقى مسؤولين في الحرس الثوري في النجف، يشرفون على عمليات تهريب الأسلحة والتمويل، وقالوا له أنهم ينفذون واجبهم الشرعي بدعم الثورة الإسلامية في العراق، والتي تهدف إلى إقامة نظام إسلامي يقوّض المشروع الأميركي في الشرق الأوسط ، وهم ينظرون إلى جيش المهدي بوصفه مشروعا يفوق حزب الله اللبناني خطورة وأهمية0
ومع كل هذا لا زالت احزاب الحكومة العراقية تنادي بحلّ سياسي مع مقتدى وجنده، مع أن مقتدى نفسه لا يملك من الامر شيئا ، وهذه الاحزاب تعرف هذه الحقيقة ، ولكنها لا تقوى على قولة كلمة حق ، فبعضها في خوف ورهبة وهؤلاء من الاحزاب العلمانية ، وبعضها ينادي علاوي : قلوبنا معك وسيوفنا عليك 0 وهولاء من الاحزاب الشيعية الدينية التي يقاتل بعض من قواعدها في صفوف جند مقتدى الصدر 0
هذا الموقف الانتهازي لم تتخذ احزاب الحكومة هذه موقفا مثله من جند الفلوجة وارهابيّها ، فقد كانت هذه الاحزاب واضحة في ادانتها لكل عمل ارهابي انطلق مما سمي بالمثلث السني ، وهي في هذه الادانة على حق ، لكنها سكتت عن ارهاب جند مقتدى الصدر الذين مارسوا القتل وتفجير انابيب النفط واستباحت الاماكن المقدسة ودور العبادة التي حولوها الى متاريس حرب ، وفي استخفاف واضح ومهين لكل عراقي شريف ، وهم في تجاوزهم هذه قد تساووا ، إن لم يكونوا قد فاقوا ، مع جند الفلوجة ، فعلام تدين احزاب الحكومة جيش الفلوجة وتسكت عن جيش الصدر ؟ وإذا قالت هذا الاحزاب زورا : إن جند الفلوجة كانوا تبعا لصدام ، فالحقيقة هي أن كلا الجيشين قد ولدا من رحم نظام صدام الساقط ، وقاتلا ويقاتلان بسلاحه الآن ، وعلى هذا لا يمكن تفسير موقف هذه الاحزاب ، علمانيّها ودينيّها ، في سكوتها عن ادانة مقتدى وجيشه بحزم ، مثلما فعلوا مع الفلوجة وجندها إلا بالمحاباة الطائفية 0 فهل يردون ان يستبدل العراقيون طائفية صدام بطائفيتهم ؟
إن موقفا متخاذلا مثل هذا الموقف سيضعف الحكومة ذاتها ، وسيفرق شملها ، وسيدخل العراق في متاهة جديدة ، وما تهديد رئيس الوزراء بالاستقالة من منصبه إلا مؤشر على الفرقة هذه ، والتي ستقود الحكومة الى عاقبة سوء ، تتحمل احزاب الحكومة المشاركة في السلطة المسؤولة عنها بالدرجة الأولى 0
#سهر_العامري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟