|
مناقشة لبحث الدكتور عبد الخالق حسين عن دور الطائفية في تاريخ العراق
طلال شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 3083 - 2010 / 8 / 3 - 19:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يعد للرأي الذي يلتمس للطائفية اعذاراً وتفسيرات مموهة القدرة والمصداقية لبناء الموقف العقلاني المتوازن، بوصفه توارياً مشيناًً وأسترضاءً للذات المنحازة وسقوطاً في شرك التعصب واللاموضوعية، وحجباً للحقيقة وأمكانيات الحل وهذا ينطبق على الجميع أياً كان انتماؤه وهواه... في العراق هنالك مشكلة طائفية ذات بعد تاريخي صنعت تمييزا وظلماً لايمكنً تجاهله ولاتجاهل تأثيراته وتداعياته. المشكلة الطائفية اليوم هي مأزقاً حرجاً، وعدم فهمها ومعالجتها انطلاقاً من رؤية وطنية متوازنة ، سيتيح للمتعصبين والطائفيون من كلا الطائفتين فرض حلاً، مشوهاً من خلال مشروع سياسي طائفي يكون ضحيته وطننا وشعبنا بكل طوائفه وأثنياته.... ان الذي يذكي روح الطائفية ويضرم سعيرها هوصراع النفوذ والمصالح السياسية والاقتصادية التي تستغل اختلالاته الحلقات المتنفذة من (نخب) ومراجع دينية لهذه الطائفة أوتلك أستناداً الى خطاب مذهبي مجلجل لفلسفة الصراع وتوجيهه وأدامته لكسب وأستغلال ابناء الطائفة المعينة لمنحه زخم التواصل والثبات في مواجهة الاخر. والحالة العراقية الراهنة تؤكد أن الصراع الجاري ضمن الطائفة الشيعية والسنية والانقسامات بين أحزابها وتياراتها هو صراع مصالح ونفوذ وتنافس شرس على السلطة والثروة واستحضار الدواعي والمبررات ليس عسيراً ......
في تمهيد لعرض كتابه: الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق : قطع الدكتور عبد الخالق حسين برؤية اصطفاها لتوصيف يوجز اسباب عدم الاستقرار في العراق الى دور الطائفية السياسية في هذا الاشكال التاريخي الذي نكابده الان ومستقبلاً، أذ جزم معتقداً وعن قناعة.( أن تاريخ العراق الحديث هو نتاج الصراع الطائفي) وهذا الجزم يبدو له اسباب معللة في ذهن المعرفي والسياسي الوطني الغيور الدكتور عبد الخالق حسين. ولاضفاء قوة نابضة على اعتقاده هذا استدل بمقاربة لكارل ماركس حول دور الصراع الطبقي ومكانته كمحرك للتاريخ في ترميز ديناميكي مباشر لفكرته وترسيخ لدلالاتها وتناظرها.. في مقالتي هذه أخترت معاينة ونقد الفصل الاول من الكتاب الذي ارخ لبواكير نشأة الطائفية كتاريخ ونهج مع تسليط الضوء على المحطات التاريخية الاخرى والكيفية التي تحركت فيها ونمت وأثرت. الطائفية كظاهرة يتعذر فهمها في التاريخ العراقي دون معرفة البدايات، والتي يمكن تتبعها منذ بواكير القرن العشرين الذي فيه تأسس الكيان السياسي لعراق الملكية 1921. 1958 ومن ثم قيام الجمهورية الاولى 1958. 1963. في هذا الا متداد الزمني المهم من ألتاريخ سأتناول بتكثيف المراحل التي تجلت فيها الطائفية السياسية والعوامل التي منحتها الديمومة والتمدد وهل حقاً أن تاريخ العراق انطلق وسار برؤى وأرادة طائفية في جل محاوره وتفصيلاته وتأثيراته كما أجتهد الدكتور عبد الخالق في فهمه لهذا الموضوع الشائك ، وأذا كان الامر كذلك ففي الحالة هذه، أين يجب وضع باقي العوامل المهمة الاخرى التي سنتطرق اليها والتي صنعت التاريخ السياسي الفاصل للعراق الحديث ومنها الحدث الابرز بعد تأسيس (الدولة العراقية) وهو قيام ثورة 14تموز التي كانت حصيلة لتحالف سياسي اجتماعي واسع خارج معيار الطائفية ومؤثراتها باًعتباره مشروعاً وطنياً يطوي بين جناحيه كل أشكال الطيف السياسي والمذهبي والاثني العراقي وهذا ماينبغي استقراءه والتوقف امام نتائجه المذهلة.... وما سأتعرض له هنا معروفاً، غير أن رؤى أخرى تتنازعه بفهم واًدراك متعارض...
موجز تاريخ التمييز الطائفي ضد الشيعة.. الطائفية في العراق لها جذور وتاريخ مديد، وليس كما يعتقد البعض هي نتاج الاحتلال الامريكي وسياسة بريمر . فهذا الراي لاالتفت اليه لانه ساذجاً ومستقطعاً من سياقه الصحيح.. في العهد العثماني كان من يمارس التمييز الطائفي ضد الشيعة هم الحكام العثمانيون وهم اجانب لكن التمييز بعد تأسيس الكيان السياسي العراقي تواصل بأرادة وعقلية ذات أنتماء عراقي وهذه من مفارقات التأسيس في خلله والتباساته...؟ تاريخياً كان التمييز الطائفي ضد الشيعة سياسة عثمانية مرسومة بدقة تتداخل فيها اسباب ودواعي مختلفة أبقتهم خلف خطوط حمراء محذور تجاوزها سواء تعلق ذلك بالمسؤوليات والنفوذ أوالتأهيل، لكنها لم تصطدم بالمرتكزات الحساسة لهم الافي حالات معدودة، وأبقت على فضاء ديني مستقل للطائفة الشيعية في طقوسها وعبادتها وأدارة شؤونها الى حدما، ولم يكن في ذهن الشيعة كمرجعية وعشائر وجغرافية، مقاومة هذه السياسة أذ لم يظهر عند الشيعة أستعداداً لمقاومة هذ التهميش والعزل، وكانت ثورات العشائر العراقية وبخاصة الشيعية وتصادمها مع الولاة العثمانيين تضطرم خارج السبب الطائفي فتبادل الادوار والمواقف كان يدور في فضاء تمرد مطلبي سببه جور الحكام ونزعة رفض الخضوع عند العشائر ضف الى ذلك الانقسامات والصراعات والولاءات داخل الكيانات الشيعية وبخاصة في المدن المقدسة مما جعل أسباب التمردات من منطلقات مذهبية مستبعداً، فالشيعة لم يمتلكوا مشروعاً سياساً خاصاً بهم ولو في حدوده الدنيا وهذا نتاجاً لايحاء عقائدي يلزم مراجعهم بتجنبه فهو مؤجل حتى ظهورالامام المهدي.. في أوج الصراع العثماني الصفوي(الفارسي) حافظوا على مسافة محسوبة بدقة وعقلانية من هذا الاصطراع الذي هو في حقيقته تنافس وصراع مصالح ونفوذ ولكن برداء مذهبي يتمترس حوله المتصارعون كما هو معتاد في اغلب الصراعات المتشابهة، مما جعل الطائفة الشيعية تقف بين نارين تفرضها سطوة القوة العثمانية وجبروتها واستحقاقات وشائج الترابط المذهبي مع ايران الشيعية بموجباتها الروحية والمادية... بعدعام 1908 تحديداً وعودة العمل بالدستور العثماني بدأ الشيعة يتلمسون ذاتهم من خلال التماسات مطلبية محدودة جرى تلبيتها أوتسهيل تطبيقها بعد أن توسعت مرتكزات الوعي والثقافة في تلك الفترة.. بعيد هذا التاريخ لايلمس المرء اية نوازع ذات بعد طائفي شيعي تستحثها رؤى ومطالب مذهبية حركتها الظروف الجديدة، بل يمكن تلمس تقارباً وتفاهماً بين السنة والشيعة تنامى على قاعدة نصرة الاتراك المسلمين وهم يواجهون تحدي مصيري من قبل الانكليز. وعندما بدا الصدام البريطاني التركي وشيكاً بداًت بوادر الدعم والمؤازرة الفعلية مع الا تراك من قبل الشيعة ضد (الكفارالانكليز) جلية وكانت حملة الجهاد التي لعبت المرجعية الشيعية دوراً بارزاً في تنظيمها وانطلاقتها نحو الفاوالمحتل من قبل الانكليزعام 1914 دليلاً على التفكير والموقف الشيعي العابر للحسابات المذهبية، في هذا المنعطف الفاصل وهو يساند سلطة طائفية متجبرة همشته وتجاوزته قروناً، لكن اعتبارات الدين الواحد، (ومجاهدة)الكفار أوجب انحيازأ غير معني بأنتهاكات التاريخ و ظلم الشيعة كطائفة من قبل العثمانيين، ولم تسع المراجع الشيعية الى مقايضة هذا الموقف بمطالب اجتماعية وحقوقية مشروعة لصالح طائفتهم ولايبدو الامر في الا تفكيراً ضيقاً ومتخلفاً، أومثالياً في تفسيراته الاخيرة، لقد خسر الشيعة جراء موقفهم هذا الكثير بوصفهم غير محتملين كشركاء سياسيين يمكن الاعتماد عليهم أوتكليفهم المشاركة بأدارة البلد من قبل الفاتحين الجدد بما يوازي ثقلهم، وكان لثورة العشرين أثراً كبيراً في تعميق هذا الاعتقاد ووضعه في اطار استراتيجي سياسي انكليزي محسوب بدراية. وجاء تشكيل اول حكومة برئاسة رجل الدين السني عبد الرحمن النقيب 1921 يحمل اساسيات هذا التمييز الطائفي الذي تداخلت فيه عوامل ومسببات كثيرة سهلت تنفيذه وتموضعه في تشكيلات (الدولة العراقية) الناشئة واللافت انه جرى دون اعتراض يذكر من قبل المرجعية الشيعية ونخبها، بل سهلت المواقف الشيعية بمختلف تكويناتها ظهور هذا التأسيس عندما أيدت قدوم وحكم ملك من انتماء طائفي اخر هو الملك فيصل الاول وقيام حكم وطني اقصاهم أو تجاوزهم، عند هذه النقلة المفصلية لانجد ما يوحي بتململ أوردود فعل محسوسة نحو هذا الوضع الجديد الذي سايرته الاغلبية مع تحفظات واعتراضات نخبوية دينية ومدنية من منطلق (وطني) معارض للوجود الانكليزي، كفتوى الخالصي بعدم المشاركة في الادارة الجديدة .... من الطبيعي القول أن السلطة التي تكونت بعد ذاك التاريخ كانت بلون طائفي واحد في كل تأسيساتها ومن البديهي ان تترك ممارساتها تمييزاً وتهميشاً لمواطنين بسبب مذهبهم.. فمثل هذه الاجراءات كانت في الحقيقة بداية لخلل التأسيس للكيان السياسي العراقي الجديد بولادته العسيرة عبر رؤية ومساهمة انكليزية حاسمة ، لكن تأسيسات ذلك التمييز الطائفي لم تصنع مواقفاً أوأعتراضات ملموسة لمقاومته، لضعف النخب الثقافية والسياسية الشيعية لاًفتقادها لمرتكزات سياسية وللدور الحاسم لرأي ألمرجعيات الدينية وتأثير علماؤها والتماهي مع المناخ المذهبي السائد الذي حال دون تبلور ملامح وعي سياسي في فضاءات حرة ومفتوحة...أن الاعتراضات التي ظهرت كمواقف وخطاب برؤى وطنية جامحة عند العراقيين وتطرف (الشيعة) في حملها وفهمها ، كانت في الحقيقة نثراً لبذور الوعي الوطني الذي بنى وجذر الثقافة الوطنية وأتاح للقوى الوطنية العراقية المختلفة أنذاك تطويرتلك الاعتراضات وتحويل فكرة الرفض للنفوذ الاجنبي الى منطلقات بمضامين وطنية واجتماعية وسياسية كمشروع وطني ضد سلطة عميلة للانكليز وكان للنخب الشيعية دوراً ملموساً في تطوير هذا التوجه، وغدت.مفاهيم، مثل غياب العدالة الاجتماعية. واحتكار السلطة. وأنعدام التعددية السياسية. في البلاد مضمون الخطاب الوطني الجديد... السلطة الملكية انذاك لم يكن في حساباتها مواجهة تحدي طائفي شيعي، والذي لم يكن موجوداً اومحتملاً بقدر ماكانت امام تحدي مصيري بدأت نذره تلوح بالافق من تأثير تلك الافكار والمفاهيم المتعارضة مع القيم والمبادئ السياسية للنظام الملكي وهويتخبط في مشاكله.. . في بدايات التأسيس يمكن التأكيد والاقرار بوجود نزعات وثقافة طائفية موروثة سبقت بناء مرتكزات (الدولة الجديدة) وكان هنالك من يتمسك بها من المسوؤلين الحكوميين الجدد الذي تربوا ودرسوا في كنف ثقافة عثمانية طائفية. ولاتبدو الاسباب التي تعللوا بها لتهميش الشيعة منطقية وعادلة كأنعدام الكفاءات أو استغلال الموقف الانعزالي الذي وقفته المرجعيات الشيعية من المشاركة في الحكم انطلاقاً من فهمها المتزمت للوجود الانكليزي، هذا الفهم بدوره قد ساهم في دعم وتثبيت هذه السياسة الطائفية. في الجانب الاخر ظهرت اتجاهات عقلانية مغايرة لهذا النهج، كان على رأسها الملك فيصل الاول الذي بذل جهوداً ملموسة لمعالجة هذا الاختلال الطائفي بحس أستباقي مدركاً خطورته اذا ماجرى تجاهل تداعياته المهلكة على . مملكته كتشجيع المشاركة الشيعية في الوظائف الحكومية أوتسهيل قبولهم في المعاهد أو أسناد وزاري بشكل محدود، ولعل الانكليز ساهموا بتعزيز هذا المسعى ضمناً. من فهمنا لهذه السياقات يمكن القول ترجيحاً بأن الطائفية في ذلك الوقت لم تمتلك جل مقوماتها ولم تكن نموذجية أوصافية بقدر ماكانت اختلالات كبيرة متوزعة في المناصب والمراكز العليا والوسطى الادارية والعسكرية للنظام الجديد تسيرها اعراف واستعارات بمنطوق طائفي أن جاز التوصيف.... لقد كان التمييز الطائفي عند تأسس الكيان العراقي 1921 بناءً سلطوياً أسسته وتبنته وسارت به تلك النخبة من الضباط الذين أستحوذوا وشغلوا مرتكزات السلطة الجديدة وهم من بقايا ضباط الجيش العثماني الذين انسلخوا عنه أبان ثورة الشريف حسين 1916 وهم ابناء تلك العوائل المتباينة الاصول وألانحدارات من سكنة المدن الكبرى في بغداد وشمال سامراء والموصل وغيرها. في هذا المنحى يمكن استبعاد اي مظاهر محسوسة أو مؤثرة تشي بسطوة عشائرية أو مناطقية واضحة وجلية يحملها التمييز الطائفي في ذلك العهد مستنداً اليها أو يعبر عن مراميها. وترابطاً مع هذا السياق يمكن القول أن التمييز الطائفي منذ 1921 كان يتجلى بصيغ طائفية محسوسة أومواربة تقودها وتستثمرها (نخب مدينية شبه علمانية) وفي مجرى حكمها للبلاد لم تفلت هذه النخب من شرك التنافس والانقسامات والتكتل، والتاً مرفي مابينها، ربما أعاق ذلك بناء وتطويررؤية طائفية متناسقة لادارة الحكم في تلك الظروف المضطربة. الارجح عندي أنها لم تجد في تطوير الطائفية ذلك السلاح المجدي لمستلزمات حكمها بعد ان اختلطت الاوراق والاوليات.. ، مع بداية الثلاثينيات من القرن العشرين سار الحكم الملكي بوحي سياسة استبدادية تنامت بأتجاه نهج سياسي شبه شمولي تباعاً ، متلازمة مع أجراءات قمعية نحو تهميش ونكران الحقوق المشروعة للاكراد وهم من الطائفة السنية وهذا ماواجهه ايضاً الفلاحون الشيعة في الجنوب والازيديين والاشوريين النساطرة من قمع دموي منفلت ضد مطالب عادلة، وهذا يؤشر الى ضيق التفكير للنخب السياسية الحاكمة الذي بدأ يستحوذ على تفكيرها ورؤيتها ومواقفها من القضايا الوطنية الملحة وبخاصة بعد موت الملك فيصل 1933 ومجيئ ابنه الملك غازي بخبرته ونزعاته المضطربة والاتجاهات المتضاربة بين نخبه السياسية. في خضم هذه التحولات تبلور (تحالفاً سياسياً) بين الاقطاعيين وهم من شيوخ وملاكي الاراضي الشيعة ( في الجنوب والوسط والفرات الاوسط) وبين السلطة الملكية ضحاياه هم فقراء الفلاحين وشغيلة الريف من الشيعة بدعم مباشر أوغير مباشر من رجال الدين والمرجعيات التي ترى في امتلاك الا راضي الواسعة لاشخاص معدودين حقاً مقدساً لاينبغي المساس فيه وموقفها معروفاً من قانون الاصلاح الزراعي بعيد ثورة 14 تموز1958.... زد على ذلك بروز نخب شيعية سياسية وعشائرية اخذت تتشارك في الحكم بمستويات مختلفة مع تنامي محسوس لراسماليين شيعة توافقت مصالحهم مع سياسة النظام الجديد، وهذا يشيرالى هامشية التمييز الطائفي وركوده في الصراع لصالح مفاهيم مستحدثة في الخطاب السياسي العراقي الجديد كالوطنية، التحرر من النفوذ الاجنبي، الاستعمار، القومية، العدالة الاجتماعية بتأثيرماركسي. أن نشوء الاحزاب والتيارات السياسية وبخاصة الحزب الشيوعي العراقي 1934 ورفعه لشعارات راديكالية تعبوية عن الصراع الاجتماعي والتخلص من النفوذ الاجنبي الانكليزي ومحاربة الرأسمالية والاقطاع في صيغة (صراع طبقي) رغم التباساته، قد وسع مساحة الوعي الوطني والاجتماعي وزاد النار اشتعالاً . في هذه الاحتدامات المؤثرة تهيأت ظروف مؤاتية مختلفة تراكمت في منطلقاتها نزعات قومية أثرت على ألنخب الثقافية والعسكرية ومهدت لاستيلاد وعياً قومياً محض لفكرة المشروع القومي في العراق لتشكل أفكاره الراديكالية تلك تحدياً جدياً بوجه النظام غير محسوبة عواقبه. في هذا المنعطف التاريخي أنحدرالاحساس بالتمييز والتهميش الطائفي نحو مستقرات مهملة، بعد أن تجاوزته الاحزاب السياسية العراقية بمختلف توجهاتها كقضية مفتعلة أومحبطة للمشروع الوطني والطبقي الكفيل بحل بقية المعضلات الوطنية،والمندفع بشعاراته وتحدياته التي حشرت النظام الملكي في الزاوية الحرجة وفي النتيجة لم ينفذ من هذا ألتحدي المهلك الا مقتولاً مضرجاً بدمائه في 14تموز عام 1958..... أن الحركة الوطنية الفتية بمختلف تكويناتها مارست تأثيراً متنامياً نحوبناء ونشر خطاباً يستنفر الوعي الوطني ويعبر عن همومه وتطلعاته مترعاً بقيم الكفاح الوطني الحماسية بمقاسات ذلك الزمن وفهمه، فتحت تأثير هذا الخطاب التحريضي بشعاراته وتعبئته أنبثق تحالف أجتماعي سياسي عسكري كجبهة وطنية متحدة 1957 في أطار مشروع وطني عام تمخضت نتائجه اللاحقة والحاسمة عن أنبثاق ثاني اكبر انعطاف تاريخي بعد تأسيس الدولة العراقية وهو قيام ثورة 14تموز 1958وتأسيس الجمهورية العراقية الا ولى.. وهذا العامل الحاسم هو الذي رسم الى حد كبير المصير التاريخي للعراق بعد ان نقله من نظام ملكي مستبد الى نظام جمهوري بقيادة عسكرية ، تصارعت في مضماره عقائد وايدلوجيات متباينة ،و قوى سياسية وعسكرية تنامى في ثنايا وعيها وسلوكها وشعاراتها نفساً طائفياً اومناطقياً لكن لم يرق الى قوة العامل المؤثرالابعد 1963 . ان هذه العرض الذي قدمته لتلك التطورات المفصلية تحتاج الى تفسير ومعالجة من قبل الدكتور عبد الخالق حسين. أذ كيف وأين يمكن تلمس العامل الطائفي في توجيه ها المسار الفاصل الذي ادى الى انبثاق ثورة 14تموز...؟ في المحصلة العملية نال الجميع تقريباً سنة واكراد وشيعة وأثنيات أخرى في العهد الملكي تماثلاً متقارباً في المعاناة كفقراء ومحرومين، ومضطهدين اذ أحتكرت النفوذ والامتيازات النخبة الضيقة الحاكمة من السنة بعد أن تحول هذا السلوك الى ارادة ونهج متواصل، وحين اتسعت مدياته غدا تحالفا ارستقراطياً وعسكرياً بين عوائل وبيوتات تجارية وملاكي اراضي وشبه اقطاعيين يتحكم بمصير العراق ومقدراته، وبقدر ما كان يحمل سمات التمييز الطائفي والقومي ضد الشيعة والاكراد ألا انه نأى عن تبنى منطوق طائفي مباشر يمد ويوسع مرتكزاته بحس ستراتيجي يتماهى بالطائفة كتسلط وأستحواذ على مقدرات البلد بسياقات طائفية مدروسة وممنهجة، بل كان الحال يستند الى مايشبه العرف غير المكتوب الذي يتيح ويوفر الامتيازات والنفوذ والتفضيل والسيطرة لطائفة واحدة على مؤسسات (الدولة) بوصفه حاصل تحصيل تاريخي وحصيلة لاتفاق وتحالف سياسي مع الانكليز، ترافق ذلك بتنامي عوامل ومعرقلات كثيرة تداخلت وتشابكت لتقطع الطريق أمام تحول التمييز الطائفي الى ظاهرة طائفية وصراعاً مكشوفاً توقده مشاريع طائفية سياسية مباشراة أوغير مباشرة. فالصراع السياسي المحتدم في العراق على قاعدة وطنية وارتباطاته الدولية والاقليمية وعزلة النخبة الحاكمة وضعفها قد جعلا من المرتكزات الطائفية للسلطة الملكية لينة ومتراخية . لقد ساعدت النزعات والاساليب العلمانية والمدنية للنظام الملكي في أدارة البلاد وعدم الاستناد الى مرجعية دينية سنية في حكمها الى تشتيت وأضعاف بواعث الحس والتنافر الطائفي والديني في (التعايش الاجتماعي العام) بين ألسنة وألشيعة والاكراد وباقي الجماعات القومية خصوصاً في المدن. عموماً كان ألنسيج الاجتماعي العراقي بمختلف تكويناته مرناً في فهمه وتعامله مع انعكاسات التمييز الطائفي اوالاثني، وهو لم يخرج من مسار التلميحات والتوصيفات والحساسيات بأسقاطات ساخرة ضد هذا الرمز اوذاك او اعادة لمرويات التاريخ في نطاق الثقافة المحكية وأستعاراتها المذهبية، التي لم تشكل مفرداتها حاجزاً لروح التعايش المشترك في الزواج والتصاهر والعمل السياسي في اطار الاحزاب عند الجميع سنة وشيعة والى حدما الاكراد وبخاصة الفيلية منهم. انطلاقاً من هذا الفهم يمكن التقدم برؤية تستبعد الموافقة على فكرة.( أن تاريخ العراق الحديث هو نتاج الصراع الطائفي) ففي مضمون هذه الفكرة مايساير الحكم القسري المطلق وهو ما يتباعد مع مفهوم تعاقب المراحل بظروفها وقوانينها التي لاتسير بمنطق وتأثير عامل نموذجي واحد، اغلب الظن عندي أن هذا الرأي يمكن فهمه والقبول به ضمن محطات تاريخية معينة سنأتي على ذكرها ... فتاريخ (الطائفية ) اخذ بعداً مختلفاً أثر أنقلاب 8 شباط الرجعي، فبعيد1963 مر مفهوم الطائفية بمرحلتين المرحلة الاولى بدأت 1963-1968 اي فترة حكم البعث الاولى وماتلاها من تبدلات قيادية من منطلق مذهبي استمرت تسعة اشهرنوعية، والثانية حكم (الاخوين عارف) الذي استمرالى 1968 تراكمت فيه بذور الوعي الطائفي السياسي والمناطقي والعشائري وهي فترة سياسية متعثرة استجمعت قوى سياسية مختلفة لمحاربتها من مختلف الاثنيات والطوائف وبخاصة الشيوعيين والبعثيين والاكراد، لم يتبلورفيها مايمكن تسميته بمشروع طائفي بل هو حكم بلون طائفي ضيق عبر عساكر ينتمون الى عشائر ومناطق لاًًفتقاده الى غطاء سياسي فكري متناسق يضطلع بمهام بناء طائفية سياسية وهذا موضوع يحتاج الى معالجة منفصلة.... الانعطاف الكبير..... بعد عام 1968ومجئ البعث بدأت الرؤية الطائفية تتبلور بأتجاه مغاير يرتكز علىمفهوم ألمنطقة والعشيرة في جغرافيتها ولونها الطائفي الواحد مقترناً بأجندة وفهم ستراتيجي يستند الى سياسة الاحتواء والتغيير.. القوة والعنف.. لكسر المعادلة المذهبية الكمية لصالح الاقلية الطائفية بمنطوق ونهج نوعي بأستلهام مفردات المشروع القومي بصيغته البعثية . الاحتواء الحزبي بضم الشيعة الى حزب البعث... القوة والعنف :الحروب،والمقابر الجماعية والتهجير ، مثلاً الحرب العراقية الايرانية كخيار نموذجي ... التغيير ... تغيير التركيبة السكانية بجلب سكان جدد وتهجير أخرين لخلخلة التوازن السكاني لصالح مكون واحد وهذا يحتاج الى تفصيل وارقام ومعطيات... عندما تولى صدام السلطة 1979 كدكتاتورأوحد أخذت الامور تاخذ ابعاداً متشابكة وخطيرة في مداها الداخلي والاقليمي والدولي، أذ واجه النظام البعثي لاول مرة في تاريخ العراق مشروعاً سياسياً بلون ومضمون شيعي حين بدأت البوادر المؤثرة لقيام الثورة الا يرانية 1979ومثلها الملهم يجد صداه عند شيعة العراق المتأثرين بها الذي امتلكوا مشروعاً سياسياً مقابل النهج الحكومي البعثي، وكان صراعاً غير متكافئاً دفع التيار الاسلامي الشيعي ثمناً باهضاً جراءه وسنت القوانين لمحاربته ومحاصرته وتدميره بأحط الطرق وحشية، وكان لاندلاع الحرب العراقية 1980 مساراً نوعياً في تجليات التمييز الطائفي وهو معروفاً، وجاءت انتفاضة 1991ومااعقبها من تنكيل وحشي منفلت أ ظهرت تداعياتها ماكان مرسوماً مخططاً له، أذ ظهر الوجه المستور لنظام البعث صدام وكشف عن زيف ادعاءاته عن تمثيله لكل الشعب عندما وظفت الفكرة التاريخية المعادية للشيعة بخطابها الطائفي المنفلت لاضطهادهم كفكر. وعقيدة. ووجود. بشكل مكشوف وفاقع وبأستعارات مستهلكة من التاريخ وهذه الفكرة بما حملته من ضغائن وقسوة وسحقاً للكرامة أوغرت النفوس بكل نوازع الحقد، والثأر، والانتقام، ليستعر بوهج ألدم و ورائحة الدخان الوحشية المريعة في الصراع الدامي الاستئصالي الذي تفجر بعد2003 و كان صراعاً طائفياً بأبعاد ومسميات مختلفة ولكن بمضمون واحد وبصيغة طائفية سياسية مكشوفة. أستنتاجات: في بعض المسارات التاريخية لم يتحول التمييز الطائفي الى صراع سياسي طائفي ولم يأخذ دور العامل الحاسم في تقرير وجهة التطور السياسي بل كان محركاً فرعياً في تلك المحطات التاريخية بأستثناء تلك التواريخ التي ذكرتها ، فتاريخ العراق متشابك ولم ينفرد عامل واحد في تقرير وجهته و أذا كان( تاريخ العراق هو نتاج الصراع الطائفي اي بين الشيعة والسنة العراقيين) ففي هذه الحالة كيف نصنف الصراع مع الاكراد من قبل حكومات سنية وهم من نفس الطائفة، أوالصراع الشيوعي- البعثي. القومي الاسلامي. 1958-1959 وهو صراع أجتماعي سياسي ايدلوجي دامي كبير انخرطت في مضماره مختلف التكوينات الطائفية والدينية والاثنية وانعسكت في اساسياته أجندات دولية وأقليمية وعلى خلفيته المتشابكة سقطت الجمهورية الاولى وتداعيات سقوطها أدى الى تحولات هائلة والى مدخل نوعي في التاريخ والسياسة العراقية....
هنالك اشكالية مركبة من الناحية التاريخية والتطبيقية تقف امام الجزم الذي استخلصه الدكتور عبد الخالق بالقول ان .الطائفية ام الازمات ومنها وتولدت وتفرعت الازمات.. وهو حكم يحتاج الى تناول مباشر يقتضي تعليله والبرهنة عليه لاصطدامه بتعقيدات الحالة البنيوية التي تتعلق بالتركيبة الاجتماعية للطائفة الشيعية التي هي كتلة بشرية كبيرة غير متجانسة سياساً وفكرياً (وطبقياً) وحتى أثنياً رغم غالبيتها العربية ،فهي تفتقد الى عوامل الاستقرار أي انها كتلة اجتماعية متحركة ومتغيرة تضم عشائر ذات نسب واحد تتوزع بين طائفنين وعلى تيارات وانتماءات سياسية متعارضة ومختلفة لايميزها الا انتماء مذهبي موروث، من هذه الكتلة الكبيرة أنحدرت وتنحدر مجاميع سياسية وجماهير كبيرة نحو الانخراط في احزاب علمانية وقومية ووطنية ، وتكونت منها نخب ثقافية وسياسية علمانية مرموقة متنوعة بعيدة عن اسقاطات المنطوق العقائدي الملزم بل وتمردت على مفاهيم وتقاليد المذهب، اضافة الى المتدينين والشيعة المقلدين واحزاب وتيارات ذات مضمون طائفي والتي تباعدت في خطابها السياسي وأنقسمت وبخاصة بعد 2003 أنطلاقاً من هذه الرؤية وارتباطاً بها نستطيع تقديم معطى وتحليل سياسي يوجزالانتقالات والتغيرات داخل الكتلة المذهبية الشيعية التي تجزئ قوة العامل الطائفي وتشتته لصالح عامل غير طائفي وهذا مايمكن ملاحظته فيما يتعلق ببعض المراحل التي مر بها التاريخ السياسي للعراق: مثلا وليس حصراً ...الحزب الشيوعي العراقي هو حزب وطني (طبقي اممي) وهو اكبرحزب سياسي في تاريخ العراق منذ فترة تأسيسه 1934- الى حد 1968- والى نهاية 1978 كان القوة السياسة الثانية بعد البعث الحزب الحاكم ، كان هذا الحزب ببرنامجه ونظامه الداخلي عابراً للطائفية واعضاؤه يمثلون كل المكونات الاجتماعية العراقية ومضمون برنامجه كان يدور حول الاستغلال والتفاوت الطبقي والدفاع عن الفقراء والكادحين ولم يكن في اولوياته أية فكرة عن مستحثات طائفية أوقضية طائفية ملحة وكان الصراع مع الملكية سياسي اجتماعي وبعد ثورة تموز كان الصراع الرئيسي يدور بين مشروع قومي اسلامي- ومشروع شيوعي،وطني وحتى بعد 1963- 1968كان كفاح الحزب الشيوعي موجهاً ضد نظم دكتاتورية عسكرية (الاخوين عارف) وكان مضمون شعار الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان شعاراً رئيسياً في تلك المراحل بأستثناء شعار (أسقاط النظام العارفي)الى بداية السبعينيات. .بالطبع لايمكن نكران التمييز الطائفي وتطوره بصورة مطردة في تلك الفترات، لكنه لم يتحول الى صراع سياسي ولم يكن عاملاً مهماً في التأثير على الاوضاع السياسية رغم وجود بوادر تحرك سياسي شيعي انذاك لكنه بقى محدودا غير ذي شأن ، من هذالمثل يظهرأن هنالك محطات سياسية تاريخية فاصلة لم يكن فيها عاملاً طائفياً مباشراً صنع حالة سياسة ملموسة الا في تواريخ محددة.... من هذه الرؤية يمكن الحكم ترجيحاً بتعذر انفراد عامل واحد بتقرير وجهة التاريخ بوصفه العامل الاكثراً حسماً وتأثيراً بصنع مفاصله الحاسمة كما هو في الحالة العراقية الذي بنى الدكتور عبد الخالق حسين فكرته عليها، فالتاريخ العراقي الحديث هو حصيلة لتفاعل مجموعة من العوامل والاسباب والشروط كونته وسارت به منها، الجغرافية السياسية، البيئة، الاقتصاد والثروات الطبيعية.الاديان المذاهب، المصالح الدولية والاقليمية المشروع القومي..الخ ومثلاً نجد أن تأثير النفط ودوره الكبير بوصفه(العامل المستتر) لكنه الاكثر حسماً ولولاه لكان تطور العراق وتاريخه قد سارا نحو مفترق نوعي مختلف ولتغيرت فيه كل المفاهيم والرؤى والصراعات، لكنه وزع دوره بين عوامل اخرى توارت خلف. قيمته. وأهميته .وتأثيره. من بينها التوجه الطائفي في زمن نظام البعث صدام الذي منحه عامل النفط زخماً وقوة عندما وضع تحت تصرفه ثروة اسطورية، وهذا يعطي مثلاً لتضافر مختلف العوامل لصنع حالة تاريخية محددة....أن الظروف في كل حين تتيح لعاملاً واحداً أن يكون الا برز في تقرير وجهة التطور في مرحلة تاريخية معينة وضمن شروط ملموسة والتاريخ مليئ بمثل هذه الانعطافات والتجليات....وللتوضيح أشيرهنا ان الاحزاب ذات المنطوق والمضمون الشيعي لم يكن لها نشاطاً وتاثيرً محسوساً في التاريخ السياسي العراقي طيلة النصف قرن وأكثر ويمكن تلمس( نشاطها التعبوي والسياسي ضمن الطائفة الشيعية في منتصف السبعينيات فقط من القرن العشرين وقد أزداد هذا النشاط توسعاً وتأثيراً وبلور أهدافه ضمن مشروع سياسي بعد اندلاع الثورة الا يرانية عام 1979...المرجعيات الشيعية وحدها في العموم من يتفاعل مع الحدث السياسي كحث أو اعتراض او تهدئه ودورها كان هو المحسوس في الاغلب.
.... من هذا الاستقراء يمكن أدراك قوة العامل الطائفي في الظروف الذي يتحرك فيها ويؤثر بها فقط ولايمكن فهمه كمؤثراً سائباً يسير بظروف مفتوحة في كل الحالات والانتقالات السياسية ضمن مفهوم الطائفة الواحدة الموحدة دون أن تكون هنالك احزاباً وتيارات ومراجع بمضمون طائفي سياسي تتفاعل مع حالة سياسية تؤثروتتأثر بها . ان الحالة (النموذجية) التي سار فيها العامل الطائفي كمؤثر حاسم هي الفترة التي تلت سقوط النظام عام 2003فالصراع كان وراءه عاملاًعميقاً وفاصلاً تمايزت اطراف الصراع خلف مشاريع طائفية سياسية حادة وأنقسم المجتمع في الغالب الى قوتين طائفيتين بمناطقها وناسها ومنطوقها تقف خلفها قوى اقليمية من منطلقات طائفية سياسية ومع ذلك ،‘يلاحظ ان الكتلة السنية أوالشيعية لم تكن متناجسة أومتناسقة في إدائها حتى في ذلك الصراع المصيري، بل هي منقسمة ومتعارضة بتياراتها وأحزابها ولايوجد لها ممثلاً واحداً يقودها ويتحدث بأسمها ويبدو أن العامل الطائفي فرض نفسه بصورة موضوعية على الجميع وتمترست الاغلبية خلف رايته في هذه المرحلة الراهنة.. وستتغير اهميته ودوره عندما تتغير المعادلة الطائفية.. والتوازنات داخل الطائفة الواحدة وأنقساماتها خارج المنطوق الطائفي الذي سيتقرر فيه المسار التاريخي الجديد ومضمون العوامل التي صنعته ضمن الكتلة الطائفية المتحركة والمتغيرة وهذا ما يستدعي التأمل والادراك....
.. أن الموضوع الطائفي يمتلك فيضاً من التعقيدات والاشكالات وحوله تدور رؤى خلافية واسعة ويحتاج الى أغناء ومتابعة. ربمافي مقالتي هذه ازحت كماً من عوارض الجدل لكنني اشعر أن هنالك غوامضاً تحتاج الى ابانة وتناول اعمق وساحاول قدر جهدي ومعرفتي مواكبة تطوراتها تباعاً. في العرض كررت بعض ماافاض به قلم الدكتور العزيز عبد الخالق حسين فيما يخص السرد التاريخي ودروسه وعبره كموافقة واستحسان... و هنا لايسعني الا أن أشيد ثناءً بالجهد والصبرالذي بذله الدكتور عبد الخالق حسين والاستنتاجات التي خرج بها في بحثه القيم حول تاريخ الطائفية في العراق والتي تشير بجلاء الى دراية مرموقة وفهم عميق لمعرفي جرئ وباحث سياسي ثاقب الذهن مخلص لشعبه ووطنه، تصدى لموضوع خلافي معقد تدور حوله أجتهادات وتباينات فكرية وسياسية ترفض الاقرار بوجود واقع طائفي وسايكلوجية طائفية ضاربة الجذور في تاريخيتها كرؤية وممارسة أو تلك الرؤى التي تخضعه الى اجندات مريبة... وهنا اعيد ما اكده بحق الدكتور عبد الخالق حسين بمقاربة اخرى وأستدلال متشابه، حين حمل القيادات الدينية الشيعية في العهد الملكي المسؤولية في تهميش طائفتهم لاتقل عن مسؤولية الاقلية الحاكمة: أن مايجري اليوم من مواقف ورؤى لتيارات شيعية متياسرة ومتخلفة ضد قوى دولية وفرت للطائفة الشيعية ونخبها فرصة تاريخية لايجود الزمن بمثلها لانعتاقهم من جورتاريخي لاحقهم حتى وهم في قبورهم... وهذا السلوك الارعن وغير المسوؤل في محصلته يخلق اشكالات ومخاطر لوطن لايعيش به الشيعة ويتضررون منه وحدهم ، بل سائر العراقيين بمختلف انتماءاتهم وهو يعيد تلك الصفاقة والحماقة السياسية التاريخية بعقل مترع بالتخلف وضيق الافق لانه يخدم أجندات اجنبية ويضر بمصالح بلادنا وشعبنا..وفي الختام أقول.. مثلما كان التمييز الطائفي خزياً وعاراً على من مارسه في العهود السابقة فالعدل والشرف يقضيان رفضه ومحاربته من قبل الشيعة ومراجعهم ضد أياً كان، وعدم أستغلال الظروف الحالية لممارسة ماكان يعانون ويشكون منه تاريخياً ضد الاخرين. أن الانعزالية والفهم المتعصب للسياسة سيقود لزاماً الى الهاوية والخراب وعلى الارجح ادرك المتنورون من الشيعة والسنة والاكراد وباقي الجماعات القومية مرارة الواقع وتعقيداته و أهمية التعامل مع مدركاته بواقعية ومرونة بوصفهم عراقيين.... هناك بعض الامثلة والاحداث الذي وردت في كتابات الدكتورعبد الخالق عن مساندة المناطق السنية لانقلاب شباط ولكنني أذكر هنا للامانة والتاريخ، أن الكثير من النخب الشيعية والاقطاعية والقومية في محافظات شيعية بينهم تجار ورجال دين وعساكر ساهموا وساندوا أنقلاب شباط الاسود 1963 وتظاهروا تأييدا له مثلاً في النجف وغيرها. وبالمقابل دافع الكثير من السنة عن نظام عبد الكريم قاسم مضحين بأرواحهم ومستقبلهم ولاسيما في بغداد وجرت معارضته بسبل مختلفة في مناطق سنية عديدة ، وأذكر هنا ان منظمات الحزب الشيوعي العراقي في تكريت وراوة وعانة والمناطق الغربية كانت اقوى واكبر من منظمات البعثيين عندما كانوا في المعارضة.في الختام اقول لايوجد حل واقعي امام العراقيين لتجاوز الطائفية ومأزقها الا بحل وطني يستند ويقوم على بناء دولة وطنية عراقية عابرة للهويات الطائفية والاثنية الضيقة رغم قناعتي بصعوبة انجازها وطول.. المدة.. التي يستغرقها هذا البناء الشاق ،لكن لامناص من قطعها وتجاوز محطاتها العصية.. طلال شاكر كاتب وسياسي عراقي
#طلال_شاكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سكان معسكر أشرف: بين المقايضة السياسية.. والحل الانساني العا
...
-
فدائيي صدام: وغرائب الموت في معسكر بسمايا..شهادة طبيب..؟
-
في ضوء انتخابات 2010 الحزب الشيوعي العراقي: امام تحديات مركب
...
-
الحوار المتمدن: في مقدمة المواقع الاعلامية..وبعد..!
-
العربي.. يتلوى.. بين سياط... الأفتراءات ... وطعن ألاقلام....
...
-
البعثيون.. والعرب السنة.. في أشكالية تبادل الولاء...؟!
-
أزمة التفكير القوماني الكردي المتطرف..وسُعار سدنة السلطان..؟
-
منذر الفضل..يستغفل..الدستور..تهافتاً.. وترويجاً..للنهج القوم
...
-
مغزى..أستذكار قناة الشرقية...لواقعة أعدام الكتاتور...؟
-
البعث..والبعثيون..في المزاد السياسي ...؟
-
طارق الهاشمي: بين أحادية الرؤية وأختلال المعايير..؟
-
يوم ارتحل الجنوبي الى بغداد...غريباً...؟
-
فدرالية كردستان.. مشروع قوماني انعزالي.. يهدد ..بناء الولة ا
...
-
الحزب الشيوعي العراقي..أمام تحدي البقاء...!؟
-
انقلاب8 شباط الدموي..1963 بداية تاريخ لرحلة ..الموت..والدم..
...
-
خرافة الطب النبوي..ودجل المروجين له..؟
-
فروسية وثقافة النعلْ...لاتصنع بطلاً..ولاقضية..؟
-
بلاغ اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ... ومداخل
...
-
احاديث المدينة..ديوان جديد لقصائد تتراقص حزينة على شفاه الشا
...
-
يوم انتفض اللواء 432 في جبهة زين القوس 1982 .....
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|