محمد البدري
الحوار المتمدن-العدد: 3082 - 2010 / 8 / 2 - 17:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سأل سائل، هل يمكن تحديث الاسلام؟ ولعل السؤال يكون صحيحا لو صاغه : هل يمكن اصلاح الاسلام؟
فالمشكلة ظلت ملازمة للاسلام منذ ان ظهر ولن نتطرق الي الحروب والصراعات التي نشأت من داخله فيما يسمي الفتن، تمويها وابعادا لانظار وعقول المسلمين عن لب المشكلة. وليس الاسلام وحده الذي يحتاج الي تحديث او اصلاح بل ان كل فكر انساني وكل دين اثبت التاريخ انه في حاجة الي الاصلاح لخطوع الواقع الانساني برمته الي مبدا التطور.
عبر التاريخ الطويل ومع عدم التمكن من الاصلاح فان كل مجتمع حصر اهتمامه بما ينفعه من نصوص ولعلي اكون اكثر صراحة في القول بان كل مجتمع اختزل الاسلام الي بعض النصوص وبعض الممارسات السلوكية بما يضمن به امنه منه. لهذا تعددت صور الاسلام عبر خريطة عالم المسلمين. فما اكثر ما حصر المسلمين انفسهم في قراءته وترتيله علي المقابر او الافتتاح بآية منه او بالتبرك به عند الانجاب ... الخ مظاهر الحياه التي تحتاج التبرك أو البكاء والحزن علي نفس الطريقة التي جرت بها اعراف مجتمعات البشر كلها بتعدد دياناتها او وثنيتها.
فرغم ان الاسلام منخرط ومخلوط بالتاريخ ولا يمكن الحديث عنه الا باستدعاء نصوصه وحوادثه مع وقائع تاريخية زمانية ومكانية الي حد ان كل آية قرآنية لها سبب تاريخي للاتيان بها، الا ان الاسلام الحالي المدعوم سرا من راسمالية العولمة يريد فرض مطلقية مفارقة له لتجعله فوق البشر وحاكما لهم دون اي يحق لهم في معرفة كيف تشكل هو بالتداخل بين ما هو لاهوتي وما هو ارضي. وتلك كانت اهم اطروحة للدكتور نصر حامد ابو زيد عندما وصل الي نتيجة منطقية بان القرآن منتج ثقافي. لا لسبب سوي انه يتفق ولا ينفصل عن طبيعة معينة لبشر معينون في لحظة تاريخية محددة.
لهذا فعندما تجاوز النص حدوده الجغرافية والزمانية الي بشر بانماط اجتماعية مغايرة ومختلفة في اماكن اخري وفي ازمنة مغايرة جعل ما سبق قوله عن الاختزال صحيحا ليتفق والموروث عند هذه المجتمعات. ولانه لا يتفق وكثير من انماط البشر المتعددة فان الانفصال بين السلطة الاسلامية والشعب المتعدد العقائد والايمانات طوال تاريخ الاسلام ظلت سمه ملازمة له. فالسلطة تريده اسلاما خاما علي نمط البداوة الهيراركية التراتبية التي لا مكان للخروج فيها ديموقراطيا عن راي الحاكم، بينما الشعب يريده ديموقراطيا يشارك فيه وبه في أقل امور الحياه وفي اعلاها حيث السلطة وتوليها مصلحة الناس. ولان هذا مستحيل ليس فقط عبر البرهان من نصوص القرآن او من الممارسة التاريخية للاسلام وحكام المسلمين بنظم حكم كلها استبدادية، فكان الانفصام والانفصال كان هو الحل بين الحاكم والمحكوم وبين النصوص ونواحي الحياه المتعدده وباشكالها المختلفة عن ذلك النمط الي ولد الاسلام في رحمه.
وهنا سنطرح السؤال مرة اخري اي اسلام يكن تحديثه او اصلاحه؟ الاسلام التاريخي لحظة التاسيس ام الاسلام باوجهه المختلفة باختلاف المجتمعات؟ هل هو اسلام السطة ام اسلام العوام؟
فاستجابة الاسلام للتحديث يصعب رصدها الا بقدر ما يستجيب للحداثة ويبطل نصوصا ظلت تقوم بالفعل في البشر وعلي البشر دون عائد أو جدوي. لكن هذا موقف نظري فالعبرة بما يجري علي الارض وليس ما هو مكتوب علي الورق بتعديلات وتحريفات او في لوح محفوظ لا ياتيه الباطل ابدا. فالاستجابة يتكون مرهونه نظريا وعمليا في وقت واحد وبتزامن صارم فيما بين النقد النظري وكشف ما في النصوص من عدم توافق مع افكار العالم الحديثة وبين اعادة التشكيل للنمط الاجتماعي من القاعدة الي راس الهرم. وتقف دول الخليج التي تبدو مستقرة ظاهريا ومتوازنة سياسيا وبورع اسلامي مضلل في اولوية القائمة كدول فاشلة بخلطها الاسلام الخام مع حداثة شكلية معمارية استهلاكية لا تحمل امالا غير متناهية في الحقوق والواحبات والحريات المدنية والدينية مثلما تحقق في مجتمعات الحداثة الاوروبية والغربية عامة. ففي آن واحد يجري استدعاء اسلام يعصف بحقوق البشر بل ويتحل اطرافهم بالبتر وقطع الرقاب مع سوق غاية في التشبع بسلع من منتاجات الحداثة الممتنعة اسلاميا دون ان يكتشف احد التناقض الحاد هذا. ويمكن رصد المشكلة لو رصنا الامور من الجانب الآخر، فالحريات والحقوق عند الغرب واقصي الشرق بلا سقف تقريبا وملتزمة اخلاقيا بارفع مما يجري حاليا في كل العالم الاسلامي. نشر مؤخرا ان ولاية مين في شمال شرق الولايات المتحده اقرت بحق النساء السير نصف عاريات اسوة بالرجل، وهو ما سيثير حفيظة كل العالم الاسلامي الذي لا يري في العري الا فرصة للانقضاض والعدوان وافراغ المكبوت. فإذا اردنا تحديث او اصلاح الاسلام ان نطرح سؤالا اين ذهب المكبوت عند سكان ولاية مين مقارنة بتقوي وورع واخلاق المسلمين الذي لا يوجد لفظ حرية او كبت ضمن النصوص الخام للاسلام؟
وسيظل المشكل قائم والاشكالية الاهم من العري والتبرج تتجدد في كل مجتمع مسلم وتتلخص في السؤال ما العمل مع نظم الحكم العربية والاسلامية التي تمارس الفساد عامدة وتبرر بانه موجود في كل بلاد العالم وترعاها القوي الكبري في تآمر خفي علي كتلة بشرية تبلغ مليار وربع مليار مسلم. كان نموذج قناة الرحمة ومشكلة بثها لكل ما يخالف قواعد حقوق الانسان ومنها العداء للسامية وسب اليهود والتشهير بالغير مسلمين نموذجا للكيل بمكيالين من كلا الطرفين.
فعندما اعترضت فرنسا واسرائيل علي المواد الدينية التي تبثها القناة وتوجه بها العداء والارهاب الي شعوب اوروبا واسرائيل، رغم ان القناه تمنع ظهور المرأة بها منقبة او محجبة كانت ام سافرة ام نصف عارية، فقد حدث ان اوقفت القناه بثها وظهرت بثوب مطابق علي تردد آخر مع وقف بث المواد التحريضية التي اعترضت عليه الدول الكبري لكنها ظلت تبث المهانة وتنشر الهيمنة المغلفة بنصوص دينية علي المسلمين المحليين. هذا نموذج كيف تستجيب السلطات الاستبدادية التي تدعمها القوي الكبري سرا والشركات ذات الربحية العالية من اسواق الاسلام الخام لمطالب هذه الدول بينما يغمض الطرفان اعينهم عن الشعوب الفرائس التي ظلت في المصيدة الدينية للاسلام الذي هو في حاجة الي اصلاح وليس تحديث. فقد اثبتت الاحداث ان الاسلام ونظمه الحاكمة تستجيب ليس للتحديث أو الاصلاح انما للضغوط وللتلويح بالعقاب، لمن يملك سلطة العقاب. فهل الجهل والامية التي تحرص عليها الحكومات الاسلامية وعدم وجود قوي سياسية في الشارع الاسلامي غير الاصولية المدعومة من النظم ومن الغرب ايضا هما من العوامل لعدم امكانية اصلاح الاسلام؟
#محمد_البدري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟