|
هل الدول الإسلامية دولا حديثة؟
مجدى خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3082 - 2010 / 8 / 2 - 06:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما نتحدث عن المواطنة فى الدول الإسلامية، وما يترتب عليها من المساواة التامة بين المواطنين بصرف النظر عن الدين أو النوع أو اللون، يتحتم علينا أولا طرح السؤال الأهم وهو هل دخلت الدول الإسلامية بالفعل طور الدول الحديثة؟. الدولة الحديثة قائمة على ركيزتين أساسيتين وهما: المواطنة، وسيادة الدولة، ومن ثم لا توجد مواطنة خارج نطاق الدولة القومية الحديثة، وهذا يستنتج منه أن تحقيق المواطنة يترتب على دخول الدولة مرحلة الدولة الحديثة أولا... وهذا لم يحدث بشكل واضح فى الدول الإسلامية حتى كتابة هذه السطور.. لندخل فى التفاصيل أكثر. عرف الغرب الدول الدينية طوال العصور الوسطى التى سميت بالمظلمة، حيث سيطرة الدين ورجال الدين على الحكم، وحيث تنطلق الحقوق الأساسية للمواطن من عقيدته وتحددها المؤسسة الدينية، وحيث الحروب الدينية والصراع على الدين ومن آجل الدين أو بدعوى حماية الدين ،وهذا ما كان يحدث حتى عام1648 فيما يمكن تسميته وقتها ب " العالم المسيحى" الغربى. يتخذ مؤرخوا الدولة القومية عام 1648 كبداية لظهور ما تسمى بالدولة الحديثة، وهو تاريخ معاهدة وصلح وستفاليا ، وهو الصلح الذى انهى الحروب الدينية بين الدول الأوروبية وخصوصا حرب الثلاثين عاما بين فرنسا والامبراطورية الرومانية المقدسة وبين هولندا وأسبانيا. من ذلك التاريخ عرفنا الدولة الحديثة ، وهى الدولة القائمة على المواطنة والجنسية وتحديد حقوق الفرد وواجباته بناء على هذه المواطنة وحدها، وعلى أحترام حدودها الجغرافية أو مبدأ سيادة الدولة، ومن وقتها حدث تطور متسارع مذهل فى الحضارة الغربية أوصلنا إلى ما نحن فيه وهو " الحضارة العالمية المعاصرة". فى الدول الإسلامية كان الوضع مختلفا حيث أنها ومنذ نشأتها بعد هجرة رسول الإسلام للمدينة وهى دول دينية قائمة على تقسيمات دار الإسلام ودار الحرب، والمسلم والذمى، والولاء والبراء، والمؤمن والكافر.. وامتد ذلك عبر الخلافة الإسلامية الطويلة والتى سقطت عام 1924،أى أنه من المفترض أن عام سقوط الخلافة الإسلامية الأخيرة فى الأستانة عام 1924 هو نهاية ما يسمى بالدولة الإسلامية كدولة دينية،أى بعد ثلاثة قرون من ظهور الدولة الحديثة فى الغرب... فهل حدث هذا بالفعل؟.الاجابة ليست بنعم واضحة أو لا واضحة، فالوضع حتى هذه اللحظة فى هذه الدول يتراوح ما بين دول دينية مكتملة الأبعاد مثل السعودية، وإيران، والصومال، وأفغانستان(طالبان)، وباكستان، وسودان جبهة الأنقاذ، ودول شبه دينية مثل مصر واندونيسيا ومعظم الدول الإسلامية الأخرى .. وفى تقديرى لا توجد دولة إسلامية واحدة يمكن أن نسميها دولة حديثة بالمعنى الحقيقى للكلمة.
مما يؤسف له أن الاستعمار الغربى للدول الإسلامية هو الذى حاول ادخال هذه الدول إلى عالم الدول الحديثة وذلك منذ قدوم الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، وبما ترتب على دخولها من البدء فى بناء المواطنة المرافق للدولة الحديثة ،وخاصة للأقليات الدينية وللنساء،ولهذا ليس بمستغرب إنه لم يتولى مسيحى رئاسة الوزراء إلا تحت الاحتلال الغربى للدول الإسلامية كما حدث لنوبار باشا الأرمنى المسيحى فى مصر، ولبطرس غالى ويوسف وهبه القبطيان تحت الاحتلال الانجليزى، وأيضا فى سوريا لفارس خورى رئيس الوزراء السورى فى عصر الانتداب الفرنسى.وفى عصر الاحتلال كتب قاسم امين كتابيه ذائعى الصيت " تحرير المرأة"، "و المرأة الجديدة" وخرجت هدى شعراوى فى مظاهرات عارمة من آجل تعليم المرأة ونزع نقابها، وبعد ما يقرب من تسعة عقود على ذلك تخرج المظاهرات من آجل تغطية المرأة بالنقاب مرة أخرى ليس فى مصر فقط ولكن ويا للهول فى اوروبا وأمريكا.وللأنصاف فأن الحركة الوطنية فى مصر التى قامت لمناهضة الاحتلال الأنجليزى تجاوبت مع بناء الدولة الحديثة لتسحب البساط من تحت أرجل الاستعمار، وصاغت شعارها العبقرى " الدين لله والوطن للجميع".
بعد خروج الأستعمار الغربى عادت ريما لعادتها القديمة، الدخول إلى رحاب الدولة الدينية خطوة خطوة ، ولكن هذه المرة عبر الأسلمة وليس الخلافة، فلن يسمح العالم وخاصة الغربى بعودة الخلافة بمأسيها مرة أخرى. ولكن حلم الخلافة مازال يعشعش فى ذهن الجماعات الإسلامية المختلفة من الأخوان إلى تنظيم القاعدة تحت حلم " أمة وأحدة ذات رسالة خالدة" لابد ان تسود العالم وتحكمه وتتحكم فيه. كان التنافس الأهم منذ سقوط الخلافة، وخاصة بعد خروج الأستعمار الغربى، بين الجماعات الدينية والأنظمة الحاكمة، هو التنافس بين تسريع الأسلمة من جانب الأنظمة ومحاولة عودة الخلافة كما تحلم جماعات التأسلم السياسى. وقد قامت الأنظمة، تحت حقبة ما سمى بالصحوة الإسلامية، بتسريع الأسلمة من خلال الدساتير والقوانين والثقافة والنظام العام والمجال العام. على الجانب الغربى تسارع التطور جدا من دولة المواطنة إلى دولة المواطنة وحقوق الإنسان، فأخذت الدول الغربية فى تنقية المواطنة من شوائب الفرز والتمييز، ثم انتقلت إلى ما يسمى عصر حقوق الإنسان والتى تعلو حتى على سيادة الدول، فبعد أستقرار مفهوم السيادة فى القانون الدولى وتراجع خطر المساس بالسيادة الجغرافية، كان المهم الأهتمام بحقوق الفرد داخل الدولة ذاتها فى مواجهة السلطات. الدول الإسلامية كما قلت لم تكن قد انجزت فكرة ومفهوم الدولة الحديثة بشكل كامل وواضح، فكيف تدخل فى مرحلة لاحقة وهى مرحلة حقوق الإنسان وهى لم تدخل مرحلة الدولة الحديثة بعد. فماذا كان تصرف الدول الإسلامية فى مرحلة حقوق الإنسان؟. وقعت الدول الإسلامية على معظم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ولكنها وضعت قيدا بعدم مخالفة هذه المواثيق للشريعة الإسلامية، ولهذا فأن هذا القيد يعتبر بمثابة رفض لهذه المواثيق، لأن هذا القيد هو قيد عام مطاط هلامى وغير معرف ويعطى للدولة الإسلامية حق قبول أو رفض ما تراه من هذه المواثيق وهذه الحقوق بحجة الشريعة، ولأنهم لم يرفقوا بهذا القيد ربما خجلا ما هى الحقوق التى تتعارض مع الشريعة، ولأنهم لم يطرحوا البدائل الحقوقية عند الغاء حق محدد تقرره المواثيق الدولية، ولأنهم اخيرا لم يعرفوا لنا ما هى الشريعة الإسلامية بالتحديد، فالمرأة لا يحق لها قيادة السيارة فى السعودية ولا العمل كقاضية فى مصر ولكنها تتولى رئاسة الدولة فى باكستان وبنجلادش وكل هذا يتم تحت حكم الشريعة.. فمن فى هذه الدول التى تطبق الشريعة الصحيحة؟. الدولة الحديثة ولدت على انقاض الدولة الدينية،فهل تخلص المسلمون من ذيول الدولة الدينية؟...الأجابة لا واضحة يتضح مما سبق أن الدول الإسلامية لم تدخل مرحلة الدولة الحديثة بوضوح، دولة المواطنة والحقوق المتساوية للجميع، ولهذا عندما جاءت مرحلة حقوق الإنسان اللاحقة لدولة المواطنة تعاملت معها هذه الدول من موقفها غير الواضح ومن كونها لم تحسم موقفها بعد من الدين، فجاء تعاملها مع مرحلة حقوق الإنسان شاذا ملتبسا يضع الدين فى مواجهة الحقوق الإنسانية ويقيد الحريات بقيد الشريعة، وينطلق هذا من وضعها الحقيقى كدول دينية وشبه دينية. وعلى هذا فأن الدول الإسلامية عمليا لم تبرح العصور الوسطى بعد، وإن كانت تأخذ ببعض أشكال الدولة الحديثة.
#مجدى_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعوة لتكريم نصر حامد ابو زيد
-
القمص بولس باسيلى
-
وليم الميرى
-
أفغانستان : الدولة المشكلة(2-2)
-
أفغانستان: الدولة المشكلة(1-2)
-
سؤال وجواب حول الزواج المدنى للأقباط
-
الأقباط بين الزواج المدنى والزواج الدينى
-
إنقلاب على عهد بوش
-
رسائل عطرة من اشقائنا المسلمين
-
حوار مع قرائى
-
الناسخ والمنسوخ فى الدستور المصرى
-
حكاية الدكتور عصام عبد الله
-
التعليم والمواطنة(3-3)
-
التعليم والمواطنة(2-3)
-
الأزهر بين شيخين
-
أمن الخليج....مسئولية من؟
-
وضع الأقباط تحت حكم مبارك
-
تظل إشكالية المجتمعات الإسلامية قائمة
-
العلمانية والديموقراطية فى فكر مراد وهبة
-
التعليم والمواطنة
المزيد.....
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|