|
شرعية الأنا ومقومات الذات
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 935 - 2004 / 8 / 24 - 10:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعني الأنا رسم الحدود وإبراز المعالم والتصريح عن كينونة الكائن الإنساني، وتعبر عن التحدي والمنافسة والكشف عن مظاهر القوة الفكرية والعلمية. وهي الخروج على القواعد والقيم الموروثة، والتعامل مع الحاضر والمستقبل برؤية واضحة من خلال تعرية المستور وتحدي السلطة الغاشمة وقوى التحكم في المجتمع. كما أنها تعني عنصر التضاد (المقابل) أنا والسلطة، أي رسم حدود الكيان ورفض الاندماج القسري والتعامل بالند والمطالبة بالمساوات بين الكيانات الإنسانية في المجتمع. ورفض كل أشكال الاحتواء والإقصاء وتمثيل الآخرين للذات الإنسانية المستقلة. والأنا مشروع مطالبة بالاستقلالية والتعبير ورفض أشكال الصهر للذات في مرجل الشمولية، كما تعني الخاص وليس العام فهي الكينونة التي تنطلق منها الذات. وهي مشروع استقلالي وليس جزءً من مشروع يقترحه الآخرون وتكون فيه الذات عنصراً من مجموعة عناصر يقرر الآخرون أهميتها وتفاعلها في المشروع العام. ويرى ((سارتر)) أن الإنسان ليس إلا مشروعاً لذاته، لا يوجد إلا بقدر ما يتحقق فهو ليس شيئاً أخر سوى مجموعة أفعال وليس شيئاً أخر سوى حياته. والأنا ليست النرجسية المفرطة الفارغة، لكنها النرجسية الممتلئة التي تطال المشتغلين بشؤون الفكر والعلم، أنها (أنانية) استغلال المدى الزمني والحدود المكانية لتحقيق الذات. وهي التميزية بعينها عن الآخرين الخاضعين للقواعد والموروثات والأحكام الاجتماعية، وما تعني من مظاهر الشمولية. وليست التفضيلية، لكنها فصل الحدود وتعين التطلعات وشق المسارات المستقلة بعيداً عن تسلط مشاريع المنظومات الشمولية. ويعبر ((جورج هربرت ميد)) عنها: بأنها مجموعة منظمة من سلوكيات الآخرين يضطلع الفرد نفسه بها. الأنا، تعبير عن حرية الذات والتصريح غير المقيد بالآراء والأفكار الذاتية. وهي الرفض لكل أشكال التأطير لحرية التصريح والإعلان عن المواقف التي تهم المجتمع. أنها المقاومة لكل أشكال السلطة ومحاولاتها لإلغاء الذات وتحديد مساحة الحرية، وتجيير الامكانات والجهود لخدمة فئة تسعى لفرض قيمها وأفكارها الشمولية على المجتمع. ويرى ((آلن تورين)) أن الذات دائماً ذات عصية، متمردة على القواعد وعلى الاندماج وتسعى لتأكيد نفسها والاستمتاع بها عن طريق مقاومتها للسلطة تحول هذا التأكيد لنفسها إلى رغبة في الكينونة كذات. تتحدد الذات بالحرية وبالنضال من أجل التحرر أكثر مما تتحدد بالفعل وتقنيات الترشيد، وهذا ما يجعلنا أن نرفض استخدام العقل في مواجهة الذات. الأنا، هي منظومة التوجهات الرافضة لكل أشكال التعبير والتمثيل للذوات الأخرى في المجتمع، وتدعو إلى الاستقلالية والحرية في التعبير الشخصي غير الملتزم بضوابط تنظيمية تمنع انسياب الأفكار والآراء بشكل حر. أن تأطير الذوات الإنسانية بشبكة من المبادئ ومن ثم التعبير عنها برأي واحد، هو تأكيد حالة اللاحرية. ولا يمكن لأحد أن يعبر عن الذات الإنسانية بشكل دقيقي غير الكيان ذاته. وكل ذات إنسانية (وبغض النظر عن تحصيلها العلمي) قادرة على التعبير عن نفسها، وتمتلك وسائلها في التعبير للبوح عما في داخلها من هواجس وآراء أفضل مما تعبر عنها منظمومة فكرية تتخذ من المصالح العامة مسطرة لقياس أبعاد الظاهرة الإنسانية ومصالحها، فإن اتفقت مع قياسها عبرت عنه وإن اختلفت طالها الإهمال والإنكار. يقول ((شكسبير)) أنا الذي كنت أشخاصاً كثيرون بلا جدوى، أود أن أكون واحداً فقط هو أنا. تسعى المنظومات الشمولية لإلغاء الذات من أجل السيطرة والتحكم بالكيانات الإنسانية، وهذا التحكم يأخذ أشكالاً متعددة أبرزها القمع والحط من قدر كينونة الذات وإضعاف مقوماتها بغية السيطرة والتحكم بأفعالها وتأطيرها بمسار يخدم مصالحها. تستمد الذات الإنسانية أبعادها الحقيقية من الأجواء الديمقراطية، ومن التثقفيف بلائحة حقوق الإنسان، ومن نهج التسامح وقيم الخير. وتحرر الذات يعني تحرر الإنسان من أشكال العبودية الفكرية ومن آليات التحكم السلطوية والشمولية. السلطة والفكر الشمولي، لا يعمدا للتحكم بمرافق الحياة الأساس في المجتمع حسب، لكنهما يعملان على إضعاف مقومات الذات لإحكام السيطرة في اللاوعي لدى الإنسان. ويرى ((آلن تورين)) الذات ضعيفة، ومقموعة من أجهزة السلطة ومحرومة من جزء كبير من حقوقها في اللاوعي. تتحرر الذات الإنسانية في النظام الديمقراطي وتشريعات حقوق الإنسان حيث الحرية والتسامح ونبذ التشريعات التعسفية ويشكل ذلك رغبة في المطالبة بتحرر الآخرين. وبالضد من ذلك فأنها تتحول إلى حالة الأنا المدمرة والمستسلمة للذة الركون النرجسية التي تتخذ من السلطة وقوانينها لغة الفعل. الذات الإنسانية، ليست التعبير عن الفردية (الأنا) ضد المجموع، بل التعبير عن الأنا لصالح المجموع. وتطالب الأنا بتحرر الذات من براثن السيطرة والتحكم وباستنهاض المقومات الذاتية للتعبير عن الحرية الشخصية وبالمحصلة فإنها تطالب بالحرية للجميع (أنا وأنت)!. ومفهوم النزعة الفردية مختلف تماماً عن شرعية الأنا، فالأولى تعني المطالبة بالمصالح الفردية وعلى حساب المجموع والثانية تعبر عن مصالح (أنا وأنت) ككيان إنساني وبالتالي عن مصالح المجموع. والمطالبة بحرية الذات، وتحقيق الكيان المستقل يعني استنهاض مقومات الفرد الذاتية لخدمة مصالحه الذاتية أولاً ومن ثم إيجاد محصلة للقوى النفعية تحقق مصالح المجموع. وهذا يؤدي حتماً لحث الذات على الإبداع والتطور والمساهمة في دفع عجلة الإنتاج وتحديث آلية السوق لتحقيق الفائض الإنتاجي ليسهم في الرفاهية والعيش الكريم. ويرى ((آلن تورين)) الذات ليست هي وعي الأنا، ولا هي الاعتراف بالماهية الاجتماعية نفسها، بل هي على العكس خروج عن صورة الفرد المتشكلة من العادات وقيم النظام الاجتماعي. هذا الخروج لا يتم إلا عن طريق النضال ضد منطلقات وآليات النظام القائم بهدف تحرير الذات والاعتراف بالآخر كذات. ستوكهولم بتاريخ 22/8/2004.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المنظومات الشمولية والذات الإنسانية
-
*مناقشة وتحليل للنظام الشرق أوسطي 3-3
-
*مناقشة وتحليل للنظام الشرق أوسطي 2-3
-
*مناقشة وتحليل للنظام الشرق أوسطي 1-3
-
*مواقف دول الشرق الأوسط من النظام الشرق أوسطي 2-2
-
*مواقف دول الشرق الأوسط من النظام الشرق أوسطي 1 -2
-
نصائح مهمة للكاتب للتعامل مع دور الطباعة والنشر في الوطن الع
...
-
محنة الكاتب والقارئ العربي
-
محنة الكاتب مع أجهزة الرقابة الحكومية والسلفية على الثقافة
-
أساليب الغش والخداع التي تمارسها دور الطباعة والنشر مع الكات
...
-
محنة الكاتب مع دور النشر في الوطن العربي
-
السيد مقتدى الصدر بين غياب الرؤية وفشل الهدف
-
حرية الاختلاف تنهل شرعيتها من الديمقراطية
-
.!!النظام الديمقراطي: هو حصيلة روافد من دم العلماء والمفكرين
-
ازمة الثقافة العربية انعكاس لسياسة القمع وغياب الحرية في الو
...
-
أزمة النقد الأدبي في الوطن العربي
-
الطاقة الإبداعية وخيارات التوظيف!!
-
الصراع بين المؤسسة الدينية والسلطة السياسية على قيادة الدولة
...
-
آليات سلطة الاستبداد وشرعية دولة القانون
-
محطات من السيرة الذاتية للشاعر- بايلو نيرودا
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|