أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - تقي الوزان - الحاج بابنَّكَ ونقاء الضمير المهني















المزيد.....


الحاج بابنَّكَ ونقاء الضمير المهني


تقي الوزان

الحوار المتمدن-العدد: 3079 - 2010 / 7 / 30 - 16:20
المحور: سيرة ذاتية
    


في حياة الأنصار الشيوعيين الكثير من المفارقات , ونتيجة الصعوبات اليومية الكثيرة التي كانت تواجههم , وجدوا في النكتة وخلق المواقف الهزلية – حتى في أدق الظروف خطورة - , مسارا يسربون به هذه الصعوبات ويقللون من ثقلها .
وكان من بين هذه المجالات اختلاق الألقاب , أو منحها نتيجة صفات أو مواقف معينة . بعضها ظل ثابتا , وآخر وقتي ينتهي بزوال ظروف نشوئه . مثل كريم دويا , وكريم شاب في الخامسة والعشرين من العمر , خريج جامعة وقدم من موسكو , يمتلك من الوداعة , والنظرة الحانية , ما جعله محبوبا عند الجميع . وعند قدومه كان مندهشا بحياة الأنصار, ويحاول استيعاب مفرداتها بشكل دقيق وتدريجي , أي ببطء, ونتيجة هذا البطء سمي دويا , ودويا اسم ماركة دهن تركية يستعمل في الطبخ . أو أبو علي صينية , وأبو علي لديه شهادتي دكتوراه في الفيزياء والرياضيات , الأولى من لندن , والثانية من موسكو . وسمي بالصينية لكون لديه ضمور في اللثة , وأخذت أسنانه تنفرج عند نهاياتها , وأصبحت أشبه بصينية ( زنجيل البايسكل ) , واخذ يثور حتى عندما يسمع حذاء صناعة صينية , فما بالك عندما يأتي رفيق ويظهر تعجبه من انه وجد ( سرج بايسكل ) في هذه الجبال , وآخر باندهاش وجد السكان , وقبل ان يجد الثالث الويل يكون أبو علي قد اسكت الجميع , إلى أن قلع أسنانه الأمامية واختفى اللقب .

الدكتورة إيمان ابنة الشهيد سلام عادل , قدمت إلى كردستان من موسكو التي نشأة فيها , ومعرفتها بالعربية ضعيفة , وكانت لاتكل من الخروج في مفارز الأنصار , مع حقيبتها التي تحملها على ظهرها وفيها أنواع الأدوية , تطبب الرفاق الأنصار , والفلاحين في القرى التي يباتون أو يستراحون فيها , . كانت مفرزتها قد التقت مع مفرزة أخرى على كتف احد سواقي العيون في سهل شهرزور , والرفيقة ايمان تورم وجهها وظهرت عليه الحبات الحمر نتيجة قرص البق , وتهرش بجلدها من سلاسل سريان القمل . كانت عطشى , وأضاعت قدحها الذي كانت تحتفظ به , ولا تعرف كيف تغرف الماء بيديها من الساقية . احد رفاق المفرزة الأخرى يخطو أمامها , وكان في حمالته المشدودة إلى وسطه , بالإضافة إلى مخازن العتاد الثلاث والقنبلة اليدوية , قدح , سكين , سلسلة , علبتان لا يعرف ما فيهما , وعندما يسير يسمع صوت ارتطامها ببعضها . إيمان سألت البيشمركَة الذي يجلس بجانبها عن اسم الرفيق واسم القدح , فأجابها : جاسم أبو الخراخيش , والقدح خرخوشة , ونادته : عيني جاسم أبو الخراخيش , انطيني هاي الخرخوشه حتى اشرب ماي . جاسم لا يجيبها لأن اسمه ليس جاسم , والاهم انه خاف من لقب أبو الخراخيش , ووسط الضحك , نبهه احد الرفاق , فأراد تدارك الموقف , فضحك بارتباك وقال : والله حسبا لي تحجي هندي . والى أن خرجت إيمان من كردستان , ظل جاسم, ابو الخراخيش .

وهناك أسماء أخرى لا يزال أصحابها يحملونها رغم مرور أكثر من ربع قرن عليها , فعباس رش مصور من أهالي البصرة , وعباس اسمر , ورش بالكردية تعني اسود , و أبو عجو , وعجو كلمة لا احد يعرف معناها , ولكن كان لإيقاعها الساخر وسط أسماء ثورية ( ثقيلة ) , مثل أبو الثوار , وأبو التضامن , ما جعلها تنتشر بسرعة . والرفيق آسو عازف كَيتار , ترك دراسته الجامعية في بلغراد والتحق بقوات الأنصار , وكان شعر رأسه عكشا , ويتركه يطول , ويشد فوقه الجمداني , وهو غطاء الرأس الكردي , فيبدو رأسه كبيرا , فاستبدل آسو ب ( راسو) . ولكن الاسم الأكثر ثقلا هو عكس بلوعة , وعكس بلوعة من الرفاق النشطين في الفوج السابع في السليمانية , وكان يعمل في المشتريات , ويقود مجموعة بغال الفوج , وله علاقات واسعة مع أصحاب المتاجر والقجغجية في سهل شهرزور , خدوم , مطاوع , ومن النادر ان توصيه على شئ ولا يأتي به , كان موضع اعتزاز جميع الرفاق , ولا اعرف لماذا سمي بعكس بلوعة , وتعود عليه حتى إذا نودي باسمه الصحيح أو الحركي لا يجيبك , واجبرنا على نسيان باقي اسميه .

وتطول قائمة الألقاب التي ارتبطت بمواقف وأحداث , وبعضها بقيادات عسكرية وحزبية , مثل الشهيد علي كلاشنكوف وهو من ابرز القيادات العسكرية الكردستانية , وكان قائدا لفوج هورمان ( السابع ) في السليمانية , وهو عسكري التحق بقوات الأنصار عام 1963 ومعه أول بندقية كلاشنكوف دخلت إلى سلاح البيشمركَة , واستشهد مع اثنين من رفاقه أثناء اجتماعهم في احد شكوتات (مغارة كبيرة ) في مقر قاطع السليمانية في كرجال , بعد ان سقطت عليهم حجرة كبيرة من السقف تزن عدة أطنان , ودفنتهم تحتها . وحيدر حنفي , من أوائل الشباب البواسل الذين أصبحوا أعضاء لجنة مركزية , حيث استطاع الخروج من العراق أثناء الهجمة على الشيوعيين عام 1979 , بكَلابيّة وجواز سفر مصري باسم حنفي , بعد ان اشتراه من مالكه الأصلي في بغداد , وظل يتحدث في بعض الأحيان باللهجة المصرية حتى في كردستان , ونتيجة الصعوبات الجمة , وشعوره العالي بالمسئولية , شاخ قبل عمره بثلاثين عاما . ويبقى حجي بابنَّكَ من الأسماء اللامعة التي جالت في فلك الألقاب الأنصارية .

بابنَّكَ احد النباتات العشبية التي تستخدم لأغراض طبية , وكثير الانتشار في كردستان. والحجى شاب نجفي قصير , نحيل , وشعر اقرب للصفار وعيون صغيرة زرقاء , رقيق في حركاته وسيره , وجدي دائما في تعامله اليومي رغم نبرته الناعمة التي يتحدث بها , وأكثر ما يضايقه الفراغ , ويحاول ان يشغل نفسه بأي شئ . كان يدرس في إحدى جامعات برلين الغربية , يوم كانت مقسمة الى غربية وشرقية , ومثلما هو معروف فان الدراسة في الغرب تجري على حساب الطالب , فكان يعمل بعد الانتهاء من الدوام في الجامعة في احد المطاعم التركية , حيث اغلب المطاعم الشعبية في ألمانية يديرها الأتراك . الحجي كان يعشق اختصاصه في الدراسة , وهو طب الأعشاب , وقد أكمل المعهد , ويدرس للحصول على الشهادة العليا .

الحاج بابنَّكَ كان يسكن عند عجوز ألمانية , استأجر منها أحدى غرفتيها التي تتكون منها شقتها , ويشترك معها في المطبخ وباقي المنافع الأخرى . كانت شديدة التعاطف معه , لكونه غريب وشخص جدي , والألمان من الشعوب التي تقدس الجدية في العمل . العجوز كانت تتشكى من صبغة الشعر التي تستخدمها , وكيف جففت شعرها الخفيف الذي تظهر من بين فجواته فروة الرأس . حدثها الحجي عن مواصفات صبغة نباتية طبيعية تستخدم في مناطقنا تسمى " الحناء " وتقوي أيضا بصيلات الشعر وفروة الرأس , ونتيجة ثقتها بإمكانياته الطبية ومعرفته العميقة بالأعشاب وطرق علاجها , طلبت منه ان يساعدها بالحصول على " الحنة " . وفعلا اتصل بأهله في النجف , وطلب منهم ان يرسلوا له كيس " حنة " في البريد . وبعد أكثر من شهرين وصل كيس الحنة , ونتيجة اعتزازه بها أبقاه في لفته المرسلة في البريد وسلمها لها دون أن يفتحها , واخذ يشرح لها كيف تستعملها , والمهم أن تجعلها عجينة سائلة , وتدلك رأسها جيدا , ثم تشد رأسها لبعض الوقت , وبعدها تغسل شعرها . شكرته كثيرا , وحاولت أن تعطيه ثمنها , إلا انه رفض , وتمنت له بالموفقية .

في اليوم الثاني , بعد عودته من الجامعة ليرتاح , ويأكل وجبة غذائه , ويبدل ملابسه ليذهب إلى المطعم . وجد الشرطة بانتظاره , والعجوز لم تترك كلمة قذرة في الألماني والتركي وما تعرفه من باقي اللغات لم تصبها فوق رأسه , وهجمت عليه بمقلات خطفتها من المطبخ , وأوقفتها الشرطة , وهو مذهول , وكشفت عن رأسها الذي لم يبقى به شعرة واحدة , وفيه بقع حمراء تقارب الحروق , ولم يدرك ما حدث , وبعد اخذ ورد مع الشرطة , أتوا ب(المعجانة ) التي فيها الحنة , والعجوز تخاف ان تقترب منها , وكان لون الحنة ابيض مغبر , وعندما شم عفونتها , ضرب جبهته بباطن كفه , وأدرك , إن أهله أرسلوا بدل الحنة دوّة حمام , وقد ظنوا انه يخجل من أن يقول دوّة حمام , وهو أملاح النورة التي تستخدم لإزالة الشعر .

الربيع في كردستان من أجمل ما تقع عليه العين في مهرجان ألوان الزهور والنباتات والأعشاب , وهذا التنوع الكبير وجد فيه حجي بابنَّكَ المختبر الذي سيعوضه عن الاستمرار في دراسته العليا لطب الأعشاب , بعد ان ترك الجامعة ولبى نداء حزبه الشيوعي في الالتحاق بقوات الأنصار . لقد جلب الحجي في حقيبته مجلدين ضخمين في طب الأعشاب , كانا المصدر في استعادة معلوماته , ومساعدته في اكتشاف مواصفات النباتات الجديدة عليه . نسب للعمل في مقر الفوج الثالث في بهدنان , كان صبورا , ودقيقا في ملاحظاته , وصرف معظم وقت فراغه في مراقبة الحشائش والنباتات , ويقارن ملاحظات السنة الماضية بالسنة الحالية , ويستكمل تدوين البحث في مراقبتها . ورغم المداعبات, والتعليقات الساخرة من بعض الرفاق , إلا انه واصل البحث , واستطاع أن يعالج حالات تسمم , وإنهاء حالات الصداع النصفي عند بعض القرويين ببعض الأعشاب , وحذر الرفاق من الجلوس او الاستراحة بالقرب من بعض الأعشاب السامة , واكتشف أخرى مخدرة . وصادقه بعض الرفاق خصيصا لمعرفتها , ولكنه لم يخبرهم بها , واخذوا يستفزونه بالتعليقات الساخرة , ويكذبونه , كي يخبرهم , ويثبت صحة معرفته , ولكنه لم يستجب لأي استفزاز . كان هادئا , ولا يعلق إلا بابتسامة تملئ وجهه , وحركة من يديه الطويلتين يوحي بأنه لن يفتحها, ويكشف هذه النباتات .

وبعد مجازر الأنفال , تنقل بين تركيا وسورية وروسيا وهنكاريا , واستقر في ألمانية إلى أن وافاه الأجل , ورغم صداقتي معه , لم اعرف ان اسمه رياض ومن عائلة الماشطة الكريمة , إلا بعد أن نعاه الحزب والأنصار .



#تقي_الوزان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكمت حكيم والألوان الباهرة للراية الوطنية
- ابو شروق وتداعيات الزمن المنكوب
- حكاية أنصارية
- لكي يكون الواقع هدفنا
- تسمية الاشياء بأسمائها ضرورة لابد منها
- اليسار بين التهويم والنحت في الصخر
- الاحزاب ليست جمعيات استهلاكية
- بين بشتاشان ودموية النظام
- الحزب الشيوعي والهموم النقدية
- الحزب الشيوعي ليس قبيلة ماركسية
- لكي لانبرر الخسارة, او الانسياق وراء جلد الذات
- بين زمنين
- الشيوعيون وفرح اعلان قائمتهم
- من الذي يؤمن بالدستور والعراق الفيدرالي ؟
- الضياع في كسب السلطة
- علي خليفة والاستعارة من التاريخ
- بين الواقع والكلام
- حسين عبد المهدي والتوحد مع الضمير
- استعدادات مبكرة للأنتخابات
- القوى الديمقراطية العراقية والحراك المشتت


المزيد.....




- السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات ...
- علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
- ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
- مصادر مثالية للبروتين النباتي
- هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل ...
- الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
- سوريا وغاز قطر
- الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع ...
- مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو ...
- مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - تقي الوزان - الحاج بابنَّكَ ونقاء الضمير المهني