أقارب محمد خضر حليمة
الحوار المتمدن-العدد: 934 - 2004 / 8 / 23 - 12:00
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
نداء إلى الرئيس بشار الأسد والسيدة عقيلته
سيادة الرئيس
أخاطبك والسيدة عقيلتك كوالدين في المقام الأول , لأن مشاعر الأمومة والأبوة أقوى من كل المشاعر .
وحتى لا أطيل عليكما الحديث سأدخل في الموضوع مباشرة :
لقد أصدرت يا سيادة الرئيس عدة مراسيم عفو عن الجرائم الجنائية . فخرج الكثير من القتلة والمجرمين , وسارقو المال العام , والمهربين . ونفذت هذه المراسيم فورا ودون استثناءات , ودون إحالة المفرج عنهم إلى فروع
الأمن المختلفة .
أما مراسيم العفو , التي أصدرتها سيادتك عن المعتقلين السياسيين فلها وضع آخر وغريب ومتفرد , لا يحدث
مثله في العالم , إلا في سورية .
لا نريد أن ندخل في تفاصيل الجرائم , التي ارتكبت ولا تزال قي أقبية التعذيب في الفروع الأمنية المختلفة على
مدى أربعة عقود تقريبا , حتى لا نجرح مشاعر السيدة عقيلتك , التي ولدت وترعرعت في بلد ومجتمع يقدس
حياة الإنسان وكرامته , وحتى لا نتهم بالكذب من قبلها , لكوننا غير قادرين على إقناعها , بأن كل ذلك يحدث
في بلد هي عقيلة رئيسه .
لقد فوجئنا يا سيادة الرئيس بتصرفات إسرائيل مع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال المضربين عن
الطعام , حيث عمدت سلطات السجون الإسرائيلية إلى معاقبة هؤلاء ولكن كيف ... ؟
فالعقوبة كانت كالتالي : سحب أجهزة التلفزيون والد يجيتال من الزنزانات , وكذلك أجهزة الكومبيوتر , وقطع
شبكة الانترنيت , والهاتف الأرضي , ومصادرة أجهزة الموبايل , ومنع دخول الصحف . أما في سورية
يا سيدي فيحرم السجين حتى من ساعة اليد , ليصبح منذ اللحظة الأولى لدخوله السجن خارج الزمان والمكان .
هذا بالإضافة إلى قتل الناس تحت التعذيب , وهدر كرامتهم , أو اعتقال رهائن من ذوي المطلوبين , أو حتى
القتل المباشر في مكاتب التحقيق وبرصاصة في الرأس أو الفم , أو وضع الناس في السجون دون محاكمة
لأكثر من ثلاثين عاما , أو إخضاعهم لمحاكم غير شرعية أساسا, لتطبق عليهم أحكاما مسبقة الصنع . ثم صدور مراسيم رئاسية تعفي القتلة من المساءلة في يوم من الأيام .
وإذا تناسينا كل ذلك يا سيادة الرئيس , فما رأيك بأن هذه المحاكم , التي لا يختلف عليها اثنان , بأنها غير نزيهة قد
حكمت على مواطنين لفترات متفاوتة قضوا ثلاثة أضعاف مدة حكمهم ومع ذلك لا زالوا في السجون . وهناك من أخلي سبيلهم بموجب عفو رئاسي من قبلكم شخصيا , عادت أجهزة الأمن اعتقالهم على أبواب السجون ونقلتهم
إلى زنزاناتها الخاصة جدا , دون الاكتراث بمقام الرئاسة . فكيف لنا أن نطالب باحترام كرامة المواطن العادي .
سيدتي عقيلة الرئيس
منذ 14/ 7 / 2004 أفرج السيد الرئيس عن حوالي 35 معتقلا سياسيا . نحن شأننا كبقية أهالي المفرج عنهم
فرحنا بعد أن تم الاتصال بنا , بأن ابننا الدكتور محمد خضر حليمة من طرطوس قد أفرج عنه . فشكرنا السيد
الرئيس ولعلعت الزغاريد في ديارنا . وأخبرنا والده وهو على فراش الموت , أنه سيرى محمد قبل أن يسلم روحه إلى خالقها , وقد تجاوز الثمانين من العمر . لكن الفرحة لم تكتمل , فقد وصل رفاق محمد إلى أهلهم
وبقي محمد معتقلا بعد الإفراج عنه من سجنه لدى أحد الفروع الأمنية منذ تاريخ 14 / 7 .
سيدتي
سأروي لك هذه الحادثة لتتعرفي على حجم المأساة , التي نعيش . لقد مضى على محمد حليمة وهو في السجن
ربع قرن بالتمام والكمال . وعندما مرضت والدته كان قد مضى على سجنه أكثر من 15 عاما دون أن
يراه أحد أو يعرف أين هو . وبالمصادفة نقلت والدته الراحلة إلى دمشق , لإجراء عملية جراحية ومن حسن
حظها وقعت تحت يد الدكتور محسن بلال عظم الله أجره وحماه ووفقه هو وأطفاله وكل من يمت له بصلة .
فقد تعامل الدكتور محسن معها بمسؤولية إنسانية عالية ، و خصها برعاية فائقة حتى شفيت . و كلما كان يتفقدها
الدكتور محسن أثناء جولاته على المرضى . يجدها غارقة في البكاء. فيصاب بالإحراج , ويسأل نفسه : هل
أخطأت في شيء ؟ فالعملية من الناحية الطبية ناجحة 100 % . ومن المفروض ألا تشعر المريضة بأية
آلام . فسألها : يا أمي ... أين موضع الألم , الذي يضايقك إلى هذا الحد ؟
فردت عليه بالحرف : بالقلب ... يا ابني ... لدي ولد اسمه محمد لم أره منذ أكثر من 15 عاما وهو سجين
ولا نعرف عنه شيئا . أريد أن أراه قبل أن أموت , لأعرف إذا كان على قيد الحياة أم لا ؟ أغرقت عينا الدكتور
محسن بالدموع , وأمسكها من يدها وقال : أعطني أسمه بالكامل , وسأحاول مساعدتك على رؤيته . وبالفعل
توسط الدكتور محسن وحصل على موافقة لزيارة والدته له في السجن . وحملت الأم على نقالة لأنها لم تكن قادرة على الوقوف , وشاهدته لدقائق توفيت بعد فترة وجيزة .
سيدتي
منذ أيام قليلة قام أولاد عمتي الرئيس بقتل شاب في مقتبل العمر بين أحضان والديه في اللاذقية , لأنه رفض إعطائهم دراجته النارية , التي أعجبا بها . فلحقا به إلى منزله وأطلقوا عليه الرصاص فاردوه قتيلا في
الحال أمام أعين أشقائه وشقيقاته الأطفال وأكملوا طريقهم , وكأنهم كانوا في رحلة صيد . فلو حدث ذلك في
بلد في العالم لاستقالت الحكومة والرئيس . نحن لا نطلب ذلك . ولكن هل ستطبق العدالة بحق هؤلاء ؟
لقد حاولنا نسيان الجرائم , التي ارتكبها أقارب الرئيس خلال العقود الماضية , ولكنهم يصرون على تذكيرنا
بها من خلال هذا البطر والأجرام الذي لا مثيل له . وللأمانة والحقيقة نقول , بأن أبناء الرئيس الراحل حافظ
الأسد لم يحدث أن اعتدوا على حرمة مواطن أو مواطنة بأي شكل . ولكن تصرفات أقاربهم تسيء إليهم من
خلال عدم معاقبة جرائمهم . فإلى من يشتكي المواطن من جرائم هؤلاء ؟ فهؤلاء الذين قتلوا ذلك الشاب
عن سابق قصد وتصميم , يجب أن يعدموا في ساحة الشيخ ضاهر باللاذقية ليكونوا عبرة لأفراد العائلة
" المالكة " , الذين يستبيحون كل المحرمات . لكن الوقائع تقول عكس ذلك تماما , فقد يجبر أهل القتيل على
الاعتذار من القتلة , أو أنهم نقلوا إلى لندن أو باريس على متن طيارة خاصة أو وضعوا داخل أحد القصور
المحروسة , حتى لا تطالهم يد العدالة . إذا كان في بلادنا عدالة . بينما يقبع أولادنا في غياهب السجون لمجرد
النطق بكلمة أو بسبب مقالة صحفية .
سيدتي ... لقد وقعت سورية على الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وبالأمس القريب على ميثاق حقوق الإنسان
العربي الصادر عن مؤتمر قمة تونس , وأصدر الرئيس مرسوما بمنع التعذيب , ومع ذلك يزال الناس يموتون
تحت التعذيب أو يوشكون على الموت . فإلى متى ستبقى سورية مملكة الصمت والقتل والتعذيب ...
سيدتي ... هؤلاء السجانين يتصرفون وكأن لا أولاد لهم ولا أهل . نناشدك كأم لطفلين التدخل لإطلاق سراح محمد وكل
المعتقلين على شاكلته , خاصة وأنه خرج بموجب عفو رئاسي ومن أعلى سلطة في البلد . وتصوري لو أن أحد
أولادك يتعرض في يوم من الأيام لمثل هذه المعاناة والكارثة ... فكيف سيكون شعورك كأم .
سيدتي ... في البلاد التي ولدت وتربيت فيها , يحكم الإنسان بالمؤبد , يقضي منها عشرون عاماً في السجن
ثم يخرج حرا . فهل حكم على محمد بأكثر من المؤبد ؟
والسؤال الذي يراودنا جميعاً : من يحكم سورية ؟
مع فائق الاحترام،
أقارب محمد خضر حليمة – طرطوس
#أقارب_محمد_خضر_حليمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟