|
هرطقات ديمقراطية صهيونية
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3077 - 2010 / 7 / 28 - 19:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تبدّدت الى حدود غير قليلة فكرة اعتبار “إسرائيل” واحة الديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط، بل إنها “الديمقراطية” الوحيدة المحاطة بالذئاب الكاسرة، من كل مكان، والتي تريد افتراسها والاجهاز عليها كل لحظة . وبغض النظر عن وجود أنظمة لا ديمقراطية أو مستبدة في العالم العربي، فقد أخذ العالم يتلمس تدريجياً حقيقة الديمقراطية “الإسرائيلية”، ولم يعد التذاكي الصهيوني ممكناً، كما أن الخداع لن يستمر الى ما لا نهاية، وينطبق الأمر على أصدقاء “إسرائيل” خصوصاً أن رأياً عاماً أوروبياً بلغ 59% صوّت على اعتبار “إسرائيل” مصدر خطر في الشرق الأوسط، أما العرب والفلسطينيون، فهم من يدرك حقيقة الهرطقات الديمقراطية “الاسرائيلية”، خصوصاً وهم ضحايا عدوان مستمر ومتكرر منذ 62 عاماً حتى الآن .
الهرطقات الديمقراطية “الاسرائيلية” الجديدة جاءت هذه المرة على لسان الكنيسيت “الإسرائيلي” من فمك أدينك يا “إسرائيل” وهي تفضح على نحو سافر مزاعم حاولت “إسرائيل” التشبث بها، وتعكّز عليها بعض أنصارها مقارنين ذلك بالدكتاتوريات العربية والأنظمة اللاديمقراطية في المنطقة .
إن الكنيست باتخاذه طائفة من القرارات ذات النزعة العنصرية، وتحت باب العقيدة الصهيونية وحماية أمن “إسرائيل”، تعيد التذكير بالقرار 3379 الصادر في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1975 من الأمم المتحدة، وهو القرار الذي دان الصهيونية واعتبرها شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، والذي استطاعت “إسرائيل” بفعل التراجع العربي وتغيير موازين القوى الدولية إلغاؤه في 16 كانون الأول (ديسمبر) العام 1991 .
ومن بين مشاريع القوانين الغريبة والمعادية للديمقراطية التي ناقشها الكنيست وصادق على أغلبيتها، قانون يقضي بحجب المساعدات عن منتجي فيلم سينمائي “إسرائيلي” ينتقد الدولة وذلك بهدف منع الفن من أداء رسالته في نقد الممارسات الصهيونية، وقانون يقضي بفرض غرامات مالية على هيئات وجهات “إسرائيلية” تدعو الى فرض مقاطعة أكاديمية أو اقتصادية على “إسرائيل”، لا سيما بعد مشاركة أكاديميين يهود إلى جانب مئات الاكاديميين في بريطانيا وغيرها لإدانة ممارسات “إسرائيل”، وقانون يقضي بحجب مساعدات حكومية من هيئات تتآمر على الدولة وتضرّها من خلال دعوتها لإقامة محاكم خارج “إسرائيل” لمحاكمة سياسيين وضباط “إسرائيليين” بارتكاب جرائم حرب، مثلما حصل لشارون في بلجيكا وبن اليعازار و6 من زملائه في إسبانيا وتسيبي ليفني في بريطانيا، واحتمال اتساع دائرة الداعمين لملاحقة مرتكبي الجرائم “الإسرائيليين” أمام القضاء الوطني لبعض الدول التي تسمح بذلك قوانينها بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة وجنسية الجناة أو الضحايا .
وصادق الكنيست على قانون تمييزي يقضي بمنح امتيازات في السكن لمن يخدم في الجيش “الإسرائيلي” أو يؤدي “الخدمة الوطنية” (لا سيما أن العرب معفيون أو يتم استثناؤهم من أدائها) وقانون يعلن أن الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح “غير قانونية” بزعم أن رسائلها تتسم بالتحريض الآيديولوجي وهي معادية ل”إسرائيل” واليهود .
إن القرارات التي تمت المصادقة عليها أو تقديمها كمشاريع قانون في دورة الكنيست الحالية (الدورة الثامنة عشرة منذ قيام “إسرائيل”) هي أكثر عنصرية ويمينية وتطرفاً من جميع الدورات السابقة للكنيست . وتمس هذه القوانين مساساً خطيراً بحرية التعبير، فضلاً عن التمييز ضد العرب، وتعكس سيادة روح التطرف وانعدام روح التسامح إزاء الآخر .
وتحت الحجة الأمنية أجهِز على المظاهر الشكلية للديمقراطية بزعم أن “الديمقراطية تدافع عن ذاتها”، خصوصاً بتشريع قانون غريب بعنوان “الولاء والانتماء”، وهو القانون الهادف الى سحب الجنسية ممن لا يعتبر موالياً للدولة أو صُنفَ باعتباره معادياً لها، وبموجب ذلك اتخذ الكنيست قراراً بسحب امتيازات وحصانات النائبة حنين الزعبي من حزب التجمع العربي .
ولعل أخطر القرارات هو تمديد قانون سريان لمّ الشمل (قانون المواطنة) الذي يمنع لمّ شمل العائلات الفلسطينية والأزواج من فلسطينيي ال 48 وسكان قطاع غزة والضفة الغربية لستة أشهر إضافية، وينص القانون الذي حاز على أغلبية 53 صوتاً مقابل معارضة 13 فقط، على منع لمّ شمل المواطنين الفلسطينيين في “إسرائيل” وبين الفلسطينيين سكان الضفة والقطاع وسكان دول تعتبر معادية هي سورية ولبنان وإيران والعراق (الذي ما يزال على القائمة حتى الآن) .
وكان قانون المواطنة الذي شُرّعَ العام 2003 قد منع لمّ الشمل بين المواطنين الفلسطينيين، كما جرت الاشارة إليه، إضافة إلى السكان الذين يعيشون في مناطق تجرى فيها عمليات تشكل خطراً على أمن الدولة أو على مواطنيها، وهي المناطق التي تحددها الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” .
وقد دافع اليمين “الإسرائيلي” عن حزمة القوانين العنصرية هذه، مبرراً أنه يعمل من أجل “تعزيز الوطنية والولاء للدولة “وحسب دافيد روتم وهو من تنظيم “إسرائيل بيتنا” المتحالف من كتلة الليكود، الذي يحظى بمنصب رئيس اللجنة الدستورية في البرلمان حيث قال: إنه انتخب من أجل الحفاظ على “إسرائيل” دولة للشعب اليهودي (الادعاء بدولة نقية، وإنكار وجود تكوينات أو أقليات أخرى، رغم أن الفلسطينيين يعيشون في وطنهم وأرضهم) وذلك من خلال تعزيز أمن مواطنيها (المقصود اليهود فقط)، وبالتالي ترخيص سحب جنسية كل من يسعى الى المساس بالأمن، فضلاً عن تقديم أفضليات لمن خدم في الجيش (علماً بأن العرب معفيون- وهو تمييز آخر) ضد كل من ينفي وجود “إسرائيل” (أي وضع الولاء قبل حق المواطنة) .
أما وزير الأديان يعقوف مارغي فقد عزا سريان قانون “الولاء والانتماء” لدوافع أمنية، متهماً الفلسطينيين بالقيام بأعمال إرهابية من خلال استغلال اكتسابهم الفرصة القانونية بعد لمّ شمل العوائل في “إسرائيل”، الأمر الذي يؤدي الى تسهيل الأعمال الانتحارية .
لعل الهرطقات “الإسرائيلية” بشأن الديمقراطية أخذت تتبخّر بل إنها تكشف نفسها بنفسها، وحتى من أبدى إعجاباً أو تأثراً بها بفعل التضليل الصهيوني، فقد تلمس من خلال استمرار أعمال العدوان على غزة، فضلاً عن استمرار الحصار منذ ثلاث سنوات ومهاجمة قافلة الحرية وقتل 9 من ركابها والاستخفاف بالقانون الدولي وبشرعة حقوق الانسان الدولية، أن “إسرائيل” تزداد تمادياً في تخريب قيم الديمقراطية، فإضافة الى الممارسة التي باتت معروفة، فإن حزمة القوانين العنصرية الأخيرة التي سنّتها تعتبر دليلاً جديداً على بطلان مزاعم الديمقراطية .
إن القوانين العنصرية التي شرعها الكنيست تعيد الى الأذهان ما سبق أن نساه العالم في غمرة الديماغوجية الصهيونية وهي أن “إسرائيل” ما تزال بلا دستور منذ تأسيسها حتى الآن، لأنها لا تعترف بمبادئ المساواة وتقوم على التمييز العنصري، وهي بلا حدود، لأنها تمارس أعمال ضم وقضم تدريجيين إزاء الأراضي العربية، لا سيما في القدس والجولان .
الديمقراطية هي مفاهيم وحقوق وقوانين ومؤسسات وتطبيقات وأولاً وقبل كل شيء مساواة وعدم تمييز وتعددية، وليست مزاعم أو هرطقات .
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نصر حامد أبو زيد ومحنة التفكير والتكفير!
-
الثقافة والابداع من أجل التنمية!
-
عن النقد والمراجعة الفكرية
-
هل لا تزال الماركسية ضرورية؟
-
حين يرحل المفكر مطمئناً
-
أسئلة التنوع الثقافي
-
استحقاقات برسم تسليم الحكومة العراقية الجديدة
-
الاغتيال السياسي : مقاربة سسيو ثقافية حقوقية
-
سلطة العقل.. السيد فضل الله حضور عند الرحيل!
-
الثقافة والتغيير
-
ظلال غورباتشوف في صورة أوباما الأفغانية
-
النيل والأمن المائي
-
الانتخابات ومستقبل العراق!
-
الأزمة الكونية وحلم التنمية
-
5 رافعات للتسامح
-
هل تستقيم المواطنة مع الفقر؟!
-
الثقافة والتربية.. لا حقوق دون رقابة
-
قرصنة وقانون: أليست كوميديا سوداء؟
-
مسيحيو العراق: الجزية أو المجهول!
-
الطائفة والطائفية: المواطنة والهوية!!
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|