|
إلى حضن العروبة يا عربنان - طقطوقة
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 934 - 2004 / 8 / 23 - 11:43
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
رأيت فيما يرى النائم أنني أرتدي ثياباً سوداء فضفاضة، وأرفع رايات سوداء تخفق، وأنا أتبختر كالطاووس في بيداء مترامية، تفترشها الأشواك والحصباء، وأهتف بشعارات كبيرة لا أذكر منها الكثير، فقط بضع كلمات تتحدث عن أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة أو ما شابه، غير أني كنت أردد: "إلى حضن العروبة يا عربنان"، وقد بدا الأمر كما لو أن عربنان دولة عربية افتراضية مشكوك في عروبتها، وكما لو كانت قد ابتليت بالفرنجة منذ زمن طويل، فغزوها ثقافياً وسياسياً واجتماعياً، وحاولوا طمس هويتها العربية الأصيلة، وسلخها عن الجسد العربي النابض، أو جعلها رأس حربة ينفذون منها إليه، ومما جعلها تبدو كما لو كانت قد أنست للتفرنج والفرنجة، أن ساعدهم نفر من أبناء عربنان المجبولين على كراهية العروبة والكيد لها والمكر بأهلها. وظهرت أعراض ضياع الهوية فعلاً على عربنان، بدا ذلك جلياً في شوارعها وملاهيها ومراقصها وأزياء أهلها الخليعة، وأحزابها المتنابذة المتطاحنة وقد استبدلت بها وحدة الصف العربي، حتى موسيقاها تغيرت وصارت أقرب للمجون، متباعدة عن موسيقانا العربية (بالأصح التركية)، تغير كل ما هو أصيل في عربنان أو كاد!! وبدا كما لو أن إخوانها في كل أنحاء عالمنا العربي المجيد - من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر – يتحسرون على عربنان وأهل عربنان، على قطعة من جسد العروبة يكاد يبتلعا البحر المتوسط، الذي تستوطن شطآنه الشمالية شعوب الفرنجة الفاجرة الفاسقة، التي أرسلت زبانيتها لخداع أمتنا تحت مسميات ماكرة وشريرة، مثل الحضارة والليبرالية والديموقراطية، خسئوا ما أرادوا إلا الفتنة يزرعونها في صفوفنا المتراصة، وبدا انصياع عربنان للمخطط الاستعماري إلى الدرجة التي حدت بالمخلصين الحريصين على ثوابت أمتنا وأمجادنا التليدة إلى الظن أن عربنان قد ضاعت وانتهى الأمر. لكن بدا لي، وأنا مازلت أتبختر في عباءتي السوداء - وكان رأسي حاسراً، دون عقال عربي أو طربوش تركي – أن الطامة الكبرى لم تكن في ضياع عربنان وأهلها، إنما الخوف كل الخوف، بل قل الرعب حتى النخاع من أن تمتد إلى باقي الأقطار العربية، عدوى الانخداع بمقولات الفرنجة اللعينة عن التحضر والإنسانية والديموقراطية وحقوق الإنسان وما شابه من مفاهيم ظاهرها طيب وباطنها سلب هويتنا واستقلالنا وخصوصيتنا ونهب ثرواتنا والسيطرة على مقدرات أمتنا الواحدة ذات الرسالة الخالدة. لكن المخلصين من أبناء العروبة الأماجد، قادة وحكومات، والمناضلين والمجاهدين من كل حدب وصوب، لم يتركوا عربنان لمصيرها، لتفقد ثوب عروبتها القشيب، وتلبس ثوب الفرنجة الخليع، واستعانوا لتحقيق مقصدهم النبيل بكل حكمة الأجداد ودهائهم، وثروة الأبناء ودولارات نفطهم، وبنفر من أشاوس عربنان، تم إثارة النخوة التي كادت أن تموت فيهم، بالإقناع تارة وبالترغيب والعطاء تارة، وبالترهيب بالعاقبة وسوء المآل تارة أخرى، حتى عادوا بعد لأي عن غيهم، وثابوا إلى رشدهم، واقتنعوا أن ما يدعونه حضارة، ليس إلا رجس وابتداع وضلال !! وقد بلغ حرص مناضلي أمتنا على عروبة عربنان، أن بعض فيالقهم التي ناضلت لتستعيد عربنان من براثن التفرنج والتحلل والعمالة، تلك الفيالق المخلصة الوفية لتراث أمتنا النضالي البعثي القومجي الاشتراكي السلفي، فضلت تلك القوى عربنان ومصيرها على أوطانها الشخصية السليبة، في مثال نادر للأثرة وإنكار الذات، ولا يقلل من هذا الإيثار أن رفع بعض المناضلين شعار: أن تحرير الوطن السليب لا يمر إلا عبر عربنان!! واقتتلوا كما حرب البسوس المجيدة، لكن لم تكن صيحتهم: أريد كليباً حياً ولكن: أريد كليباً قاتلاً أو قتيلاً. المهم، تكلل سعي القوميين المخلصين بالنجاح، بعد نضال من شارع إلى شارع، ومن مزرعة إلى مزرعة، فتوقفت مسيرة عربنان التغريبية، وظهرت عليها دلائل استعادة عافيتها العروبية، رغم بقايا مازالت لم تجتث بعد من جذورها، لأفاعيل الهيمنة والغزو الثقافي الاستعماري. لكن أهم وأوضح ما رأيت في منامي، أن عربنان توشك أن توجه لطمة قاسية للإمبريالية الأمريكية ومشاريعها الاستعمارية، لن يأتي دليل فشل مشاريع الهيمنة الأمريكية من أفغانستان أو العراق، بل من عربنان، وعربنان بالذات، تلك الدولة الصغيرة التي أرادها الفرنجة لتكون رأس جسر لتمرير ما يسمونه ديموقراطية وليبرالية، ونسميه كفر وتبعية وعمالة. ابتهجوا أيها العرب الأماجد والصناديد والنشامى والأشاوس في كل أنحاء وطننا العربي، فعربنان توشك أن تخطو الخطوة الأولى لاستبقاء رئيسها مدى الحياة، ومنحه لقب القائد المظفر، والزعيم المفدى، والبطل الملهم،والمهيب الركن، والقائد الضرورة. لقد أثبت يا عربنان أن عروبتك أصيلة لا يمكن اقتلاعها، وأن شعبك قد قرر أن يولي ظهره لكفر ما يسمونه حضارة وديموقراطية، ويولي وجهه شطر البوادي الحصباء، التي لا زرع فيها ولا ماء. فإلى حضن العروبة يا عربنان
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل حقاً كلنا مقتدى وكلنا بن لادن وكلنا صدام؟
-
الظاهرة الصدامية
-
العولمة. . سقوط وتغير المفاهيم
-
أزمة السلطة الفلسطينية
-
شجرة الكراهية . . من الجذور إلى الثمار
-
قبل تغيير الشرق
-
دوائر الانتماء بين التفاضل والتكامل
-
الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 6
-
الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 5
-
الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 4
-
الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 3
-
الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 2
-
الليبرالية الجديدة وفضاء يتشكل 1
-
الفاشيون الجدد والتانجو الأخير
-
الفاشيون الجدد ودموع التماسيح
-
- أثداء الصبار- قصة قصيرة
-
خربشات على جدار مفترض - كتابة عبر النوعية
-
الشيخ وهالة الصبح - قصة قصيرة
-
مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 3/3
-
مركزية الكلمة وأزمة الخطاب الشرقي 2/3
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|