كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 934 - 2004 / 8 / 23 - 11:13
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الجواب بكل بساطة نعم, إذ لم يعد مقتدى الصدر في وضع يحسد عليه. وهذا ما توقعته له في آخر مقال لي نشرته عن السيد مقتدى الصدر. وليس في معرفة هذا الأمر أي ذكاء أو حدس استثنائي. فهذه المجموعة الصدرية أصبحت حبيسة القيادة التي شكلتها ووضعتها على رأس مليشيا "جيش المهدي". وهذه الجماعة القيادية تنتمي إلى تيارات فكرية وسياسية إسلامية وقومية وبعثية متطرفة تنحدر من العراق ومن دول مختلفة وتعمل وفق إرادات مختلفة وذات أهداف نهائية مختلفة, ولكنها متفقة على عدة مسائل يفترض تبيانها مرة أخرى لنحمي العراق من عواقب أفعالها اليائسة, ومنها:
1. إشاعة الفوضى والعبثية وعدم الاستقرار والخشية من المستقبل وتدمير البنية التحتية وضرب المنشآت النفطية وإشعال النيران بخطوط أنابيب نقل النفط وتقليص القدرات المالية لإعادة إعمار البلاد وتوفير فرص عمل جديدة للعاطلين عن العمل من أجل تعميق وتوسيع التذمر وعدم الثقة بالحكومة وبفترة الانتقال والقدرة على إنجاز مهماتها.
2. تأليب المزيد من السكان من أتباع المذهب الشيعي ضد الحكومة بسبب احتمائها بالصحن الحيدري بالنجف وما نشأ عن ذلك من خشية الناس في أن يصاب المرقد أو الضريح الشريف بإصابات بالغة بسبب المعارك التي دارت رحاها حول الصحن مباشرة, إضافة إلى تأليب المسلمين عموماً ضد الحكومة العراقية تحت نفس الواجهة.
3. إيجاد تعاون وتنسيق بين كل الفصائل الإرهابية العاملة حالياً في العراق.
4. استمرار العمليات العسكرية العدوانية في مناطق مختلفة من العراق بأمل منع السير في عمليات التهيئة للانتخابات وانتخاب المجلس التشريعي العراقي ووضع الدستور الديمقراطي الفيدرالي التعددي الحديث, والانتقال الفعلي لممارسة الحياة الديمقراطية والفيدرالية الكردستانية والسير على طريق البناء الجديد. ويمكن التعبير عن ذلك بسعي هذه القوى الإرهابية المتنوعة من أجل إعاقة سيادة مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق المواطنة وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية في العراق الجديد.
نحن أمام شخصية دينية تعاني من مشكلات كبيرة, تعاني من الشعور بالعملقة والعظمة المقترنة بالنرجسية والإحساس بامتلاك الحقيقة كلها, وبهيمنة الروح السادية على تصرفاته والقسوة في التعامل مع الآخرين وبذهنية لا تهتم بموت الناس, ما دام موت الآخرين يوصله إلى الهدف المنشود, وكذلك قدرته واستعداده على رؤية مئات الضحايا تتساقط دون أن يشعر بأي حرج أو تأنيب للضمير, وهو يعاني من انفصام الشخصية, بين ما يدعيه من التزامه بمبادئ وأسس معينة وبين ما يمارسه عملياً إزاء الشعب والوطن والمستقبل. وهو رجل دأب خلال الفترة المنصرمة على المناورة باتجاه إحراج الآخرين والبرهنة على ضعف الآخرين وقوته. فالناطق الرسمي باسم مقتدى الصدر, أحمد الشيباني, يعلن موافقة الصدر على شروط الحكومة كاملة غير منقوصة, ولكنه في الوقت نفسه يمتنع عن اللقاء بممثل الحكومة العراقية المؤقتة, ثم يمتنع عن اللقاء حتى بقريبه وعميد عائلة الصدر السيد حسين الصدر ممثلاً ورئيساً لوفد المؤتمر الوطني العراقي. كما يمتنع عن تقديم تعهد اعتيادي للحكومة يوافق فيه على تلك الشروط أو التحدث إلى الصحفيين أو أمام إحدى الفضائيات التي كانت تنقل عنه ومنه الكثير من الأخبار والأحاديث لإعلان موقفه صريحاً واضحاً ودون مناورة,
لقد تحدث بعكس ما فعل. فهل كان هذا بإرادته أم خارج إرادته وبالرغم منه لسبب ما؟ لقد وصلت إليه رسالة السيد كاظم الحائري وهو مرجعية الصدر الدينية يطلب منه الموافقة على شروط الحكومة. فما الذي يمنعه الآن من القيام بهذه الخطوة؟ أرى, ولا أجزم بذلك, أن مقتدى الصدر لم يعد سيد نفسه, لم يعد ماسكاً بزمام الأمور بيديه, فقد أفلت زمام الأمور من يديه كلية وأصبح حبيس إرادة القوى المحيطة به والمهيمنة على قراره. فقد ورد في إحدى نشرات الأخبار وبصورة سريعة أن ميليشيا الصدر ترفض تسليم أسلحتها, ثم يصدر أمراً لأتباعه بعدم نزع السلاح والاستمرار في القتال, فماذا يعني كل ذلك؟
كان الصدر الابن زعيماً لهذه الجماعات والقيادات الدينية وغير الدينية عندما كان يسير وفق ما يريدون وكان منسجماً معهم وقانعاً بالدور الذي أسندوه إليه, ولم يجد في ذلك أي تناقض, كما أنهم وجدوا فيه شخصية يمكن تسييرها ودفعها ما دامت تحمل طموحات كبيرة غير مبررة وغير واقعية في آن واحد, ولكن هذه الجماعات بدأت ترى فيه غير ذلك, بعد أن أُعلن باسمه موافقته على شروط الحكومة, فهي لا ترى فيه الآن سوى شخصاً معرقلاً لمسيرتها, وليس غريباً أن يجهزوا عليه ويعتبرونه شهيداً ويزعمون أن الدولة هي التي أجهزت عليه, أو أنه سيختفي كما اختفى من قبل المهدي المنتظر. من المكن أنهم بدأوا بتهيئة لعبة قذرة باحتمالات عدة:
1. دور القائد الفعلي إن أمكن إقناعه بمواصلة الدور الذي مارسه حتى الآن, فيختفي عن الأنظار ليمارس هذا الدور, وربما سيعبر الحدود إلى إيران ليمارس الدور من هناك.
2. وأما سيقتل بطريقة ما ويتحول إلى شهيد وتوجه التهمة للحكومة, ويتحول إلى قضية شبيهة بدم عثمان في عنق علي بن أبي طالب, رغم براءة علي من دم عثمان وبراءة الحكومة من دم مقتدى الصدر إن قتل حقا من جماعته.
3. وأما أنه سيختفي عن الأنظار لأي سبب كان ويحاول أتباعه أن يصوروا الأمر وكأنه غاب كغياب المهدي المنتظر, وبالتالي يتحول إلى رمز لمجموعة طائفية جديدة تخرج حتى عن أطر المذهب الشيعي ليشكل فرقة جديدة. والكثير من الناس استمعوا لإلى الأهازيج أو الهوسات التي كان يرددها أتباعه من مليشيا جيش المهدي والتي تقربه من محمد وعلي أو حتى أكثر من ذلك.
لم يستمع السيد مقتدى الصدر إلى صوت العقل والمنطق السليم ولا إلى آراء الحكماء والعقلاء من العراقيين, ومنها رأي آية الله العظمى السيد علي السيستاني, بل استمع إلى رأي آية الله العظمى السيد كاظم الحائري, والفرق بين الرجلين كبير جداً. وكانت الكارثة التي تعيشها النجف منذ أسابيع
لم تنته حكاية مقتدى الصدر فتداعياتها ما تزال قائمة وستبقى كذلك, ما لم نتعلم من دروس الماضي القريب, وما لم نستمع إلى صوت الشعب, إلى صوت الجائعين والمحرومين والعاطلين عن العمل, ما لم نعمل على إشباع البطون ومنع الأيدي من الامتداد لتلقي المساعدات من الجماعات الإرهابية والعدوانية, ما لم يحس الإنسان العراقي بكرامته.
ليست الحكومة الراهنة هي المسئولة عما يعاني منه الشعب العراقي, بل النظام السابق قبل سقوطه أو حتى بعدها, كما تتحمل ذلك عصابات الغدر والخيانة والإرهاب, وكذلك الحكومة الأمريكية بسياساتها التي وجهنا أشد النقد لها خلال الفترة المنصرمة. ولكن الحكومة الراهنة تتحمل اليوم مسئولية كبيرة لا تنحصر في إنهاء الإرهاب والأعمال العدوانية الداخلية فحسب, بل استعادة ثقة الشعب ومشاركته في العملية الجارية. وهي المشكلة العويصة التي تحتاج إلى جهود حثيثة.
لم تنته حكاية مقتدى الصدر, إذ أن هناك من كان يعمل معه ويدفع به على طريق العنف وممارسة القوة ورفض الحوار العقلاني والسلمي, ومنهم من يجلس في مدينة الثورة مثل عبد الهادي الدراجي, أو الذي يخطب في جامع الكوفة أو من لف لفهم. إنهم يؤلبون الرأي العام العراقي, وأتباع المذهب الشيعي بشكل خاص ضد التوجهات الديمقراطية وعل العكس من الاتجاهات الإسلامية السياسية المعتدلة التي انخرطت بالعملية السياسية الديمقراطية,
ما كان في مقدور أحد أن يساهم في إضعاف تنامي تحرك ونشاط وتصدر التيار الإسلامي السياسي الشيعي للحركة السياسية في العراق في أعقاب سقوط نظام صدام حسين ومساندة الأمريكيين له بقدر مساهمة الصدر ذاته في تأجيجه إلى حد خنقه. والتاريخ العراقي بالذات يشهد إلى أن المتطرفين من رجال الدين الشيعة, الذين عملوا على قاعدة " كل شيء وإلا فلا ", كانوا باستمرار السبب وراء ما عانى منه أو ما اشتكى منه الشيعة.
لم تنته حكاية مقتدى الصدر لأن البعثيين من الشيعة وجدوا مواقعهم المهمة في صفوف أتباعه, وهم الذين يساهمون في إشعال الحرائق وفي قتل الناس من أتباع الأديان والمذاهب الأخرى, وهم الذين يمارسون كل الموبقات ويصدرون الأحكام البشعة, تماماً كما كان يفعل صدام حسين, ولكن هذه المرة باسم الصدر.
كما لم تنته حكاية الصدر بعد, ما دامت هناك قوى قومية يمينية شوفينية لا تألوا نفخاً في صورته وترفع من شأن حركته وتدعي مقاومته للاحتلال, وكأن الشعب العراقي أو بقية القوى السياسية ترتضي الاحتلال. حتى أن بعض نشطاء حقوق الإنسان راح يزايد على كل القوى السياسية العراقية الوطنية المعروفة بوطنيتها ويدافع عن تلك القوى الإرهابية باسم الدفاع عن الوطن وحق مقاومة الاحتلال. إن النكوص عن الفكر الديمقراطي التقدمي والاقتراب من الفكر القومي اليمينية الشوفيني لن يرفع من شأن الإنسان ولا يعزز مكانته ولا يخدم القضية المركزية في العراق قضية النضال في سبيل الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية, في سبيل الخلاص السريع والكامل من وجود القوات الأجنبية في العراق.
ستنتهي حكاية الصدر عندما يبدأ الشعب العراقي يمارس حقوقه المشروعة بكل حرية وبأجواء الديمقراطية, وعندما يستطيع الشعب أن يأكل لقمة عيشه بكرامة, وعندما يكون قد أقام جمهوريته الدستورية والفيدرالية والديمقراطية, وعندما يكون قد تخلص من القوات الأجنبية المقيمة الآن على أرضه واستعاد استقلاله وسيادته الوطنية كاملة غير منقوصة. عند ذاك ستنتهي حكاية الصدر وأتباع الصدر وتعود للشعب كلمته وإرادته الحرة.
برلين في 21/08/2004
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟