أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - أمراض ثقافية يعانيها -الطلب- في اقتصادنا!















المزيد.....

أمراض ثقافية يعانيها -الطلب- في اقتصادنا!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3073 - 2010 / 7 / 24 - 14:29
المحور: الادارة و الاقتصاد
    



رئيس سابق لشركة بريطانية لصناعة السيَّارات قال، ذات مرَّة، إنَّه في منصبه (الإداري) هذا لا يعمل من أجل صناعة سيَّارات، وإنَّما من أجل صناعة نقود.

وفي هذا الكلام الجامع المانع، نَقِف على الهدف الحقيقي النهائي لكل ربِّ عمل، ألا وهو تحويل "المال" إلى "رأسمال"، أي تنمية المال الذي يملك، بصرف النظر عن الوسيلة، أو عن السلعة التي يُنْتِج، وقيمتها الاستعمالية؛ ولطالما رأيْنا أرباب عمل يستثمرون أموالهم في إنتاج سلع وأشياء منافية تماماً لمبادئ وقيم يؤمنون بها، فهُمْ في عقيدتهم الاستثمارية التي لا تعلوها عقيدة يؤمنون بأنَّ هدفهم النهائي ليس صنع السيَّارات وإنَّما صنع المال.

ليس مهمَّاً لون القط ما دام في مقدوره أكل الفأر؛ وليس مهمَّاً (في مبدأ آخر مشابه) ما يُنْتِجه رب العمل من سلع (وخدمات) ما دام في مقدور هذا المُنْتَج أن يحوِّل ماله إلى رأسمال، أي أن ينميه ويزيده (بالربح).

وعملاًّ بهذا المبدأ، الذي هو في منزلة الركن الأوَّل من أركان عقيدة الاستثمار لدى أرباب العمل، نراهم دائماً يلعبون "لعبة الطلب"، أي تغذيته وتقويته وتعزيزه بوسائل وطرائق اصطناعية.

في الولايات المتحدة، التي هي القوَّة الرأسمالية (الإمبريالية) العظمى في العالم والتاريخ، نرى، على سبيل المثال، كيف تلعب شركات صناعة السلاح الكبرى لعبة التغذية الاصطناعية للطلب الحكومي (أي طلب الدولة) على منتجاتها من السلاح والتكنولوجيا العسكرية، فهي، أي تلك الشركات، وبما تتمتع به من نفوذ واسع لدى صنَّاع القرار السياسي، تستطيع أن تختلق من الأزمات (التي تتعذَّر تسويتها ومعالجتها بغير الحرب والقوَّة العسكرية) ما يمدُّ الطلب الحكومي على منتجاتها بمزيد من أسباب النماء، وبما يدفع الحكومة، بالتالي، إلى زيادة حصَّة الانفاق العسكري في موازنة الدولة، والتي هي موازنة تشكو دائماً من تنامي العجز.

حتى في اقتصاد كاقتصادنا (الأردني) نرى ما للطلب المشوَّه (عن عمد أو عن غير عمد) ثقافياً، أو بقوَّة بعض العادات والتقاليد، من تأثير سلبي وسيئ على توزيع الثروة (المادية).

إنَّ جزءاً عظيماً، ومتعاظِماً، من ثرواتنا النقدية يُوزَّع، ويُعاد توزيعه، أو يُنْفَق، بما يعود بالضرر على الاقتصاد الحقيقي، أي على الاقتصاد المُنْتِج للثروة المادية، فإنَّ "الطلب المشوَّه ثقافياً"، أي الطلب الذي تضخِّمه بعض العادات والتقاليد الاجتماعية والثقافية، يمارِس تأثيراً سلبياً متزايداً على حياتنا الاقتصادية، فهو ينمِّي "صناعة" لا بدَّ من إضعافها وتقليص حجمها إذا ما أردنا للاستثمار في الاقتصاد الحقيقي أن ينمو ويزداد ويزدهر.

أُنْظروا إلى تلك "الصناعة"، أو "الصناعات"، التي يَقْوى، ويُقَوَّى، الطلب على منتجاتها وخدماتها، والتي تضرب جذورها عميقاً في بعضٍ من ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا المتَّصِلة بالأفراح والأعراس والأتراح والموت والعزاء، وبالمنازل، تشييداً وتجهيزاً وتأثيثاً، وبالمرأة، لجهة حاجاتها الجمالية وأشباهها من حاجات، يكفي أن تتوفَّر نساؤنا على تلبيتها حتى يُبدَّد جزء كبير من ثروة مجتمعنا.

في ثقافة وعادات وتقاليد الزواج عندنا، وفي الخاص منها بالأعراس على وجه الخصوص، نرى كثيراً من "الطلب المشوَّه ثقافياً"، والذي كلَّما نما وقوي وتعزَّز اختل ميزان الاستثمار بما يعود بالضرر على الاقتصاد الحقيقي، فالشاب المتزوِّج بما ينسجم مع تلك الثقافة والعادات والتقاليد ينبغي له (أو لأهله) أن ينفق مبلغاً كبيراً من المال (الذي بعضه أو جله أو كله اقترضه اقتراضاً) في شراء منتجات وخدمات الصناعة الخاصة بالأعراس، فتنمو تلك الصناعة وتزدهر ليُصاب الاستثمار في صناعات الاقتصاد الحقيقي بالضعف والانكماش والركود؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ بعضاً من العناصر الثقافية في "البنية الفوقية" لمجتمعنا ما زال يكبح ويعرقل تطوُّر "بنيته التحتية".

إنَّ الوزن النسبي لتلك الصناعات (الثقافية) في اقتصادنا يَعْظُم في استمرار، فالمعروض من منتجاتها وخدماتها في السوق ينمو ويزداد ويتَّسِع؛ أمَّا السبب فهو استمرار وتعاظم الطلب عليها؛ ويكفي أن يستمر هذا النوع من الطلب، ويتعاظم، حتى تظل ثروة مجتمعنا عُرْضة لمزيد من التبديد والهدر.

إنَّنا نَعْلَم أن ما يخسره طرف يربحه طرف آخر، فالشاب المتزوِّج الذي أنفق عشرين أو ثلاثين أو أربعين ألف دينار من أجل عرس يوافِق ثقافة وعادات وتقاليد الزواج في مجتمعنا لم يخسر هذا المبلغ من المال إلاَّ لتعود خسارته هذه بالنفع والفائدة والربح على أصحاب "صناعة الأعراس"؛ ولكنَّ ثنائية "الخسارة ـ الربح" هذه لا يمكن إلاَّ أن تكون خسارة حقيقية خالصة يتكبدها الاقتصاد الحقيقي؛ لأنَّ هذا الإنفاق أو الاستثمار قد حُجِب عن الصناعة والزراعة والتجارة.. أي عن الاقتصاد المولِّد للثروة الحقيقية (المادية) للمجتمع، ألا وهو الاقتصاد المُنْتِج للسلع.

وإذا أردتم أن تقفوا على بعضٍ من أمراضنا الثقافية التي أنتجت وغذَّت "طلباً" يناصِب اقتصادنا الحقيقي العداء فاذهبوا إلى بعض مناطق وأحياء عمَّان الغربية (عبدون ودير غبار ودابوق..) لتروا كيف نجح "الحجر"، وبما يعكسه من "تحجُّرٍ ثقافي"، في امتصاص واستهلاك قسم هائل من ثروة مجتمعنا، فالأوثان والأصنام هناك على هيئة "منازل ـ قصور"، ولا يعبدها إلاَّ كل ثري استبدت بعقله ثقافة منافية ومعادية لعقيدة الاستثمار التي يدين بها الرأسماليون الأقحاح في الغرب.

ومع أنَّ أصحاب تلك "المنازل ـ القصور" قد حصلوا على ثرواتهم الطائلة من طريق "فضل القيمة" فإنَّ أحداً منهم لم ينسَ أن ينقش في واجهة "منزله القصر" عبارة "هذا من فضل ربِّي"!

حتى الموت، بطقوسه وثقافته وعاداته وتقاليده، اتَّخذناه طريقاً إلى تبديد وهدر جزء كبير من ثروة مجتمعنا، فالموتى من أغنيائنا يُكبِّدون اقتصادنا الحقيقي مزيداً من الخسائر من خلال "الإعلان" في الجريدة اليومية، وما يُنْفَق من مال في مناسبة تقبُّل العزاء.

هذا الذي قُلْت، وهو غيض من فيض، إنَّما يبرز ويؤكِّد الحاجة إلى ثورة ثقافية "تُعَقْلِن" و"تُطبِّع" كثيراً من أنواع "الطلب" في مجتمعنا، أو اقتصادنا، فمن غير ذلك يظل جزءاً عظيماً، متعاظِماً، من مياه نهرنا المالي يذهب هدراً في بحر تلك الثقافة والعادات والتقاليد.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكوماتنا هي الجديرة بلبس -النقاب-!
- صورة -المفاوِض الفلسطيني- في مرآة -الأمير-!
- معادلة ليبرمان!
- الفقر والفقراء.. في دراسة مُغْرِضة!
- ما تيسَّر من سيرة -القطاع العام-!
- مهزلة يُضْرَب بها المثل!
- الرأسمالية الأوروبية تتسلَّح ب -العنصرية-!
- -العبودية-.. غيض يمني من فيض عربي!
- -المعارَضة- إذ غدت -وظيفة حكومية-!
- إسرائيل -تقصف- الطموح النووي الأردني!
- تعليق -لاهوتي- على حدث رياضي!
- اخترعها الفقراء وسطا عليها الأغنياء!
- حرب إسرائيلية على -النموذج التركي-!
- إلاَّ أسطوانة الغاز!
- ما هو -الزمن-؟
- إنقاذاً لإسرائيل المحاصَرة بحصارها!
- تصحيحاً ل -الخطأ- الذي ارتكبه العرب..!
- إنَّها أسوأ صيغ الاعتراف بإسرائيل!
- أزمة -المواطَنة-.. عربياً!
- -أسطول نجاد- بعد -أسطول أردوغان-!


المزيد.....




- مصر.. الكشف عن خطط لمشروع ضخم لإنتاج الطاقة الهجينة
- مصر.. الدولار يقترب من مستوى تاريخي و-النقد الدولي- يكشف أسب ...
- روسيا والجزائر تتصدران قائمة مورّدي الغاز إلى الاتحاد الأورو ...
- تركيا تخطط لبناء مصنع ضخم في مصر
- زيادة جديدة.. سعر الذهب منتصف تعاملات اليوم الخميس
- -الدوما- يقر ميزانية روسيا للعام 2025 .. تعرف على حجمها وتوج ...
- إسرائيل تعلن عن زيادة غير مسبوقة في تصدير الغاز إلى مصر
- عقارات بعشرات ملايين الدولارات يمتلكها نيمار لاعب الهلال الس ...
- الذهب يواصل الصعود على وقع الحرب الروسية الأوكرانية.. والدول ...
- نيويورك تايمز: ثمة شخص واحد يحتاجه ترامب في إدارته


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - أمراض ثقافية يعانيها -الطلب- في اقتصادنا!