حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 933 - 2004 / 8 / 22 - 09:36
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ها أنا أضبط نفسي متلصصا وبالجرم المشهود!
بعدما أبلغني الصديق الشاعر منذر مصري بأن الدعوة لحضور مهرجان الملاجة خاصة ومحدودة, شعرت بالغيظ,مع مشاعر أخرى مختلطة تتوزع بين الغضب والمرارة.
لو كنت مدعوّا للحضور(وليس للمشاركة) هل سيكون موقفي من المهرجان هو نفسه الآن!؟ سأحاول عرض رأي في قضية المهرجان السوري عموما من خلال مهرجان الملاجة ومهرجان جبلة الثقافي الذي سيقام 25 آب برعاية وزارة الثقافة وتمويل جهات أخرى خاصة,لاعتقادي أنها قضية هامة تربط الشخصي بالسياسي بالثقافي,وتعكس صفات أساسية في الشخصية السورية, أهمها الازدواجية والغموض والتفكك, وقبل كل شيء"التقدير الذاتي المنخفض جدّا". كما أن القضية تندرج في التوجه الذي أتبناه(الانتقال من ثقافة الموت إلى ثقافة الحياة) مع أفراد آخرين,أخص منهم الصديق نور الدين بدران في توجهه لنقد تجربته كمعارض سياسي, بديلا عن التوجه السوري السائد"الترويج والدعاية والتحريض" الذي ينتج التعصب والانغلاق ويشكل عقبة كبرى أمام المعرفة بعمومها,والأهم من ذلك أنه وجه العملة الآخر للخسارة المجانية. لا أنكر رغباتي الدنيئة في الحصول على المكاسب المادية والمعنوية, بل أحاول تحليلها بهدف تجاوزها ثم تحويلها إلى قضية معرفية,من خلال الحدث والتسمية والمعلومة, ولا أعرف بديلا عن التعميم والتعمية سوى ذلك, وهو ما يبرر سوء التقدير أو التعبير الذي أقع فيه كثيرا,و يلحق الأذى الشخصي بدون قصد,و مع تعذر الفصل التام بين الأفكار والممارسات وبين الشؤون الشخصية,يبقى الخطأ هو الاحتمال الأرجح, بالحوار يمكن تخفيف مضّاره مع الاستعداد لتقديم الاعتذار الصريح في حال التعدي على خصوصيات الآخر.
المهرجانات التي تعتمد في تمويلها على الجهات الحكومية ملزمة أخلاقيا وثقافيا بالدعوات العامة, وفي خلاف ذلك تتحول من مناسبات ثقافية فعلية, إلى أنشطة مشبوهة تتم في الظلام وتنقصها الشفافية التي هي شرط النزاهة الأول دوما في الشأن العام, وحتى الخاص برأيي يحتاج للشفافية.
في أغلب الأحيان لا أعوّل كثيرا على الرأي,و أظن أن سبب الأهمية الزائدة المعطاة للرأي يكمن في طبيعة المجتمع والثقافة السوريين,المحافظين إن لم نقل المغلقين. وبديلا عن الأفكار والممارسات التي تسبب المزيد من التعصب والجمود,أول ما يحتاجه المجتمع السوري هو الحوار بمستوياته المتعددة, وعبر الحوار قد نصل إلى تحديد الفواصل بين النفاق والمجاملة والموضوعية والوقاحة,أو التملق المعاكس(الذي وقعت فيه خلال كتابتي عن بعض المشاهير) وأحاول التكفير عنه بسؤالي المفتوح للصديقة الشاعرة رشا عمران:ما نسبة رضاك عن مهرجان الملاجة, بصفتك المشرفة عليه, وأكرر نفس السؤال المفتوح للصديق الشاعر والقاص أحمد اسكندر سليمان, بصفته المشرف الثقافي على مهرجان جبلة, بعد ختام المهرجان. وأؤكد على الشفافية كمعيار أساسي.
المشترك بين المهرجانين غياب الشاعر المطرود أحمد جان عثمان, وهو صديق لأغلب المشاركين في المهرجانين وبالأخص للمشرفين رشا وأحمد.
قبل أن أنتقل لاحقا, إلى تفاصيل المهرجان السوري,وتجنبا لسوء فهم وارد جدا, أؤكد على أهمية النشاط الثقافي مهما كان نصيبه من الفشل. الاجتهاد والخطأ أفضل من تجنب الخطأ بإطلاق.
2
الرماد السوري, توضيح هام:
لأنني أعتقد أن الحياة سلسلة مغلقة من الخسارات,تبدأ لحظة الولادة بخسارة الطمأنينة مع الخروج من الرحم وهي خسارة الرضيع, وتفضي إلى الطفولة التي تحمل الدرجة الدنيا من التوتر,والتي تفضي بدورها إلى المراهقة مع خسارة حرية الطفولة ,لترتفع درجة التوتر إلى الحد الأقصى, مع خسارة الطمأنينة والحرية واستبدالهما بثقل المسؤولية الشخصية,وفي مرحلة النضج ثم الكهولة تكون خسارة الفرد على بعد خطوة من الاكتمال, التي تنتهي بالموت وخسارة الحياة بمجملها.
من ذلك المنظور, وكون الخسارة البشرية عامة ومطلقة, يتركز نقدي على الخسارات المجانية أولا واعتبرها الأهم والأكثر مدعاة للأسف, ثم الدرجة المهمة التي تليها, حيث الخسارة تصيب الأكثرية
مقابل مكاسب وربح الأقلية أو الأفراد,وهذه يمكن فهمها ويتعذر تبريرها برأيي, لنصل أخيرا إلى الوضع الطبيعي والأمثل, حيث تتعادل احتمالات الخسارة والربح مع كل اقتراح أو مغامرة جديدين ولا يتحقق هذا المستوى إلا بشروط الشفافية وتكافؤ الفرص, أو بالعبارة الشهيرة المساواة الإنسانية.
أعتقد أن السمة الأبرز للحضارة الحديثة,تتركز في تحقيقها لدرجات فعلية من ا لمساواة في الحقوق والواجبات و تكافؤ الفرص, وتعميم ذلك على الجنس البشري, كذلك درجة المساواة بين البشر هي المعيار الأساسي وربما الوحيد لأفضلية ثقافة على أخرى. بالتزامن يبقى الإنجاز هو المعيار الأساسي والعادل للتمييز بين الأفراد. نصيب الفرد السوري من الألم الناجم عن الخسارات المجانية كبير,أ وبعبارة أخرى الثقافة السورية ليست بخير.
2
بدءا من هذه السنة سيكون للساحل السوري ثلاثة مهرجانات,تقام خلال شهر آب من كل عام.
وحده مهرجان جبلة ما زال في طور المشروع, وسأؤجل نقدي(الإيجابي والسلبي) له إلى ما بعد الختام. مهرجان المحبة يندرج بتقديري في خانة الخسارات العامة والمكاسب الضيقة والفردية, فهو يحتاج أولا للشفافية,توضيح المعايير والوسائل المستخدمة من قبل اللجان المنظمة في الدعوات, وكشفها في وسائل الإعلام المختلفة, كما يحتاج لتوسيع الأطياف الثقافية المشاركة السورية والعربية في الجانب الأدبي تحديدا, بدلا عن الأحادية المتبعة,التي حولته إلى عبء ثقافي, والبعض يعتبره مضادا للإبداع وأنا منهم, وكأن المهرجان أحد فروع اتحاد الكتاب العرب,المريض الثقافي المزمن, لم يمت ولم يترك لسواه إمكانية العيش كما يسمح به الواقع السوري العام,ولنتذكر غياب محمد الماغوط وزكريا تامر على سبيل المثال الفاقع. أم بقية الأنشطة في المهرجان, فهي خارج اهتمامي, وأترك المجال والدور لآخرين يجيدون الكلام أفضل مني بذلك.
بالنسبة لمهرجان الملاجة, اقتصاره على الدعوات الخاصة,مع الرعاية والتمويل الحكوميين له,يثير العديد من الأسئلة القاسية, أولها سؤال الشفافية والمشروعية, كذلك السؤال الثقافي المرير في سوريا,المتمثل بتكريس الانحطاط في الأدب العربي, عبر الشللية والأخوانيات الثقافية اللتان تعملان بجدّ للقضاء على القلّة القليلة المتبقية من قراء الأدب والشعر بالتحديد, في سوريا وجوارها, ولأتحدث بوضوح أكبر, الأسئلة لا تقتصر على مشرفة المهرجان بل تطال المشاركين في هذه الحالة , وفي المقدمة شعراء قصيدة النثر, المعروف عنهم تبجحهم الدائم على أقرانهم شعراء العمود والتفعيلة, بتجنب الخطابية ورفض استجداء تصفيق الجمهور,على حد علمي ومعرفتي.
وكما أسلفت باقتصار المهرجان على الدعوات الخاصة ليس أمامي سوى الاكتفاء بالملاحظات العامة التي ذكرتها,بانتظار مهرجان جبلة الثقافي,إذا لم تنتقل إليه عدوى الدعوات الخاصة والغموض, اللذان يثيران شهية القلة وحسد وريب الأكثرية, الذي أرغب في الكتابة عنه بتفصيل أكبر وتوسع أرحب.
إذا لم يحدث ما ليس في الحسبان من خسائر مجانية(كالموت والجنون والمرض والحوادث) والتي تقف دائما خلف الباب,سواء أنكرنا ذلك أم انتبهنا إليه.
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟