|
هل هي عادة أمريكية ؟
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 3071 - 2010 / 7 / 22 - 12:56
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في القرن الماضي سلمت إدارة بوش الأب لبنان للنظام البعثي السوري نظير مساندة ذلك النظام القمعي لحرب تحرير الكويت ، فتم التضحية بشعب ، من أجل إنقاذ شعب ، و أصبحت الفترة التي حكم فيها البعث السوري لبنان ، أحد أسوء الحقب التي مرت على الشعب اللبناني . و اليوم تكاد إدارة أوباما أن تكرر نفس الخطأ ، أو الجريمة ، و لكن بحق الشعب العراقي . إدارة أوباما و في سعيها الحالي للإنسحاب من العراق ، أصبحت اليوم تبدي إمارات الخضوع لمن يعد بتحقيق الإستقرار في العراق . و لكن للأسف فإن تلك الإدارة ، و بقصر نظرها ، إعتبرت أن القادر على الإتيان بذلك الإستقرار ، هو الطرف الذي يقوم بالعبث بذلك الإستقرار ، و لو بشكل غير مباشر ، عن طريق حلفاءه . لقد كان واضحا في الفترة الماضية ، و منذ الإعلان عن نتيجة الإنتخابات البرلمانية العراقية ، و التي جرت هذا العام 2010 ، أن هناك ضغوط أمريكية لصالح قائمة أياد علاوي ، حليف البعث السوري ، سواء لتشكيل حكومة ، أو للدخول كطرف قوي ، و أساسي ، في أي إئتلاف حكومي . مرة أخرى تقوم الولايات المتحدة بتسليم شعب ، للنظام البعثي السوري ، أو لنقل تبدي إستعدادها لذلك ، على إعتبار إن ذلك لم يتم بعد ، و لازال هناك من العراقيين من يقاوم تلك الرغبة الأوبامية . مرة أخرى ، و شراء لمكاسب سريعة ، و لكنها خطيرة الأثر على المدى الطويل ، تقوم الولايات المتحدة الأمريكية ، ممثلة في أحد إداراتها الحاكمة ، بتسليم شعب لرحمة نظام طغياني دموي ، و لكنها على ما يبدو لن تكون المرة الأخيرة بالنظر لما يتسرب من أخبار في ركن أخر من العالم . لقد غدا تكرار نفس الخطأ ظاهرة ، حتى أصبح يمكن السؤال بسخرية : هل هي عادة أمريكية ؟ ماذا تتوقع الولايات المتحدة ، أو بالأدق إدارة أوباما ، من تسليم كتلة علاوي الحكم في العراق ؟؟؟ إنها تتوقع تحسن أمني ، و هذا ما ترجوه ، ليسهل الإنسحاب ، و هو ما ستحصل عليه بالفعل ، لو أصبح علاوي رئيسا للوزراء ، بالنظر للصلات القوية للنظام البعثي السوري بالتنظيمات الإرهابية العاملة في العراق ، و لكن ذلك لن يكون إلا على حساب الديمقراطية العراقية الوليدة ، فالبعثين ، العراقي ، و السوري ، يلتقيان في ذلك ، بل و كل الأنظمة العربية . و لن يكون وأد الديمقراطية العراقية الوليدة هو الثمن الوحيد ، بل أن يد البعث العراقي الجديد ستطول المكاسب الإقليمية التي حققها الأكراد في الشمال العراقي ، فالأسد لديه أقلية كردية أيضا ، سبق أن سببت له في العقد الماضي بعض المتاعب ، و يعاني كذلك من تلك الأقلية حليفه التركي ، لهذا سيكون من ضمن أولويات البعث العراقي الجديد سحق تلك المكاسب بإسم المركزية . إن كل التضحيات التي قدمت من أجل الديمقراطية العراقية ستذهب هباء ، و إن كان ذلك الذهاب سيكون بالتدريج ، فأولاً سيكون التمكين للبعث العراقي المتخفي تحت إسم وطني عراقي ، و أعني : العراقية ، بإسم سحق الإرهاب ، و الإستقرار الأمني ، و من خلال الحرب على الإرهاب - الذي هو في الأصل حليف للبعث العراقي الجديد - سيكون الوأد التدريجي للديمقراطية العراقية ، ثم يتبع ذلك سحق المكاسب الإقليمية للأكراد ، ليعود العراق ، كما كان ، عضو أساسي في منظومة الإستبداد بالمنطقة ، و مثير ، و داعم ، لعدم الإستقرار بالمنطقة . لهذا من الضروري عدم الإستجابة للضغوط الأوبامية التي تمارس الأن لصالح العراقية ، فالصمود أمام تلك الضغوط ، أخف في ثمنه مما سيكون لو خضع العراق لتلك الضغوط ، و سمح لحلفاء البعث السوري بالوصول للحكم ، لأن الكثير من الإدارات الأمريكية لا تنظر لأبعد من موضع قدميها . التخطيط الأمريكي القصير المدى مرجعه هو ضعف مشاركة بيروقراطية مستقرة في رسم السياسات الخارجية الأمريكية ، لأنه بدلاً من ذلك يتم الإعتماد على أفراد قادمين من خارج المنظومة البيروقراطية الثابتة ، و هم و إن كانوا مقتدرين من الناحية الذكاء ، و المؤهلات الشخصية ، إلا إنهم في الأغلب مؤقتين ، ما أن يأتوا حتى يغادروا ، و لهذا يقعون تحت ضغط الوقت ، مما يدفعهم دائما للسعي للبحث عن مكاسب سريعة ، كثيرا ما تكون وخيمة العواقب في المدى الطويل ، و أحيانا أيضا المتوسط ، و هذا ما سيحدث في العراق لو تم تسليمه للنظام البعثي السوري . أما السبب في ضعف البيروقراطية الأمريكية ، فأعتقد أن مرجعه هو الخوف الشعبي الأمريكي المتأصل من البيروقراطية ، و من فكرة وجود حكومة أمريكية مركزية قوية ، و كبيرة ، و هذا يلحظ في كل إنتخابات رئاسية أمريكية ، و كذلك في إنتخابات الكونجرس الأمريكي ، حين يتبارى المرشحون ، من الحزبين الكبيرين على السواء ، للتأكيد على وعد تقليص الحكومة من حيث الحجم ، و هو الوعد الذي لا ينفذ ، بل كثيرا ما تم العمل بنقيضه . إنني لا أروج لوجود بيروقراطية واسعة النفوذ ، و لا أدافع عن الحكومات الكبيرة الحجم ، و لا أساند المركزية الشديدة ، و لكن أنتقد الضعف الشديد للبيروقراطية المفترض مشاركتها في رسم السياسة الأمريكية الخارجية ، و هو الضعف الذي يتسبب في غياب التخطيط الطويل المدى في السياسة الأمريكية الخارجية ، ذلك الغياب الذي كان سببا في كثير من الكوارث ، و لازال ، فخير الأمور أوسطها . لهذا فإنه من الأفضل دائما لأي شعب ألا يخضع لمطالب إدارات لا تفكر لأبعد من يومها ، و تتجاهل النظر في عواقب الأمور . على كل شعب أن يكون هو نفسه صاحب قراره ، و المخطط لحاضره ، و مستقبله .
22-07-2010
ملحوظة دائمة : أرجو تجاهل أي تشويه أمني للمقالات ، و هو التشويه الذي يشمل تغيير طريقه كتابة بعض الكلمات ، و بالحذف و / أو الإضافة ، و ليكن تركيز القارئ الكريم دائما على صلب المقالات .
لأجهزة الأمن الرومانية أقول : أنا لا يهمني الشأن الروماني ، سواء بداخل رومانيا ، أو خارجها .
من المنفى القسري : بوخارست - رومانيا
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأسد يمكن قلبه إلى فأر
-
الحبكة يلزمها فارسي و يهودي ، الأفريقي لا ينفع
-
السنن السورية السياسية السيئة
-
التكنوقراط من الأقليات هم الحل في هذا الموقف
-
الأمل يمنع إستخدام القوة ضد إيران
-
وزير الري القائد الأعلى للقوات المسلحة
-
عار على النوبي إن رفض العودة
-
يا أهل النوبة الغارقة : يمكنكم أن تعدوا أنفسكم للعودة
-
خطوات صائبة من البرادعي ، و لكن
-
المأمور قتل ، و لكن إسماعيل صدقي لازال حي
-
التنوير ، كلمة يملكها المؤمن أيضاً
-
و مغارات اللصوص تشجع على المزيد من السرقة ، حول الحسابات الم
...
-
إنحدرنا حتى أصبحنا نطالب بالأساسيات
-
لماذا لا تقبض حماس ثمن ما تقوم به بالفعل ؟
-
الفرصة لم تضع لمبادرة مباشرة من حماس
-
غزة ، إنضمام مؤقت ، كحل مؤقت
-
شروط الإنضمام لنادي الأنظمة العربية المعتدلة
-
عمر بن حفصون ، لماذا نبشوا قبره ، و مثلوا بجثته ؟
-
هكذا سيتدخل نظام آل مبارك عسكريا في دول حوض النيل
-
في قضية الردة ، لنخسرهم ، و لنكسب العالم
المزيد.....
-
الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على
...
-
روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر
...
-
هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
-
الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو
...
-
دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل
...
-
عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية
...
-
إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج
...
-
ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر
...
-
خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|