|
حكوماتنا هي الجديرة بلبس -النقاب-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3070 - 2010 / 7 / 21 - 12:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا حظرت الحكومة السورية النقاب في الجامعات؟ ولماذا في الجامعات فحسب وليس في سائر الأماكن العامة؟ ولماذا الآن وليس من قبل؟ ولماذا الحظر بقوَّة القانون وليس بغير ذلك من الوسائل والطرائق تُكافَح ظاهرة الفتيات (أو الطالبات) المنقَّبات؟
بعض من هذه الأسئلة والتساؤلات أجابت عنه الحكومة السورية نفسها في بيانها لحيثيات قرار الحظر؛ ولكنَّ تلك الإجابات لم تحل مشكلة أخرى هي أنَّ كثيراً من الناس، في داخل سورية وفي خارجها، لا يثقون بصدقية الإجابات السورية الرسمية، ويعتقدون أنَّ الدوافع والأسباب الحقيقية لقرار الحظر قد حُجِّبت ونُقِّبت، وغابت عنها الشفافية التي هي على وجه العموم، في دولنا العربية، غائبة مغيَّبة، وكأنَّ حكوماتنا عدوٌّ لدود لـ "السبب (أو الدافع) الحقيقي"، لجهة إعلانه وكشفه، في كل أمر وشأن يستأثر باهتمام المواطنين.
إنَّني أفهم ظاهرة النقاب والمنقَّبات في دولنا العربية على أنَّها ظاهرة "غير مستحبَّة أمنياً" في المقام الأوَّل، فإنَّ "وليِّ الأمر الأمني" عندنا يرى فيها، وهو محقٌّ في ذلك جزئياً، نَيْلاً من قوَّة قبضته الأمنية. أمَّا ما يجعلها كذلك فهو ما تتمتَّع به المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية من "حصانة العادات والتقاليد".
ومن تجربتي الشخصية أستطيع أن أزعم أنَّ "النقاب (وشبهه عند المسلمين من الرجال)" لا يُحجِّب "العورات" إلاَّ ليكشف ويعرِّي، في الوقت نفسه، وإنْ ليس على وجه الإطلاق، وجهات نظر سياسية لصاحبه (أو صاحبته) تتطيَّر منها حكوماتنا، فقلَّما رأيتُ "السلفي"، في زيِّه وشعر وجهه ورأسه، غير كارهٍ لحكومته، أو غير مكفِّرٍ لها، أو غير ميَّال إلى "عدوُّها اللدود" والذي هو "القاعدة"، وأشباهها ومشتقَّاتها.
وكثيراً ما كان "النقاب" أداةً يستعملها حتى رجال، لارتكاب جرائم، أو أعمال يعاقِب عليها القانون، فاجتماع "الحصانتين"، الحصانة "الدينية" وحصانة "العادات والتقاليد" التي تخصُّ معاملة الرجل للمرأة في مجتمعنا، جَعَل "النقاب" كاللثام لجهة أهميته وضرورته لمرتكب تلك الجرائم والأعمال.
و"النقاب"، أي كل لباس لا يرينا من وجه المرأة إلاَّ عينيها إذا لم تُحجَّبا هما أيضاً بنظَّارة سوداء، أو بغيرها، لا يمكن فهمه إلاَّ على أنَّه أداة قَطْعٍ وفَصْلٍ لجزء كبير من خطوط "الاتِّصال اللغوي" بين الناس، فإنَّ كثيراً من معاني ما تقول لا أقِف عليه إنْ لم أرَ وجهك كاملاً، وعينيكَ على وجه الخصوص، فـ "العين مغرفة الكلام".
ومن تجربتي الشخصية، التي فيها من الشفافية ما يربأ بالحكومة السورية، وغير السورية، عن أن تحسدني عليه، أستطيع أن أزعم أيضاً أنَّ كثيراً من المنقَّبات لم يتنقبن إلاَّ استخذاءً لمشيئة أولياء أمورهن الذين يمكن أن يكونوا من الزاهدين في الدين.
والمنقَّبات من الطالبات في الجامعات، وبما يُمثِّلْن (أو يخفين) من وجهات نظر سياسية، وغير سياسية، لا تستحبها حكوماتنا، قد يزاولن بعد تخرجهن مهناً (كالتعليم) تسمح لهن بأن يكنَّ حاملات ناقلات لقوى وتأثيرات فكرية من.. إلى عقول وأفئدة كثير من الناس، فيُمدُّ ذلك "العدو اللدود" بمزيدٍ من أسباب الحياة والنماء.
بقيت "حيثية" مثيرة للعجب لا الإعجاب ألاَّ وهي الحرص على "علمانية التعليم"، أو على العلمانية على وجه العموم!
و"العلمانيون"، ومن فَرْط "علمانيتهم"، والتي فهموها، من خلال مصالحهم، على أنَّها الجزء الأكبر من الكل، والذي يمكن أن يظهر إلى الوجود مفصلاً تماماً عن "الكل"، أي عن الحياة الديمقراطية بأوجهها كافة، استعانوا (في حملتهم على النقاب) بلفيف من الشيوخ (الإعلاميين) الذين توفَّروا على تقديم الأدلة الشرعية على أنَّ النقاب ليس من الدين، وليس من الحجاب الذي به تستر المرأة المسلمة شعر رأسها فحسب، فنجح "العلمانيون" من خلال "مشايخهم" في أن يقيموا الدليل على أنَّ "علمانيتهم" حرب على "النقاب" وانتصارٌ لـ "الحجاب"، فـ "العلمانية" و"الوسطية (الدينية الإسلامية)" تجتمعان وتتصالحان وتتناغمان في "وليِّ الأمر (السياسي)"، شخصاً وحكومةً ودولةً!
إذا كنَّا لـ "العلمانية" طلاَّباً وانصاراً وعُشَّاقاً فَلِمَ نأخذ بـ "علمانية" العسكر في تركيا، ولا نأخذ بعلمانية أردوغان؟!
وإذا كنَّا معجبين بقيم الجمهورية الفرنسية فَلِمَ لا نأخذ منها إلاَّ ما تستذرع به دولة ساركوزي في حربها على "النقاب"، وكأنَّ فرنسا (أو بلجيكا أو هولندا) هي "الحرب على النقاب" فحسب؟!
وإذا كانت مهادنة "النقاب" و"المنقَّبات" ظاهرة سلفية فَلِمَ لا نكون "سلفيين" كحكومة جلالة الملكة في بريطانيا والتي أعلن المتحدِّث باسم رئيسها أنَّها لا تعتزم حظر النقاب؟!
"النقاب" هو، بمعنى ما، "نفيٌ للعورة"، التي هي، تعريفاً، "الخلل والعيب في الشيء"، أو "كل ما يستره الإنسان استنكافاً وحياءً من جسده".
ولو كان "النقاب" سَتْراً لـ "العورات" التي هي حقَّاً "عورات"، لجاز شرعاً أن ندعو حكوماتنا جميعاً إلى لبس "النقاب"، فما أكثر عوراتها وعيوبها وخلالها (السياسية وغير السياسية).
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صورة -المفاوِض الفلسطيني- في مرآة -الأمير-!
-
معادلة ليبرمان!
-
الفقر والفقراء.. في دراسة مُغْرِضة!
-
ما تيسَّر من سيرة -القطاع العام-!
-
مهزلة يُضْرَب بها المثل!
-
الرأسمالية الأوروبية تتسلَّح ب -العنصرية-!
-
-العبودية-.. غيض يمني من فيض عربي!
-
-المعارَضة- إذ غدت -وظيفة حكومية-!
-
إسرائيل -تقصف- الطموح النووي الأردني!
-
تعليق -لاهوتي- على حدث رياضي!
-
اخترعها الفقراء وسطا عليها الأغنياء!
-
حرب إسرائيلية على -النموذج التركي-!
-
إلاَّ أسطوانة الغاز!
-
ما هو -الزمن-؟
-
إنقاذاً لإسرائيل المحاصَرة بحصارها!
-
تصحيحاً ل -الخطأ- الذي ارتكبه العرب..!
-
إنَّها أسوأ صيغ الاعتراف بإسرائيل!
-
أزمة -المواطَنة-.. عربياً!
-
-أسطول نجاد- بعد -أسطول أردوغان-!
-
-النفاق-.. سياسة عربية!
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|