|
المعرفة الهادئة – الكهانة والنص الكارزمي 2
مختار العربي
الحوار المتمدن-العدد: 933 - 2004 / 8 / 22 - 10:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
على ماذا يعتمد كهنة الخطاب التاريخي الإسلامي السياسي عادة؟ النص التراثي هو الأرضية الصلبة التي يقف عليها رجالات ومنظرو الخطاب التاريخي الإسلامي ويستمدوا منه لغاتهم وأساليب طرحهم المعتدة بالنص لدرجة التآليه. وفي رأينا أن معرفتهم المنحرفة ووعيه السياسي الغير منظم والنقص الحاد في رصيدهم من المدنية والعجز الفكري في الفهم للمجتمع بعمق والأخذ في الاعتبار مسألة تطور الأفكار والرؤى والأحداث والتغييرات التي تطرأ على أي بنية اجتماعية بفعل عوامل إنتاج جديدة يتبعها الإنسان فتخلق منه كائن جديد بمفاهيم جديدة، وفي رأي أن عدم اعتراف منظرو الخطاب التاريخي الإسلامي السياسي ينبع من الجهل الحضاري والضعف من القيام بالثورات الفكرية التي تسعي دائماً لتحطيم القداسة عند أقدام الحداثة.. ونري أنه ليس بإمكانهم التوقف عن اختلاق الأساطير وخلق البدع التفكيرية الضاربة في السذاجة والوعي المريض والثقافة التنويرية المبهمة! ونؤكد أنهم بفعلهم هذا جعلوه ليضللوا الإنسان ويجوعوا العقول وتراهم يؤمنوا على سباتنا العميق ولا يدعوا مجال لينحو الإنسان منحي العقلانية وطرح الأسئلة الدهشة! حول أصل ووجود نص محرك ودافع لإنتاج الخطاب الذي ينادون باستمساكه كعروة وثقى وتجميده في انفعالات وعينا الثائر الذي صار يحتكم للعقل ويرفض التبعية وأوهام السلف... فالأسئلة الوجودية ، ومسألة قراءة النص التراثي المكون للخطاب الذي ينادون بالعمل به لهي مسألة تحتاج لحرية بحث وجدية طرح حتى يمكن التحدث أصلاً عن وجود نص مختلف! أو نسيج متكامل شامل يحوي بداخله بني فكرية وأشكال تنتج بالفعل ليسهل قراءته ومعرفة أساليب تفكيكه مادياً لينتشر ويسهم في استخدام أدوات تحليل جدية منصفة تعترف أولاً به ومن ثم تختلق الحوارات الداخلية التي توصف لنا علل الداخل إلى الخطاب المعتمد اعتماداً أخرق على النص ونستطيع السيطرة على توفير خارج أكيد يعبر عن الحقائق ولا يتدثر بالأكاذيب والتلفيقات وممارسة التجهيل! ولأجل ذلك الموضوعة هي دراسة المجتمعي الذي أنتج النص واحتمى النص بأسبابه فماذا نحتاج ؟ نحتاج إلى النظر داخل بنية المجتمع النصي وإجلاء النظر ليعمل عميقاً جداً ! وفرضية ذلك هي أنه إذا ما قرر المرء دراسة مجتمع تتباين حوله الرؤى وتختلف المصادر في تعريفه وتأسيس مفاهيم خاصة به عنه! فالبعض يحيط هذا المجتمع بهالات من القداسة الغير منتظمة ويحتج البعض الآخر من المتأخرين في قبول فكرة تفكيك النص لدراسة منتجوه، ويعدون ذلك بمثابة محاولة للنيل من المقدسات الوهمية والشخصيات التي انبنت عليها قراءتهم لصفحات التراثي ونصوصه الأزمة! فيصبح من ينادي بتفكيك التراث وفض غشاء التبجيل واستقراء الأحداث بموضوعية والتعامل مع الأسماء التي يجعلونها فيسموا شخصياتهم التراثية الممتلئة بالكارزمية نصاً ووجود! شخص يعبث بالمعتقدات الدينية ويريد هدم جدار الكعبة! فلماذا؟ مع العلم بأن الثورات الفكرية ومسألة تقديس الجماعة الأم والشخص الآله لم تكن في حسابات الدول والإمبراطوريات التي تبنت الإسلام رؤية ، فهاهم الأمويون يضربون الكعبة بحجاجها وإن قالوا بعد أداء فريضتهم بالمنجنيق ويصلبوا ابن الزبير لأنه اختلف معهم في الرأي واقتسام السلطة! فأين كانت حرمة الكعبة والمقدسات ! وهاهو عثمان بن عفان يسقط حداً من حدود الله وهاهو المسعودي المؤرخ الثقة يخبرنا بقصة عثمان مع الوليد بن عقبة: يقول المسعودي في كتابه مروج الذهب ومعادن الجواهر: (( .. وكان السبب في صرف الوليد بن عقبة وولاية سعيد – على ما روي – أن الوليد بن عقبة كان يشرب مع ندمائه ومغنيه من أول الليل إلى الصباح ، فلما آذنه المؤذنون بالصلاة خرج متفضلاً في غلائله ، فتقدم إلى المحراب في صلاة الصبح ، فصلى بهم أربعاً، وقال : أتريدون أن أزيدكم؟ وقيل: انه قال في سجوده وقد أطال، أشرب وأسقني / فقال له بعض من كان خلفه في الصف الأول: ما تزيد لا زادك الله من الخير ، والله لأعجب إلا ممن بعثك ألينا والياً وعلينا أميراً، وكان هذا القائل عتاب بن عيلان الثقفي. وخطب الناس الوليد فحصبه الناس بحصباء المسجد ، فدخل قصره يترنح ، ويتمثل بأبيات لتأبط شراً: ولست ببعيد عن مدام وقينة ولا بصفا صلد عن الخير معزل ولكنني أروي من الخمر هامتي وأمشي الملا بالساحب المتسلسل وأشاعوا بالكوفة فعله ، وظهر فسقه ومداومته شرب الخمر ، فهجم عليه جماعة من المسجد منهم أبو زينب بن عوف الأزدي وجندب بن زهير الأزدي وغيرهما ، فوجدوه سكران مضطجعاً على سريره لا يعقل!، فأيقظوه من رقدته ، فلم يستيقظ ، ثم تقيأ عليهم ما شرب من الخمر ، فانتزعوا خاتمه من يده وخرجوا من فورهم إلى المدينة ، فأتوا عثمان بن عفان، فشهدوا عنده على الوليد أن شرب الخمر ، فقال عثمان: وما يدريكما أنه شرب خمراً (لننظر يتعجب الخليفة ويتعذر بأنه كيف يعرفون الخمر ألم يكون العرب يشربون الخمر ليلاً نهاراً فكيف يخفي عليهم الخمر وهم صانعوها!!؟). فزجرهما ودفع في صدورهما ، وقال: تنحيا عني ، فخرجا من عنده وأتيا علي بن أبي طالب (رضى) وأخبراه بالقصة ، فأتي عثمان وهو يقول: دفعت الشهود ، وأبطلت الخطوط ، فقال له عثمان: فما تري ؟ قال : أري أن تعبث إلى صاحبك فتحضره فإن أقاما الشهادة عليه في وجهه ولم يدرأ عن نفسه بحجة أقمت عليه الحد، فلما حضر الوليد دعاهما عثمان فأقاما الشهادة عليه ولم يدل بحجة، فألقي عثمان السوط إلى على ، فقال لأبنه الحسن : قم بني فأقم عليه ما اوجب الله عليه، فقال: يكفنيه بعض ما تري ، فلما نظر إلى امتناع الجماعة عن إقامة الحد عليه، توقياً لغضب عثمان لقرابته منه، أخذ على السوط ودنا منه، فلما أقبل نحوه سبه الوليد، وقال : يا صاحب مكس، فقال عقيل ابن أبي طالب وكان ممن حضر: إنك لتتكلم يا ابن أبي معيط كأنك لا تدري من أنت، وأنت علج من أهل صفورية – وهي قرية بين عكا واللجون ، من أعمال الأردن، من بلاد طبريه ، كان ذكر أن أباه كان يهودياً منها – فأقبل الوليد يرواغ على ، فأجتذبه على فضرب به الأرض ، وعلاه بالسوط، فقال عثمان : ليس لك أن تفعل به هذا، قال: بل وشراً من هذا إذا فسق ومنع حق الله تعالى أن يؤخذ منه. هذا ما أورده المؤرخ أبو الحسين على بن الحسين المسعودي المعتزلي الشافعي ، وقد عمدنا إلى كتابة القصة كاملة اعتماداً على كتابه مروج الذهب ومعادن الجواهر – الجزء الثاني – صفحة 335- 336 . ولا تعليق لدينا على هذه القصة فهي تحكي عن نفسها وتأسس خطابها التاريخي بشكل مادي صريح ... وغيرنا كثيرون من أرادو امتلاك الروح المبدع في استكشاف التاريخ ، فصنفوا كبحاثة ماديين واعتبروا خارجين عن أصول الخطاب الديني ، فمن فعل ذلك؟ هذا فعل يأتمر به أصحاب الإسلام السياسي الجديد الذين يستخدمون التعتيم والضبابية ليخلقوا كائنات اسطورية نورانية وتراهم يجتمعون في معبد الإسلام السياسي ليقرروا أي نص يخدمنا فنرفع من شأنه ونؤكد على أصله الرباني الذي لا يرقي إليه الشك من قريب أو بعيد! وأيما نص يحرك في أصحاب العقول الصحيحة أصابع التفتيش ويطلق في القلب المؤمن بالحرية إنذار النص المفاجأة فيطرحونه أرضاً ضاربين به عرض الحائط فيصنف ويبوب تحت ( إسرائيليات ابن عباس – لا يعلم تاريخ ولادة رواته وحياتهم ولا يوجد من لمع او سير يعتد بها كمرجع للتأكد من انتمائه للنص ، هل كانوا لا يجيدون اللغة فطمسوا معانيها...) ولأجل أن الهدف هو تأصيل المعرفة فالمفعرفة قوة (فوكو) والمعرفة : ( أن تعترف بأنه تعرف ولا تنكر بأنك لا تعرف) ( كونفيشوس) ، فطرحنا طرح هادئ لإنتاج معرفة هادئة تستخدم النص الهادئ لتعترف بأنها معرفة لا لأجل الاعتذار فالاعتذار باللامعرفة إنما هو اعتراف بالإدانة! بطرح موضوعة كموضوعة تفكيك الخطاب التاريخي الإسلامي يخلق الضرورة إلى الاعتراف بالجهل الذي يصيب عقولنا والإرهاق النفسي الذي يجعلنا نخاف (فمن السخف أن يموت المرء خوفاً من الخوف) (برتراند راسل) وينهض هنا سؤال ما الدافع للخوف؟ الدافع هو أن إنسان الخطاب لا يتجرأ أو يسمح لنفسه بأن يقترب من أسفار التاريخ التي تتناول تاريخ الصحابة والفتح (الغزو) الإسلامي أو سيرة الرجال النخبة!، ولكن من الممكن جداً قراءة جسد النص من عدة أوجه ، والدخول إلى روح النص واستقراءها جيداً ، مما يجعلنا نحدد بالفعل جدوى الاعتماد أو الأخذ به حرفياً أو قياساً، لنقرر جدوي النص، ليبدأ مهرجان الأسئلة:- إذا سلمنا جدلاً بإلاهية النصوص ! فمن هو المرجع البشري لها؟ هو النبي! لكن النبي لم يأمر بحفظ وتدوين النص وكتابته ، حتى يغدو مرجعاً ومنهجا ، فما هي دواعيه لترك النص عاري دونما تدوين؟ لم يسم النبي النصوص (الآي) بأسماء ! فمن هو المتطوع النبيل الذي وضع ووضح الاسم والترتيب حسب النزول؟ وإذا علمنا من هو؟ يخرج سؤال من أين استمدوا الحق والأمر في أن يمنح ما يشاء من نصوص أسماء نتعرف بها على الجملة النهائية للنص؟ النص (الآي) نزل نزولاً ظرفياً! أي حكاية – قضية اختلاف – نتائج – جدل! إلى هنا وجيد! لكن ماهو السند الذي اعتمد عليه الواضعون المحققون في أن القرآن تم تكوينه منجماً؟ فُقِدَ النص! مات الحفظة في غزوة مؤته ، حفظة النص في الصدور! وفقد النص معهم! إذا لم يكن أصلاً ما أحتفظوا به قد اجتاحته أمراض الذاكرة فنسوا بعضه وأكدوا على البعض الآخر؟ فإذا كانوا عالمي التخزين وله من الذاكرة ما هو أقوى منا ، فهل ما تبقي يؤسس لنص مكتمل؟ أم هناك بقية ؟ الخليفة عثمان أمر بجمع القرآن! لنرى من أستبعد من مجلس جمع القرآن؟ هو عبد الله بن مسعود! وكلنا يعلم من هو ابن مسعود! إلى هنا وأكتفى بهذا القدر من الأسئلة الوجودية الحريّة بالدهشة!...
#مختار_العربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مذكرات رجل قتله المجد - الحلقة الأولي
-
فيدل كاسترو - نموذج للإنسان العالمي..
-
الحوار من منظور إسلامي - والإسلام السياسي كعقيدة جديدة!
-
اكتشاف الذات! - ذلك الهم الوجودي
-
ستالين - رجل الطبيعة النبيل!!
-
المرأة ومهمة الجنس التعبدي!!
-
المعرفة الهادئة - قراءة في الخطاب التاريخي الإسلامي1
-
التخبط وممارسات التجهيل – حسن بن محمد بن بزرجميد - نموذجاً
-
المرأة من منظور جاهلي / إسلامي (أزمة النص الديني) (3)
-
نظرة لواقع العبودية في مجتمع الجاهلية والإسلام 2
-
الرق في الإسلام - نظرة موضوعية 2)
-
العبودية في الإسلام - نظرة موضوعية
-
لغة القهر وشرعية الأماكن!!
-
في مفهوم الاضظهاد - دهشة الخوف
-
دعوة للثورة على الوهم - المرأة من منظور جاهلي إسلامي 2/1
-
الخروج من قوقعة الذات - فلسفة غياب الوعي في الإنسان العالمي
...
-
المرأة من منظور جاهلي / إسلامي - أنواع النكاح
-
(علاقة معرفة بالدم (جورج أوريل ينتقد العالم ويوشي بالماركسية
-
نظرة موضوعية - الرق في الإسلام
-
الاعتذارات الجريئة
المزيد.....
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|