لن أعـود إلـى لبـنـان... الا

حسن قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 932 - 2004 / 8 / 21 - 08:52
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

واخيرا رحلت، وها انا أقطن في حي هادئ في ضواحي بروكسيل، العاصمة البلجيكية، انظر من حولي فأرى الغابات والاشجار تحوط المنزل، بعكس الفوضى التي كان يمتاز بها ذاك الشارع الشعبي في بيروت، مكان اقامتي السابق.
مرت علي ايام وشهور صعبة، كنت انتظر خلالها ساعة الرحيل، عشت في حالة المسافر اشهراً، واخيرا وبعد طول انتظار اتت التأشيرة، وجاء اليوم المنتظر، وتقاطر الى منزلي بعض الاصحاب المقربين، وبعض الاقارب.
ودعتهم، وانا اودع مرحلة رائعة من عمري، صاخبة ومجنونة. ودعت اصدقاء الجامعة، تركتهم في جلساتهم المعتادة في الاستراحات التي تفصل ساعات الدراسة. ودعت اصدقاء التظاهرات، والاعتصامات، والاحلام التي ضاعت. كنت اودعهم متذكراً الساعات الطويلة، في الليل والنهار، التي كنا فيها نحلم بالتغيير وبالثورة(...).
ما زال مشهد الوداع يعيش في مخيلتي ويتبادر الى ذهني في كل دقيقة. واكثر ما يؤلمني في الحقيقة، هو انني لم اجد في السنة الاخيرة من وجودي في لبنان، اي عذر او سبب يمنعني من الرحيل. فيما كانت الاسباب التي تدفعني الى الرحيل تتقاطر بالعشرات وكل ساعة.
هبت رياح الهجرة ولا ادري ان كانت ستتوقف، هي حديث الجميع، وهي همّ الامهات...
عندما اتخذت قراري بالرحيل قبل نحو عام، وجدت نفسي ملتحقاً بالجميع، وتاركاً ورائي القليل، وعزائي انهم ينتظرون وسيلتحقون بي في ما بعد. ها قد رحلت، وها انا اجد الفرق في نوعية الحياة تشدني رياح البقاء هنا في المهجر، رياح شدت قبلي 15 مليوناً من اللبنانيين منتشرين في بقاع الارض ولما يعودوا بعد.
هل سأبقى هنا دائما؟ اصبح الصراع الآن صراع العودة اما البقاء في المهجر، بعدما كان الصراع في السابق هو صراع البقاء في الوطن ام الهجرة. انتصرت علي رياح الهجرة وجرفتني الى مكان آخر، مكان لا تشرق فيه الشمس من وراء السلسلة الشرقية، ولا تغرب وراء بحر بيروت.
اذكر منذ عشرات اعوام عندما اخذ اهلي قرار الانتقال من البقاع الى بيروت، انني حزنت على فراق اصدقاء الطفولة، ولكن عزائي انني في بلدي ولا فرق بين مكان او آخر.
سرني الشعور بالوطنية وقتذاك، وسرني كثيرا وجودي في بيروت، التي لولاها ولولا بحرها لما كانت الشمس لتشرق ولما غربت.
لن اعود ما دامت عودتي عبئا على احد، لن اعود ما لم استطع ان اكمل علومي، لن اعود فأكون تابعا او من الازلام، لن اعود لكي تنتصر علي الرشوة وتجردني من وطنيتي ومن قيمي، لن اعود لكي ارسب في امتحان دخول احدى الجامعات ويأخذ مكاني ابن احد المسؤولين، لن اعود كي اجلس في احد المقاهي مفتخرا بأنني عاطل عن العمل وواضـعا الـلوم علـى كل شيء، لن اعود كي أقتل على طرقات المـوت فـي لبنان، لن اعود كي ارمى على ابواب المستشـفيات لأن ضـمـان الـدولـة لا ينـفـع هنا.
لكن ذات يوم، ولا يهم ان كان قريبا او بعيدا، سأعود، لأن الشمس تأبى الا ان تشرق كل يوم. ولأنني لا استطيع الا ان اكون لبنانيا، ولا يمكن مهما فعلوا وقالوا الا ان تبقى بيروت مدينتي التي احب.

#حسن_قاسم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات