جولة العونيين في الجنوب.. من البحر إلى النهر
ساحة النبطية (م. ع. م
في صبيحة ذلك الأحد كانت قافلة التيار العوني تخترق الطريق الي الجنوب. القافلة التأمت في صيدا، كان على أحدهم أن <<يحوّل>> الى الضاحية مصطحبا ما أسماه ممازحا <<مندوب حزب الله>> في التيار شفيق السبع، وهو بالترجمة المسلم الوحيد (ربما) والعضو في التيار والشيعي والساكن في برج البراجنة، وهذا ليس بالعادي.
لم تحمل أي من شعارات القافلة أي شيء يدل على انها <<غريبة>> انسابت متلاحقة، ست سيارات، تخترق، الاوتوسترادات الجديدة الواسعة التي ما زالت تفاصيلها <<العصرية>> المعقدة تحيّر <<شو بدي اعمل، وقعت عليكم الحضارة فجأة>> يقول أحدهم ممازحا <<ابن الضاحية>>.
بيروت، صيدا ثم صور... الطريق مستوية مستقيمة، لا أحداث كبيرة باستثناء الاوتوسترادات الواسعة. في صور تقاطع وفدان، العوني باتجاه باب <<منتدى صور الثقافي>> وآخر ل<<أمل>> باتجاه كورنيش البحر على الأرجح، كانت شعاراته وصور رئيس مجلس النواب نبيه بري واقواله تملأ المكان، معلقة على الكورنيش وفوق الأعمدة وفي كل مكان، فهو <<يوم تكريم مزارعي التبغ في الجنوب>> كما اشارت إحدى اللافتات.
التقاطع مر بهدوء. لكنه مر، انها <<الصدفة>> ولكن غير الغريبة. كان لا بد من ان يتقاطعا في مكان ما في الجنوب. ان يتقاطعا هنا يعني ان يذهبا في اتجاهين متناقضين. وكان قد سبق وتقاطعا في اليوم ذاته لما ذهبت القافلة العونية باتجاه <<مؤسسات الامام الصدر>>.
ثلاثون عونيا في مؤسسات الصدر. هذا ليس حدثا، انها <<حزورة>>.
<<ليموناضة>> أعدها أهل المؤسسة، و<<بيتي فور>> صنعه أهل المؤسسة في <<باتيسري>> المؤسسة التي تصنع حلوياتها بالحليب الذي يعده <<مصنع الحليب>> في المؤسسة أيضا والذي أقيم في إطار دعم عمل النساء الفاقدات لرجالهن في الحرب...
<<والله منظمين>> قالها أكثر من عوني لدى خروجهم من مبنى المؤسسة التي جالوا فيها واستمعوا الى الشرح والأهداف <<هل هذا تحول في عمل التيار؟>> يستنكر أحدهم. <<نحن كنا دائما نقوم بهذه الأعمال، قمنا بجولة لأطباء الأسنان على المدارس في الجنوب بعد التحرير وكان ذلك برخصة من وزارة التربية...>>. ولكن <<.. نحنا مش جايين نحكي سياسة، أصلا سيادة وحرية واستقلال هي اللي بتكوّن مجتمع لبناني سوي وانشا الله نقدر كلنا نفرح بعوة الامام المغيب..>> قال الياس الزغبي في حضرة رائد شرف الدين، ابن السيدة رباب الصدر، التي تغيب بسبب السفر.
<<هنا الهم الانساني>> كاف كقاسم مشترك لا ضرورة للتفتيش عن تقاطعات سياسية. والتقاطع في النظرة الى لبنان بين موسى الصدر وبين العونيين يأتي في المرتبة الثانية: <<نعم بالطبع فان كلام الصدر عن لبنان هو: أكبر من ان يبلع واصغر من ان يقسم يلتقي مع توجهنا>> يقول زياد عبس، <<والتيار يلتقي اليوم جميع المستعدين للقائه. ويجب ربما البدء بالعمل على الصعيد المدني>>. وانتخابات المتن كانت الدافع كما يقول.
ولذلك فإن هذه الجولة التي تبدأ من مؤسسات الصدر ستجول في كل لبنان في زيارات للمؤسسات الأهلية وهذا ما يفسر وجود أطباء ومهندسين وفنيين في الوفد...
ولكن ألا يمكننا ان نقول انكم التقيتم مؤسسات الصدر حتى لا تلتقون <<حزب الله مثلا>>؟ يرد أحدهم ممازحا <<ربما>>، ليوضح لاحقا انهم التقوا كل من كان مستعدا للقائهم. حكت المرأة بالازرق الأنيق بدءا من حجابها وحتى أخمص قدميها مرورا بالنظارات الزرقاء أيضا و<<العصرية>> عن المؤسسة التي تحتضن يتامى وعن التوعية الصحية وكانت تمرر <<انكليزية>> خفيفة من وقت لآخر ومثلها شرف الدين، وألمحت الى تعاون مع <<فرسان مالطا>> وخرجت تقود وفدا غالبيته الساحقة من الرجال تدور بهم في مباني المؤسسة الكبيرة والنظيفة والعصرية.
ومن ثم حان موعد <<السياسي>>، فأتت الوجهة <<منتدى صور الثقافي الذي يحسب تابعا لجماعة حبيب صادق، هنا لا ضرورة للاناقة ولا حتى في الحركة، انه الدخول المتقطع للشباب العونيين الى مبنى على الطريقة <<الثورية>>، متواضع و<<عبثي>> و<<بيبسي>> في القناني. ولكن كانت صورة لرئيس الجمهورية إميل لحود، ليست مرئية تماما نظرا لازدحام الجدران بالصور واللوحات ولكنها اثارت انتباه أحدهم فعلق ممازحا. هنا، الكلام أكثر عفوية، ولكنه كما هناك ما زال أوليا، انه التقاء على المبادئ الأساسية، حول <<الهيمنة السورية>> <<قمع الحريات>>.. لم يكن هناك مجال واسع للحوار، فالوفد كبير وشباب المنتدى على غير علم بالزيارة، فدار الكلام بين قيادتي التيار والمنتدى، <<انه لقاء الجزر الديموقراطية>> يقول رئيس المنتدى منيف فرج. توصل الطرفان الى حد التطابق في الآراء. والطرفان يجمعان تحت لوائيهما كل من لا يجد نفسه تحت لواء آخر، في التيار من لا يجد نفسه في <<الجماعة الفئوية ذات الديكتاتورية الطائفية>> وكذلك في المنتدى. وهناك في التيار من روى عن أصوله الشيوعية... <<ولكننا نحن هنا من الفئة المنبوذة أنتم أكثر رحرحة>>. يقول أحدهم من المنتدى لرد لوم خلاء الساحة الجنوبية من اعتصامات ضد التوقيفات أو غيرها... ومقابلها اعتراف من التيار انهم ما زالوا ايضا محسوبين على المسيحيين.
أخيرا، الغداء عند نهر الليطاني، هناك سيلتقون مع <<طلاب شيوعيين>>، انه وقت <<الحميمية>>، لا حاجة هنا للحوار وان بقي حاضرا، قبل الغداء وبعده.. غداء ولكن من دون <<كحول>>. ازدحام كبير عند النهر الذي ننتهي اليه هبوطا، الكثير من المحجبات السابحات في مياه النهر، انه الجنوب على حقيقته واللقاء ايضا على حقيقته، هنا طلاب شيوعيون هم أهل الدار العونيون هم <<الاصدقاء الحقيقيون>>، حركة حول الطاولة التي امتدت، مزاح غير سياسي بالضرورة وأحيانا تأفف ايضا <<غير سياسي>>. انه الحر والجوع. انهم هنا على طبيعتهم. <<طلاب شيوعيون>>: ليسوا مدخلا الى الجنوب، انهم <<منزل>> في الجنوب. وكأن الرحلة تدرجت من <<رسمية>> الى حميمة.
وبينما كان الوفد العوني يتناول الغداء عند الليطاني كان وفد آخر ولكن أصغر بكثير يعزي في الذكرى الأربعين لاستشهاد رمزي العيراني. وبينما كان <<طلاب شيوعيون>> يستضيفون العونيين كان نصفهم في لندن في مهرجان للشيوعية. انها <<المروحيات>> الواسعة لكل منهما.
في اليوم التالي استنكر <<اهالي صور>> زيارة العونيين المشبوهة <<لأنها تهدف ل<<دق اسفين جديد في المدينة الأم>>. <<أهالي صور>> وقعوا البيان. أليس المنتدى من أهالي صور وأليست <<مؤسسات الصدر>> التي تعمل منذ العام 1965 من أهالي صور وأليس <<طلاب شيوعيون>> من أهالي صور. من هم اذن <<أهالي صور>>، حزورة ثانية.