|
عن ظاهرة انتحار أصحاب الشهادات العليا( قصة بالمناسبة)
حمادي بلخشين
الحوار المتمدن-العدد: 3063 - 2010 / 7 / 14 - 21:38
المحور:
حقوق الانسان
حنين تنهد طويلا وهو يشيع بنظراته سيدة اعتاد رؤيتها في نفس الوقت وهي تجرّ ولدها الى المدرسة. كان قد فرغ منذ ساعة من تـناول قهوة مجانية وهبها له صبي المقهى.. رغم ذلك ظل عاكفا في مكانه.. كانت السماء مكفهرة مما ضاعف كآبته وزاد ألمه. ممّا ضاعف قنوط سليم راشد انه كان يكابد ألم الجوع أيضا. كما كانت حاجته الي النوم تعادل حاجته الى الطعام...بالأمس حين وصل الى البيت وجد زوجة عمه تزيل آخر صحن ... استحى من القول بأنه لم يتعش فبات على الطوى.. كما ان مكالمة هاتفية قلعت عمه من فراشه حرمته ايضا من فطور الصباح...فقد كان عليه مغادرة البيت بعد مغادرة صاحبه تجنبا لأقاويل الناس رغم انه كان في أمس الحاجة إلى ساعات نوم اضافية بعد أرق أقضّ مضجعه. كان الراديو يذيع للمرّة الثالثة في ظرف ساعتين أغنية جديدة لنانسي عجرم .. منذ نصف ساعة أعلنت وفاة شيخ الأزهر.." حالما يعود الى أرض الوطن من رحلته العلاجية سيعين الرئيس محمد حسني مبارك شيخا جديدا للأزهر" هكذا أعلن المذيع. صاح صديقه مروان محمود بضجر: " ليت الغائب لا يعود، و ليت الفقيد لا يعوّض!" اندفع بعدها كشلال: " يا أخي ليترك الإسطبل فارغا.. ثم مواصلا: " بالله عليك ما حاجة الشعب المصري الغلبان الى كاهن ازهري جبان لا يساوي ظفر راهب بوذي يقود المظاهرات في بلده ؟!" حين أعلن عن مرشحين إثنين لخلافة الفقيد صاح مروان محمود ثانية وهو يضرب الهواء بقبضته : " سيكون القادم ألعن.. ثم وهو يضيف غاضبا: ... اذا استمر الإنهيار على هاته الوتيرة فسيتوزع القادمون بين ملحد و مثلي.. سيحصل هذا في غضون سنوات قلائل.. تساءل ضاحكا: " لم لا تكون إمرأة ؟" ثم وهو يجيب نفسه قبل ان يغادر المقهى: " و هل ان السابقين كانوا رجالا؟! "
لأنه أوقف يومين على قيد التحقيق في شغب جامعي... اعتبر سليم راشد من أصحاب السوابق، لأجل ذلك حرم من جواز سفر ينقذه من وطن بغيض و بطالة مؤبدة و كرب مقيم، منعه الفقر من احتجاز مكان في احد قوارب الموت بعد ما سدّت في وجهه الأبواب و كلّت رجلاه من التردّد على مكتب العمل و أرباب المصانع و الشركات.. مرت سبع سنوات على تخرجه دون أن يلوح ادنى أمل في انفراج قريب.. " سواء عليك أكنت من أصحاب السوابق أم لا فان الشهادات الجامعية أصبحت عملة غير قابلة للصرف". " من زكاه الحزب الحاكم فهو آمن و من ملك وساطة فهو آمن أيضا". "اقرأ و إلا ما تقراش المستقبل ما فمّاش " الجملة التي كان يرددها طلاب السبعينات أصبحت اليوم واقعا معاشا وحقيقة مروّعة... اللعنة". " لا ضوء يلوح في نهاية النفق... ستتحول هذه البلاد الي ساحة قتال حقيقية .. ماذا يرجيّ من حمير تقود شعوبا ؟!" " الدولة تفرط في القطاعات الخدماتية باسم الخوصصة حتى تتفرغ كليا الي وزارتي الإعلام و الداخلية" من لم تشغله الكرة و المسلسلات شغلته السلاسل و الهراوات!". هكذا كان مروان محمود يردد بين غضب و آخر.
نهض من مكانه ليخلص طفلا مشاغبا من قبضة مجنون قد أمسك به و شرع يخبط رأسه على واجهة دكان مغلق.. بعد ان صرف الصبية المشاغبين أجلس عم مرزوق الي جواره.. منذ شهرين أهتزت البلدة لفقدان أنجب بناتها: دكتورة شابة أقدمت على حرق نفسها إحتجاجا على شغل لم تـنله رغم مؤهلاتها العالية...منذ بلغه مغادرة ابنته الحياة غادر عم مرزوق عقله.
هم سليم راشد باستجداء قهوة لعم مرزوق حين وصله صوت أنثوي رقيق: ــ بابا أنت هنا؟ حين ألتفت رأى فتاة شابة تتقدم نحو الأب المجنون وهو تقول معاتبة : ــ لقد حيرتنا يا أبي. ثم وهي تسحبه من يده: ــ لا بد أن تعود معي، فقد آن وقت الدواء. بالأمس... و في غمرة توسلاته الى صاحب مطعم شعبيّ، بلغ سليم راشد صوت ينبعث من غرفة سيئة الإنارة، كان سليم راشد يحاول انتهاز فرصة انشغال صاحب المطعم بمكالمة هاتفية لنبش زوايا ذاكرته بحثا عن صاحب الصوت المألوف حين صعق برؤية أستاذه الدكتور الزاهي حمدان وهو يغادر تلك البؤرة المعتمة. كان يعتمر طربوش طباخ و يشد على وسطه فوطة ملطخة بالمرق! لم يملك سليم راشد دمعة انبثقت من مقلتيه حين تذكر أناقة أستاذه التي كانت مضرب الأمثال. حين علم الدكتور الزاهي حمدان ان تلميذه كان بصدد البحث عن شغل، التفت الى ربّ العمل ثم قال مشيرا اليه و هو يمسح بقايا دموع: ــ كان من أنجب تلامذتي! رغم نجاح وساطة الدكتور في إقناع ربّ العمل بتشغيله ثلاث ساعات كل يوم، فان توقير سليم راشد للعميد السابق اجبره على ترك المكان بعزم نهائي على عدم العودة ولو بصفة زبون. حين عاتبه مروان محمود عن التفريط في شغل كان في متناوله، ردّ عليه: ــ كان لا بد لي فعل ذلك... ثم مبررا: ــ أخشى أن أخطىء في حقه. أضاف غاضبا: ــ ثم أن رؤيته اليومية على تلك الصورة المزرية قد تدفعني إلى ارتكاب جريمة. حين طالت غيبة الدكتور عن طلابه أشيع بأنه أصيب بمرض خبيث قبل ان يتأكد خبر اعتقاله بسبب قوله" ما أطول عمر الكلاب!" أثناء دردشة لا صلة لها بالسياسة... اتفق تأكيد سوء ظن الدكتور في رئيس الجمهورية حين مشّطّ بيته و عثر على مسودّة مشروع تحقيق كتاب" فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب !" بعد تعذيب طويل.. اكره الدكتور على الإعتراف بأنها كتب رسائل تحريضية اخرى تحمل عناوين... " فضل البغال عل كثير ممن لبس النعال" " فضل ذوات النيوب على من حكم الشعوب" " فضل القوادين على كثير من الكتاب و الصحفيين". " فضل القحاب على كثير من رؤساء مجلس النواب"
أحسّ سليم راشد باحتقار ذاتي حين اكتشف أن للكلاب أمتيازات كثيرة لم يطلها هو .. من بين تلك الإمتيازات انها لا تبيت جائعة ولا تزج في السجن اذا وقعت على أنثاها.
كان مرسال خليفة يدندن بأغنيته الشهيرة"أحنّ الى خبز أمّي و قهوة أمّى و لمسة أمي" حين فاضت كأس سليم راشد فانخرط في بكاء مرير سرعان ما قطعته يد حانية حطّت على كتفه قبل ان يصله صوت مروان محمود وهو يقول مواسيا: ـــ أغنية مؤثرة. ثم وهو يجر كرسيا: ــ لا تقل لي انك حننت إلى أمك؟ كفكف سليم راشد دمعه، قال وهو يغادر المقهي: ــ بل الى أمنا جميعا.
لم يجد مروان محمود تفسيرا مقنعا لما قاله سليم راشد قبل مغادرته إلا حين سلمه صبي المقهى لفافة تضم ّمجموعة كتب جيب من بينها رواية قصيرة لإسحاق عظيموف تحمل عنوان "أمنا الأرض".. حدث ذلك بعد يوم واحد من اهتزاز البلدة و في ظرف اقل من شهرين، لفقدان أنجب ابنائها.. و أشدهم تعاسة.
#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن تمجيد الذكر واحتقار الأنثى(قصة بالمناسبة)
-
ما كان سيّد قطب إخوانيّا قطّ ( قصة بالمناسبة)
-
على هامش ظهور القائم في العراق( قصة بالمناسبة)
-
عن النصير الإيراني !( قصة بالمناسبة)
-
لا مكان للمثليين في مجتمعاتنا( قصة بالمناسبة)
-
مراودة ! ( قصة قصيرة)
-
حول سقوط حماس الوهابية (قصة)
-
العرب يتفرجون و الجزائر تواجه امريكا و بريطانيا منفردة
-
أردوغان عدوّ الحريّة يسيّر سفينة الحريّة!
-
فساد ( قصة قصيرة)
-
انقلاب ( قصة قصيرة)
-
رد على مقال زوبعة د. طارق حجي
-
نجاسة ( قصة قصيرة)
-
غباء ! ( قصة قصيرة)
-
نقاب !( ومضة ادبية على هامش حظر النقاب في بلجيكا)
-
كفى عملا بقاعدة يا ابن الكلب تعال أنوّرك!(على هامش مقال ادبي
...
-
هجوم القرضاوي على سيد قطب أوقراءة متأنية في رسالة عشق إخواني
...
-
هجوم القرضاوي على سيد قطب أوقراءة متأنية في رسالة عشق إخواني
...
-
هجوم القرضاوي على سيد قطب أوقراءة متأنية في رسالة عشق إخواني
...
-
هجوم القرضاوي على سيد قطب أوقراءة متأنية في رسالة عشق إخواني
...
المزيد.....
-
سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد
...
-
ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت
...
-
الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
-
بيتي هولر أصغر قاضية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية
-
بايدن: مذكرات الاعتقال بحث نتانياهو وغالانت مشينة
-
مذكرة توقيف بحق نتانياهو وغالانت: ما هي حظوظ تطبيق قرار المح
...
-
مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية ترحب بالقرار التاريخي للمحكمة
...
-
الأمم المتحدة: مقتل عدد قياسي من موظفي الإغاثة في 2024 أغلبه
...
-
الداخلية العراقية تنفي اعتقال المئات من منتسبيها في كركوك بس
...
-
دلالات اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنيا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|