كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 931 - 2004 / 8 / 20 - 12:02
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
من تابع بعناية نشاط مقتدى الصدر خلال الفترة التي أعقبت سقوط النظام العراقي أدرك بعض الحقائق بشان هذا الرجل الشاب, وإذ كنت من المتابعين لنشاطه وتصريحاته وتحركاته وخطبه في أيام الجمعة في الكوفة, تسنى لي أن أكتب عدداً من المقالات حول شخصيته وأن أشير إلى منابع الخطر والذهنية الاستبدادية التي تنطلق من الأسس الفكرية المعششة في رأس هذا الرجل ورجل الدين الذي يقف خلفه ويسيره ويفتي له الأمور. فأين تكمن الأخطاء الفاحشة في حسابات هذا الرجل الذي لم تصقله تجارب الحياة ولم يتزود بالمعرفة الكافية التي تحميه من عبث العابثين وتمنع تحوله إلى ألعوبة بيد الآخرين تتقاذفه الأهواء وتسيطر عليه النوازع المختلفة, والذي يتلمسه الإنسان في تقلباته اليومية؟
لدي القناعة بأن مقتدى الصدر لم يتحرك بمحض إرادته, رغم أن بنيته الفكرية والسياسية تنسجم مع هذا التحرك غير العقلاني. والمحرك الرئيسي والدافع لمقتدى الصدر على هذا النوع من النشاط السياسي غير المنسجم مع طبيعة ونشاط آل الصدر هو آية الله العظمى كاظم الحسيني الحائري الكربلائي المقيم حالياً في قم ويصدر من هناك الفتاوى النارية ذات الطبيعة السلفية البالية التي لو نفذت لجعلت من العراق بلداً يخضع لاستبداد أشد وأبشع وأمر بكثير على العراقيات والعراقيين, على مختلف القوميات والأديان والذاهب وأصحاب الفكر والرأي السياسي من استبداد وقمع وإرهاب صدام حسين. فرجل الدين الحائري يلتزم فكراً أصولياًً سلفياً متطرفاً يجد في فكر وممارسة العنف السبيل المناسب والوحيد لانتزاع السلطة وفرض النظام الإسلامي, وفق رؤيته السلفية الأصولية المتطرفة وتفسيره له, في العراق, وهو تفسير لا ينسجم مع روح العصر والتغيرات التي طرأت على العالم منذ أكثر من 1400 عام ويبتعد عن جادة الصواب ويدفع بالعراق إلى أتون حرب أهلية طاحنة, ظالمة ومرعبة.
ورجل الدين الحائري لا يقف وحده في إيران محركاً وموجهاً ومسانداً لمقتدى الصدر فحسب, بل تقف معه جمهرة كبيرة من رجال الدين المماثلين له والراغبين بتصدير الثورة الإسلامية على النمط الإيراني إلى العراق وإلى كل البلدان الإسلامية, وهم لا يختلفون في ذلك عن فكر وهدف وأسلوب وممارسات أسامة بن لادن, إلا بالمذهب, إذ أن الأصول واحدة والتفسير واحد والنتيجة واحدة. وليس كل الذين يقفون معه في إيران هم من أصل إيراني, بل بعضهم عراقي المولد والجنسية, وبعضهم الآخر لبناني وسوري, والقسم الثالث قادم من أفغانستان وباكستان والهند وغيرها. إنه المجمع الديني الشيعي السلفي المتطرف الذي يعمل على تصدير الثورة إلى البلدان الأخرى. وهم يجدون التأييد والدعم والمساندة الفعلية من مرشد الجمهورية الإسلامية على خامنئي وبقية المحافظين المتشددين, ومن هنا يفترض أن نفهم عمق المخاطر التي تكمن وراء هذا التيار الفكري السلفي السياسي في العراق الذي يقوده الحائري وليس الصدر, فالصدر ليس إلا أداة تنفيذ جاهلة ومغامرة, إلا أن التيار سمي باسمه للاستفادة من أسم عائلة الصدر لهذا الغرض السياسي غير السليم.
ولا تقف مثل هذه المجموعة وراء الحائري في قم فحسب, بل تقف مجموعة مماثلة لها وراء مقتدى الصدر في النجف, وهي التي تقدم له النصح والمشورة في ما يفترض أن يمارسه في العراق, وبئس ما نصحت به حتى الآن. وهنا تكمن الخطورة الكبيرة, إذ أن هدف هذه المجموعة لا يختلف عن هدف أسامة بن لادن, وأعني بذلك الرغبة الجامحة في السيطرة على الحكم في العراق والانطلاق منه صوب الدول العربية الأخرى, بعد أن تكون قد أججت في العراق معركة رئيسية كبيرة ضد الولايات المتحدة الأمريكية, أي تحويل العراق الجديد إلى ساحة قتال شرسة ضد الولايات المتحدة الأمريكية في وقت يسعى الشعب العراقي بعد أن تخلص من صدام حسين أن يبدأ ببناء حياته الجديدة والانتهاء من فترة الانتقال وإنهاء الاحتلال الأمريكي- البريطاني للعراق نهائياً.
كما هو حال جميع الأصوليين والسلفيين المتطرفين في العالم, بغض النظر عن الدين أو المذهب أو الفكر الذي ينتسبون إليه ويعملون من أجله, ارتكب هؤلاء, ومعهم مقتدى الصدر, أخطاء فادحة في فهم المرحلة التي يمر بها العالم والتغيرات التي طرأت عليه خلال العقدين الأخيرين على الأقل, بحيث لم يعد ممكناً لمجموعة واحدة أو شخص واحد أن يفرض على شعب كامل الوجهة التي يريد السير بها والنظام الذي يريده, تماماً كما فعل صدام حسين في العقود الثلاثة المنصرمة, وكانت نتيجة المستبد الطاغية صدام حسين ونهايته معروفة للجميع ومعروفة للسيد الصدر أيضاً. وكان على الصدر الشاب أن يدرك طبيعة هذا العالم المتغير وأن يفهم بأن هناك أساليب أخرى غير العنف للنضال في سبيل تحقيق المبادئ التي يعمل لها بغض النظر عن طبيعة تلك المبادئ أو مدى صوابها أو أهميتها للمجتمع. فللجميع الحق في النضال من أجل ما يعتقدون به أو يعملون من أجله شريطة أن يتخذ طريقاً سلمياً وديمقراطياً وليس فوضوياً وعنفياً مغامراً يقود إلى كوارث لا حصر لها, كما نرى حالياً في ما يقوم به الصدر ومجموعته المسلحة.
ولا شك في أن مقتدى الصدر تصور نفسه, واستناداً إلى موقع عائلته في النجف وبين المؤمنين من أتباع والده الراحل, قادراً عندما يرفع شعار النضال ضد الاحتلال الأمريكي والبريطاني, وبالطريقة الفجة التي مارسها, سيحقق خطوات على طريق تسلم السلطة وإقامة النظام الذي يسعى إلى إقامته في العراق. وغطت على عينيه غشاوة كبيرة, إذ عجز عن التمييز الدقيق بين ما يرغب به وما هو ممكن وما هو نافع للعراق وشعبه.
ولعبت قوى كثيرة أخرى غير مجموعة الحائري في دفع هذا الشاب المغامر على طريق العنف غير المبرر, وأعني بها الجماعات القومية في العراق وخارجه وجماعة هيئة علماء المسلمين التي وجدت فيه دعماً لها لاستعادة ما خسرته حتى الآن, بسبب شعورها بهيمنة التيار الشيعي على الساحة العراقية, فمحركها في دعم مقتدى الصدر نابع من موقف طائفي غير سليم ورغبة في خلط الأوراق في العراق بالطريقة التي تثير الفوضى والخراب لتحصد فيما بعد ما تتصوره سانحاً ومهيئاً لها.
لقد قرأ السيد الصدر تاريخ العراق بصورة خاطئة جداً, عندما اعتقد بأن حركة من النوع التي ينهض بها يمكن أن تصبح شبيهة بحركة وثورة الزنج في جنوب العراق التي قادها على بن محمد, أو حركة القرامطة في وسط وجنوب العراق التي قادها حمدان القرمطي, إذ التزمت الحركتان جمهرة السود من جامعي ملح الأرض والفقراء المستغلين والمحرومين ودافعت عنهم ضد ظلم وجبروت الحكام والمستغلين في الدولة العباسية. ولكن الرجل فقد البوصلة والبصيرة في آن واحد في موضوع العراق. ومقارنته التاريخية غير واردة أصلاً, رغم وجود نسبة عالية من العاطلين عن العمل والفقراء والمعوزين والمحرومين في العراق التي نشأت بفعل سياسات النظام المخلوع التي دمرت الاقتصاد العراقي والمجتمع, رغم وجودنا في بلد يتمتع بثروة نفطية هائلة وقدرات كبيرة على العمل والإنتاج والإبداع.
إن الحقد الأعمى على الاحتلال غير كاف لإخراج قوات الاحتلال, بل يورث مثل هذا الحقد البؤس الفكري والسياسي والعجز عن إنجاز المهمات والاندحار, كما أنه لا يعالج المشكلات التي يعاني منها العراق بل يشدد منها. لقد تخلصنا للتو من هيمنة المستبد بأمره صدام حسين ورهطه ووقعنا تحت الاحتلال, وكان النظام المخلوع ورأسه هما السبب في وقوعنا تحت الاحتلال ومعاناتنا الراهنة. وعلى عاتقنا جميعاً تقع اليوم مسئولية إعادة البناء وإنهاء الاحتلال واستعادة العراق لاستقلاله وسيادته الوطنية كاملة غير منقوصة. ولكن السؤال العادل هو: كيف؟ وهو الذي اختلفنا عليه وقادك موقف غير الواعي والمغامر, وتحت تأثير من فقدوا العقل والبصيرة, كما أرى, إلى خوض معركة خاسرة وبعيداًُ عن إرادة ومزاج الغالبية العظمى من الشعب التي قررت النضال بطريقة سلمية وديمقراطية للخلاص الفعلي من قوات الاحتلال. إن الشعب العراقي لن يرتضي الاحتلال وسيحرر نفسه منه, ولكن بالطريقة التي يراها مناسبة وليس تحت تأثير فكر وسياسة الحائري – الصدر.
لقد أسأت التصرف إزاء شعبك وإزاء الجماعات التي وضعت ثقتها بك لثقتها بأبيك الراحل. لقد عرضت حياة المواطنات والمواطنين للخطر وساهمت في قتل الكثير من الناس الأبرياء بسبب سياستك الغامرة المدفوعة من الخارج والداخل. لقد ساهمت بتشجيع عصابات النهب والسلب والقتل والجريمة المنظمة من خلال السماح لها عملياً في أن تمارس أعمالها بكل حرية تحت غطاء تيار الصدر أو ما شاكل ذلك, سواء أدركت ذلك أم لم تدركه حتى الآن.
لقد أصبحت حصان طروادة وساهمت في إضعاف الحركة الشعبية التي كانت تريد مواجهة قوات الاحتلال وبريمر بطريقة أكثر مناعة وقدرة على انتزاع المكاسب.
لقد دفعوك إلى موقع لا تحسد عليه وركبت رأسك دون أن تفكر بالعواقب الوخيمة التي تجلبها سياستك المغامرة على أهل النجف الأوفياء لجدك, واحتميت بما لا يجوز الاحتماء به لتعرض العتبات المقدسة إلى مخاطر جمة, وليس هذا من فعل الشجعان بأي حال, وليس هناك من يتمناه لكَ ولكنك ارتضيته لنفسك.
الخديعة لا تنفع وكف عن ممارستها. لقد أعطتك مرجعيتك أخيراً فتوى الموافقة على شروط الحكومة العراقية, فقد وصلتك رسالة الحائري الذي أجبر على كتابتها وكأنه يتناول السم, كما قالها قبل ذاك السيد الخميني حين وافق على إنهاء الحرب العراقية - الإيرانية. والسؤال هو: الم تفقد عملياً قدرتك في السيطرة على أتباعك, لأنهم ليسوا جميعاً من أتباعك؟ ألم يتخذوا من اسمك عنواناً لممارسة أساليبهم الخبيثة في العراق الجديد بهدف الوصول إلى غاياتهم الشريرة؟
لقد ارتكبت الكثير من الحماقات وأنت مسئول عنها, ولا أعتقد بأنك صاحب تيار فكري وسياسي, بل أنت لا تتعدى أن تكون سياسياً مغامراً يكون أو لا يكون!, فلن تكون ما دمت قد سرت على هذا الدرب غير الإنساني, رغم محاولات النفخ فيك من بعض الناس الذين فقدوا الذمة والضمير وخسروا مواقعهم في النظام السابق, سواء أكانوا معروفين لنا أم غير معروفين, وأرادوا الانتقام من الشعب الذي تخلص من حكمهم, حكم صدام حسين. كان وما يزال عليك أن لا تستمع لهؤلاء الذين اخترقوا طولاً وعرضاً جيش المهدي, هذا الجيش الذي أسأت به لجدك المهدي المنتظر في ما قام به من أعمال إجرامية على امتداد مناطق الوسط والجنوب, دون أن تكلف نفسك الاستماع إلى صوت العقل, إلى السيد السيستاني, الذي نصحك بالكف عن غيك وغي الذين يدفعوك إلى هذا الطريق الخشن والمعيب. فباسم مقاومة الاحتلال تريد تدمير العراق وتساهم بذلك مع ما تقوم به عصابات بن لادن. إنه لمصير لا يليق بابن السيد محمد صادق الصدر ولا باسم العائلة كلها.
إن الغالبية العظمى التي تقف معك اليوم ترفض الحرية والديمقراطية للشعب وتريد فرض الاستبداد الديني أو المذهبي أو الفكري والسياسي, إنها ترفض التعددية السياسية وتريد فرض الحزب الواحد, حزب الله على غرار ما يجري في إيران, إنها ترفض الفيدرالية الكردستانية, لأنها ترفض الاعتراف بالقوميات, رغم أنها وعندما تكون في السلطة تكون أكثر قومية وشوفينية وعنصرية من القوميين اليمينيين العرب أو غير العرب, وأنها ترفض حقوق القوميات الثقافية والإدارية الأخرى, ولأنها ترفض ممارسة جادة وحقيقية لحرية الأديان والمذاهب وحرية الفكر والرأي السياسي. وهذا الذي تسعى إليه غالبية أتباعك, وهو ما يرفضه الشعب ويناضل ضده.
إن نهاية هذا التيار المغامر غير بعيدة والأحابيل والتلاعب بالمواعيد لن ينفع وعليك الخضوع لإرادة الشعب والسير في طريق آخر غير الطريق الذي تسير عليه اليوم, إن كنت راغباً أن تكون مواطناً عراقياً يخدم مصالح بلده بطريقة عقلانية وحيكمة ويريد الخلاص من الوضع البائس القائم ومن الاحتلال, فهل تريد ذلك؟ هذا هو جوهر المسالة التي يفترض أن تنتهي منها قبل فوات الآوان.
برلين في 19/8/2004 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟