|
تنكيل بجماهير العراق و شرعية لثالوث الطائفية-القومية -قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية -
سامان كريم
الحوار المتمدن-العدد: 931 - 2004 / 8 / 20 - 12:03
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
المحتويات - مقدمة - آلية لصدامية لسن ألدستور المؤقت - مقارنة موجزة للدساتير الصدامية مع قانون إدارة الدولة - دستور لتكريس الطائفية-القومية - تشكيل الحكومة الانتقالية ولعبة الانتخابات - غموض في حقوق المواطنين - التناقضات الذاتية في الدستور
حزيران 2004
مقدمة
"قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية"الذي يحاول مجلس الحكم والإدارة الأمريكية ومن لف لفهما، تعريفه و تمجيده كونه قانون يلبي طموحات المواطنين، و إنه الوحيد في الشرق الأوسط من حيث محتوياته وبنوده بما يوفر فيه من الحريات السياسية والفردية، و يقدمونه كنموذج يحتذى به في باقي البلدان في المنطقة. هذا القانون هو في الأساس ليس قانوناً لتنظيم أمور المواطنين وحقوقهم، وليس لتلبية مطالباتهم وطموحاتهم إطلاقاً، بل هو قانون لعملية التوافق، الأخذ والعطاء بين الأطراف التي شرعت في سنه و الإقرار عليه، وهو صيغة توافقية مؤقتة لعملية ااقتطاع الحصص بين الأطراف الموجودة في مجلس الحكم فيما بينهم وبين الأمريكان. إذن بإمكاننا أن نقول هو عقد بين الأطراف الموجودة في مجلس الحكم والأمريكان، أكثر مما هو قانون لصالح الجماهير المليونية في العراق. هذا القانون يكرس الحكومة القومية الإسلامية، التي عانت الجماهير من ويلاتها أبان حكم البعثيين، وبما يحتويه من النصوص الطائفية والقومية، يمثل مصالحة سياسية مؤقتة بين الأطراف الشيعية الإسلامية و القوموية الكردية و القوموية العربية، وبما يؤمن ألمصالح ألأمريكية في ما بعد عملية " انتقال السلطة".
هذا القانون هو قانون لترويكا(ثالوث)الطائفية- القومية، وهذا هو بحد ذاته قابل للإدانة والرفض من قبل الجماهير العريضة، واعتقد إن جماهير العراق أعلنت رفضها لهذا القانون. من جانب أخر إن القوى الموجودة تعرف هذا الدستور وفي ديباجته"برسم الملامح لمستقبل العراق الجديد" ولكن ليس فيه ما هو جديد بقدر فيه ما هو باطل وعتيق، يستثنى من ذلك طبعاً الوجوه الجديدة وغير المعروفة إطلاقا و الذين تبؤوا مناصب في أعلى سلم السلطة، حيث نرى ذلك في سياق بحثنا هذا، و من جانب أخر إن هذا الدستور الذي كتب بفكر أمريكي وربما بقلم عراقي، ليس فيه بنداً أو فقرة تشير إلى واجبات المواطنين أمام الدولة، وهذا بحد ذاته تشكل تهميشاً وتنكيلا كبيرين لدور الجماهير في تقرير مصيرها السياسي، لأنه بباسطة ليس للمواطن دور في تحديد تركيبية الحكومة و عزلها إن لم تكن لصالحه. هذا ناهيك عن ألآلية ألصدامية التي أتبعت للإقرار عليه.
آلية صدامية لسن الدستور المؤقت
إن آليات العمل بطبيعة الحال تنبثق من برنامج سياسي لقوة معينة أو لقوى معينة، اي إن آلية اتخاذ قرارات وسن دساتير، نابعة من نظرة الحزب أو الأحزاب، لمكانة الجماهير والإنسان في برنامج ونظرة هذه القوة أو القوى التي تصدر هذا الدستور أو القوانين.
الإنسان و طموحاته ومطالبه وأمنياته وحرياته وأهدافه هي صوب إعادة كرامته الإنسانية واعتباره الإنساني بما يوفر له الحرية والمساواة التامة على كافة الأصعدة، هي نظرة للحركة والحزب الداعي لإنهاء الظلم و الاضطهاد بكافة أشكاله وألوانه. نحن في الحزب الشيوعي العمالي ليس لنا هدف مغاير مع أهداف الإنسان بصورة عامة، ليس لنا طموحات و مطالب وبرنامج وعمل حزبي وسياسي يتناقض مع طموحات الإنسان ومصلحة الجماهير. الحريات السياسية والمدنية و الفردية للإنسان و رفاهه هي جملة من أهدافنا، ليس لنا سياسة تتناقض مع نضال الجماهير في سبيل وصولها إلى مسك زمام الأمور بأيديها بل كل أهدافنا وسياساتنا ونضالنا اليومي يصب في سبيل استتباب الأمن والاستقرار و توفير كافة الإمكانيات لتكون الجماهير هي التي تدير أمورها من خلال سلطتها المباشرة ومنبثقة منها بصورة مباشرة ومن خلال مجالسها العمالية والجماهيرية. في برنامجنا , برنامج " عالم أفضل" نعرف الإنسان على أساس هويته الإنسانية، على أساس كينونته الطبيعية، لسنا فقط لا نمّيز الإنسان على أساس قوميته أو دينه أو جنسه أو طائفته أو عشيرته أو...فحسب بل إن كل هذه الهويات تعد باطلة ومزيفة من قبلنا و نناضل من أجل إزالة هذه الهويات في سبيل انصهار المجتمع في بوتقته الإنسانية بشكل متلاحم ومتناغم، لكي ينعم الإنسان بكل طموحاته وآماله.
عليه إن الآلية التي تلبي طموحات المواطنين في العراق، لسن دستورهم والإقرار عليه، يجب أن تكون منبثقة من الجماهير ومن إرادتها الحرة المباشرة، من خلال مجالسها الجماهيرية في المحلات أو في المعامل والمؤسسات العمالية. إن الدستور المطلوب أو سن الدستور بشكل مطلوب، هو ذلك الشكل و الإلية التي فيها تنتخب الحكومة وممثلوها من خلال هذه المجالس التحتية ومنها على الصعيد المدن وأخيرا على صعيد البلاد كله، حيث لا يبقى إنسان أو مواطن لم يمثل في الحكومة وفي أعلى مستوياتها بشكل مباشر، و بامكان أية محلة أو مؤسسة ما عزل ممثليها إذا لم ترغب في تمثيلها في أي وقت يرغب المجلس الفلاني بذلك. حيث وجود مؤتمر ممثلين لمجالس البلاد ستكون هيئة منتخبة لتشريع القوانين والدستور ولتنفيذها أيضاَ. هذه الحكومة التي تنتخب بهذه الإلية ستتولى سن الدستور من خلال كتابة مشروع الدستور وعرضها على الممثلين للإقرار عليه و على الرأي العام من خلال استفتاء شعبي عام و حر أو الرجوع إلى المجالس التحتية أو مجالس المحلات. ليكن هذا الشكل المطلوب أو الآلية المطلوبة، حيث يتعذر لنا إتباعها نظراً للأجواء السائدة في العراق من حيث الفوضى والاضطراب وانعدام الأمن في ظل السيناريو الأسود الذي يسود فيه الإرهاب والصراعات القومية والطائفية.
ولكن هناك آليات مختلقة يمكن النظر إليها كآليات ممكنة و قابلة للتنفيذ في ظل هذه الأجواء. الاستفتاء العام للتصويت على دستور ما، هو طريقة ملائمة في ظل هذه الأجواء، ومن خلال هيئة منتخبة أو حكومة انتقالية منتخبة، أي من خلال عملية انتخابية نزيهة تشرف عليها هيئة دولية... لانتخاب حكومة انتقالية أو حتى بدون انتخابات ومن خلال تمثيل كل المنظمات المهنية والجماهيرية والأحزاب السياسية في الحكومة المؤقتة ومن ثم يتم من خلالها إعداد مشروع للدستور وأخيرا إجراء استفتاء جماهيري عام ومباشر وحر للإقرار عليه. لكن في ظل الأجواء السائدة في العراق حيث الميليشيات المسلحة للقوى القومية والإسلامية و أيضا القوات الأمريكية هي التي تتحكم بزمام الأمور، ليس بامكان الجماهير وفي ظل هذه الأجواء أن تدخل عملية انتخابية نزيهة. عليه هذه الآلية والعملية مشروطة بإشراف قوة أو قوات محايدة و تجريد الميليشيات المسلحة كافة من السلاح وخروج القوات الأمريكية من العراق، وتوفير ستة اشهر للإعداد الانتخابي التي تشمل استبيان موقف القوى السياسية وبرنامجها وتصورها للحكومة المقبلة و توفير الإمكانيات المناسبة لجميع القوى للوصول إلى الجماهير من خلال القنوات الإعلامية المختلفة وضمان الحريات السياسية غير المقيدة في تلك الفترة. هذه هي الآلية المناسبة، إذا هناك قوى سياسية تؤمن بدور للإنسان وللجماهير في العراق. ولكن القوى الموجودة و المنصبة من قبل الأمريكان في مجلس الحكم والإدارة الأمريكية المحتلة هي التي تغض نظرها عن دور الجماهير، بل تحاول بشتى الوسائل إبعاد الجماهير في أداء دورها القيادي. حيث لم تتورع هذه القوى في إبعاد الجماهير عن أي دور يذكر لسن دستوره الذي يمس صميم مستقبل الجماهير في العراق، وبدأت في طبخ الأكلة بدون إنذار مسبق، وتقديمها إلى الجماهير عنوة، حتى دون أن تسأل عن رأيها، وقد قدمها في 8 مارس (عيد المرأة العالمي) كدستور " لا سابقة له في المنطقة" و كانت الجماهير في غفلة وهي تناضل من أجل البقاء، في ظل الأجواء المخيفة السائدة و المعروفة للجميع.
إن الآلية التي اتخذت لإصدار "قانون إدارة الدولة" من قبل الأمريكان والقوى الموجودة في مجلس الحكم، آلية عتيقة تخدم الأطراف الموجودة في هذا المجلس السيئة الصيت. عتيقة بمعنى أنها استخدمت في العراق أكثر من مرة من قبل حكم البعثيين، الحكم الذي جاء مجلس الحكم على أنقاضه بالصواريخ الأمريكية، الحكم الذي انتقده هذا المجلس والقوى الموجودة فيه بأنه" ديكتاتور" و " طائفي" بأنه " مجرم"و... هذه الأوصاف كلها صحيحة طبعاً ولكن تطبق على مجلس الحكم والقوى الموجودة فيه أيضاَ. صدر ونفذ دستوران في حكم البعثيين الأول كان في سنة 1968 والمعروف ب"دستور21 أيلول 1968 المؤقت" والثاني المعروف ب" دستور 16تموز 1970 المؤقت"في كلتا الحالتين لم يسأل عن رأي أي أحد، ولم تعلم الجماهير بهما إلا حين صدروهما في الجرائد العراقية الموجودة حينذاك، وطبعاً لم يجري أي استفتاء جماهيري للتصويت عليهما من قبل الجماهير، ولم تجري المناقشة عليهما من قبل أي هيئة جماهيرية أو أية منظمة جماهيرية(حتى ولو لرتوشات إعلامية). هذه الآلية طبقت حرفياً من قبل القوى الموجودة في مجلس الحكم المنصب من قبل الأمريكان، لذا بإمكاننا أن نقول إن مجلس الحكم استفاد من الخبرات الرجعية للحكومة القومية البعثية، استفاد من خبرات صدام حسين وأعوانه في كيفية إبعاد الجماهير عن الإقرار على مصيرها السياسي و لإبعادها عن رسم مستقبلها السياسي، ولقمعها بوسائل شتى. هذه الآلية التي أتبعت من قبل مجلس الحكم للإقرار على هذا الدستور، هي الآلية نفسها، حيث أبعدت الجماهير بشكل مطلق ليس عن حقها في التصويت أو الإقرار على هذا الدستور فقط بل حتى من معرفة مجريات اتخاذه و تفاصيل الخلافات الموجودة بين الأطراف الموقعة عليه. إن إبعاد الجماهير و الإقرار على دستور أو قانون ما بعيدا عن أنظارها و إرادتها الحرة، هي تقليد صدامي بغيض، لا أعتقد إن الجماهير في العراق تغفر للذين يتبعون هذا التقليد بعد قبر النظام البعثي. هذا هو تقليد القوى الموجودة في مجلس الحكم، وفي الوقت نفسه ينسجم مع المصلحة الأمريكية، حيث الحكومة الأمريكية لا تقتضي غير مصالحها الإستراتيجية، وبما تضمن لها حكومة مطيعة لتسيير أهدافها السياسة والاقتصادية في العراق والشرق الأوسط عموماً، التي تتلخص في عراق تعددي و برلماني، ذو الاقتصاد الحر، ذلك لتضمين امتصاص أكثر ما يمكن من الربح لشركاتها العملاقة، وبما تضمن أمن استثماراتها المليارية و استتباب الأمن و سلب حقوق العمال والموظفين من خلال الدستور والقوانين التي تشرعها حكومتها المطيعة، بصريح العبارة إن سياسة الحكومة الأمريكية تحتاج إلى "قبضة صدامية بدون صدام" هذا ما قاله غراهام فولر في كتابة عن العراق، وصدق في هذا الأمر. أما بخصوص رتوشات أمريكا الإعلامية لعراق جديد وحر وديمقراطي و يحترم فيه حقوق الإنسان...هكذا دواليك، كلها لتجميل وجهها الوقح والمدمر على غرار أفلام هوليود، لتدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية، وسلب حقوق الآخرين وهذا هو تأريخ هذا البلد منذ استقلاله في نهاية القرن الثامن عشر. هذه الآلية التي قبلت بها الإدارة الحكومة الأمريكية في العراق لسن الدستور الذي يمس صميم المجتمع العراقي، لو نفذتها في الولايات المتحدة، لهبت الجماهير لإسقاط حكومة بوش ومن لف لفها. ولكن هذه النظرة الدونية التي تنبع من " الغرب-المحور" و أنا والآخرين حيث الأنا الأمريكي هو الراقي والتقدمي و ذو الكفاءة العلمية والسياسية والثقافية العالية، والآخرين أي المواطنين في العراق، هم الوحوش ولم يصلوا بعد إلى الحد الذي بإمكانهم أن يقروا على مصيرهم السياسي، و هي عابرة المحيطات من أجل دفع العراقيين و تعليمهم لاختيار حكومتهم و سن دستورهم... هذه هي نظرة الحكومة اليمينية في أمريكا للجماهير في العراق.
مقارنة موجزة للدساتير الصدامية مع قانون إدارة الدولة
في حقبة حكم البعثيين، سنت ثلاثة دساتير مختلفة من حيث الشكل والبنود و متطابقة من حيث المحتوى والمضمون، عملت باثنين منها و الثالثة لم يعمل به وطرح في الجرائد الرسمية حينذاك لغرض المناقشة والبت فيه. هناك دستور لسنة 1968 المعروف بدستور 21أيلول 1968المؤقت( أخذت تعديلاته مع الجزء الأصلي) ودستور لسنة 1970 المعروف بدستور16تموز1970(أخذت تعديلاته مع الجزء الأصلي ) وأخيراً مشروع دستور العراق تموز 1990 الذي لم يطبق قط.
إن محتوى الدستور الذي نحن بصدد بحثه، مشابه إلى حد بعيد مع الدساتير الصدامية أنفة الذكر، الدستور الذي هتف وهلهل من أجله مجلس الحكم والأمريكان معاً، لكونه وحسب نظرتهما هو أرقى دستور عرفته هذه المنطقة، وبذلك يذّرون الرماد في عيون الجماهير في العراق والمنطقة، بحملة هوليودية كبيرة لقبوله أو بالأحرى لفرضه على المواطنين بوسائل شتى و منها التضليل و التحايل على الحقائق. هناك في الدستورين الصداميين لسنتي 1968 و1970مضمون قومي و طائفي واضح وطاغي فيهما، حيث شكلت "الأمة العربية والقومية العربية "ألمصطلحان الذان تأثر بهما الدستوران وأقحمت في بنودهما وفقراتهما حسب عقيدة البعث القوموية العربية المتعصبة. نرى في المادة ( الأولى –الباب الأول- في دستور 1968 ما يلي " الجمهورية العراقية دولة ديمقراطية شعبية تستمد أصول ديمقراطيتها وشعبيتها من التراث العربي وروح الإسلام. الشعب العراقي جزء من الأمة العربية، هدفه الوحدة العربية الشاملة وتلتزم الحكومة بالعمل على تحقيقها.") وفي ( المادة الرابعة نقرأ " الإسلام دين الدولة والقاعدة الأساسية لدستورها واللغة العربية لغتها الرسمية) أما في ( المادة الحادية والعشرون نقرأ " العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين ويتعاونون في الحفاظ على كيان الوطن بما فيهم العرب والأكراد ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية) وفي ما يتعلق بدستور 1970 نقرا في ( المادة الرابعة" الإسلام دين الدولة") وفي ( المادة الخامسة"أ- العراق جزء من الأمة العربية. ب- يتكون الشعب العراقي من قوميتين رئيسيتين، هما القومية العربية والقومية الكردية ويقر هذا الدستور حقوق الشعب الكردي القومية والحقوق المشروعة للأقليات كافة ضمن الوحدة العراقية.") وفي ( المادة الثامنة "ب- تقسم الجمهورية العراقية إلى وحدات إدارية وتنظم على أساس الإدارة اللامركزية. ج- تتمتع المنطقة التي غالبية سكانها من الأكراد بالحكم الذاتي وفقا لما يحدده القانون."). هذه هي روح ومضمون الدستوران الصداميان، اللذان يتمتعان بخصوصية تلك الفترة من حيث توازن القوى في الساحة السياسية العراقية والعالمية أيضاً. حيث كتبت بروح القومية العربية، وتقسيم المواطنين العراقيين على أساس الهوية القومية واللغة التي ينطقون بها. حيث فرض على العراقيين أن تكون لهم هوية قومية بغض النظر عن قبول هذا الأمر، وقسم المواطنين على أساس الأقليات و الأكثرية القومية وبهذا الدستور شرعت حكومة البعث في تعميق الجراح وتعميق الهوة في التضامن الإنساني في مابين المواطنين العراقيين، وحلت محل التضامن الإنساني و النضال المشترك الذي أشتهر به العراقيون أبان الثلاثينيات والأربعينيات ولغاية الهبة الجماهيرية في 1958، التفرقة القومية والصراع القومي والاقتتال الداخلي، وحلت محل حق المواطنة المتساوية للجميع، التفرقة وزرع بذور الكراهية القومية العمياء. و كرست الدساتير الصدامية الطائفية بسن الدين الإسلامي كدين رسمي للدولة و قاعدة أساسية لتشريع القوانين، وبهذا شرعت الحكومة البعثية بالتمييز على أساس الطائفة الدينية بين المواطنين العراقيين، حيث هناك الآشوريين و الصابئة و اليزيدية، هذا ناهيك عن ممارسات البعث في تعميق الهوة بين المذاهب الشيعية والسنية في ممارساتها السياسية والإدارية. هذا هو جوهر ومضمون الدستورين السابقين أبان العهد الصدامي البغيض.
لنمعن نظرنا قليلا لمقارنة محتوى الدستوريين السابقين و محتوى الدستور المؤقت الحالي الذي أصدره مجلس الحكم بالآلية نفسها، كما شرحنا ذلك في الفقرة السابقة. نقرأ في ( المادة السابعة في قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ما يلي "أ- الإسلام دين الدولة الرسمي ويعد مصدرا للتشريع و لا يجوز سن قانون خلال المرحلة الانتقالية يتعارض مع ثوابت الإسلام المجمع عليها ولا مع مبادئ الديمقراطية والحقوق الواردة في الباب الثاني من هذا القانون ويحترم هذا القانون الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية. ب- العراق متعدد القوميات والشعب العربي فيه جزء لا يتجزأ من الأمة العربية.) إذن كعادة مجلس الحكم يخطو خطوات البعث ولكن بقيادات ووجوه مختلفة، حيث كرس الطائفية والقومية في دستوره وقسم المواطنين العراقيين على أساس ألهويات القومية والدينية بأوقح أإشكالها حيث أقحمت وبصورة واضحة الأقليات القومية في بنوده وفقراته. هذا الدستور أي قانون إدارة الدولة العراقية، هو تكريس لترويكا الطائفية والقومية، و انبثق من خلال عملية توزيع الحصص بين الأطراف الموجودة بما يؤمن المصالح الأمريكية الآنية والمستقبلية، ولتهيئة أرضية مناسبة لإدارة الأزمة الموجودة في الحكم. قسّمَ هذا القانون المواطنين في العراق على أساس القومية بشكلها المفضوح، وعمق من التفرقة القومية إلى ابعد مدى ممكن ضمن الدولة العراقية في إطارها الجغرافي الحالي. حيث هيئت الأرضية لقطع العراق إلى أوصال عديدة، مثلا في المادة السابعة أنفة الذكر نرى "فقرة ب- العراق متعدد القوميات والشعب العربي فيه جزء لا يتجزأ من الأمة العربية" هذه المادة التي أقحمت( شّرعت بلغة القانون) بعد جر الحبال من قبل القوى الموجودة في مجلس الحكم، توفر أرضية مناسبة جداً لإثارة النعرات والصراعات و الإنزلاقات القومية الكارثية، وعززت البنية لاضمحلال الدولة العراقية وتعريف المواطنين على أساس مواطنتهم بالدولة، حتى من وجهة النظر البرجوزاية الصرف، حيث لم تكن هناك وعلى الصعيد العالمي دولة ما أن تعرف جزء من مواطنيها، كجزء من إدامة "لشعبها!!" في بلدان أخرى. لدينا مثلا الدولة السويسرية الاتحادية وفيها الناطقون بالفرنسية و الإيطالية والألمانية والرومانية، ولكن في دستور هذا البلد لم يشرع إن الناطقين باللغة ألمانية هم جزء من الأمة الألمانية أو الفرنسية جزء من الأمة الفرنسية، حيث الأمم تشكل على أساس الدولة وليس العكس. هذه المادة متناقضة مع المادة الرابعة في الدستور نفسه حيث نقرا في المادة الرابعة " النظام في العراق جمهوري اتحادي(فيدرالي) ديمقراطي، تعددي، ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية. ويقوم النظام الاتحادي على أساس الحقائق الجغرافية والتاريخية والفصل بين السلطات وليس على أساس الأصل أو العرق أو الاثنية أو القومية أو المذهب". إذا كان عراق دولة اتحادية موحدة إذن كيف بامكان المشرع أن يفصل جزء من الشعب " الناطق باللغة العربية" من العراق و يربطه بامتدادها في البلدان الأخرى، كما جاءت في المادة السابعة فقرة"ب"، هذا ناهيك عن التلفيق والخداع في المادة الرابعة، حيث كتبت المادة بلغة التوافق بين الأطراف المعنية في مجلس الحكم، لأن الفيدرالية في العراق لم ولن تكون لها أساس أخر غير القومية إذن الاتحاد في العراق مبني على أساس القوميات و من الممكن أن تتفرع إلى عدة فروع أخرى مثلا إلى الاتحاد بين القوميات و المذاهب المختلفة، وهذه هي كلها ضد المادة الثانية عشرة، التي شرعت للتضليل أيضاَ ونقرا في هذه المادة " العراقيون كافة متساوون في حقوقهم بصرف النظر عن الجنس أو الرأي أو المعتقد أو القومية أو الدين أو المذهب أو الأصل. وهم سواء أمام القانون. ويمنع التمييز ضد المواطن العراقي على أساس جنسه أو قوميته أو ديانته أو أصله. ..." إذا كانت فعلا هذه المادة صحيحة وفعلا المواطنون متساوون أمام القانون، وفعلا يمنع التمييز على اساس الجنس والقومية والديانة؟! إذن ما هو المقصود بالدين الرسمي للدولة؟! حتما هناك ديانات أخرى غير رسمية للدولة، وكل من لا يريد أن يعمي نفسه يعرف الهوة الواسعة بين ما هو رسمي للدولة وغير رسمي للدولة. إذا العراقيون متساوون أمام القانون، ولا تمييز على أساس القومية؟! لماذا هذا التأكيد والتركيز على الهويات القومية للمواطنين؟ لماذا قسم المشرع في الدستور المواطنين على أساس اللغات الموجودة لماذا هناك ذكر للقوميات المختلفة المتعايشة في العراق؟! لماذا هناك فيدرالي قومي صرف للأحزاب الكردية في كردستان العراق؟!( هناك تضليل واضح وتناقض واضح في المادة الرابعة، حيث شرع المشرع لتضليل الرأي العام و لإخفاء التوافقات السياسية بين الأطراف ب "...يقوم النظام الاتحادي على أساس الحقائق الجغرافية والتـاريخية..") هذا تلفيق واضح وغير موضوعي، لأن الاتحاد أو الفدرالية تنبثق من اتحاد مجموعة من الدويلات أو الكومونات ذات الصلاحيات المتساوية للانضمام إلى الدولة الاتحادية أو عدم ألانضمام إليها، بعكسه ليس هناك ظاهرة أو دولة ما تسمى بالفيدرالية! وهذا واضح لكل من يعرف ألف باء السياسة. و من ناحية أخرى هناك أوجه تشابه كثيرة بين دستور مجلس الحكم و الدساتير الصدامية السابقة حتى من حيث الحقوق الأساسية ( حقوق المواطنين) و التعددية الحزبية حيث نقرا في مشروع دستور العراق 1990 الذي طرحته حكومة صدام ونشرته في الجرائد الرسمية ما يلي" المادة السادسة والخمسون: تأسيس الأحزاب السياسية وحرية الانضمام إليها مكفولان للمواطنين وينظمها القانون بما لا يتعارض وأحكام الدستور والنظام العام والوحدة الوطنية" أو بعض الحقوق الأخرى في حقل حريات الصحافة والنشر والتعبير عن الرأي... و لكن في المادة الثامنة والخمسون نقرأ ما يلي " يحظر تأسيس الأحزاب السياسية والجمعيات والنوادي التي تقوم على أساس زج الدين في السياسة أو الإلحاد، أو الطائفية أو العنصرية أو الإقليمية أو الشعوبية أو التي ترمي إلى عزل العراق عن انتمائه القومي الطبيعي إلى الأمة العربية أو التي لا تعتمد الديمقراطية في عقيدتها أو نهجها أو ممارساتها أو سلوكها ويجب على الأحزاب والجمعيات والنوادي أن تتبع مسلك العقلانية وعدم استخدام القوة والعنف في ممارساتها." إن هذه المادة ضربت بعرض الحائط المادة السادسة والخمسون أنفة الذكر. بمعنى أخر ليس بامكان أية جماعة أو أي عدد من المواطنين أن يشكلوا حزبا سياسيا، غير الذين ينتهجون سياسة البعث و عقيدته القومية الفاشية. وفي دستور مجلس الحكم أتبع المشرع هذه السياسة البراغماتية بنفس التقليد والصورة حيث نقرا في المادة الثالثة"... كما لا يجوز أجراء أي تعديل عليه من شأنه أن ينتقص بأي شكل من الأشكال حقوق الشعب العراقي المذكورة في الباب الثاني.... أو من شانه أن يؤثر على الإسلام أو غيره من الأديان والطوائف وشعائرها" وفي المادة السابعة نقرا " لا يجوز سن قانون خلال المرحلة الانتقالية يتعارض مع ثوابت الإسلام المجمع عليها ولا مع مبادئ الديمقراطية والحقوق الواردة في الباب الثاني..." و طبعاً سنرى ملحق مجلس الحكم بإشكال و اعجوبات أخرى و التي تنسجم و المصالحة الوطنية( المصالحة الوطنية، هي مصطلح نسمعه كثيرا وخصوصا بعد سقوط حكومة البعث، وهي مصطلح تضليلي لأيدل على أي شئ، ربما يدل على اتفاق الثالوث الطائفي القومي الموجود في مجلس الحكم وإعادة أركان النظام السابق وخصوصا من العسكريين إلى السلطة بذرائع واهية وحقيرة، وذر الرماد في عيون الجماهير بواسطة هذه الأسطورة الوطنية، التي ليست لها معنى واقعي إطلاقا). نكتفي بهذا القدر من المقارنة في هذه الفقرة.
دستور لتكريس القومية- الطائفية
هذا الدستور الذي نحن بصدده، ويتباهى به مجلس الحكم والأمريكان ومن لف لفهما، تشريع لثالوث طائفي-قومي في العراق. هذا الدستور يبين بجلاء، إن مجلس الحكم والقوى الموجودة فيه و معهم الحكومة الأمريكية، ليس مشكلتهم الجماهير العراقية وتطلعاتها ومطالبها و إرادتها وطموحاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحقوقها السياسية، بل تغيير وجوه الحكم العراقي والحكومة الموجودة أي تغير الدكتاتورية الموجودة ب"الدكتاتورية التعددية" و البقاء على النهج والسياسات السابقة للنظام المقبور، والذي عانت الجماهير منه وستعاني منه الآن. حيث تقسيم العراقيين على أساس العرق والاقوام والطوائف، هو سمة بارزة في سياسة حكومة البعث وممارساتها الإدارية والقانونية و كرست دستورها لصالحها، ذلك لزرع بذور التفرقة بين المواطنين على أساس القومية والطائفة أو حتى القبيلة، لكي يتسنى لها تمرير سياساتها و ممارساتها البشعة الهولوكوستية ضد الجماهير في العراق، سوا كان في كردستان أو في الجنوب أو الوسط، الأمر سيان بالنسبة لها و هو إستمرارها في السلطة، و وضع آليات متينة لتوخي خطر التضامن والإتحاد بين الفئات المختلفة من العراقيين، خوفا من حركتها النضالية. واليوم الحكومة الأمريكية وعلى مسلك مونرو"الرئيس الخامس للويالات المتحدة الأمريكية" تقوم بحلحلة الشأن العراقي على أساس " النفعية المقيتة" هدفها نصب حكومة مطيعة تتجاوب مع السياسة الأمريكية و إدارة الاقتصاد الحر، مع ضمان استمرار بقاء الحكومة المطيعة في الحكم وذلك لتجني أرباح طائلة من العمال العراقيين و كسر شوكة الحركات والإعتراضيات العمالية والجماهيرية بما تؤمن للأمريكان سيولة الأرباح بشكل متواصل، على غرار البلدان في أمريكا اللاتينية، التي عانت الجماهير فيها من الويلات والكوارث والبؤس والفقر و سلب الحقوق والقتل العشوائي و الاغتيالات السرية و تدمير البنية التحتية فيها إلى أقصى مدياتها من قبل الحكومات المطيعة، ولصالح الشركات الأمريكية الكبرى، هذه هي هدف السياسة الأمريكية في العراق. إذن ليس مهماً للأمريكان ما هي تركيبة ونوع الحكومة المستقبلية في العراق، كيف تنتخب هذه الحكومة، وما هي حقوق المواطنين فيها بقدر انتظارها للوصول إلى أهدافها بالجملة. تتطلب السياسة الأمريكية هذه إبعاد المنافسين العالميين من العراق والمنطقة، على غرار إبعاد الإسبانين والفرنسيين والبريطانيين في أمريكا الوسطى. و الحال كهذا إن الدستور الذي أقرت عليه الأطراف المنزوية تحت الراية الأمريكية، ليس مهماً ما هو محتواه و من هم الذين يقبعون على دفة الحكم حسب التصور الأمريكي لحكم العراق في المستقبل.
قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، تكريس للتفرقة القومية:
ربما يسأل السائل ما هو عيب القومية و الدستور القومي في العراق؟ لأن أكراد العراق عانوا من الظلم الدكتاتوري" لأن التركمان عانوا من الظلم الصدامي؟! أو لأن الأحزاب الكردية لن يقبلوا بأقل من ذلك؟! أو لان الكلدوآشوريين لم يذكروا اسمهم في الدستور الصدامي أو لم يحسب لهم أي حساب في الفترة الصدامية؟! في البداية و برأيي علينا أن نمّيز بين الجماهير ومصالحها و بين الأحزاب القومية التي طالما تدعي مراعات مصالح تلك الفئة من الجماهير في العراق وبين الكتلة المليونية لجماهير العراق التي ليست لها مصلحة في التقسيمات القومية والطائفية، لا بل يتناقض مع مصالحها و أمنياتها إذن هذا التقليد أي تمثيل دور "الوكيل" لفئات مختلفة من جماهير العراق، هو تقليد مشترك لكافة الأحزاب القومية. وهذا بحد ذاته دليل على بعد هذه الأحزاب عن نضال الجماهير و تطلعاتها صوب تحقيق أهدافهم الإنسانية، وفي الممارسة العملية يعني إبعاد الجماهير عنوة أو قسوة عن أداء دورها الريادي في رسم مصيرها السياسي. الأحزاب القومية الكردية يمثلون أنفسهم على أساس إنهم وكيل للجماهير "الناطقة باللغة الكردية" و الجماعات القومية العربية يمثلون أنفسهم على أساس إنهم يمثلون "الجماهير الناطقة باللغة العربية" و على نفس المنوال تدعي الأحزاب التركمانية إنهم يمثلون " الناطقون باللغة التركمانية" و دواليك. ولكن إذا نظرنا إلى تأريخ هذه الأحزاب والحركات القابعة في مجلس الحكم، نرى بوضوح ما هو دورهم و سياساتهم وممارساتهم ضد الجماهير التي يدعون إنهم يحافظون على مكتسباتها و تطلعاتها، نرى ذلك في التجربة الكردستانية وحكومة الأحزاب القومية في كردستان، نرى ذلك في فترة أكثر من عشرة سنوات والحزبان الكرديان لم يتورعوا في سلب الحريات السياسية والمدنية بل في سلب البنية التحتية لمجتمع في كردستان عبر عملية منظمة لإرسال وتسويق المعدات والمكائن والمعامل والثروات في كردستان إلى البلدان المجاورة و خصوصا إلى إيران وتركيا. قانون إدارة الدولة أو "الدستور المؤقت" الذي ليس له سابقة في المنطقة حسب تصور سلطة الائتلاف المؤقتة ، هو قانون لتكريس التفرقة القومية و لتهيئة الأرضية المناسبة لانفلات الوضع نحو انزلاق أمني كامل حسب المصالح السياسية لأمريكا و ذلك بعد خيبة أملها في تحقيق مصالحها السياسية بالسرعة المتوقعة لها، والحال كهذا عليها أن تبذر البذور للصراع و بناء بؤرة أخرى من بؤر الإنفجارات والأزمات لكي يتسنى لها أن تبقي على قواتها في العراق وتحت مسميات عدة لإدارة أزمتها التي خلقتها بنفسها في تثبيت نظامها العالمي الجديد و لحسم صراعها مع الكبار الآخرين على الصعيد العالمي، وخصوصا بعد خيبة أملها في تحقيق سياساتها ومآربها بالسرعة المتوقعة لها و أيضا للملمة أهدافها المرجوة في العراق وهي معلومة و واضحة لتشكيل حكومة مطيعة لها، كي يتسنى لها تسير سياساتها بالنيابة وتحت اسم "الحكومة العراقية المنتخبة أو غير المنتخبة". عانى المجتمع العراقي من التقسيمات الطائفية والقومية منذ الجمهورية الأولى مباشرة أي بعد سقوط النظام الملكي و إقحام القوم والقومية في دستور البلاد، وأصبحت هذه المصطلحات جزءاً لا يتجزأ من الممارسات القانونية والإدارية والسياسية للحكومات المتعاقبة منذ ذلك الحين، و وصلت هذه الممارسات الوحشية أقصى درجاتها من القسوة والبطش في حكم البعث. من يؤمن بالتقسيم القومي، أو من يؤمن بتقسيم الحصص في السلطة على أساس الهوية القومية، يؤمن بتشتيت الجماهير في العراق على أساس هذه الهوية. وتحت هذا الاسم أي القومية العربية والعراق جزء من الأمة العربية أو... مارست الحكومات المتعاقبة في العراق اشد أنواع التنكيل والقتل و الدمار وسلب الحريات و قمع الحركات الجماهيرية والعمالية في العراق قاطبة، هذه السياسة حدا بحكومة البعث أن تقتل عشرات الآلاف من المواطنين العراقيين الناطقين باللغة الكردية" في عملية الأنفال السيئة الصيت، و قادت سياسة التعريب في مناطق عدة في العراق في سبيل تعميق الجراح والهوة بين المواطنين على أساس الهوية القومية، وأشعلت فتيل الاقتتال بين المواطنين على أساس هذه الهوية الكاذبة التي ليس فيها مصلحة لأحد غير حكومة البعث وذلك لقطع الصلة التاريخية والتضامن الإنساني الذي برز بين المواطنين في العراق في حقبة العشرينيات والثلاثينيات...و الخمسينيات وخصوصاً التضامن الطبقي بين صفوف والفئات المختلفة من الطبقة العاملة، ودون أي حساب للمسائل القومية و القوموية العمياء. ومن ثم استفادت من هذه التفرقة، الأحزاب القومية الكردية التي استغلت " الظلم القومي" لصالح مأربهم السياسية ووصول أحزابهم إلى السلطة والمشاركة فيها وتقيسم الحصص بين البرجوازية الكردية والعربية.
بعد قبر حكومة البعث، وقبر وجوهها الأصلية، لم تسقط سياساتها و ممارساتها القومية، لم تقبر قوانينها ودستورها، نرى ذلك في " الدستور المؤقت" الذي نحن بصدد بحثه. حيث انفلتت الأجواء إلى أخطر ما يمكن أن تكون، حيث هناك اصطدامات قومية و طائفية تفشت في المجتمع العراقي. هناك صراع قومي خطير تنذر بالكارثة جراء سياسات الحكومة الأمريكية، خصوصا في مدينة كركوك وضواحيها وعلىالصعيد العراقي، حيث رأينا الاعتراضات بالجملة ضد " قانون إدارة الدولة" من قبل الإسلام السياسي و الحركات القومية العربية... وفئات واسعة من المجتمع العراقي، هذه الميزة في هذا الدستور جعلت منه دستورا غير قابل للتطبيق على أمد بعيد في الإطار الجغرافي الحالي للعراق ، لأنه ببساطه ضم في طياته عناصر التشتت و التفرقة، دستور لن يتسنى لأية قوى أو حكومةأن تدير دفة الأمور في البلد وتوفر الأمن والاستقرارعلى أساسه. نلاحظ في هذا الدستور " الشعب العربي في العراق جزء من الأمة العربية" كيف يمكن ذلك، كيف يمكن ذلك حتى من الناحية النظرية البحتة، كيف يمكن لثلاثة محافظات من العراق إن تضرب بعرض الحائط رأي الاكثرية المطلقة لجماهير العراق؟! إما أن تكون هناك " أمة عراقية" بمعنى المواطنة المتساوية للجميع كما نراها في سويسرا وفي الدستور السويسري حيث هناك امة سويسرية واللغات الرسمية فيها هي ألمانية و فرنسية وإيطالية و رومانية و في العراق على الجميع الذين لديهم رغبة في إبعاد إشعال الفتن الطائفية والقومية أن يدرسوا هذا الوضع بدقة والإقرار على عراق جديد على أساس حق المواطنة المتساوية للجميع، واللغات الرسمية فيه العربية والكردية والتركمانية و الآشورية... أو نرى " عراقا متجزءأ" وحسب هذا الدستور هيئت الأرضية لهذا التشتت والتشرذم بين المواطنين على أساس الهوية القومية. كوني شيوعياً عمالياً ليس لي دستور دائم ولكن لي الحقوق العالمية والشاملة للإنسان، الذي يمثل حقوقأً عالمية للإنسان مقابل حقوق الإنسان السائدة في الأمم المتحدة ويمثل في الوقت نفسه حدوداً حمراًء لا يمكن تخطيها من قبل أية حكومة( أنظر الملحق الثاني).
هذا الدستور بإقراره على صيغة الفيدرالية القومية و إقراره على " العراق متعدد القوميات والشعب العربي فيه جزء لا يتجزأ من الأمة العربية" عمل على إثارة أقبح أنواع الفتن والصراعات القومية الدموية، ويفتح شهية كل من يريد تفجير الصراعات و دفع الأوضاع السياسية والاجتماعية نحو الخراب والاقتتال الداخلي، وهذا باعتقادي يمثل المحور الأصلي لهذا الدستور المؤقت، هذا الدستور هو دستور لتعميق السيناريو الأسود. ذكرنا أنفا إن حكومة البعث عمقت من التفرقة القومية إلى أقصى مدياتها، و قسمت الجماهير في العراق على أساس قوميتين العربية والكردية، و عرف العراق ككل جزء من الأمة العربية، أي سلب حق أكثر من 5 ملاين من المواطنين العراقيين من حق المواطنة المتساوية, أدت هذه السياسة الشوفينية إلى الويلات والدمار وعانت الجماهير من وراءها الحروب و السجون والأنفال والتعذيب والبطش. بعد هذه التجربة الصّدامية المريرة وبعد 35 سنة من سطوتها وقمعها، جاء هذا الدستور " قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية" وبحجة الديمقراطية و قوتها الغيبية! لتكرر التجربة نفسها وبأوقح أشكالها، هذه المرة يكرس التفرقة القومية تحت ما يسمى بحقوق الأقليات والقوميات و يقر بفدرالية كردستان ولو بصيغة مبهمة. ولكن الفيدرالية لكردستان هي فيدرالية قومية لا غير، لأن لكل فيدراليات العالم بنيتها الأساسية لتشكيل الحكومة الفيدرالية، مثل سويسرا أو ألمانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، وخصائص تلك الفيدراليات الغربية، هي تعايش الولايات المختلفة ضمن الدولة الفيدرالية في سبيل تقوية البنية الاقتصادية لكل الولايات و العيش مع بعض في سبيل تشكيل سوق اقتصادي أكبر و فرصة أكبر لمواطني كل ولاية من الولايات، لإنماء قدراتهم على كافة الاصعدة، ومن الناحية السياسية و الحقوقية، كانت أساسها حق المواطنة المتساوية للجميع وصهر القوميات المختلفة الموجودة على هذا الأساس في " وطن واحد" وجئت بنموذج الدستور السويسري أعلاه. في حين نرى في الدستور العراقي المؤقت الجديد،أنه يكرس ويعزز من مكانة القوميات المختلفة، بحيث تبذر بذور التفرقة القومية على أساس توزيع الميداليات القومية على صدورالناطقين باللغات المختلفة، وحسب موقع ومكانة الأحزاب القومية في الوضع الراهن. الفيدرالية ليست لها أية صلة بمصالح الجماهير في كردستان العراق، فهي سياسة تتبناها الأحزاب القومية الكردية في سبيل تكبير أو زيادة حصتهم في السلطة السياسية القادمة اوالسلطة التي تأخذ مكان البعث. هي سياسة تهدف إلى حصة أكبر من ناتج اضطهاد العمال الكرد، هي محاولة من طرف هذه الأحزاب في سبيل تقسيم الثروة الإنسانية و تعريفه حسب القوم والقومية أو اللغة التي ينطق بها، يجرد الإنسان ليس من أصله الإنساني، ومن أصله الاجتماعي والطبقي، ويلبسه لباسا مغايراً مع نفسه ومع طبيعته كانسان له طموحاته و أهدافه الإنسانية النبيلة فحسب بل يجعل منه عدواً شرساً لباقي بني جلدته من "القوميات" الأخرى، لكونها أي الفيدرالية القومية،بالاضافة الى كونها لا تعالج الاضطهاد والظلم القوميين فانها تصب الزيت على النار، وتعمق من التفرقة القومية و تضلل الطريق أمام التضامن والإتحاد الإنساني والنضالي والطبقي بين المواطنين،وتعمل كحجر عثرة وعائق رجعي أمام مسيرة الإنسانية و رسالتها التي تتلخص في إعادة اعتبار الإنسانية للإنسان، و يبعد الإنسان و مسيرته في سبيل تحقيق مطالبه وأمنياته بحجة ملبس القومية الكردية اوالعربية اوالتركمانيةاو...و شق صفوف الجماهير والطبقة العاملة بوسائل عدة و بحجج مختلفة، وهو هدف برجوزاي بحت، القومية والتفرقة على أساس القوميات والتمييز على اساس اللغة هي وسيلة من الوسائل التي تحاول البرجوازية أن تسير بها سياساتها في سبيل تحقيق أهدافها. إن برجوازية القوميات المختلفة وعلى رغم تضارب مصالحهم حول حصصهم على الثروة العالمية، متفقون حول خلق و إثارة القلاقل والبلبلة وشق صفوف الطبقة العاملة والجماهير المتحررة، في سبيل الحفاظ على النظام الرأسمالي، و اضطهاد الطبقة العاملة. الفيدرالية القومية تقدم هذه الهدية للبرجوازية العراقية ككل، ناهيك عن تحقيق مصالح البرجوازية الكردية في هذه المرحلة التي يمر بها الشأن العراقي.
من يرغب في رفع الظلم أو بالأحرى في عدم تكرار التجارب السابقة وفرض الظلم القومي على الجماهير في كردستان عليه أن يقر بحق جماهير كردستان في الإقرار على البقاء مع العراق أو تشكيل دولة مستقلة لها في استفتاء حر. ليس هناك سياسة أو ممارسة إنسانية أخرى لإنهاء تلك الحالة القلقة التي تعيشها الجماهير في كردستان ، نظراً للحالة السوداوية التي سادت على العراق بعد الاحتلال وخصوصاً منذ ثلاثة اشهر التي سبقت هذا البحث. أما بخصوص الفقرة أو المادة التي تقر ب" أن الشعب العربي فيه جزء لا يتجزء من الأمة العربية" فهي تصب الزيت العربية على النار العراقية، هي جزء من " الأمة العربية" حسب هذا الدستور أي يعني من الممكن تجريد الناطقين باللغة العربية من "عراقيتهم" لأن "الشعوب" في التحليل الأخير يتحدون حسب المفهوم القومي لتشكيل الدولة. إذن على المشرع أن يكتب إن العراق هو جزء من الأمة العربية، مثل الحقبة البعثية، فيصبح الدستور دستورا بعثيا أو تكرار له بالمعنى الدقيق للكلمة. لأن من الناحية الموضوعية لتشكيل الدولة ليس هناك قوم أو أقوام في داخلها ويتم تعريفها خارج الدولة المعنية، ويعرف بواسطة امتدادها أو وجودها الجغرافي، لأن الدولة هي التي تشكل أمة وليس بالعكس، وهناك عشرات من التجارب التاريخية حول هذه القضية. إذا هناك دولة أسمها العراق، إذا هناك من يرغب في وجود دولة " عراقية موحدة" حتى حسب المفهوم البرجوازي البحت، عليه أن يقر بوجود " الأمة العراقية" أي بوجود حق المواطنة المتساوية لكي تبقى هذه " الوحدة" التي تدعوا كل الأطراف اليمينية إلى وجودها ويقسمون قسماً بعدم المساس بها نظرا " لقدسيتها" من قبلهم!!. والحال كهذا فكيف بنا إذا عرفنا " الشعب الكردي" أيضا كجزءاَ من امتدادها القومي في إيران وتركيا ؟! سيصبح الدستور مجرد هراء، ولكن إذا نظرنا وامعنا في فقرات الدستور هذا فبامكاننا أن نقول ذلك أيضا، وهذه المسألة لها جذورها إذا رجعنا للتأريخ أو حتى إلى القرارات الدولية.
هذه من ناحية و من الناحية الأخرى تشكل هذه القضية وهذا التعريف للأكثرية الساحقة من المواطنين في العراق أي الناطقين باللغة العربية اندفاعا وإحساسا عميقين نحو امتدادهم القومي أو الجغرافي بدل وجودهم الموضوعي في كيانهم السياسي العراقي، وهذا الإحساس والدافع تشكل عائقاً جدياً نحو التضامن والتكاتف و التعاضد والتضامن بين المواطنين في دولة واحدة و هي العراق. وفي الوقت نفسه تعمق من الهوة بين " القوميات" المختلفة الموجودة داخل المجتمع العراقي، بحيث ترفرف الدافع القومي و الكراهية القومية فوق رؤوس العراقيين، وهذه هي القضية أو المصيبة التي تستند عليها الأطراف القومية لتأجيج الصراعات القومية، مع اختلال في توازن القوى أو مع تضارب في المصالح، كما شاهدنا ذلك في حقب سابقة. باعتقادي إن وجود هذين المادتين أو الفقرتين في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، يجعل منه دستورا رجعيا و منافيا لأصل أصالة الإنسان من ناحية ومن ناحية أخرى يجعل منه غير قابل للتحقيق العملي.
و تكريس للتفرقة الطائفية:
الطائفية لها جذورها التاريخية في الدين الاسلإمي، حيث هو منشق من داخله بين الطائفة السنية والشيعية. في العراق يمكن إرجاع دغدغة الطائفية وتأجيجها إلى الحقبة العثمانية، أي قبل وجود الدولة العراقية في بداية العشرينيات. الدستور الذي نحن بصدد بحثه كرس التفرقة بين الأديان وذلك بإقراره على كون الدين الإسلامي دين رسمي للدولة، هذا بحد ذاته يمثل مساس بالحريات الدينية، أي اختيار دين معين حسب اعتقاد الفرد، لأن الدين الرسمي أو دين الدولة سيكون له نصيب أكبر على كافة الاصعدة وخصوصا من حيث التمويل والتوظيف والمؤسسات العريضة والطويلة والإعلام والنشر والتربية والتعليم. هذه نقطة من القضية والنقطة الثانية هي الشق التاريخي بين "السنة" و"الشيعة" الذي عملت على تعميقه أحزاب الإسلام السياسي من الجانبين الشيعي والسني، في سبيل قطع الحصص من السلطة لصالحهم.
إن تعريف الدولة على اساس الدين هو بحد ذاته يمثل انتكاساً لمعاني الإنسانية والصفات التي تتميز به الإنسان ككينونة اجتماعية، لأن الدولة هي ظاهرة اجتماعية- سياسية – جغرافية عليها أن تكون لها قاعدة عامة من حيث حق المواطن في هذه الرقعة من الأرض. الدولة المعنية التي فيها أعراق و أقوام ومذاهب مختلفة وشديدة التباين في داخلها من هذه النواحي عليها تراعي مواطنيها بالمساواة، إذا ترغب أو تبتغي الحكومة المعنية التي تدير الدولة بقاء الدولة في شكلها الموجود، لأن المساس بحق المواطن تتوهج كراهيات مختلفة حسب سياسة الحكومة المعنية. في العراق، الجماهير منقسمة إلى أقسام وأجزاء مختلفة التباين من ناحية الدين والطوائف، إذن حل الوحيد أو ضمان الوحيد لبقاء هذا الكيان وجعل المجتمع مجتمعاً آمناً و مستقراً، هو دولة بلا دين و دولة غير دينية، ذلك لتتسنى الحكومة التي تدير دفة الحكم، أولاً/ أن يتعامل مع المواطنين على أساس حق المواطنة المتساوية، ثانياً/ لعدم قدرة الحكومة على تخطي هذا الحدود، حتى إذا عندها تلك الميول، لتغيير المسار نحو تفضيل الديانة أو طائفة على الأخرى. لأن الدستور وفي تحليل الأخير الدستور الدائم هو الحدود الفاصل لضمان وجود هذا الحق أو عدم وجوده. إذن نحن بصدد قانون المرحلة الانتقالية، الذي أقر على دين الدولة الرسمي، وهو دين الاسلامي، إذن أين حقوق اليزيدين أو الصابئة، أو المسيحيين من الكلد والأشوريين، هذا ناهيك عن الطائفة الشيعية و السنية التي أوجدوا أنواع تسميات مختلفة لطائفتهم من البيت الشعيى إلى جمعية العلماء السنة و من المرجعيات إلى أهل الحلل والملل والصراعات القائمة بين جماعاتها المختلفة.... و خصوصا نحن في وضع عصير وخطير من التأريخ العراقي السياسي والاجتماعي.
من ناحية أخرى و باعتقادي أهم، أن وجود دين الإسلامي كدين رسمي للدولة، يشكل طغياناً وقسوة على الإنسان العراقي، بغلاف قانوني ودستوري، وهو إن أطفال حديثي الولادة يختمون جبينهم بالدين الإسلامي على أساس معتقد أبويهم وسيبقى هذا الختم وهذا المعتقد على الهويات الأحوال الشخصية والجنسية، وسيكون تغير هذا المعتقد من المستحلات. وهذا سيؤدي إلى إعادة إنتاج نفس نمط المجتمع العراقي، على أساس الدين الإسلامي، و يبرزون هذه الصفة التي أنجزت بقوة والبطش بحجة القانون والدستور. ومن جهة أخرى إقحام الدين الإسلامي إلى التربية والتعليم والثقافة العامة، وتدريس أطفال المدارس من صفوف الأولى الابتدائية، الدروس الدينية التي يصعب على الأطفال فهمها. بعد حرب الخليج الأولى و سحق القوات العراقية في كويت ومن ثم حضور سياسى للجماعات الإسلام السياسي على ساحة السياسة في العراق وبمساعدة سخية من النظام الملالي في إيران، و من ثم بعد سقوط الحكومة البعث المقبور، والسياسة الأمريكية لجمع ما يمكنها من القوى اليمينية في العراق لتمرير سياساتها أصبحت تلك القوى والجماعات جزءاً من اللعبة الأمريكية، وأصبحوا جزءاً من مجلس الحكم ومن ثم من الحكومة الانتقالية. منذ بداية وجودهم في مجلس الحكم حاولوا تغيير يوم عيد المرأة العالمي إلى يوم فاطمة الزهراء، وحالوا سن قانون لعبودية المرأة المرقم 137... وحاولوا فصل المؤسسات الشيعية والسنية... هذه الجماعات و الأحزاب الإسلام السياسي الشيعي بحكم نهجها الإسلامي ليس فقط لا تعطي دورا لجماهير بل تصورها لإنسان كعبد مؤمن بالله و عليها أن تمارس طقوسها الدينية في سبيل الدنيا الأبدية، ومطيعة للإمام وهو بطبيعة الحال وضمن فقه الشيعية هو رسول من الله أو من المهدي المنتظر، الذي يخلص العالم من شر الشيطان، إذن حسب تصورهم للإنسان وهو عبد يظن وليس قادر على شئ، عليه العبادة، أما بخصوص الحريات السياسية والفردية والمدينة كلها من الممنوعات الخطيرة، هذا ناهيك عن تصورهم للمراة، وهي عبد للرجال عليها أن تحجب نفسها و تلبس البرقع كما نراها في قوانين النظام الإسلامي في إيران. مع وجود هذه القوى وأتون الصراع الإرهابي بين أمريكا والجماعات الإسلامية الإرهابية، وفرض الدين الإسلامي كدين رسمي للدولة في دستور انتقالي يمثل انعطافة خطيرة للمجتمع العراقي وللمواطنين في العراق. لأن دين الرسمي للدولة ومن خلال فرضها على العراقيين من قبل تلك القوى، يمثل خطوة منهم لترسيخ وتعزيز برنامجهم السياسي وفرض تراجع فكري-ثقافي كبير على المجتمع، وإبعاد المنهج العلمي و الفكر الحر في تطوير خلاقية الإنسان وإبداعاته في العراق، ومن ثم تهيئة الأرضية لترسيخ وتكريس السنن والتقاليد البادية. إذن هذه المسألة أي إقحام الدين الرسمي في الدستور هي مسألة سياسية بحتة في ظرفنا الراهن، تراهن عليها القوى السياسية الإسلامية في سبيل بسط سلطانها على الحكومة وعلى مجريات الأمور. تشكيل الحكومة الانتقالية ولعبة الانتخابات
في دستور "قانون لمرحلة الانتقالية" دون في المادة الرابعة والعشرون ما يلي" أ- تتألف الحكومة العراقية الانتقالية والمشار إليها أيضاً في هذا القانون بالحكومة الاتحادية من الجمعية الوطنية ومجلس الرئاسة، ومجلس الوزراء و بضمنه رئيس الوزراء والسلطة القضائية"كما كتب الدستور وسن وصدور وقرأ المواطنين "دستور بلدهم!" في الجرائد والصحف، سيعطي هذه المادة إنطباعة نفسها لتشكيل الحكومة الانتقالية، ليس هناك انتخابات و لا آليات ممكنة لتمثيل أكثرية القصوى من المواطنين، وليس هناك آلية لطرح آراء المواطنين و أخذ برأيهم أو حتى إطلاعهم على المناقشات السرية من وراء الكواليس، حيث كتب بنص لا متغير " تتألف" أي بمعنى التوافق الموجود بين الاطرف في مجلس الحكم وأمريكان. ولكن وأنا مشغول بكتابة هذا البحث تشكلت الحكومة الانتقالية حتى بصورة مغايرة مع هذه المادة، حيث تشكلت حكومتهم العجيبة والغريبة التي لا تداوي أي شئ بل تعمق الجراحات والمعاناة الموجدة لأكثرية المطلقة من العراقيين، تشكلت من رئيس الجمهورية" أي ليس هناك مجلس رئاسي!" و ليس هناك " الجمعية الوطنية"... هذا من حيث تغير المسار من قبلهم بسبب المصالح المتضاربة من لدى القوى الدخيلة في مجلس الحكم، وهذا واضح. ولكن تشكلت الحكومة الانتقالية كأداة أو كمؤسسة لإدامة مجلس الحكم، من حيث تركيبتها الطائفية القومية، من حيث آليتها صدامية، أي عدم أخذ رأي الجماهير بنظر الاعتبار، وإتمام الطبخة بدون إطلاع الراي العام عليها، و إحاطتها بسرية تامة. الحكومة المؤقتة الموجودة والتي تشكلت، هي حكومة الثالوث الطائفي القومي، تمثل القوى المختلفة من القومية الكردية والقومية العربية والإسلام السياسي، والعشائر. لهذه الجهات والحركات مصالح متبانية ومختلفة مع بعضها البعض. هًمْ الحركة الكردية هي فيدرا ليتها وتسليم جماهير كردستان إليها والإسلام السياسي برنامجه واضح وهو الوصول إلى تثبيت الحكومة الإسلامية بوسائل قانونية كانت أو بوسائل الإرهاب المباشر، أما بخصوص القومية العربية فهي حركة بدون راس أو حزب قوي، ولكنها حركة لها جذورها الاجتماعية على صعيد العراق والعالم العربي و لها شخصياتها وهي تبتغي وتهدف إلى جر الجماهير في العراق إلى السلطة القومية العربية. إذن برنامج متباينة و مختلفة مع بضها البعض، هذا الملوخية التي بدأت تقريباً بتحالفات و جبهات مختلفة منذ عدة سنين و لحين قبر ديكتاتور الحركة القومية العربية، كانت إلى حد ما متفقة على نقطة مشتركة وهي إسقاط الحكومة ولكنها متناقضة ومختلفة حول رؤيتها للحكومة العراقية القادمة. لكن بعد السقوط بدأ رفع الستار من قبل كل الاتجاهات لبرامجهم الواقعية لحركتهم، وأصبح الاختلاف وليس الانسجام الميزة المحورية بين تلك الأطراف حول عدد من قضايا المهمة ومنها الدستور العراقي المؤقت ونوع وتركيبية الحكومة وتوزيع المناصب فيها و الفيدرالية و حول بقاء ووجود قوات الاحتلال و دورها في العراق و حول مسألة الأمن و توفيره... كل تلك الاختلافات أدت إلى عدم الانسجام في تحديد تركيبة الحكومة بحيث شكلوا حكومة مشلولة فاقدة لقاعدة اجتماعية، هذا بغض النظر عن محتواها القومي الطائفي.
أصبح شيخ لعشيرة رئيساً للبلاد وأصبح بعثي عتيق مثل آياد علاوى وهو مسئول شعبة كرخ الأطراف لحزب البعث في نهاية السبعينيات و عضو فرع المنصور رئيسا للوزراء. ظاهر المسالة هو اتفاق بين تلك الأطراف ولكن واقع المسألة هو عدم الاتفاق لأن المناصب الرئيسية والمحورية لم تأخذها الحركات الكردية والإسلام السياسي ولا حتى رؤؤس الحركة القومية العربية، بل أخذها أضعف واحد من داخل مجلس الحكم المنحل، حيث اتفقوا على إعطاء منصب رئيس الجمهورية لشيخ العشيرة الذي لم يعرفه أحد قبل سنة. وهذه يمثل عدم قابلية الثالوث الطائفي القومي لإدارة البلاد من جانب ومن جانب أخر تحمل في طياتها تناقضات كبيرة وجمة تؤدى إلى إنزلاقات كارثية خطيرة، لأنهم أتفقوا على ما لم يتفقوا عليه، إنتخبوا عجيل الياور لأنه بامكان تلك القوى طرده بدون أن يتحرك أو يتغير أي شئ سواء كان على صعيد الشارع العراقي أو على صعيد الأحزاب أو حتى على صعيد الدول العالمية أو المنطقة، هذه الحكومة هي حكومة لإدامة وإدارة الأزمة الموجودة من قبل الأمريكان. لحد الآن وأمريكا لم تتمكن من توحيد صفوف البرجوازية العراقية في مؤسسة منسجمة تمكنها إدارة البلاد. البرجوازية العراقية تعيش في أزمتها الحكومية.
"إذن شكلوا حكومتهم، ولا توجد هناك انتخابات أو شئ تمثل ذلك. الحكومة المؤقتة يجب أن تكون حكومة لممثلين عن الجماهير في العراق، يجب أن تكون حكومة منتخبة من قبلها وذلك لضمان الأمن والمعيشة والحرية، حكومة من الجماهير وسلطتها المباشرة هي التي بامكانها أن توفر هذه المطالب التي تمس صميم المجتمع العراقي، لأن إدارة الاحتلال ومعها مجلس الحكم و القوى الموجودة فيه لم يتمكنوا وخلال سنة مضت من توفير أي مطلب من المطالب آنفة الذكر لا بل كانوا جزءاً من تلك القوى التي حاولت تعميق السيناريو الاسود و تعميق الفجوة بين العراقيين على أساس الدين والقومية و الطائفة والمذهب والقبيلة والجنس ... لم يتمكنوا من توفير الأمن لأنهم جزءا من الصراعات القومية والطائفية. الحكومة المؤقتة الممثلة بالممثلين من قبل الجماهير هي حكومة لقيادة المجتمع العراقي في فترتها الزمنية المحددة نحو حكومة علمانية وغير قومية و نحو تحقيق مطالب الجماهير و حقوقها من الحريات السياسية غير المقيدة وغير المشروطة إلى حرية التعبير عن الرأي , إلى المساواة التامة بين الرجل والمرأة إلى الإقرار على حق الجماهير في كردستان في تقرير مصيرهم للبقاء ضمن حدود العراق الحالي أو الإنفصال وتشكيل دولتهم المستقلة على اساس استفتاء حر جماهيري ، هذه الحكومة تقود العراقيين نحو هوية المواطنة المتساوية بغض النظر عن القومية والدين والجنس والطائفة، هي حكومة بامكانها طرد الاحتلال بوصفه عامل لخلق حالة اللاأمن واللاإستقرار بوصفه سلطة تحاول ابعاد العراقيين عن رسم مستقبلهم السياسي... هذه الحكومة هي حكومة عليها أن توفر الامن والوظيفة والمعيشة المناسبة للجميع... هذه الوظائف لن يتسنى للحكومة الموجودة أن توفرها للعراقيين. ربما يسأل السائل عن عدم وجود فرصة للانتخابات أو لانتخاب تلك الحكومة. ولكن هناك آليات مختلفة للانتخابات، هناك الحالة المطلوبة والحالة الممكنة. إن إنتخابات عامة على الصعيد العراقي في الوقت الحاضر ليست لها أرضية، ولكن هناك وجود مئات من الأحزاب و المنظمات السياسية والمهنية والجماهيرية... فيمكن عقد مؤتمر تأسيسي لكل تلك الأطراف، و انتخاب الحكومة من قبل ممثلي تلك الأحزاب و المنظمات، فذلك حالة ممكنة، وتمثل أكثر واقعية من هذه الآلية التي أختارها مجلس الحكم والاحتلال لتشكيل حكومتها التي لا تمت بصلة بتطلعات الجماهير في العراق وتشكلت بشكل سري من وراء الكواليس. هذه الحكومة أي الحكومة التي تنتخب بواسطة هذا المؤتمر وهي أقرب من الحالة المطلوبة ومن الناحية العملية والواقعية أقرب الى تمثيل الجماهير. ولكن تشكلت الحكومة المؤقتة " الانتقالية" ولم يسمع رأي العراقيين و ولم يسالوا عن رأيهم. إذن أمام العراقيين النضال وتوحيد الصفوف والتكاتف لإفشال السياسة الأمريكية وتلك القوى الموجودة معها في الحكومة الانتقالية، ولرفض هذه الحكومة، والنهوض بحركة جماهيرية جبارة، لحسم السلطة السياسية والانتخابات والدستور الدائم لصالح الجماهير و تطلعاتها. وهي تشكيل حكومة علمانية وغير قومية توفر الأمن و المعيشة والحرية لجميع المواطنين الذين لديهم حق مواطنة متساوية."( جزء من مقال سامان كريم" الحكومة الانتقالية حكومة مناهضة لطموحات الجماهير" المنشور في عدد من جريدة الشيوعية العمالية، سيكون المقال ملحقاً أولاً)
حقوق المواطنين و واجباتهم:
لا حقوق للمواطنين في انتخاب حكومة الانتقالية، لا حقوق لهم ولا الرأي لهم و لا يحسبون أي حساب لإرادتهم و آرائهم. تشكلت الحكومة و لا أحد من المواطنين له دراية أو علم بمجريات الأمور، هذا الحق أي حق الانتخاب و الترشيح من حقوق الأولية للإنسان لم تسلموا جماعات الأحزاب والجماعات اليمينية في مجلس و أمريكا بها و فعلا طبقوا دستورهم الرجعية حول سلب هذا الحق، بحذافيرها بل أنكى من ذلك. إذن هناك سلب وهتك لأكثر حق من الحقوق أهمية في هذه المرحلة وهي مسألة دور أو موقع المواطن في تحديد نوع الحكومة و تركيبتها وحسم الجماهير مصيرها السياسي. فمادام هذا الحق سلبت إذن ليس هناك أية واجبات للمواطنين قبال حكومة مفروضة عليهم، وفعلا ليس هناك واجبات للمواطنين تجاه الحكومة المؤقتة" الانتقالية" في الدستور الانتقالي. هذه الظاهرة تمثل تقليداً خطيراً في ممارسة الحكم والسلطة. لأن من الواضح مثل وضوح الشمس إن الذين ليست لديهم أي واجب تجاه الحكومة التي تدير أمورهم !! يعني الجماهير في العراق ليس أمامها فرصة لتحقيق مطالبها وتطلعاتها، والدستور الانتقالي كرس هذا الأمر بشكل وقح جداً، كما جاءت في الباب المبادئ الأساسية المادة الثانية من الدستور الانتقالي و في المادة السابعة.
و من الطبيعي أن يسن المشرع عدد من الحقوق للمواطنين، حسب ما يراه مناسباً لحكومة الانتقالية أو حسب التوافق بين القوى اليمينية الموجودة في مجلس الحكم والأمريكان. جاء ت تلك الحقوق في المادة الثالثة عشرة ولكن بشكل غامض ومبهم وقابل لتفسير و الجر والشد حسب التوازن القوى بين الحركات الجماهيرية والعمالية و بين الحكومة الانتقالية، حيث إن هذه المادة تفرعت إلى ثمانية فقرة في فقرة "أ- الحريات العامة والخاصة مصانة" ما معنى ذلك ما هي الحريات العامة؟! ما هي الحريات الخاصة؟! هذه الفقرة قابلة لتفسيرات متباينة حسب رؤية الحركات و الأحزاب المختلفة. في القرة "ج- ان الحق بحرية الاجتماع السلمي وبحرية الانتماء في جمعيات هو حق مضمون. كما ان الحق بحرية تشكيل النقابات والأحزاب والانضمام وفقاً القانون، هو حق مضمون" وفقاً لأي قانون؟! الحال كهذا سيصدر الحكومة الانتقالية أو مجلس الحكم لغاية انتهاء دورته قانونه، ولكن هل يمكن أن يصدر قانون لمصلحة الجماهير و تلك الحريات الضرورية والأولية للإنسان، في ظل وجود القوى اليمينية في الحكومة و السيطرة الامريكية عليها؟! مع أخذ بنظر الاعتبار إبعاد الجماهير من قبلهم وحسب دستورهم الانتقالي، من إقرار على أي قانون أو دورها في صياغتها و الإقرار عليها في استفتاء أو حتى من خلال منظماتها المهنية والجماهيرية و إشراك الأحزاب السياسية في تحديد هذه الحريات وفق القانون؟! من الطبيعي لا. وفي فقرة"ه- للعراقي الحق بالتظاهر والإضراب سلمياً وفقاً للقانون؟! عجيب وغريب أولاً/ أشر المشرع إلى فرد العراقي أي "لعراقي" ÷ل تعطى هذا الحق فقط للافراد أو للجماعات والمنظمات و الرابطات... أي على المشرع أن يكتب حق التظاهر و الإضراب مكفول للجماهير ومن داخل صفوف الجماهير طبقات وفئات مختلفة لها مصالح مختلفة، هل للعمال حق في التظاهر و الإضراب؟! هل للموظفين حق في ذلك؟! هل للطلاب والطالبات حق في ذلك؟! هذه الصيغة تراد منها سلب وقمع هذه الحريات بهذه العبارات المطاطية، و طبعاً و علاوة على ذلك جاءت في الفقرة وفق القانون! قانون الذي قبل توافق اليمينين و أمريكا عليه واضحة معالمه واسسه. وهناك بعض الفقرات موجودة يقحمه المشرع لتزين لائحته ليس إلا . مثلا هناك في فقرة "ز- تحرم العبودية وتجارة العبيد والعمل الإجباري والخدمة الإجبارية" ليس هناك في العراق عبودية و لا تجارة العبيد، العراق بعد لم يصل إلى مستوى بلدان امريكا اللاتينية في هذه الظاهرة الخطيرة، ولكن إدراة الامريكية تعرف كيف تجلب البلاوي للإنسان. حول حكومة المؤقتة و حقوق المواطنين الواجب على حكومة المؤقتة توفيرها أنظر إلى الملحق الثالث، مشروعنا لإعادة تنظيم المدنية في العراق، كتبه سكرتير لجنة المركزية لحزب الشيوعي العمالي العراقي/ ريبوار احمد )
التناقضات الذاتية في الدستور
كتب هذا الدستور، بروح التوافق الجماعي بين أطرف في مجلس الحكم و إشراف أمريكي لتمرير سياساتهم و قطع الحصص المناسبة لأطراف موجودة في المجلس، وبما تيسر لأمريكا تحقيق مصالحها. والحال كهذا إن الدستور ولد مشلولا حتى من ناحية الصياغة والشكل، ناهيك عن التناقضات الجمة فيه، بسبب وجود مصالح وبرنامج وتصورات مختلفة للقوى الموجودة التي أصدروا هذا الدستور، لذا نتج عنه تناقضات كثيرة. نقرأ في المادة الرابعة من الدستور مايلي" نظام في العراق جمهوري اتحادي(فيدرالي) ديمقراطي، تعددي، ويجرى تقاسم السلطات في بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والادرات المحلية. ويقوم النظام الاتحادي على اساس الحقائق الجغرافية والتأريخية والفصل بين السلطات وليس على أساس الأصل أو العرق أو الأثنية أو القومية أو المذهب" (التأكيدات مني) هذه القانون صدر تحت المظلة الأمريكية و بفرض قوتها، وذلك لخلق حالة من التوافق بين القوى الموجودة في مجلس الحكم، لذا جاء المشرع بهذه المادة لتلين الخلافات الموجودة بين تلك القوى وإرضاءهم جميعاً، ولكن بهذه الصورة المبهمة والغامضة لكي تضلل الطريق و يذر الرماد في عيون الجماهير. هل سأل المشرع نفسه عن ما هي هذه الأساس الحقائق الجغرافية والتـاريخية؟! من الواضح إن الذين يطرحون الصيغة الفيدرالية، يستندون على اساس معين و منها الأسس التأريخية والجغرافية، هذه ألأسس من المسلمات البديهية حسب مقترحي الصيغة الفيدرالية، على رغم خلافانا مع هذا الأسس( ولكن ليس مجاله بحثها الأن). حكومة فيدرالية، هذا موجودة في المادة، و الفيدرالية يطرحها الحزبان الكرديان بشكل واضح، وهي فيدرالية قومية، أي إتحاد على اسس القومية بين العرب والكرد وهذا هو هدف الأصلي للحزبان الكرديان. ليس هناك أسس أخرى غير أساس قومي لفيدرالية العراق، هذا ناهيك عن صعوبة تحقيقها أو تطبيقفها من ناحية الواقعية، نظرا لأن الفيدرالية هي إتحاد بين الويلات أو حتى الحكومات أو المناطق المختلفة ذو الإدراة المحلية أو ذو السلطات الموجودة، ولكن في العراق ليس هناك منطقتان بهذا الشكل، هناك منطقة كردية لها إدارتها وسلطتها القومية، ولكن ليس هناك مناطق أخرى لها نفس الميزة والخصوصية. ومن جانب أخر لتشكل حكومة الفيدرالية في العراق و حسب هذا الدستور الذي نحن بصدد بحثه، على العراقيين كلهم أن يصوتوا لصالحها، من الطبيعي سوف لن يوصوتوا لصالحها، هذا من ناحية القانونية حس الدستور، ناهيك عن رجعية هذا الطرح من ناحية السياسية.
نقرأ في المادة السابعة" الإسلام دين الدولة الرسمي ويعد مصدرا للتشريع ولا يجوز سن قانون خلال المرحلة الانتقالية يتعارض مع ثوابت الإسلام المجمع عليها ولا مع مبادئ الديمقراطية والحقوق الواردة في الباب الثاني من هذا القانون، ويحترم هذا القانون الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراق، ويضمن كامل الحقوق الدينية لجيمغ الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية." ( التأكيدات مني) كيف يمكن تنسيق الحالتين متناقضتين مع بعضهما البعض بهذا الشكل الصبياني، بهذا الشكل الذي تبلورت عبر التوافقات المعروفة من وراء الكواليس. يكتب المشرع " لايجوز سن قانون خلال المرحلة الانتقالية يتعراض مع ثوابت الإسلام المجمع عليها ولا مع مبادئ الديمقراطية..." إن مبادئ الديمقراطية هي مبادئ فيها لعبة الشد والجزر بين قوى الجماهير والحكومة الموجودة، ولكن فيها أيضا دور للفرد حتى ولو كان رمزياً مثل ما نراه في بعض البلدان الشرق الأاوسطية. ولكن كيف بالفرد العراقي أو بالانسان العراقي وهو يحاول ويسعى في سبيل تغير فقرات هذا القانون ويتعارض مع ثوابت الإسلامية، كيف يسعى لتحقيق فصل الدين عن الدولة أو فصل الدين عن التربية والتعليم؟! هذه الفقرة تفسح مجالا وحيزا كبيراً للثوابت الإسلامية و تقيد بقوة المبادئ الديمقراطية المتعارف بها دوليا أو حتى يعترف بها هذا الدستور شكلياً. إذن هذا يدل على تناقض ذاتي صارخ في هذا الدستور.
أما بخصوص المادة الثانية عشرة نقرأ ما يلي" العراقيون كافة متساوون في حقوقهم بصرف النظر عن الجنس أو الرأي أو المعتقد أو القومية أو الدين أو المذهب أو الأصل. وهم سواء أمام القانون. ويمنع التمييز ضد المواطن العراقي على أساس جنسه أو قوميته أو ديانته أو أصله. .." هذه الفقرة دونت لتزيين الدستور فقط وليست لها أي بعد واقعي وموضوعي، وذلك لكون الدستور قرر بتقسيمات القومية وتعريف المواطن على أساس قوميته، و تحديد اللغتين الكردية والعربية باللغتين الرسميتين كما نراها في المادة التاسعة. إذن مادام هناك تعريف المواطن على أساس القومية مادام هناك تعريف المواطن على أساس الدين، إذن كيف يمكن النظر إلى المواطنين بصورة متساوية أمام القانون؟! أ, إذا المواطنون متساوون أمام القانون، لماذا يذكر القوميات في الدستور؟! بإمكان المشرع أن يذكر كل اللغات الموجودة في العراق بدون ذكر "القومية" كما نرى ذلك في عدد من الدساتير الأوروبية ومنها خصوصا السويسرية، وفي هذه الحالة على الدستور أن يقر بحق المواطنة المتساوية لجميع المواطنين بغض النظر عن القومية والطائفة والدين والجنس...هذه الحق غائبة تماماً في هذا الدستور، فغياب هذا الحق يدل على إن هناك تمييز على أساس القومية والدين ونحن بدورنا شرحنا القضيتين الفيدرالية و تكريس الدستور للقوميات والطوائف أعلاه. هذه الفقرة دونت للتضليل و وخداع الجماهير. وهناك جملة من النتاقضات الذاتية و التناقضات التي حصلت في الواقع وعلى الأرض يتعارض من بنود هذا الدستور، مثلا هناك في المادة الخامسة عشرة فقرة "ي- يحرم التعذيب بكل أشكاله، الجسدية والنفسية وفي كل الأحوال...," هذا الفقرة يتناقض مع فضيحة التعذيبات في سجن أبو غريب على أيادي الأمريكيين!!... و نقرأ في المادة الرابعة عشرة موضوعاً خطيرا جداً تضرب بعرض الحائط كل الحقوق الغامضة والمبهمة في هذا الدستور " للفرد الحق بالأمن والتعليم والعناية الصحية والضمان الإجتماعي، وعلى الدولة العراقية ووحداتها الحكومية وبضمنها الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية، بحدود مواردها ومع الأخذ بالإعتبار الحاجات الحيوية الأخرى أن نسعى لتوفير الرفاه وفرص العمل للشعب" (التأكيدات مني) كيف يمكن لإدارة أو مجلس بلدية أن يقرر درجة الرفاه؟! وكيف بامكانه أن يقرر ما هي الحاجات الحيوية؟! خصوصا ونحن نعرف مسبقاً أن بعض المجالس البلدية وقعت تحت أيادي الإسلاميين في النجف والكوفة والكربلاء والحاجات الحيوية بالنسبة لهم هي الأضرحة و تزيين الجوامع وتوسيع المدارس الدينية وصرف الأموال لهذه الأعمال، في هذه الحالة ماهي الأمكانيات الباقية لتسعى لتوفير الرفاه والفرص العمل؟! هذه مسألأة خطيرة تسلم المواطنين في تلك المدن موثوقة الأيادي والعيون إلى الإسلامييين!!
في الختام ليس بوسع إلا أن أشكر رفيق هيثم علي لتنقيحه ومراجعته الإملائية لهذا البحث.
#سامان_كريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التصدي للنظام العرفي، وظيفة جماهير العراق
-
الحكومة الانتقالية حكومة مناهضة لطموحات الجماهير !
-
تعذيب الديمقراطية، ديمقراطية التعذيب !
-
على الطبقة العاملة، أن تأخذ دورها الريادي في حسم الصراع السي
...
-
الكذبة التاريخية الكبرى، و البيان الصحفي (150) لمجلس الحكم ح
...
-
قانون إدارة الدولةالعراقية- الدستور المؤقت- وغطرسات الإسلام
...
-
جماهير إسبانيا إنتزعت حقها من مغتصبها !
-
لا يستتب الأمن والاستقرار‘ دون سيادة الهوية الإنسانية على مد
...
-
مقابلة مع سامان كريم مسؤول الحزب في مدينة كركوك، حول وثيقة ك
...
-
تقرير من كركوك
-
نشاطات مستمرة ومتواصلة لحزب و منظمة حرية المرأة في كركوك ضد
...
-
شعار الحزب يصبح شعاراً لمديرية شرطة كركوك - يجب منع الشعارات
...
-
الحزب الشيوعي العراقي الدين، الاسلام السياسي والوطنية ! - ال
...
-
الحزب الشيوعي العراقي الدين، الاسلام السياسي والوطنية ! - ال
...
-
رؤساء بلا سلطة !
-
حقيقة الصراع بين الجماعات الإسلامية الإرهابية، و الحزب الشيو
...
-
الإسلام السياسي في العراق، يكاد يفقد ظهيره!
-
نضموا أنفسكم، واتحدوا! حول - بيان الحريات السياسية -
-
كلمات قادة اليمين، تنذر بالمستقبل المظلم لجماهير العراق! على
...
-
الولايات المتحدة بعد قرار مجلس الأمن الدولي !
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|