|
الديمقراطية ثقافة أم تقنية
حميد المصباحي
الحوار المتمدن-العدد: 3061 - 2010 / 7 / 12 - 19:13
المحور:
المجتمع المدني
الديمقراطية ثقافة أم تقنية الديمقراطية،نمط حكم،جوهره تحرير السياسة من تبعيتها للديني لكي تصبح قبولا باجتهادات البشر،ونقدها علما حتى لو كان لأفكار السلطة،التي لم يعد مصدرها السماء،بل الأرض،فالإله يدير الكون ويحكمه،وليس موجها لدول بإلهام حكامها،ليصيروا رسلا سياسيين له على هذه الأرض،فهو ليس في حاجة إلى من يمثلونه،أو يحكمون باسمه.فالديمقراطية تداول للسلطة،حتى لايحتكم المتنافسون للعنف من أجل السيطرة على المجتمع وقهر بعضهم لبعض في تكتلات عرقية أو عائلية أ, دينية مذهبية،إنها في الأخير اختيار المجتمع لمن يلبون أغلب طموحاته وطلبات فئاته،بذلك يدرك المجتمع أن الدولة عليها خدمته،دون تمييز بين أفراده،نساء كانوا أو رجالا،متدينين أو غير متدينين،،فقراء أو أغنياء،وقد خاض الديمقراطيون في أروبا صراعا مريرا،دفاعا عن الحرية والتعاقد ضد الحيف وقداسة الدولة وعنفها،قاده المثقفون الأحرار،والبرجوازية الغربية،الرافضة لثراء النبلاء ومجدهم الموروث،وكسلهم وتحالفهم مع سلطة سياسية قاهرة،وأخرى دينية جامدة،حاثة على الإستسلام والكآبة الروحية والجشع المالي المقنع بزهد مقيت. كانت الديمقراطية نتاج ثورة على ثقافة تقليدية،في دينيتها وأسلوب حكمها،وحتى نمط عيشها ومعرفتها للعالم والذات الإنسانية،فالديمقراطية ليست مجرد تقنية يمكن اختزالها في الإقتراع وصناديقه،أ, حتى برلمانات وحكومات،تنتخب وأخرى تسقط،ولجان تتابع وتحقق،فالبرلمان،قد يشرع أكثر القوانين حيفا ومحافظة،ليحد من حرية الناس بقبول وصاية دينية،مستمدة من خارج المجتمع،أو مفروضة عليه،بعنف الرقابة أو التقاليد البالية،التي أتت الديمقراطية لتخلص الناس منها،والحكومات قد لا تنفذ إلا ما يرسخ عشائريتها لتدعم بسلطة حاكم مطلق،يقبل بحكمته المجتمع،وقد يطالب بحكمه المباشر،دون حكومة أو نواب يمثلون المجتمع الذي اختارهم،لغناهم أو نسبهم الشريف،أو لحسن أخلاقهم،وربما لخطابتهم وجرأتهم اللفظية،وليس لانتمائهم الحزبي البرنامجي،باختياراته الفكرية والإجتماعية. فهناك ديمقراطية نتجت عن تحول ثقافي،وانصهرت بثقافة جديدة،أساسها تحرير العقل والجسد والوجدان،من كل قهر يطاله،أو رقابة مفروضة من خارجه،باسم الدين أو التوحد،في صيغته العرقية أو الحضارية أو الدولاتية،فالديمقراطية تطوير دائم لحرية الفكر والتعبير والإنتماء،باختصار إنها إبداع للحرية في أقصى أبعادها،الثقافية والسياسية والدينية وحتى الإقتصادية،هي دينامية سياسية ،تنافسية لتحقيق الرفاهية بتقديس العمل والفكر،أي الإنسان لفعالية وقيمة محددة لكل القيم الأخرى،وداعمة ثقافيا لها،لبناء نموذج حضاري يمثل الإنسان،في رقيه وطرق تغلبه على الصعوبات التي تعترض سبيله،اعتمادا على طاقاته الإبداعية،وليس انتظارا لخلاص سماوي،أو حطا للوجود البشري وتبخيسا له بتوقع الكوارث ونهاية الوجود البئيس للعالم والمنتظر بلهفة الحاقد والكاره للناس ولنفسه،،إنها ليس تحاملا على الإنسان لوأد طموحاته المشروعة لأن يكون سيدا في هذا الكون بعلمه ومعرفته،التي تؤهله لأن يصير مواطنا كونيا،تعنيه كل مشاكل العالم. لذلك تتفاوت الديمقراطيات في عمق ثقافتها،في هذا تختلف،لكن أسوأها،هو الخالي من أي عمق ثقافي،ذاك الذي يعتبرها مجرد تقنية،فبدل أن تنتج الحرية تتحول إلى آلية لإنتاج العبودية،حيث يختار الشعب مضطهديه،الذين يعدونه بحرية مؤجلة،يفتعلون بها صراعات،تجعلهم أبطالا في نظره،يخاصمون باسمه،ويعملون على تجهيله،بإثارة عداءاته تجاه النخب الناشرة للثقافة الديمقراطية،بما هي تعليم وتفكير،وليس تقليدا أو تكرارا لما قيل ومورس،باسم الدين أو الوطن أو حتى الحاكم،فلا ديمقراطية مع الجهل،أو الإستبداد،أو الجوع. من المثير للشفقة أن الديمقراطية في عالمنا العربي،لازالت حبيسة إجراءات تقنية،السلطة بها منبهرة،مدعية أنها تحاول تكييفها مع أو ضاعها الخاصة،أ, خصوصيتها الحضارية المتعارضة مع ثقافة الديمقراطية وتاريخها،لأن هذه الخصوصية عطلت حركتها بالتقليدي وحنطت ففقدت قابلية التطور لأنها لم تعش رجات ثقافية يتفاعل بها رجال الفكر والمال لتأسيس خيار حداثي بتصوره الواضح للمجتمع والسلطة السياسية. حميد المصباحي عضو اتحاد كتاب المغرب
#حميد_المصباحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلمانية والدين والسياسة
المزيد.....
-
الخارجية الفلسطينية: تسييس المساعدات الإنسانية يعمق المجاعة
...
-
الأمم المتحدة تندد باستخدام أوكرانيا الألغام المضادة للأفراد
...
-
الأمم المتحدة توثق -تقارير مروعة- عن الانتهاكات بولاية الجزي
...
-
الأونروا: 80 بالمئة من غزة مناطق عالية الخطورة
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
-
صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي
...
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
-
-الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|