|
الاسلام و الغزو
طاهر فرج الله
الحوار المتمدن-العدد: 3061 - 2010 / 7 / 12 - 00:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اثر ( الغزو) تاثيرا سلبيا على مجريات التاريخ الاسلامي منذ نشاة دولته الاولى والى يومنا هذا ، اذ كان السبب في نشوب الخلافات والنزاعات بين المسلمين انفسهم ، وقد بدأت اولى مظاهرها واضحة منذ غزوة ( بدر الكبرى ) فبدلا من ان يعم الفرح والسرور عموم المسلمين لتحقيقهم اول انتصار لهم ، دخلوا فيما بينهم بنزاع حاد فانقسموا بسببه الى فريقين متضادين ، مثل احدهما الشبان في حين مثل الطرف الاخر الشيوخ على ان السبب في حصول هذا النزاع تمثل بالغنائم اذ ادعى كل طرف أحقيته بها اذ قال الشبان : - نحن احق منكم لاننا سارعنا في القتل والغنائم في حين قال الشيوخ : - (اشركونا معكم فأنا كنا لكم ردءا ، ولو كان منكم شيء للجأتم الينا) ( ) فاختصموا الى الرسول (ص) ولم ينفض النزاع بين الطرفين الا بنزول اية الانفال والتي نصها : ( يسألونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول ) ( ) ، لتتكرر مثيلاتها بشكل اكثر حدية من الاخرى ، وذلك عندما ترك الرماة اماكنهم من على جبل (احد) بغية الاشتراك في جمع (نهب) الغنائم ، فتركوا بعملهم هذا ظهر الجيش مكشوفا ليقع في كماشة المشركين الذين أوسعوهم قتلا وتجريحا لتنتهي هذه المعركة بهزيمة كلفت المسلمين الكثير من الشهداء والجرحى . ولكي اجسد بشكل حي التاثير السلبي لحالة (الغزو) التي لازمت المسلمين وأدت الى حدوث انعطافات خطيرة في نهجه وفكره السياسي ، فأن الضرورة تفرض ابراز الدور الذي لعبه الكثير من الشخصيات وتسليط الاضواء عليهم ، علما ان البعض منهم لم يسلط التأريخ نوافذه بشكل واسع فبدوا وكأنهم نكرة لا يستحقون الذكر ، الا ان الباحث في سيرهم يكتشف انهم نظروا الى فكرة (الجهاد في سبيل الله والقتال من اجل رفع شأن الاسلام والمسلمين مصلحة خاصة يبغون من ورائها تحقيق الفوز بالغنيمة التي يكسبها المنتصر في الحروب ، حتى انهم تحولوا الى تجار للعبيد وملاكين كبار لضياعٍ بمساحات شاسعة ، وتصرفوا فيما بعد كغزاةٍ طامعين لا يختلفون كثيراً عن الغزاة الاخرين غير عابئين برسالة سماوية او دعوة اسلامية . ويبدو ان افضل ما يمكن ان يُتخذ مثلاً لمثل هذا الموضوع هو (عباس بن مرداس) الذي بدأت سيرته عندما قرر النبي توزيع الغنائم التي اصابها في غزوة (حُنين) على المؤتلفة قلوبهم ليكسب جانبهم الى الاسلام امثال ( ابو سفيان بن حرب وصفوان بن امية ، والاقرع بن حابس وعيينه بن حصن الفزاري) واخرين من سادة القوم الذين دخلوا الاسلام حديثا ولم تعتمر قلوبهم بعد بالايمان ، حتى انهالوا باللوم على الرسول (ص) من بعض المسلمين وعلى رأسهم (عباس بن مرداس ) الذي نظر الى عطايا الرسول بعين السخط وانتابته مشاعر عدم الرضا ، فاطلق العنان للسانه ينشد قصيدة يعاتب فيها النبي (ص) قائلا : كانت نهـابا تلاقيتـها بكري على المهر في الاجرعِ ( ) وايقاضي القوم ان يرقدوا اذا هجع الناس لم أهجعِ فاصبح نهبي ونهب العبيد بين عينيه و الاقــرعِ وقد كنت في الحرب ذا تدرإ فلم أُعطَ شيئاً و لم امنعِ الا افائل اعطيتهـا عديد قوائمها الاربـــعِ وما كان حصن ولا حابس يفوقان شيخي في المجمــعِ وما كنت دون امرئ منهما ومن تضع اليوم لا ترفــعِ وما ان سمع رسول الله (ص) قصيدته حتى قال للمقربين اليه من اصحابه: ( اذهبوا به واقطعوا عني لسانه ) ( ) . على ان قطع لسان ( عباس بن مرداس ) بما متيسر من ابل الغنائم والماشية لم ينه الموقف المتردي المتمثل بالمطالبة والاحتجاج على الرسول في توزيعه للغنائم بين المسلمين بل ظهر شخص اخر يدعى (ذو الخويصرة ) تحدث مع النبي (ص) بنبرة حادة قائلا : - ( يا محمد قد رأيتَ ما صنعت في هذا اليوم فقال الرسول (ص) : - ( اجل ، فكيف رايت ) ( ) ( لم ارك عدلت ، فغضب الرسول (ص) حينها وقال : - ويحك اذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون ) ( ) وبغضبه غضب معه العديد من اصحابه حتى ان عمر بن الخطاب (رض) قال للرسول (ص) : - ( الا اقتله ، فاجابه الرسول (ص) قائلا : - لا دعه فانه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يوجد شيء ثم في القدح فلا يوجد شيء ثم في الفوق فلا يوجد شيء سبق الفرث الدم ) ( ) . وفي رواية اخرى قال الرسول (ص) : ( سيخرج من ضئضيء هذا الرجل قوم يمرقون في الدين كما يمرق السهم من الرمية ) ( ) أي ان هذه الجماعة المارقة للدين والتي شبهها الرسول الكريم (ص) بالسهم الفاقد لكل صفاته وخواصه ، سيكون اساس تفكيرها تاويل الايات القرانية وتفسيرها ، وقد اثبتت الايام صحة هذه النبوءة التي تنبأها الرسول (ص) ، فقد اكتشف احد الباحثين في الحديث الشريف الا وهو البخاري ان عدد الاحاديث الشريفة يبلغ (600.000) ( ) حديث في حين ان الصحيح منها اقل بقليل من (4000) حديث ، وبهذا الفارق الضخم بين العددين ، يتضح المدى الواسع في التفسير والتاويل الذي اصاب الشرع خدمة للمصالح الخاصة . على ان مجموعة اخرى تمادت على الرسول كثيرا فعندما فرغ الرسول من تقسيم غنائم حنين ، اتبعه بعض من جيشه يطلبون منه ان يقسم عليهم فيأهم من الابل والماشية ، حتى ألجأوه الى شجرة فاختطفت عنه عباءته ليقول الرسول لهم : - ( أدوا علي رداءئي ) ( ) ثم قال : - ( ايها الناس فوالله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ، ثم ما الفتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا ، ثم قام الى جنب بعير فاخذ وبرة من سنامة فجعلها بين اصبعيه ثم رفعها فقال : - ( ايها الناس والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة الا الخمس والخمس مردود عليكم ) على ان سلسلة الاحتجاجات لم تنته بل اتخذت منحا هادئا من قبل الانصار وذلك عندما شعروا بمزيج من الغبن والوجد لعدم حصولهم على أي شيء من الغنيمة ، فانشد شاعرهم وشاعر الرسول (ص) حسان بن ثابت قصيدة يعاتب الرسول (ص) بها قائلا : - زادت هموم فماء العين منحدر سحّا اذا حفلتْه عبرةٌ دررُ ( ) - وجّدا بشماء اذ شماءُ بهكنةٍ هيفاء لا دنس فيها ولا حورُ - دع عنك شماء اذ كانت مودتها نزرا وشر وصال الواصل النزرُ - وات الرسول فقل يا خير مؤتمن للمؤمنين اذا ما عُدَّدَ البشرُ - علام تدعى سليم وهي نازحة قُدّام قوم اووا وهم نصروا - سمّاهم الله انصارا بنصرهمِ دبن الهدى وعوان الحرب تشعرُ - وسارعوا في سبيل الله واعترفوا للنائبات وما خافوا وما ضجروا - والناس اُلبٌ علينا فيك ليس لنا الا السيوف واطراف القنا وزرُ وقد قيل ما قيل من الانصار عن الاسباب التي دعت محمدا (ص) في عدم اعطائه لهم شيئا من الغنائم ومن بين تلك الاقوال قول قائلهم : - (لقد لقي والله قومه) ، فما كان من زعيمهم (سعد ابن عبادة ) الا ان دخل على الرسول الكريم ليقول : - ( ان هذا الحي من الانصار قد وجدوا عليك في انفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي اصبت ، قسمت في قومك واعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يك في هذا الحي من الانصار منها شيء ) ( ). فقال الرسول لمعشر الانصار بعد ان جمعهم ( سعد بن عبادة ) في خطة له : - ( الا ترضون يا معشر الانصار ان يذهب الناس بالشاة ( ) والبعير وترجعوا برسول الله الى رحالكم ؟ فو الذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأً من الانصار ، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعب الانصار ، اللهم ارحم الانصار وابناء الانصار وابناء ابناء الانصار قال فبكى القوم حتى إخضلوا لحاهم وقالوا : - (رضينا برسول الله قَسْما وحظا ثم انصرف الرسول وتفرقوا ) ( ) . من خلال ما ذُكر يتضح وبلا ادنى شك ان فكرة ( الجهاد في سبيل الله ) ما هي الا غطاء اخفى النوايا الحقيقية لكثير من المسلمين ، وهذا (عيينه بن حصن الفزاري ) يحدث (عمرو بن العاص ) مادحا اهل الطائف اثناء حصار الجيش الاسلامي بقيادة النبي محمد (ص) لبلدهم اذ قال : - (والله انهم مجدةً كراما ، فاجابه عمرو بالقول : - قاتلك الله يا عيينه اتمدح المشركين ، وقد جئت تنصر رسول الله ، فرد عليه عيينه قائلا :
- اني والله ما جئت لاقاتل ثقيفا معكم ولكني اردت ان يفتح محمدا الطائف اصيب من ثقيف جارية اتطئها لعلها تلد لي رجلا فان ثقيف قوم مناكير)( ). في حين تمنت ( خديجة بنت حكيم) على الرسول (ص) ان فنح الله الطائف ان يعطيها حلي ( بادية بنت غيلان) او حلي (الفارعة بنت عقيل) وكانتا من اجمل نساء ثقيف ( ). على ان الاماني والتمني في الحصول على نصيب من الغنائم لم يتوقف عند شيخ من سادات القوم او سيدة من سيدات المجتمع بل تعدى هذا ليشمل حتى المؤنثين من الرجال الذين كانوا لا يحجبون عن النساء لكونهم المعنيين بقوله تعالى ( او التابعين غير اولي الاربة من الرجال ) ، فصادف ان احدهم ويدعى (هيت) كان قد دخل مع زميل له يدعى (مانع) بيت ام المؤمنين (ام سلمة) وعندها اخوها (عبد الله بن ابي امية) ورسول الله(ص) في مخدعه فقال هيت متمنيا : - ( اذا فتح الله عليكم الطائف فسل ان تنقل (بادية بنت غيلان الثقفية ) فانها مبتلة شموع نجلاء هيفاء شنباء تناصف وجهها في القسامة وتجزأ معتدلا في الوسامة ان قامت تثنت وان تكلمت تغنت اعلاها قضيب واسفلها كثيب)( ) واستمر بوصفها وما ان سمعه الرسول(ص) حتى قال منفعلا : - ( مالك سباك الله كنت احسبك من غبر اولي الاربة من الرجال لذا كنت لا احجيك عن نسائي ، اما اليوم فاني لا ابحيكما ان تدخلا على اجنبية الا وهي متخمرة ومتحجبة ) ( ). ان صراع الغنائم لم يتخذ له حدودا بين المسلمين بل تشعب الى ابعاد مثيرة للجدل برزت على السطح بشكل واضح وذلك عندما قلب (مالك بن عوف) زعيم الطائف معادلة النصر والهزيمة راسا على عقب فبعد هزيمته العسكرية في موقعة حنين ووقوع (6000) ستة الاف من نساء واطفال ثقيف وهوازن في الاسر بيد المسلمين اعلن إسلامه مستفيدا من نصوص شرعية اكد عليها القران الكريم والسنة الشريفة مفادها : (المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) ، لهذا جهز مالك بن عوف وفدا طالب فيه النبي (ص) رد الاسرى من سبايا ثقيف وهوازن من النساء والاطفال - فما كان من الرسول الا ان رد اليهم نصيبه ونصيب بني هاشم في حين امتنعت العديد من القبائل عن لسان زعمائها رد السبايا كتميم وفزارة وسليم علما انه تنازل لهم عن الاموال ولم يردوا السبايا الا بعد ان وعدهم قائلا : - ( اما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله بكل انسان ست فرائض من اول سبي اصيبه فردوا الى الناس ابناءهم ونساءهم ) ( ). فردوا الذراري والنساء في حين لم يرد (عُيينة بن حصن ) عجوزا من عجائز هوازن وقعت في نصيبه ممنيا النفس بفداء كبير يؤديه اهلها اليه ، الا انه تراجع عن الامساك بها وذلك عندما قال له (زهير ابو صرد) احد المقربين اليه ان لافائدة ترجى منها حيث وصفها قائلا : - ( فوالله ما فوها ببارد ولا ثديها بناهد ولا بطنها بوالد ) ( ). لهذه الاسباب مجتمعة راى البعض من المفكرين ان العرب ما كانوا ليدخلوا الاسلام لولا الغزو ، وهي العادة التي اعتادوها في جاهليتهم ، وهذا ما اكد عليه الدكتور (طه حسين ) في العديد من مؤلفاته ( كالفتنه الكبرى). في حين كان النبي يود لو ان المعارك التي خاضها جميعا ، تهدف في جوهرها فقط الى رفع شان المسلمين والدعوة الاسلامية . ولكن النبي كان على معرفة عميقة بالطبيعة البشرية التي تميز مجتمعه بخصوصية معينة غلبت عليها قيم الصحراء وقسوتها ، فعلى الرغم من جملة التغيرات التي قام بها في العادات والمعتقدات ، الا انه اثر ان ينجز الكثير منها على خطا ومراحل متعددة ليكبح بتدرجه هذا جماح رد الفعل العنيف ان هو امرهم بتغييرها بقرار حازم وسريع ، لذا نراه يضع عباءته على ( صفية بنت حيي ) ويتخذها زوجة له ، في حين انها في وضع لا تعدو فيه الا ان تكون جارية له استنادا لعرف وتقاليد الغزوات لعصر انذاك لكونها سبيةً من سبايا الحروب ، وكأنه بعمله هذا كان يحث المسلمين على التعامل مع السبايا تعاملا انسانيا نبيلا، كما وانه ارتفع بمستوى الجارية التي يتخذها المسلم زوجة له الى زوجة تتمتع بكامل الحقوق عندما تجنب ولداً ، وهذا ما فعله مع جاريته ( ماريا) المهداة اليه من ملك الاقباط في مصر جاعلا منها ( اما للمؤمنين ) بعد ان انجبت له ابراهيم(ع)، في حين كان العرف السائد انذاك بيع الوليد او شرائه وان كان والده سيدا وفي ذات الوقت تبقى المرأة محافظة على لقب الجارية . ان الاجراءات التي اتخذها محمدٌ (ص) كان يقصد بها تغيير الطبائع التي طبع عليها العرب وما تصرفه تجاه الانصار وعدم اعطائهم شيئا من الغنائم ، الا دلالة واجراء واضحا منه لعموم المسلمين من ان الحروب التي خاضها كان يهدف من ورائها نشر الدعوة الاسلامية وتثبيت عقيدة التوحيد وبث روح المساواة بين البشر ، لانه كان يعلم علم اليقين انه ان طالب بالتغيير الفوري والسريع فسيجد ارضا محروقة بحجارة من سجيل او ارضا غارقة بطوفان كطوفان نوح ، لهذا فانه أي النبي محمد (ص) اصر على ان يكون داعيا للتوحيد وفي ذات الوقت سياسيا محنكا يحاور خصومه تارة وتارة اخرى قائدا لجيش يفتك بهم وفي موقع اخر حاكما يقسط في حكمه فيبري البريء وينزل القصاص بالمدان ، وحليما يكظم الغيظ ورحيما يعفو عمن اساء اليه ، وشديدا حازما تجاه المواقف التي تستدعي الحزم والشدة لذا نراه انتصر بدعوته ، تاركا الدين مفتوحا للاجتهاد والفتوى ، تجاه المعضلات التي من المؤكد ان تواجه اخلافه من بعده ، وهذا ما حدث مرارا وتكرارا ابان عهده الذي دام ثلاثا وعشرين عاما حيث نسخت العشرات من الايات القرانية لتنسجم الدعوة الاسلامية مع المتغيرات الكثيرة التي احلت بالمجتمع خلال تلك الفترة التي تعد قياسا فترة زمنية متواضعة امام الزمن المتقدم عليها ، وليؤكد الرسول من خلالها ( الايات المنسوخة) ان النص القراني لا يشكل حائلا امام التطورات التي تصيب المجتمع بل من الممكن ان يتفاعل مع المستجدات بكل ايجابية خدمة للصالح العام . الا ان الحكام والمنتفعين اجهدوا انفسهم بالعمل على ان يجردوا الدين الاسلامي من سمة التجديد الذي بني عليه ، على انهم لم يتهاونوا في استغلال روح التجديد فيه خدمة لمصالحهم الخاصة ، فاستفادوا من مبدا الافتاء في الدين باصدار الفتاوي ، التي عملت على تراجع قيم الفكر الاسلامي الى الوراء، فشرعنت القبيلة ليظهر الاسلام القبلي ، وشرعنت القومية ليظهر الاسلام القومي ، وبهاتين الطامتين قضوا خنقا على النفس الاممي الذي تحلى به الفكر الاسلامي مستخدمين شتى صنوف الاضطهاد ضد المسلمين من القوميات الاخرى غير عائبين بهم وبغيرهم من معتنقي الديانات الاخرى الا بأخذ الجزية مـن تلك الشعوب ومبلغ الخراج عن اراضيهم ، وهذا ماداب عليه كافة الزعامات الاسلامية في الحقب التاريخية حيث ظهر قائد عثماني كبير يحمل في نفسه نَفَسَ الرعيل الاول لاحدى التيارات الاسلامية كنفس (عباس بن مرداس وعينة بن حصن الفزاري ) الذين جردا فكرة (الجهاد في سبيل الله ) من محتواها وجعلا منها نشاطا للسلب والنهب ، اذ دعى هذا الضابط العثماني كبار ضباطه لاجتماع عاجل قبل ثلاثة ايام من فتح او احتلال القسطنطينية فخطب بهم مثيرا فيهم غرائزهم لا ايمانهم قائلا : -( ان هذه المدينة فيها من الكنوز ما يبهر العقول ومن النسوة الشقراوات الجميلات ما يسيل لهن لعاب الشيوخ قبل الشباب ، فان شاء الله تعالى ومكنكم من فتحها فاني استبيحها لكم ثلاثة ايام تقطفون منها ما تشاؤون ) ( ). وما ان انتهى هذا الفاتح من خطبته حتى احذ الضباط والجند يمنون النفس (بالسلب العظيم ) تحت شعار (الجهاد في سبيل الله ) وعندما تمكن الجيش الاسلامي العثماني من احتلالها ، تراجع القائد العام عن وعده لهم ، واغلب الظن في ذلك انه اراد ان يستاثر بجواري المدينة وكنوزها ليتقاسمها مع زعماء ذلك العصر ليضيف اكبر العدد من الجواري الى جواريه ، ومعظم كنوزها الى خزائنه النفسية . ان عوامل الاستبداد والاستعباد وبث روح الظلم وارعاب الشعوب التي يمارسها الطغاة من حكام المسلمين على اختلاف قومياتهم كانوا قد قوْلبوا الفكر الاسلامي جاعلين منه دستورا متزمقا يعبر بشكل وحشي عن روح الاستبداد والاضطهاد بكل اشكاله ، خصوصا عندما شرع البعض من شيوخه فكرة الارهاب وتصديره الى مختلف اقصاع العالم وتمجيد اعمال الرعب بحق المدنيين الابرياء ، مما ادى الى ان تظهر على السطح صرخات تسمع هنا وهناك واصفة الاسلام بالاسلام الفاشستي . ان مبدا الفتوى في الاسلام وجد لمعالجة امور هامة قد تطرأ على المجتمع فتجيزها او تحرمها خدمة له ، ولكن هذا المبدا استخدم بشكل جائر خدمة للصولجان والتاج ، على ان الطغاة من المسلمين لم ينفردوا بهذا السلوك ، بل جاراهم في ذلك حكام دول اعتنقت دبانات اخرى ، فما ان قامت امريكا بخطف مواطني افريقيا السود جاعلة منهم عبيداً يحرثون الاراضي الشاسعة ويزرعونها ، أفتى رجالات الدين المسيحي وهذا ما اكد عليه (الكس هيلي) في روايته (الزنوج في امريكا) قائلين : - (بأمكان المسيحي الابيض ان يستعبد المسيحي الاسود) على الرغم من علمهم ان المسيحية تستنكر عبودية البشر وتشجبها وتدعو الى المساواة بين الاعراق والالوان . - ان الباحث في سيرة النبي محمد (ص) يكتشف فيها شخصية متواضعة تتصف بصفتي (الزهد والتقشف) وهناك الكثير من الاحاديث التي روتها ام المؤمنين عائشة (رض) تصور فيها شطف العيش وقسوة الحياة اللتين عاشهما النبي (ص) على الرغم من انه كان في موقع الملك او الامبراطور في عصره حيث قالت رضي الله عنها : - (ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام ثلاثَ ليال تباعاً) ( ) وفي وصف آخر لها : - (كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه ناراً ، انما هو التمر والماء) ( ) وقالت ايضا : - (توفي النبي وما في رفي من شيء ذو كبدٍ الا شطر شعير) ( ) . على ان شظف العيش وزهده اللذين عاشها الرسول الكريم لم يكن جزافاً ، بل كان مقصوداً فقد نهى عن اكتناز المال من الذهب والفضة مشيراً الى الآية الكريمة : - ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله * فبشرهم بعذاب أليم) . كما قال الرسول (ص) ناصحاً المسلمين بأكثر من حديث هذه نصوصها وجميعها تحذر من مغبة الاكتناز : - الاول (ان المكثرين هم الاقلون يوم القيامة) ( ). - والثاني (لو كان لابن آدم واديان من مال لاأبتغى واديا ثالثا) ( ). - والثالث (قلب الشيخ شاب على حب اثنتين طول الحياة وحب المال) ( ). على ان هناك رواية تؤكد منهجية الرسول (ص) سلوكاً وبرنامجا مؤكدا بهما تقشفه وزهده المقصودين ، وذلك عندما كلف بلالا ذات يوم اثناء ما كان خازنا للمال ان يقضي ديونه ، فجاءه بلال قائلاً : - (قد قضيت جميع ديونك يا رسول الله ، ولم يبق عندي سوى أوقتين من الذهب ، فقال الرسول (ص) : - (أنظر ان تريحني ( ) منهما فلست بداخلٍ على احد من اهلي حتى تريحني منهما) ( ) وشاءت الصدف ان لايأتي في ذلك اليوم محتاج فبات النبي (ص) في المسجد ليلته تلك حتى الصباح ، وعند ذاك جاء فقيران فاعطاهما بلال (الاوقيتين) وقال للنبي : - (قد اراحك الله منهما ، فاجابه النبي قائلا الحمد لله) ليطيء رأسه قليلا عند دحوله بيته ، وذلك لانخفاض سقفه وينام على فراشه الذي كان من ادم وحشوه ليف . لقد وصل النبي (ص) في تقشفه حداً انه قال لعمر بن الخطاب (رض) عندما طلب منه ان يريح جسده بفراش وفير وذلك عندما شاهد عمر (رض) اثر الحصير على جنبيه فاجابه الرسول (ص) قائلا بنبرة حادة : - (أكسروية ؟ انما هي النبوة) . على انه كان يحث أهل بيته على العيش بزهد وتقشف ، ففي يوم ما دخل بيت فاطمة ابنته (ع) فشاهد قلادة حول جيدها فنظر اليها نظرة علمت البتول (ع) بكل كلماتها فخلعتها ليحول الرسول (ص) ثمنها الى طعام للمحتاجين من المسلمين ، وفي يوم اخر جاءت الزهراء (ع) تطلب من والدها خادمة تعينها في شؤون البيت فكان رده لها حادا وصارماً اذ قال : - (اتق الله يا فاطمة) وكأنه يؤكد لها وللجميع أنه جاء داعيا لا امبراطوراً يحفل قصره بالخدم والاتباع ، وهذا ما اكد عليه في واحد من احاديثه الشريفة حيث قال : - (لو كان عندي مثل أحد ذهباً لسرني الا تمر بي ثالثة وعندي منه شيء ، الا شيئا ارصده لدين يكون علي) ( )( ). ان الباحث في موضوعة الغزو في الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة والتي تعني بمعناها اللغوي (سلب ونهب أموال الخصول) ليتراءى لـه اثناء البحث ، ان اية سيامر الله تعالى بانزالها تجب الاية التي تدعو لها و تأمر على نسخها وذلك بالقياس مع سيرة رسول الله (ص) الداعية الى الزهد والتقشف وموقفه الواضح منها وبشكل خاص موقفه مع الانصار حين قال لهم : - ( الا ترضون با معشر الانصار ان يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله) . الا انه ترك هذا الموضوع مهيئا ً لفتوى تدعو الى تجريد شعار (الجهاد في سبيل الله) من فكرة الغزو اي (السلب والنهب) لاموال الخصوم ويكتفي المسلمون بفتح البلدان سلما او حربا على بث ونشر تعاليم الدعوة الاسلامية فقط ، على ان تقوم اجهزة الدولة بتنظيم اقتصادها ، الا ان احداث الردة التي حدثت ابان خلافة (ابي بكر الصديق) لم تمهله على العمل في توفير الارضية المناسبة لاصدار مثل هذه الفتوى ولكنه اعترض على بعض الصحابة الاولين عندما طلبوا منه ان يفضلهم بالعطاء عن بقية المسلمين لأنهم الاسبق في نصرة الله ورسوله فقال ابو بكر (رض) : - (أما ما ذكرتم من السوابق والقدم والفضل ، فما اعرفني بذلك ، وانما ذلك شيء ثوابه على الله عز وجل ثناؤه ، وهذا معاش ، فالاسوة فيه خير من الاثرة) ( ) على ان الخليفة عمر بن الخطاب (رض) حاول جادا وجاهدا العمل على توفير الارضية المناسبة لاصدار هذه الفتوى ، ولكن الفتوحات الاسلامية التي جاءت بكنوز (كسرى وقيصر) احدثت زلزالا في عصب اقتصاد الدولة الاسلامية فقلبت المجن رأسا على عقب ، لذا نرى عمرا الذي تربى على سيرة الرسول (ص) في الزهد والتقشف يبكي حين شاهد الذهب منثوراً على حصير ليقول مسائلا نفسه وهو في حيرة من امره : - [فالله أعلم حيث حبس هذا (اي اخر مجئ هذا المال) عن نبيه وعن ابي بكر واعطانيه ، واستمر ببكائه ليقول : - والذي بعثه بالحق ، ما حبس هذا عن نبيه وعن ابي بكر اراده الشر بهما ، واعطاه عمر ارادة الخير به ] ( ) . على ان الحيرة لم تنتاب عمر (رض) لوحده تجاه هذا الفائض من المال ، والذي يعرف بفائض القيمة في العلوم الاقتصادية ، بل انتابت الحيرة العديد من الصحابة ومنهم ام المؤمنين السيدة (زينب بنت جحش) (رض) عندما قدم عمر (رض) العطاء اليها والبالغ اثنا عشر الفا بعدما كان عطاءها درهمين يوميا ، فما كان منها الا ان تقول : - (غفر الله لامير المؤمنين كان في صويحباتي من هي اقوى على هذا المال مني ، فقيل لها : - ان هذا كله لكِ ، فامرت به فصب وغطته بثوب ، ثم قالت لمن عندها : - أدخلي يدك لآل فلان ، وآل فلان ، فلم تزل تعطي لآل فلان وآل فلان حتى قالت لها من تدخل يدها : - لا أراك تذكرينني ولي عليك حق ، فقالت لها ام المؤمنين (رض) : - لك ما تحت الثوب ، فكشفت الثوب ، فاذا ثم خمسة وثمانون درهماً) ( ). الا ان السيدة زينب بنت جحش (رض) لم تكتف بما قامت به بل راحت تدعو من ربها قائلة : (اللهم لايدركني عطاء عمر بن الخطاب بعد عامي هذا أبدا فكانت رضي الله عنـها اول ازواج النبي لحوقا به) ( ) على ان جانبا كبيرا من المسلمين ومنهم الاولين في الاسلام من اثر الاكتناز وجمع المال حدا انه جاء عمر (رض) وفد من الجيش كان من بينهم (بلال الحبشي والزبير بن العوام) يطالبونه على تُقْسَيم الارضيين (العراق والشام) بين الجند قائلين له : - ( اقسم الارضين بين الذين افتتحوا كما تقسم غنيمة العسكر) ( ) الا ان عمرا (رض) ابى ان يقسمها بينهم قائلا : - ( قد اشرك الله الذين يأتون من بعدكم في هذا الفئ ، فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء ، ولئن بقيت ليبلغن الراعي بصنعاء نصيبه من هذا الفئ ودمه في وجهه) ( ). الا ان عمرا (رض) قسم ما غنموه من مال ومتاع وترك الارضين على حالهما مع عمالها ، واكتفى بفرض الجزية على الناس والخراج على الارض ، في حين رفض تقسيم الارضين بين المقاتلين ، علما ان الوفد حين حاججوه استندوا الى النص القرآني الذي يجيز لهم الحصول على أربعة اخماس الغنيمة ومنها الارض لكونهم غزوها ( ) عنوة ، ليكون رفض عمر (رض) بتقسيم الارض بين المقاتلين بمثابة الفتوى، التي تفاعلت اسبابها مع النص القرآني لتأتي بما يخدم الصالح العام، الا ان بلالا الذي بدأ عهده يعاني من نير العبودية اصر على ان تقسم الارض متأملا ان يغدو من كبار اصحاب الضياع وسيدا على العشرات من فلاحيها ومزارعيها كعبيد له ، وتحت هذا الاصرار والالحاح من قبل بلال انفعل عمر (رض) ليدعو عليه موجها كلامه الى الله تعالى ليقول : - ( اللهم أكفني بلالا واصحابه ) ( ) وما ان ترك بلال المدينة للسفر الى الشام حتى صادفت وفاته في الطريق ليقول من قال من المسلمين : - ( انها دعوة عمر ) ( ) وما ان شاهد عمر (رض) تهافت المسلمين من قريش وغيرها وذلك من خلال سعيهم الدؤوب في اكتناز المال ، حتى قام باجراءات مشددة بحقهم ، فصادر الاموال وفرض الاقامة الجبرية على البعض الاخر قائلا : - ( الا ان قريش يريدون ان يتخذوا مال الله معونات دون عبادة ، الا فاما وابن الخطاب حي فلا ، اني قائم دون شعب الحرة اخذ بحلاقيم قريش وحجزها ان يتهافتوا في النار ) . ان محاولتي الجادة في اظهار فتوى تحرم (سلب ونهب ) اموال الخصوم لم تات من فراغ ، بل انها تستند على نصوص شرعية اكدت عليها الديانات السماوية في كتبها المقدسة ، اذ نص التوراة في الكثير من اسفاره على تحريم سلب الغنائم من البلدان المفتوحة حتى ان شاؤول ملك اسرائيل الاول عندما جاء ببعض الغنم والبقر من العمالقة بعد انتصاره عليهم ليقدمها قرابين لاله اسرائيل ابدى له صموئيل الكاهن او النبي الاسرائيلي امتعاضه قائلا : - ( هل مسرة الرب بالمحروقات والذبائح ، كما استماع صوت الرب ! هو ذا الاستماع افضل من الذبيحة والاصغاء افضل من شحم الكباش، لان التمرد كخطية العرافة والعناد كالوثن والترافيم ، لانك رفضت كلام الرب رفضك من المُلْكْ) ( ) ، لهذا السبب عمل الرب الاله على اسقاطه من عرشه ليتربع عليه بدلا منه النبي او الملك داوود . اضافة الى هذا فقد اكد الرسول (ص) في احدى احاديثه الشريفة بالقول : ( لم تحل الغنائم لأحد سود الرؤوس ، قبلكم كانت تنزل نار فتأكلها) ( ) . وفي رواية اخرى اكد عليها الذكر الحكيم مفادها ان عمرا (رض) شاهد يوما محمداً (ص) وصاحبه ابى بكر يبكيان فقال : - (يارسول الله ، اخبرني ، من اي شيء تبكي انت وصاحبك ، فأن وجدت بكاء بكيت وان لم اجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال الرسول (ص) : - (ابكي الذي عرض عليَّ اصحابك من اخذهم الفداء ، ولقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة (مشيرا الى شجرة قريبة منه) ( ) ، الا ان الله احل عليه الغنيمة والفداء في نفس الآية التي بدأها بعتابه لرسوله الكريم اذ قال : - (ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب أليم * فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا)( ) ان موافقة النبي محمد (ص) على قبول فداء اسرى بدر جاءت بعد ان شاور الكثير من اصحابه فمنهم من قال وهو ابو بكر (رض) : - (يارسول الله عترتك وأصلك وقومك تجاوز عنهم يستنقذهم الله بك من النار في حين قال عمر (رض) (كذبوك واخرجوك اصرب اعناقهم) فيما قال عبد الله بن رواحة (يا رسول الله انت بوادٍ كثير الحطب فاضرمه ناراً ثم القهم فيها) ويبدو ان الموافقة على الغنيمة والفداء حصلت لما كان المسلمون يشكون عيلةً اي (فقر وحاجة) وهذا سبب ادعى الى الافتاء بوجوب رفضها (اي الغنيمة والفداء) خصوصاً عندما أصبح الاسلام قويا متمكنا من كل جوانب الحياتية وبشكل خاص الجانب الاقتصادي ، لان المرعب في دوام شرعية الغزو هو استمرار الحروب ، وهذا ما اتخذه البعض من دعاة الايمان الذين غلفوا نواياهم بشعار (الجهاد في سبيل الله ) لما فيه من سلب ونهب تغني نفوسهم المريضة ، كما ان دخول البعض الاسلام خوفاً من حد السيف جعلهم يتربصون به وبنبيه في اكثر من مناسبة وموقع ، وكم بدا هذا واضحاً في غزوة حنين ، فما ان هرب جيش النبي (ص) في اول المعركة حتى بدت شماتة البعض من جنده اذ قال ابو سفيان: - (لا تنتهي هزيمتهم دون البحر وان الازلام لمعه في كنانته) ( ) في حين صرخ جبله بن الحنبل (الابطل السحر) ( ) كما قال شيبه بن عثمان بن ابي طلحة وكان ابوه قتل في احد : - اليوم أدرك ثأري من محمد) ( ) اضافة الى هؤلاء فقد اشار الله تعالى في كتابه العزيز عن الكثير ممن آذوا الرسول الكريم (ص) وأساءوا اليه ، حيث ذكرت احدى الروايات : - (ان زيد بن ارقم سمع رجلا من المنافقين يدعي الجلاس بن سويد يقول والنبي (ص) يخطب : - ان كان هذا صادقاً لنحن شر من الحمير ، فرفع ذلك الى النبي (ص) فجحد القائل فانزل الله تعالى الآية) ( ). (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم) ( ) وفي رواية اخرى شملت هذه الاية منافقاً آخر مفادها : - ( كان رسول الله (ص) جالساً في ظل شجرة فقال انه سيأتيكم انسان ينظر بعيني شيطان فطلع رجل ازرق فدعاه الرسول (ص) فقال : - علام تشتمني انت واصحابك ؟ فانطلق الرجل فجاء باصحابه فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم ) ( ). وعلى ما يبدو فأن القرآن الكريم ملئ باشخاص اساءوا الى الاسلام والرسول (ص) حتى ان الله هدد بابدال القوم بقوم آخرين استناداً للآية (39) من سورة التوبة والتي تنص (الا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شئء قدير) وهناك رواية اخرى تتحدث عن منافق آخر يدعى (عبد الله بن ابي) قال قولا في مجلس يوماً في غزوة تبوك : - ( ما رأينا مثل قرآن هؤلاء ، ولا أرغب بطونا ، ولا اكذب ألسنة ، ولا أجبن عند اللقاء منهم ، فقال رجل كذبت ولكنك منافق لاخبرن رسول الله (ص) فبلغ ذلك رسول الله (ص) فقال بن عمر : - رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله (ص) والحجارة تذكيه وهو يقول : - يارسول الله ، انما نخوض ونلعب ورسول الله يقول : - أ بالله وآياته ورسوله تستهزئون) ( ) . ان اعداء الاسلام والمسلمين الذين ابدوا صدوداً عنه وتمكنوا من التوغل في صفوفه لكثير جداً ، حتى ان الله تعالى اكد على دورهم السلبي تجاهه وأهمهم (الاعراب) الذين كانوا اشد كفرا من غيرهم استنادا للآية الكريمة : - (الاعراب اشد كفرا ونفاقا واجدر الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله والله عليم حليم) ( ). اما الاية التالية فقد شملت جانبا عريضا من المسلمين وصفت شعور الاسى والاسف اللذين ينتابهم لدفعهم الزكاة لكونها تمثل لهم تجارة خاسرة وهذا ما أكدت عليه آية 98 من سورة التوبة والتي تنص : - ( ومن الاعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم)( ) في حين يروي عن علي بن ابي طالب (ع) قال لما نزلت الآية : - ( ولا يسألكم أموالكم وان يسألكموها فيحقكم تبخلوا ويخرج اضغاثكم) قال لي رسول الله (ص) ما ترى؟ ديناراً قلت لا يطيقونه ، قال فنصف دينار قلت لا يطيوقونه ، قال فكم قلت شعيره قال إنك لزهيد) ( ). على ان جانبا عريضا من فقراء المسلمين أظهروا ايمانهم وطاعتهم للرسول (ص) لغاية في نفوسهم ، فما ان رزقهم الله تعالى حتى حادوا عنه ومن امثال هؤلاء (ثعلبة بن حاطب) ، فعندما كان فقيراً معدماً اظهر الكثير من الورع والتقوى وصنوف الطاعة والولاء ، وتنفيذ الفروض وبشكل خاص مشاركته الدؤوبة لتجسيد شعار (الجهاد في سبيل الله) لكونها الوسيلة الامثل في تحقيق الثراء والغنى وعندما مكنه الله واثراه انقطع عن تنفيذ الفرائض وقد ذكره الله تعالى في محكم آياته : - ( ومنهم من عاهد الله ورسوله لان أتانا من فضله ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون) ( ) . ان نظرة ثاقبة لاحداث غزوة حنين توضح للقارئ الهوة العميقة التي تفصل بين المسلمين ، خصوصا ان علمنا ان جميع الروايات تتحدث ان عدد الذين صمدوا مع الرسول (ص) في اول المعركة (12) شحصاً من مجموع جيشه البالغ اثنا عشر الف مقاتل ، مما يؤكد لنا المواقف الهزيلة من جانب واسع وعريض من المسلمين الذين تربصوا بالاسلام ونبيه (ص) حتى ابتكر جانب آخر بناء مسجد ليظهروا فيه زيف ورعهم وتقواهم مدعين انه سيكون محطة استراحة للمسافر وعابر السبيل الا انهم جعلوا منه في حقيقة الامر وكرا حاولوا الاتصال منه بقيصر الروم املين ان يبعث جيشه للقضاء على المسلمين ونبيهم ، وما ان علم النبي (ص) بحقيقة امرهم حتى امر بهدمه وحرقه ( ). ان امة او شعبا يتكون معظمه من نماذج كالتي ذكرت لا يمكن بهم ان تبنى دولة عقائدية متوازنة تامر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتكون انموذجا يحتذى ، ويبدو ان الرسول (ص) وبعضا من اصحابه الابرار كانوا على دراية بحقيقة هذه الامة وكم كان راي الرسول (ص) واضحا ومميزا فيهم عندما سئل يوما عن رأيه في الرعية اجاب قائلا : - ( الناس اثنان عالم ومتعلم ، وما عدا ذلك همج رعاع لا يعبأ الله بهم ) ( ). في حين قال الامام علي بن ابي طالب (ع) في الرعية رايا مشابها مفاده : - ( همج رعاع اتباع كل ناعق ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا الى ركن وثيق ، واجمع الناس في تسميتهم على انهم غوغاء ، وهم الذين اذ اجتمعوا غلبوا واذا تفرقوا لم يعرفوا ) ( ). لذا فان تشريعا يدعو الى الغزو أي ( السلب والنهب ) كالاية الكريمة ( واعلموا انما غنمتم من شيء، فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم آمنتم بالله وما انزلناه على عبدنا يوم الفرقان ) لتمثل في حقيقتها اكبر الخطر على المسلمين انفسهم ، لانها تعطي الشرعية لنواياهم الحقيقية الداعية الى السلب والنهب ، وما احداث الردة التي حدثت بعد وفاة الرسول (ص) لاكبر الدليل على ذلك ، حيث كانت اسباب ردتهم رفضهم فريضة الزكاة لايمانهم انها تجارة خاسرة وهذا ما وضحته سابقا ضمن الايات البينات مضافا الى ذلك ولعهم وحبهم الشديدين للرجوع الى عادتهم الاولى في غزو بعضهم بعضا امتثالا لقول الشاعر : - ولكن فطام النفس اثقل محملا من الصخرة الصماء حين يرومها ان ما يرعب في شرعنة الغزو اعطاء المبرر للخصوم على سلب ونهب ثروات المسلمين ان هم خسروا الحرب ، لعلم الخصوم ان خسارتهم تعني سلبهم ونهبهم وسبي نسائهم وذراريهم ، وبهذا نعطي الشرعية لخصومنا القيام بهذا الفعل ان لم ندع الى الافتاء بتجاوزها او نسخها ، كما ان المرعب فيها ايضا الخوف من غزو المسلمين بعضهم على بعض لان الكثير من الجنود لا يهمهم مع من يقاتلون او من يقتلون وما تكشير انيابهم اثناء معارك الفتنة الكبرى لاكبر الدليل على ذلك ، حيث ظهر من يسرق سوار بنت الحسين عليهما السلام في معركة الطف وهو يبكي ، فسالته ام كلثوم (ع) عمتها قائلة : - ( ما الذي يبكيك ؟ فاجابها قائلا : - لانني اسرق ابنة رسول الله ، فاجابته قائلة - اذا لا تسرقها فاجابها بالقول : - ان لم اسرقها سرقها غيري )( ) . ليُظهر فيما بعد سنان بن انس النخعي حقيقة اشتراكه في هذه المعركة وهو يحمل راس الحسين ليقول لزعيم جيشه عمرو بن سعد : -اوقر ركابي فضة وذهبا اني قتلت السيد المحجبا( ) - قتلت خير الناس اما وابا وخيرهم اذ ينسبون نسبا ان اسباب الفنتنة الكبرى كثيرة ولكن السبب الاكبر الذي دعى الى اشعتالها توقف الفتوحات الاسلامية ، حتى ظهر من ينصح خليفة انذاك بالاستمرار في الفتوحات وذلك بسبب انقطاع الثروات الهائلة التي اعتاد الجنود على جنيها من غزواتهم ويبدو ان هذه النصيحة لاقت قبولا ورضى من قبل الحجاج بن يوسف الثقفي فيما بعد فرفد المهلب بن ابي صفرة بسيل من العراقيين ليكون تجنيدهم الخلاص من تمردهم واشغالهم بالحروب الخارجية والهائهم بما يجنون من غنائم عن طريق سلب ونهب الخصوم . ان دوام فكرة الغزو في الاسلام هي الدافع الشرعي المغلف لحقيقة الاعمال اللصوصية التي يقوم بها المخربون اليوم في بلادنا ، فكانت النتيجة قتل وهجرة الكثير من ابناء شعبنا تاركين وراءهم منازلهم واثاثهم نهبا لدعاة الايمان زورا وبهتانا ، وهم بالحقيقة لا يعدون الا ان يكونوا لصوصا وقطاع طرق يسرقون اموال الغير ، لذا كان لزاما على شيوخ الاسلام ان يفتوا على نسخها مثل الكثير من الايات التي نسخت ، لان استمراريتها يعطي الشرعية للصوص على تحقيق ماربهم ، والباحث في الكتاب الكريم يجد اكثر من نص يسند مثل هذا الافتاء وذلك من خلال النقاط التالية : 1. ان سبب تقبل الغزو (سلب ونهب ) اموال الخصوم جاء بعدما كان المسلمون في عيلة من امرهم أي انهم كانوا يعانون من العوز والفاقة . 2. عدم سماح الغزو مثلما موضح سلفا في الديانات السماوية . 3. ظهور الاية (4) من سورة محمد والتي تنص : ( فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى اذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فامامنا بعد واما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ) ( ). حيث كان من الممكن الاعتماد عليها كنص شرعي والتاكيد على جانب (المن) فيها، كما ان سيرة الرسول (ص) تدعم هذا الجانب الانساني من الاية الكريمة ، حيث (مَنَّ) الرسول على ثمامة بن اثال واطلق سراحه ، اضافة الى هذا فقد قال في أسارى بدر : - ( لو كان المطعم بن عدي حيا وكلمني في هؤلاء لتركتهم له ) ( ) وعلى الرغم من محاربة اهل مكة الرسول وتحزيبهم الاحزاب ضده الا انه عندما تمكن منهم يوم فتح مكة قال لهم : - ( ما تظنونني فاعل بكم فاجابوه - اخ كريم وبن اخ كريم ) ( ) فقال لهم اذهبوا فانتم طلقاء . وما ان شاهد هند بنت عتبة حتى قال لها : - ( أي هنود اكلة الكبود فاجابته بالقول : - انبي حقود ) فعفى عنها . من خلال هذه السيرة والنص القراني الانف الذكر كان من الممكن لشيوخ الاسلام ان يفتوا بتلك الفتوى وينقذوا البشرية والمسلمين على حد سواء من شرور الحروب التي اصبحت وبالا عليهم خصوصا وان شيخين جليلين وهما (الحسن وعطاء) افتيا على نسخ اية القتال وهي الاية رقم (5) من سورة التوبة والتي تنص على : - ( فاقتلوا المشركين حيث وجتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم) ليضعا بدلا عنها الاية (4) من سورة محمد التي تنص : - ( فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى اذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منّاً بعد وأما فداء حتى تضع الحرب اوزارها ) أي ان وقع اسير بيد المسلمين فلا يجوز قتله استنادا لتفسير الحسن وعطاء ، الا ان لابن عباس راي اخر في هذا الموضوع مفاده : - (خير الامام في الاسرى بين المن والفداء والقتل والاسترقاق )( ) ان تفسير بن عباس هذا الذي يحمل في طياته خيارات متعددة متضاربة اعطى الشرعية للحكام على ان يحكموا كيفما اتفق استنادا لمزاجهم ، لذا نرى مصعب بن الزبير لم يتوان في قتل خمسة الاف اسير وقعوا بين يديه ليقتل هو وسبعة الاف من جيشه عندما وقعوا اسرى بيد الحجاج ايام خلافة عبد الملك بن مروان ولم يتوان الحكام في قطع اعناق النساء في مواقع عدة وبطبيعة الحال استبيحت الاعراض ونهبت اموال المسلمين عندما اغار احدهم على الاخر ، حتى اتخذت سنة متبعة ، والذي زاد الطين بلة التفسير المتشدد لبعض شيوخ الاسلام ومنهم ( بن جريح ) عندما قال : - ( ان هذه الاية ( يقصد اية (4) سورة محمد ) منسوخة باية السيف اوالقتال فلا يجوز فداءهم ولا منهم ) ( ) في حين قال اخر هي منسوخة بذات الاية ولا يفادى لا يمن الا على من لايجوز قتله الصبي المراة في حين اجاز بعض المفسرين قتل الطفل والمراة ايضا ، اضافة الى هذا كله ادعى اخرون بالقول : ( ان المن يغبن حقوق الغانمين) ( ) ليؤكدوا بتفسيرهم او فتواهم على سلب ونهب اموال الخصوم وكأن (المنّ) لم يات تشريعا من الله ولم يمارسه الرسول (ص) في حروبه . ان خروج مثل هؤلاء عن النص القراني والسنة النبوية لا يعني عدم نزمتهم ووقوفهم بالمرصاد امام المستجدات التي تحدث في المجتمع نتيجة التطور التاريخي , ولكنهم دائما وابداً يفسرون الأيات كما يحلوا لهم , علماً ان الكثير من القرارات الصائبة التي اتخذها بعض الخلفاء الراشدين , كانت لا تنسجم مع النص القرآني وربما تتقاطع معه , ولكنهم تفاعلوا مع الاحداث لصالح الامة الاسلامية والمستجدات التي طرأت عليها وخير مثال استهل به في هذا المجال رفض عمر بن الخطاب (رض) تقديم العطاء إلى المؤتلفة قلوبهم على الرغم من وجود نص قراني صريح يؤكد على ذلك, كما وانه لم يقسم الارضين (العراق والشام) ( ) على المحاربين رغم وجود نص قراني يؤكد على تقسيم الارض التي تؤخذ عنوة على المحاربين بمعدل اربعة أخماسها( ) لذا استند في حكمه هذا على آية الفيء التي لاعلاقة لها بالحروب ومفادها: (ما أفاء الله والرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لايكون دولة بين الاغنياء منكم وما أتاكم الرسول ) ، اضافة الى هذا فان الخليفة عمر (رض) لم يعط قرابة الرسول شيئاً من الفيء اذ روي عن بن عباس هذه الرواية بالقول : ( ان عمراً (رض) كان يعطينا من الخمس نحوا مما كان يرى فرغبناعن ذالك وقلنا ذوي القربى خمس الخمس فقال : انما جعل الله الخمس لاصناف سماها فأسعدهم بها اكثر عددا وأشدهم فاقة فأخذه ذلك منا ناس وتركه ناس ) ( ) وعندما تسلم علي بن ابي طالب (ع) الخلافة جاءة وفد من بني هاشم يطالبونه نصيهم من الفيء مع تعويض ما فاتهم أيام عمر(رض) فأجابهم الامام (ع) (ماقدمت ها هنا لاحل عُقدةً شدها عمر ) ( ) وبذلك يكون الامام علي (ع) قد خرج عن النص القرآني هو ايضاً . اما عن الخروج السلبي للنص القرآني والسنة النبوية الشريفة فحدث ولا حرج ولكنني سأكتفي بمثال واحد فقط ، تمثل بأخذ الجزية أيام خلافة بني امية من الذين اعتنقوا الاسلام طوعاً من اهل الذمة على الرغم من وجود حديث نبوي شريف ينص : - (لاجزية ولا خصاء في الاسلام) ( ) في وقت اسقط الخليفة عمر بن عبد العزيز الجزية على المرضى والضعفاء الذين لا مورد لهم ( ) ، الا ان تمادي الخلفاء ادى الى نسفهم لهذا الحديث الشريف تماماً ، اذ قاموا بخصي عبيدهم وهناك رواية يحدثنا التاريخ الاسلامي عنها مفادها : - (ان الخليفة سليمان بن عبد الملك خرج مرة الى البراري للتنزه مع بعض من اتباعه فسمع شاباً يدعى (سمير الابلي) يغني شعراً فاعجب بصوته الا انه امر بخصيه خوفاً منه على جارية له ، وعندما سئل عن السبب قال : - (اما علمت ان الفرس يصهل فتستودق الحجر له ، وان الفحل يهدد فتضبع له الناقة والتيس ينب فتستحرم له العنز والرجل يغني فتشبق له المرآة ) ولم ينته الامر الى خصيه بل اصدر الخليفة امراً الى احد عماله ( ان احص المخنثين وابعدهم عن المدينة لئلا يفسدوا النساء على ازواجهن ، الا ان الصدفة لعبت دوراً كبيرا ، اذ وقعت نقطة من قلم الكاتب على الحاء في كلمة (أحص) لتصبح أخص فخصاهم جميعاً . - ان الشعوب قاطبة والمسلمين بشكل خاص عندما تريد ان تفتخر بتراثها فانها تبحث ، عما قدمته من خدمات انسانية وحضارية وعمرانية للبشرية ، لذا فما ان يأت ذكر الجانب الانساني في الاسلام حتى يسرد جانبٌ كبيرٌ من سيرة الرسول (ص) وبعض من اصحابه ، واول ما نحرص على ذكره اعراضه عن المشركين وعفوه عمن اساءوا اليه كما نذكر الصفوة من الاخبار ومنهم (عمر بن عبد العزيز) في حين نتجاوز في حديثنا عن تأريخ الخلفاء من بني العباس او امية لما اساءوا الى الشعوب من خلال سلطانهم وصولجانهم ، لذا كان من الافضل لمن ارادوا الاصلاح لبلاد المسلمين وشعوبهم ان لا يدعوا الى فتاوي القتل وتكفير الاخر بل عليهم ان يدعوا الى الاحسان والفضيلة متخذين من السيرة النبوية والتفسير المتسامح والداعي الى التعايش مع الاخر واحترام رأيه حتى يظهر الاسلام بفحواه الانساني الداعي الى الخير لعموم البشرية ، علماً ان هناك حديث شريف ينص على : - ( ان في كل 100 عام يظهر ما يجدد هذا الدين ) وبكل الاحوال فأن التجديد لا يستند وبشكل مطلق على القتل والحروب فالحروب بطبيعتها مدمرة للبنية الانسانية والبيئية البشرية لما تخلفه من امراض اجتماعية ، اما القول بان روح التسامح والمسالمة والاعراض عن المشركين صفات نسختها آية (5) من سورة التوبة الداعية الى قتل المشركين اينما وجدوا كما وانها نسخت مائة وخمسة وعشرين آية كلها تدعو الى الانسانية والتسامح بحجة ان الاسلام كان متسامحاً في بداية دعوته لكونه كان ضعيفا ، فهذا التفسير لا يمكن ان يكون تفسيرا عقلانيا ومنطقيا كما وانه ينسجم في رؤاه مع طبيعة الجبابرة والدليل على ذلك هو ان النبي عفى عن الكثير ممن اساءوا اليه وهو في اوج قوته ، كما وانه دفع الفدية لذوي الكثير ممن قتلوا من المشركين على يد المسلمين في حالات عديدة وهذا ما كان واضحا في احداث فتح مكة كما وانه أي الرسول دفع الفداء لذوي (عامر بن الاضبط الاشجعي) عندما قتله (محلم بن جثامة) فما ان واجهه النبي حتى سأله قائلا : ما اسمك؟ قال انا محلم بن حثامة ، فرفع الرسول يده وقال : - (اللهم لا تغفر ( ) لملحم بن حثامة ثلاثا ، فقام وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه، وما ان سئل من سمع وشاهد هذا الحديث هل غفر الله والرسول له فكان جاوبوهم بالقول : انا لنرجوا ان يكون رسول الله قد استغفر له واما ما ظهر من رسول الله فهذا) لذا كان الافضل لمن يريد الاصلاح لبلاد المسلمين ان يدعو الى نشره بين البلدان من خلال الحملات التبشرية فقط والتأريخ يحدثنا عن الكثير من البلدان التي دخلت شعوبها الاسلام من خلال هذه الطريقة التي اعتمدت اسلوب الحوار والاقناع . إن الحروب بطبيعتها تولد الحاضنة الاساسية المساعدة للأجواء اللصوصية وكم عانت بلدان الارض ومن بينها بلادنا من شرورها فالتاريخ يحدثنا أن القوات البريطانية ما ان وصلت شواطئ البصرة واخذت تضرب الحامية العثمانية هناك حيث خرج وجاءوها بوفد كبير يطلبون من القوات البريطانية التي نزلت على البر الاستغاثة منهم بسبب حالات السلب والنهب التي تعرضت لها اسواق ومحلات البصرة ، وتكررت مثل هذة الحالة عندما احتلت القوات البريطانية بغداد ، اذ خرج وفد مشابه لذلك الوفد للاستغاثة بها بسبب اللصوص الذين صالوا وجالوا في محال وازقة بغداد ، وما ان اطلقت القوات البريطانية النار عليهم حتى تركوا المسروقات على الطرقات فتمكن اهالي بغداد من استرجاعها ولهذا السبب لقب العراقيون البريطانيين بـ (ابو ناجي) لانقاذهم من اللصوص . على ان حدث يثير الدهشة والاستغراب حدث ابان القتال بين القوات البريطانية والعثمانية اذ فما ان تعرض معسكر إلى الضرب بالقذائف وبدت معالم الهزيمة فيه حتى تنهال العشائر العراقية العاملة في ذلك المعسكر الى سرقة ذالك المعسكر, فما كان في القائد العثماني الا ان يوجه اقتراحا ً على القائد الانكليزي تومسون مفاده عقد هدنة لمدة عشرة أيام يقوم فيها الطرفان بمقاتلة اللصوص (العشائر العراقية) الذين ذاق الطرفان المتقاتلان ذرعاً منهم ، إلا أن القائد البريطاني رفض ذلك . وما ان تمكنت بريطانيا من احتلال بغداد عام (1917) حتى اشتاط العثمانيون غضباً فقرروا مع حلفائهم الالمان تشكل غرفة عمليات لتحرير بغداد بمشاركة كبير ضباط الجيش الالماني وما ان اكتلمت الخطة العسكرية وبادر بالتنفيذ تراجع عنها باللحظة الاخيرة وذلك لعلمه ان القطار الناقل للجنود الالمان والاتراك على حد سواء سيمر من على الأراضي العراقية المليئة باللصوص . وما ان سقط النظام السابق حتى نشط السراق في بغداد وكافة المحافظات العراقية وبدلا من ان تتكاتف جهود العراقيين في بناء الدولة من جديد ظهر من يرتدي الجلباب ليفتي بقتل الشرطي والجندي لينشط اللصوص ويقوموا بعمليات السرق والنهب تحت مظلة شرعية وفرتها لهم تلك الفتاوى المشابهة لفتاوى بن جريج وامثاله التي احلت القتل والاختطاف جاعلة المجرم ضحية والضحية مجرم لتختلط الأوراق ويعيش الجميع فوضى الأمن لينعم في ظلال هذه الأوضاع المزرية القتلة والمجرمون ليستعيد أمثال (ذي الخويصرة) نشاطه الاجرمي تحت ظلال بعض رجال الدين مستفيدا من صبغة (الجهاد في سبيل الله) لتنهب وتسلب أموال المسلمين مرة ثانية ، لتعود أحداث المدينة ومكة وتجسم بعد سنوات في بغداد و بقية محافظات العراق من خلال فتاوى مماثلة لابن جريج الذي أفتى بالقتل والقتل فقط لتقتل المرآة والرجل والطفل على حد سواء. وعلى علم الجميع بكثرة السراق والمجرمين في العراق والذين يتجاوز عددهم الآلاف حيث تشير الاحصائيات إن رأس النظام السابق أطلق من عتاة الجريمة بعفو عام قبل سقوطه بأشهر قليلة (30.000) مجرمٍ ، الا ان بعض رجال الإفتاء وسماحة الشيوخ لم يقروا او يشيروا بأصابعهم على مجرم واحد ظهر من على شاشة التلفاز على الرغم من اعترافاته ، وهذا ما كان الزعماء في كل مرحلة من مراحل التاريخ يفعلون حيث أنهم كانوا يعتمدون على المجرمين في تنفيذ مأربهم ومخططاتهم وعلى الرغم من علمهم بسوء أفعالهم ألا أن الفتاوى أصبحت الملعب الواسع الذي يلعبون فيه ويمرون من خلالها ما يبتغون فمثلما وجد من يكفر الشعوب بفتواه فقد وجد من يفتي بشرعنة السلب والنهب ليسرق السراق تحت مظلة شرعية .
#طاهر_فرج_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القران بين تفسيرين
-
الاسلام و التطرف
-
حميد المختار والتيار الديمقراطي
-
الزوجة الثانية
-
لعبة الشطرنج وموت الاسكندر
-
سَنِمّّارْ الروسي
-
قرآن ناظم كزار!
-
السَماورْ... وتأثيرهُا الثقافي في العراق
-
جدوى ارتفاع رواتب الموظفين
-
تجفيف منابع الارهاب
-
المثقف والمناخ السياسي
-
تجفيف منابع الإرهاب
المزيد.....
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب
...
-
اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا
...
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|