أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الحاج سّمير الاشتراكي















المزيد.....

الحاج سّمير الاشتراكي


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 3060 - 2010 / 7 / 11 - 12:54
المحور: سيرة ذاتية
    


ربما يكون مقالي هذا خروج عن المألوف في كتاباتي عندما أستعرض سيّر مناضلين لهم بصماتهم الواضحة في المسيرة النضالية لعراق المآثر والأمجاد وفي حزبه الشيوعي بالذات،ومصدر الغرابة أن من سأكتب عنهم مناضلين من طراز خاص،فهم غير منتمون سياسيا لأي حزب من الأحزاب ،ومن طبقة مرفوضة في مجتمعاتنا المنافقة والمنغلقة ،ولكنهم في الجانب الآخر أفضل كثيرا ممن لهم مكانتهم المرموقة في المجتمع فهؤلاء يظهرون أعمالهم ولا يخفون أفعالهم بعكس أولئك الذين يظهرون الجميل ويخفون القبيح ،وهم في حقيقتهم أشد ضررا على المجتمع من هؤلاء المرفوضين،فهم أفضل من القتلة والمجرمين الذين تسلموا قياد البلاد لعقود فأمعنوا قتلا وتعذيبا وتشريدا ونهبوا أموال شعبهم وأحالوا حياته إلى جحيم،ولا يمكن مقارنة جرم من يشرب الخمر أو يرتكب الزنا بجرم من يقتل شعبا أو يسرق بنكا أو يعمل عميلا لبلد آخر،أو يرتكب أفعالا راح ضحيتها الملايين،فهؤلاء لم يكونوا مصدر خطر على المجتمع يتناسب وخطورة كبار المجرمين الرسميين ،الذين قتلوا وزنوا بأسم القانون وتحت مضلته،أو نهبوا بيوت المال تحت يافطة المبادئ والمثل العليا،أو ارتكبوا الموبقات وهم في مراكز مرموقة لم يكونوا أهلا لها لان مكانهم المصحات العقلية أو غياهب السجون،لما يحملون من أمراض فتاكة أثرت على شعب برمته،فأحالته إلى الدمار والخراب،وأضرت بوطن ما كان له أن يصل إلى ما وصل إليه من ترد لولا السنين العجاف.
في هذا المقال سأتناول شخصية أعتبرها رمزا للمعارضة الشعبية الحقيقية،لا المعارضة التي ولدت من سفاح في دهاليز المخابرات الأجنبية ،أو القوى الأمنية الصدامية، فهو لا يحمل أي توجهات عقائدية أو فكرية ولا يلتزم بأي خط نضالي معروف،أنه مناضل على الهامش،اتخذ المعارضة رمزا لتحدي السلطة الغاشمة، أنه سمير بالتصغير ،وهذا هو أسمه المعروف بين الناس وله اسم آخر في دوائر النفوس ،لذلك كنا نداعبه بالإشارة لأسمه الحركي الذي عرف به ولا يعرف أسمه الحقيقي إلا من كان معه في المدرسة أو الجيش ،ولا ينادى بغير هذا الأسم،وهو من مواليد 1950 عرفته طفلا لاهيا عابثا وصبيا شرسا متمردا،وشابا جنوحا لا يخشى العواقب ولا يفكر بالنتائج،همه أن يعيش يومه،ضج منه الناس في طفولته وتحاشوه في كبره لاندفاعه في استعمال قبضته لأتفه الأسباب،ومما أتذكر عن سنينه الأولى أو أيام فتوته،انه كان يسرق الخضرة والفاكهة من الفلاح أو البقال جهارا،يرتقي السيارة التي تحمل محاصيل الفلاح وبالذات الرقي أو البطيخ فيرمي به إلى الأرض ليتلقفه أقرانه الذين يعرفون هدفه وما أسرع ما يقفز عن السيارة ليشاركهم الأكل دون أن يستطيع السائق أو الفلاح الإمساك به،أو يسرق البيض من باعته أيام الجمع عندما يزدحم السوق بالباعة والمشترين،وسوق القاسم يوم الجمعة يغص بالآلاف من الوافدين إليها من الريف أو المحافظات لأغراض البيع والشراء،وذات يوم كان أحد باعة القماش قد باع بضاعته وركب سيارة الأجرة عائدا إلى أهله في الحلة بعد أن وضع نقوده في جيبه الأعلى ،وجلس إلى جانبه سمير وبعد أن سارت السيارة قليلا بدأ سمير بالتثاؤب ،فاقتدى به ذلك الشخص بعد ساعات من العمل والجهد ونام فما كان من سمير إلا أن ادخل يده في جيبه دون أن يعلم به أحد وسرق ما لديه من نقود ،وطلب من السائق النزول في المدينة التالية ليعود راجعا لمدينته يستثمر ما حصل عليه في الترويح عن نفسه،وفي الناسبات الدينية وخاصة العاشر من المحرم تزدحم المدينة بالوافدين إليها من الأرياف ليكون ذلك اليوم الحزين ملهاة للصبية والشباب العابث فيقوم سمير ومن هم على شاكلته بعمل المقالب للزائرين من الريفيين،فيضعون بين أصابعهم ورقة وهم نائمون ،فيحرقون طرفها وما أن تصل النار إلى أصابعهم حتى يهبوا مذعورين لاعنين شاتمين،أو يقومون بسرقة ما لديهم من أغراض ليس لغرض السرقة وإنما لغرض اللعب والمزاح ،لأن هذا اليوم رغم مظاهره الحزينة يحيله الناس إلى يوم للمزاح واللعب وأمور أخرى كثيرة يعرفها أبناء المدن المقدسة،وفي أيام الفرح الشيعي وهي قليلة لا تتعدى أياما تسمى ب(فرحة الزهرة) تجيز فيها عادات الناس العبث والمزاح وإعلان الفرح – ربما سنتطرق إليها لاحقا فهي من التراث غير المكتوب- يكون لسمير عبثه المشروع فيحيك المقالب للناس ومن مقالبه المعروفة أنه يضع في كيس من الورق -كان يستعمل تلك الأيام لوضع السكر- كمية من التراب ويغلق الكيس ليضعه في منتصف طريق السابلة بعد أن يفتح فوهته قليلا ويرش عليها وعلى الأرض قليلا من السكر فيخال الأعرابي أنه مملوء بالسكر ،وما أن ينحني لالتقاطه حتى تتساقط عليه قشور الرقي من الشباب المتربصين بانتظار مثل هذا الصيد الثمين يرافق ذلك أهازيج من قبيل(شيلنه يا خ....) وما إلى ذلك من أمور ليس هذا محل ذكرها.
وبعد أن كبر عمل (سكن) أي مساعد سائق يقوم بجمع الأجرة وتنظيف السيارة والمناداة لجلب الركاب وهو على ذات المسيرة اللاهية العابثة التي لا تضر مجتمعا أو تؤذي فردا ،وبعيد سنوات أمتلك سيارة نوع (أو أم) مما حصل عليه من أرث والده أو ما جناه من عمله وعمل على الخطوط الخارجية حلة –ديوانية أو حلة قاسم،وطيلة عمله في السيارات ظل مواظبا على شرب الخمر والحياة العابثة وإثارة المعارك لأتفه الأسباب،وميزته أنه لا يعتدي على ضعيف أو يسرق فقيرا وقد يأخذ من الغني ليعطي الفقير وهي فلسفة تنبئ عن حس أنساني يفتقده الكثيرون من أصحاب الشأن والجاه،وأصبح من شقاوات المدينة الظرفاء ،يتجنبه الكثيرون ،وكانت الأحزاب السياسية تستعين بأمثال هؤلاء وتجتذبهم إليها للاستفادة منهم في تأديب القوى الأخرى ،أو الرد على اعتداءات الموتورين،وهي سياسة ناجحة في التعامل مع الآخرين وخصوصا في مجتمعنا الذي لا يحترم غير القوة ولا يخشى غير الأقوياء،ولعل نجاحات البعثيين وقدرتهم على الهيمنة على الشارع والوصول إلى السلطة جاءت عن هذا الطريق ولو نظرنا إلى من استعان بهم البعث عام 1963 أو عام 1968 لوجدنا أن جلهم من الشقاوات والمرفوضين اجتماعيا وفي مقدمتهم الكثير من قادة الحزب وسلطته التي حكمت العراق لعقود وعلى رأسهم الشقي الأكبر صدام حسين ومعه جهازه الخاص المؤلف من هذه الحثالة أمثال صباح المرزة وعبد الوهاب الشيخلي وناظم كزار وهاشم قدوري وغيرهم من الشواذ والساقطين،وفي ذروة الصراع بين الشيوعيين والبعثيين وفي فترات حكم البعث كان لهؤلاء دورهم في العمل السياسي وقد استعان بعض الشيوعيين ولا أقول قادتهم في منظمة القاسم بسمير في هذا المجال،وكان ينتظر أشارة منهم ليقوم بعمله على أحسن ما يكون ،وقد أستخدم لعدد من المرات في تأديب بعض العناصر الموتورة والمعادية ولقنهم درسا قاسيا،فهو على أتم الاستعداد لإثارة الشجار معهم مستعينا بقدرته على أثارة المعركة والبلاء الحسن فيها وقد يلقى القبض عليه ويودع السجن فما أسرع ما يقوم الرفيق المعني بالعمل لإخراجه من السجن سواء بكفالة أو بترضية الطرف الآخر أو التوسط لإغلاق الدعوى فكان الكثيرون يخشون منه ويحسبون حسابه قبل الأقدام على أي عمل طائش اتجاه الحزب سواء بالتهجم عليه أو العمل ضده ،وافتقادنا إلى القوة وعدم استغلال مثل هذه الأمور وراء الخيبة الكبيرة التي رافقت مسيرة الحزب فليس الثقافة لوحدها قادرة على التغيير أو مواصلة الطريق بل تحتاج إلى القوة والمعاملة بالمثل والرد على المعتدي بنفس الطريقة والأسلوب وإلا فقد الحزب قدرته على أخذ زمام المبادرة وفقد رصيده الجماهيري في مجتمع شرقي ينظر للقوة على أنها أسمى معاني الرجولة وقمة البطولة والمجد والحضور.
ومن صفاته التي حببته للناس رغم سكره وعربدته وكثرة شجاراته،أنه لا يعتدي على الضعيف ويهب لنصرته عندما يعتدا عليه،ويسخو بما يملك لمساعدة المحتاجين،وفي أيام الزحام وأزمات النقل المستفحلة في العراق يقف بسيارته وسط الكراج وينزل منها حاملا هراوته طالبا من الركاب الابتعاد عن السيارة وعدم الصعود إليها ،ويفتح الباب طالبا من النساء والطالبات الصعود ،وهو يقول (كواويد شلون يقبل شرفكم ،بناتكم وأخواتكم يتدافعن مع الرجال) وبعد أن تمتلئ السيارة ينطلق بها إلى المدينة وسط استحسان الكثيرون لهذه البادرة الكريمة،التي تعتبر في العرف الاجتماعي غيرة ورجولة.
ومما أتذكر عنه- وأنا وإياه في سن واحدة- أنه بعد انقلاب عبد السلام عارف على شركائه البعثيين في تشرين 1963 ،حاول الحرس القومي في القاسم التمرد والعصيان والمقاومة وكان يقوده في تلك الفترة ألبعثي المعروف محمد محيسن المشعان وحامد لطيف ومالك الجوذري وغيرهم،واتخذوا من مقر الحرس القومي دريئة للمقاومة،فاعتلوا سطح المقر ووجهوا أسلحتهم إلى الشارع لمواجهة المهاجمين،ولأن القاسم منطقة عشائرية ويحسب لمثل هذه التصرفات ألف حساب لما لها من آثار عشائرية لا علاقة لها بالواجب الرسمي أو السلطة ،فقد اتصلت أدارة المدينة الحكومية بآباء هؤلاء وخصوصا المرحوم محيسن مشعان الذي هو من المشايخ الكبار في المدينة وخلفه مئات المسلحين وطلبوا منه أقناع أبنه بالتسليم وإلا ستأخذ الإجراءات الحكومية مجراها ،وفعلا جاء والده مع مجموعة من وجوه المدينة طالبين منهم الاستسلام ولكن محمد محيسن المعروف بجرأته حاول مواجهة والده وأمتنع عن التسليم إلا أن والده هدده بأنه سيقوم بمواجهته مع من يلوذ به من عشيرته في حالة الإصرار على المقاومة ،وتمكن من أقناعه بالتسليم وما أسرع ما دخلت القوات الحكومية إلى المقر وألقت القبض على الموجودين وذهبوا بهم إلى مركز الشرطة.
وبعد أن تحرك الشرطة باتجاه المركز قامت مجموعة من الشباب في مقدمتهم فتوة المدينة المعروفين بحركتهم في مثل هذه الحالات منهم سمير وصيري العسلي ومهدي دحام وسعد عبد وسعد طالب وغيرهم بالدخول إلى المقر والعبث بمحتوياته من أثاث وسجلات وعثروا بطريقة الصدفة على لباس أحد قادة الحرس وقد عمل فيه عملته فرفع كعلم على سارية وطاف به هؤلاء الفتيان منددين هازئين بالحرس القومي وجبنهم واستخذائهم وتسليمهم المقر دون قتال وهم من كانوا يتبخترون قبل أيام برشاشات ناصر البورسعيدية التي أرسلت لتسليحهم من مصر الكنانة وقائدها العروبي ناصر،فاخذ الشباب والأطفال يهزجون وهم حاملين لباس القائد البعثي (هذا لباس البعثي أشعامل بيه) فيما رفع آخرون سمير هاتفين بنداء بعثي معروف بعد تحويره بما يلاءم الهزيمة البعثية فتنادي مجموعة بنداء(يا ثورتنا من سواك) فترد عليها المجموعة الثانية(حجي سمير الاشتراكي) وطافت المسيرة شوارع المدينة وأزقتها رافعين لباس النصر ألبعثي الملطخ بالقذارة،وما أسرع ما أطلق هذا اللقب على سمير ليصبح أسمه الدال عليه حجي سمير الاشتراكي.
وكان لهذه الواقعة أثرها في نفوس البعثيين وأنصارهم واعتبروها لطخة عار يتحينون الفرص لغسلها وما أن حدث انقلاب تموز 1968 حتى حان وقت تصفية الحساب معه ،فقد احتسب في الصف المعادي وأخذوا بمضايقته وتضييق الخناق عليه،ولكنه كالطير الحر الذي لا تلمه الشباك فاضطر لترك المدينة والعمل خارجها وزيارتها بين آونة وأخرى ،وتوسط له بعض الوجهاء لإصلاح ذات البين خصوصا وأن بعض أصحاب العلاقة نسبوا للعمل في مدن أخرى،أو اغتيلوا من قبل البعثيين في حملة التصفيات التي طالت الشخصيات البعثية القديمة تمهيدا لزج الانتهازيين وطلاب السلطة وإنهاء أصحاب الماضي النضالي ليتصدر صدام الواجهة مع من يلوذ به من عصابات القتل والفساد،وأصحاب السوابق والماضي الحافل بالموبقات،فعاد سمير لمدينته مواصلا حياته السابقة يعاقر الخمر ويمارس ما يمارس من حياة الشقاوة والأنس،ولم تخل أيامه من المتاعب فما أسرع ما القي القبض عليه لإثارته معركة أو مشاجرة وما أن يطلق سراحه حتى يعود مرة ثانية ،وكثيرا ما أستهزئ أو سخر من هذا الرفيق أو ذاك وخصوصا في مدينة صغيرة يعرف أبنائها ماضي الجميع ومن أطرف ما حدث له أن هناك رفيقا مؤذيا يطلق عليه لقب (أبو قنيدرة) وهو لقب استهزاء علق به منذ صغره فكرهه في كبره وبعد أن أصبح رفيقا يتحاشى شره الجميع فقد حاول ذات يوم إيقاف سمير في الشارع أثناء قيامه بدورية حزبية ليبين له مكانته وتأثيره فقال له سمير (شتريد أبو قنيدره) فما كان منه إلا الشكوى عليه وإيداعه التوقيف بحجة الاستهزاء بقائد جماهيري!! وعندما سأله القاضي عن فحوى القضية رد عليه سمير بأنه لا يعرف عنه غير هذا الأسم لأنه أسمه الشائع ولا يعرف أسمه الحقيقي ولأنه ناداني أيضا بأسمى الشائع سمير فيما أن أسمي الحقيقي غير ذلك فواحدة بواحدة وأنا أقيم عليه دعوى مقابلة أذا أصر على دعوته ،فضحك منه القاضي وأمر بإطلاق سراحه، وكان عميلا دائما للأمن لكثرة استهزائه بالرفاق البعثيين ،وأكثر الأمور أثارة ما حدث بعد معركة طرد الجيش العراقي من الكويت فكان سمير ومعه (مصيّر) الذي يدانيه في الشقاوة والعبث بالبعثيين ينادون كلما شاهدوا أحد الرفاق البعثيين(أجوهم ) أي جاءكم الأمريكان،وعندما ضاقوا به ذرعا أودع التوقيف مع زميله مصير الذي سنتناوله في حلقة قادمة،وظل في التوقيف لأيام طويلة ،وعندما أنهزم الجيش العراقي وعاد مهزوما من الكويت،حدث التململ الشعبي والانتفاضة العفوية ،فهاجم المنتفضون مركز الشرطة واحتلوه فأطلق سراح الموقوفين ومنهم الحاج سمير الذي استولى على أختام الأمن والشرطة ومديرية الناحية،وتوجه إلى نادي الهاشمية مع زمرة كبيرة واستولى على ما فيه من خمور بعد أن تركه المستأجر ولاذ بالفرار خوفا مما حدث من اضطرابات وحمل مئات القناني في سيارته ،ثم توجه إلى مديرة تجنيد الهاشمية واستولى على أختامها ،وتمنطق بعدد من الأسلحة التي تركها الرفاق بعد فرارهم،وقد أقام سيطرة مع زمرة من أصحابه بالقرب من المصرف لحمايته وفعلا كانوا حماة أمناء لأموال الدولة،ولعلهم أكثر عفة ونزاهة من أمناء هذه الأيام، وفي هذه السيطرة وضع الحاج سمير كراسي ومنضدة كبيرة ذات مجرات وهو يدعو الجنود الهاربين لجلب دفاتر خدمتهم العسكرية لتسريحهم ،وجعل من أختام الدوائر مهزلة يتداولها الناس حتى اليوم بعد استيلائه عليها في توقع من البسطاء بنهاية النظام وعدم عودته ثانية ولكن الإرادة الدولية ومحاولات القوى الدينية تجيير الانتفاضة لصالحهم ،باعتبارهم المنقذين والمحرضين رغم أنهم لم يصلوا العراق أو يشاركوا في ثورته بل أساءوا للثورة من خلال شعاراتهم الطائفية التي جعلت المحيط العربي والقوى الغربية تفكر بإبقاء صدام ،وكان ما كان من سحق الانتفاضة وإعدام عشرات الآلاف من الأبرياء والمشاركين فيما هرب أصحاب الشعارات والمطالبات للاحتماء بأسيادهم في دول الجوار.
وعندما بدأت طلائع القوات العراقية بالوصول إلى قضاء الهاشمية وصلت الأخبار إلى المدينة ويومها التقيت بالحاج سمير راكبا سيارته أل أو أم فسألني عن الأمر ولماذا الناس مذعورين فأخبرته أن الجيش العراقي قد وصل الهاشمية في طريقه للقاسم وأن الناس بدأت بترك المدينة والهرب إلى القرى المجاورة خشية الانتقام ،فأدار سمير سيارته وتوجه إلى الشارع العام حيث السيطرة الرئيسية ،وبعد دخول الجيش إلى المدينة واعتقال الآلاف من أبنائها رأيت سيارة سمير محروقة بجانب السيطرة ثم نقلت بعد شهور إلى مركز المحافظة حيث أودعت في كراج حكومي وظلت حتى سقوط النظام.
وغابت عنا آثاره متوقعين أن الجيش قد ألقى القبض عليه،وقد ظهر بعد شهور أنه استطاع الهرب خارج العراق وأنه يعيش في أمريكا الآن،وبعد سقوط النظام عاد سمير ليجد أن الأمور قد سارت نحو الأسوأ ،فلم يكتفي النظام الجديد بفرض أجندته الدينية حتى وصلت الأمور لمنع الخمور والملاهي ،ووجد أن لا شيء عنده في العراق ولا تعويض عما فقد من مال أو سيارة ولا مجال له للعمل في دوائر الدولة لأنه لم يكن موظفا وغير منتم لحزب من الأحزاب الحاكمة حتى يعتبر من مناضليها ففضل الرجوع إلى بلد أكرمه وأواه ووفر له حياة حرة كريمة وأنقذه من موت محتم بعد أصابته بالسرطان وخصص له راتب مجز وبيت ووفر له العمل اللائق والكرامة الموفورة ولعله يفكر بالعودة إذا تحسنت الأمور وعاد البلد معافى من أمراض الطائفية وهيمنة القوى الدينية التي أحالت حياة العراقيين إلى جحيم بعد أن منعت عنهم ما كان يخفف من آلامهم ومعاناتهم ،وأذاقتهم الاستبداد المقيت.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات جعفر هجول 4
- مذكرات جعفر هجول3
- ضرورة المحاكمة العلنية لجرائم الفساد
- علي الشبيبي أديبا ومناضلا وأنسانا (2)
- مظاهرات الكهرباء هل هي البداية
- مذكرات جعفر هجول 2
- الحلَّةُ بين العشق والانتماء أحداث وحقائق وذكريات الجزء الثا ...
- من هالمال حمل أجمال
- الحزب الشيوعي في النجف يتظاهر
- عرب وين طنبورة وين
- أبيتنه ونلعب بيه
- من يقف وراء مجازر كركوك
- الشاعر طه التميمي صرخة في الزمن الصعب
- الكلام صفة المتكلم5
- أرضاع الكبير ومص الصغير
- الكلام صفة المتكلم4
- أنهجمت المنطقة الخضراء على روسهم
- الكلام صفة المتكلم3
- الكلام صفة المتكلم 2
- الكلام صفة المتكلم


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الحاج سّمير الاشتراكي