|
مدى مساهمة حركة كفاية في الحراك السياسي المصري
دنيا الأمل إسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 3061 - 2010 / 7 / 12 - 00:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة: تشكل الحركة المصرية من أجل التغيير، والمعروفة اختصاراً باسم( كفاية) واحدة من أهم الحركات الاجتماعية الاحتجاجية التي ظهرت على الساحة السياسية المصرية خلال السنوات العشر الماضية، وقد أحدثت الحركة منذ تأسيسها وحتى الآن الكثير من الجدل والحراك في المياة الراكدة، وانتقدت بجرأة غير مسبوقة الكثير من السياسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لنظام الحكم المصري، خاصة فيما يتعلق بما عرف بقضية التوريث، ما جعلها تجتذب الكثير من القوى السياسية النخبوية المنضوية سابقاً في الأحزاب والحركات السياسية التقليدية، إضافة للقوى الشعبية والمواطنين البسطاء الذين رأوا في انتقادات الحركة للحكومة ووقوفها في وجه التجاوزات الرسمية وإهمال حاجات وهموم المواطن المصري تعبيراً عن شعورهم بالقهر السياسي والاجتماعي، فخرجوا يساندون الحركة حتى أصبحوا جزءاً منها وفتيلاً في مصباحها يقودهم نحو الأمل في التغيير .
فرضية الدراسة: تفترض الباحثة أن حركة كفاية ساهمت في خلق حراك سياسي على الساحة المصرية فاق دور الأحزاب والحركات السياسية المصرية التقليدية.
أسئلة الدراسة: سؤال رئيس: ما مدى مساهمة حركة (كفاية) كحركة اجتماعية / احتجاجية في إحداث حراك سياسي على الساحة السياسية والاجتماعية المصرية؟ سؤال فرعي: كيف ساهمت حركة ( كفاية) في إحداث حراك سياسي؟
نطاق الدراسة: النطاق الجغرافي: جمهورية مصر العربية النطاق الزماني: الفترة منذ تأسيس الحركة في صيف (2004) وحتى الآن ( 2010)
أهداف الدراسة: 1- معرفة تاريخ ظهور ونشأة حركة ( كفاية) 2- التعرف على أسباب ظهورها 3- التعرف على أهداف ومطالب حركة كفاية 4- إدراك الظروف السياسية والاجتماعية التي رافقت نشأة الحركة 5- معرفة دور حركة كفاية كحركة اجتماعية في إحداث حراك سياسي
أهمية الدراسة: تكمن أهمية هذه الدراسة في كونها تركز على دراسة حركة (كفاية) في إطار الحركات الاجتماعية التي تمارس أدوراً متعددة بهدف إحداث تغيير في البنى القائمة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وهي بهذا المعنى دراسة تبغي قراءة الحركة بصورة أوسع من حصرها في الفعل السياسي الضيق وإن مثّل هذا أحد أهدافها المهمة.
تقسيمات الدراسة: قسمت الباحثة الدراسة إلى فصلين بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة على النحو التالي: الفصل الأول: نشأة حركة كفاية وضم: المبحث الأول: ظهور ونشأة حركة كفاية المبحث الثاني: أسباب ظهور حركة كفاية المبحث الثالث: أهداف حركة كفاية وضم المبحث الثالث مطلبان: المطلب الأول: مطالب حركة كفاية المطلب الثاني: وسائل حركة كفاية لتنفيذ أهدافها الفصل الثاني: حركة كفاية كحركة اجتماعية/ احتجاجية وضم: المبحث الأول: الظروف السياسية والاجتماعية التي رافقت نشأة الحركة المبحث الثاني: حركة كفاية كحركة اجتماعية الخاتمة المراجع
الفصل الأول: نشأة حركة كفاية
المبحث الأول: ظهور ونشأة حركة كفاية: ظهرت حركة كفاية على الساحة السياسية المصرية فى صيف عام 2004 .. فى شكل تجمع لمجموعة من المثقفين وأساتذة الجامعات والمحامين الذين عارضوا مبدأ التمديد للرئيس مبارك لفترة حكم جديدة .. وعارضوا بشدة أية محاولات لتوريث الحكم لنجل الرئيس، حيث صاغ ثلاثمائة من المثقفين المصريين والشخصيات العامة التي تمثل ألوان متعددة من الطيف السياسي المصري وثيقة تأسيسية تطالب بتغيير سياسي حقيقي في مصر، وقد حصلت الحركة على شهرة واسعة داخل مصر وخارجها، على الرغم من حداثة عهدها بالعمل السياسي وأثارت جدلاً واسعاً في الساحة السياسية المصرية وحركت المياه الراكدة فيها، متفوقة بذلك على الأحزاب التقليدية المعارضة والموجودة على الساحة منذ سنوات طويلة . حصلت ( كفاية) على اسمها استعارة من تصريح للرئيس الماليزي السابق ( مهاتير محمد ) فى لقاء فكري معه في مكتبة الإسكندرية،حينما جاء في معرض حديثه بأنه " كفاية " عليه في الحكم 24عاماً"، معدداً انجازاته في هذه الفترة، التي لخصها في خفض نسبة الفقر من 70% إلى 3% .. وزيادة الدخل القومي الحقيقي إلى 12% .. وغيرها بعدها تجمع عدد من المثقفين والكتاب وأساتذة الجامعات وبدأوا في تكوين الحركة التي اعتمدت على إصدار عدة بيانات في الصحف ( المستقلة ) تدعو فيها الرئيس مبارك إلى عدم الترشح لفترة رئاسة جديدة وقد بدأت الحركة تكتسب أرضية جديدة في الحياة السياسية، مع انضمام العديد من رموز النخبة والفكر المصري؛ أمثال المستشار طارق البشرى والدكتور عبد الوهاب المسيري، والدكتور كمال حبيب وبدأت الحركة في توسيع نطاق أعمالها من خلال تأسيس موقع على الانترنت دعت فيه كل المصريين إلى تسجيل أنفسهم فيه كأعضاء .. تالياً بعد تلك الخطوة الأولى؛ أخذت تدعو إلى التظاهر السلمي الصامت في أماكن تجمع خاصة في المحافظات المصرية؛ تعبيراً عن تحفظها على عدد من النقاط التي تثار من وقت إلى آخر أهمها إحداث تغيير سياسي حقيقي في مصر، وإنهاء الظلم الاقتصادي والفساد في السياسة الخارجية. اعتمدت (كفاية ) أسلوب التظاهر في أغلب محطاتها المعارضة للنظام المصري وقد رد النظام على تنامي الحركة - وصلت ل22 محافظة من أصل 26 محافظة في مصر ككل - بحملات اعتقال وسحل وصفته الحركة بالوحشي، وقد حازت الحركة على دعم إعلامي مكثف من صحف المعارضة، التي ساهمت الحركة في رفع سقف الحرية التي تكتب من خلالها حيث تناول العديد من الصحافيين وبصورة شبة يومية شخصيات كان من المحظور تماماً قبل بزوغ حركة كفاية الإشارة إليها مثل أسرة الرئيس المصري وخاصة زوجته وولده جمال المرشح لخلافة مبارك على عرش مصر كما تقول الحركة كفاية" إذن كانت فرزاً طبيعياً لتطورات داخلية وإقليمية ودولية، خرجت على غير ما هو متبع ومعهود، لم تكن كغيرها (منحة النظام) وليست (هبة) من السلطان، إنها وليد طبيعي نتيجة تلاقح قوى متعددة اجتمعت على ضرورة الخروج على (ميراث احتكار السلطة) وعقد الزواج الأبدي بين الرئيس والسلطة والتي لا يفرق بينهما إلا الموت الطبيعي أو الاغتيال القسري. وهي أيضاً ليست ابنة السلطة ولكنها ولدت من رحم رفض هذه السلطة، أو التعايش معها أو العمل تحت ظلها أو الأكل على موائدها، ومن خلال رفضها هذا، كسرت حاجز الخوف، و خرجت إلى الشارع، ليرى الناس لأول مرة ومنذ نصف قرن مظاهرات في شوارع القاهرة، متحدّية قانون الطوارئ الذي لا يراعى في من يتصيده "إلاً ولا ذمة".
المبحث الثاني: أسباب ظهور حركة كفاية: كان السؤال دائماً: ما الذي حمل هؤلاء -خاصة المنتمين إلى الأحزاب السياسية- على العمل من خلال «كفاية"، إلا إذا كان ثمة توافق على أن الأخيرة، تعوضهم عن العجز السياسي والكسل التنظيمي، والانتهازية السياسية التي باتت قاسماً مشتركاً بين جميع الأحزاب المصرية، فيما يتعلق بـالحوار على السلطة من أجل الإصلاح. يقول الدكتور (محمد السيد سعيد) أنّ الحركة: "نشأت كمظلة أو ائتلاف بين أشخاص ينتمون إلى شتى تيارات الفكر والسياسية في مصر. وقد أسسها في سبتمبر من العام الماضي نشطاء ومفكرون ينتمون لتيار اليسار الناصري والماركسي، والتيار الديمقراطي الاجتماعي والليبرالي التقدمي، ولحركة الإخوان المسلمين وحزب الوسط. ومن المثير أنّ بعض هؤلاء النشطاء ما زالوا ينتمون لأحزاب أو تشكيلات سياسية رسمية أو غير رسمية، ولكنّ غالبيتهم كانت قد هجرت هذه الأحزاب والتشكيلات ويعدّون أنفسهم مستقلين. فماذا يجمعهم إذن؟" كان السؤال دائماً: ما الذي حمل هؤلاء -خاصة المنتمين إلى الأحزاب السياسية- على العمل من خلال «كفاية"، إلا إذا كان ثمة توافق على أن الأخيرة، تعوضهم عن العجز السياسي والكسل التنظيمي، والانتهازية السياسية التي باتت قاسماً مشتركاً بين جميع الأحزاب المصرية، فيما يتعلق بـالحوار على السلطة من أجل الإصلاح. هناك عنصران لا يمكن الفصل بينهما وراء قيام تلك الحركة؛ فيها تلك التي ينتمون إليها بظروفها الحالية من متابعة النضال من أجل تحقيق إصلاح سياسي جوهري وحاسم، أو حتى تحقيق حضور سياسي فعال كأحزاب وتيارات سياسية وفكرية، وتنمية هذا الحضور سواء في البرلمان أو في المؤسسات السياسية الأخرى أو حتى في مجال الإدارة المحلية. فالعلاقة بين الأحزاب والمجتمع ظلت مقطوعة عملياً لفترة طويلة جداً من الزمن لأسباب كثيرة من بينها الترتيب القهري للفضاء السياسي والمدني بما في ذلك قانون الطوارئ والقوانين الأخرى سيئة السمعة والمعادية للحريات.فقواعد اللعبة السياسية التي قبلت بها ضمناً تلك الأحزاب، على الرغم من اعتراضها عليها. من حيث المبدأ أنتجت ركوداً سياسياً طويل المدى أو ما يسمى بموت السياسة، ومن ثم كرست الاستبداد والحكم المطلق والأبدي، وربما توريث السلطة، كما حدث في سوريا مثلاً، ويهدد بالحدوث في عدة أقطار عربية أخرى ومنها مصر. ولذلك هناك اتفاق عام على أن (كفاية) لها دور كبير في تغيير قواعد اللعبة السياسية وشدها خارج الركود، وهو ما أدى حتى الآن إلى تنشيط الآفاق المطلبية والإصلاحية للأحزاب السياسية الكبيرة نسبيا. 2- أما العنصر الثاني فهو رسوخ الاقتناع بأن إنقاذ الوطن وبناء نظام ديمقراطي يجب أن يقوم على فعل مشترك وتاريخي ومباشر في الواقع. ويعني ذلك بناء هيكلية فضفاضة للممارسة السياسية التي تنهي سياسات الإنكار ورفض الآخر، وتقوم تحديداً على الاعتراف بالآخر، من حيث المبدأ وفى الممارسة الفعلية. ولا تكتفي حركة (كفاية) بالعمل على مستوى الإصلاح السياسي والدستوري الشامل فحسب، بل هي تدعو لتنشيط الحركة الجماهيرية عموماً على كل المستويات. بدءاً من إصلاح الجامعات ومروراً بتحرير المنظمات والمنابر المدنية مثل الصحافة والإعلام ومختلف المهن والقطاعات الاجتماعية الكبرى وحتى مؤسسات الإدارة المحلية على مستوى القرى والأحياء. وهي بهذا المعنى- كما يصفها د. سعيد- حركة إحياء شعبي، فضلاً عن كونها حركة إحياء للمجال السياسي. لقد قامت (كفاية) بهذا الدور من خلال المظاهرات والمسيرات والبيانات. وهو كلام يتفق في مضمونه مع ما قاله ( محمود سلطان) من أنّ "ظهور (كفاية) يعد بلا شك إدانة جلّية للأداء السياسي للأحزاب المصرية، إذ لو كانت الأخيرة قادرة على ملء الفراغ والتمدد في كل المساحات، للحد من تغوّل السلطة ما كان لـ(كفاية) أو أية حركة أخرى، أية شرعية كبديل سياسي للأطر التنظيمية الشرعية القائمة الآن. خاصة وأن (كفاية) يتشكل طيفها الأساس من عناصر وقيادات ونشطاء من الأحزاب السياسية القائمة والقوى السياسية المستقلة، وعوام الناس من الذين تعوزهم أية خبرة حزبية أو تنظيمية" . ويعود الدكتور سعيد يتساءل: "لكن هل يكفي هذا الأسلوب في ضمان استمرارية الحركة والنشاطية الذهنية والسياسية الخارقة التي أنتجتها وصولاً إلى الظفر بدستور جديد ديمقراطي يحمي الحريات العامة وحقوق الإنسان وينشر السلطة . ويقيد استعمالها بتوازنات فعلية وبتشريعات عادلة ويقربها إلى الشعب ويعمل مبادئ المسؤولية والشفافية والحكم الجيد؟ هذا هو ما تناقشه حركة (كفاية) والكتاب والمفكرون المصريون، بل وفي فى البلاد العربية الأخرى، حيثما نشأت حركات مماثلة. وهناك بالفعل محددات تحيط بقضية الاستمرارية. فحركة (كفاية) تعترف أنها ليست بديلاً عن الأحزاب السياسية والتي تعد حجر الزاوية في المعمار السياسي لأي مجتمع ديمقراطي. ويجب على هذه الأحزاب نفسها أن تتحرك للقيام بدورها في حشد المجتمع السياسي خلف مطالب
المبحث الثالث: أهداف حركة كفاية: أعلنت الحركة عن أهدافها في موقعها على الانترنت ومن أهمها : 1- الإلغاء الفوري – بدون تسويف - لحالة الطوارئ، التي تشل القوة الفاعلة في الوطن، والتخلص من مجموعة القوانين التي تنتهك الحريات؛ 2- إطلاق حق كل القوى المدنية السلمية في التنظيم، وفي تشكيل الأحزاب السياسية، والنقابات، والهيئات، والجمعيات، بغير قيود؛ 3- الاعتراف بحق التظاهر والإضراب والاعتصام السلمي؛ 4- إطلاق حريات التعبير، وإصدار الصحف، وتحرير أجهزة الإعلام المرئي والمسموع من القيود؛ 5- تشكيل جمعية تأسيسية وطنية، تشرف على إعداد دستور جديد للبلاد، يحتفي بالحرية، ويضع الضمانات الفعلية لتأكيدها؛ 6- تأسيس جمهورية برلمانية، تضمن حقوق الوطن والمواطن وتفصل بحسم بين السلطات،وتحدّ من إنفراد الحاكم بالسلطات الدستورية المطلقة، وتضع حداً لمدد حكمه وصلاحياته؛ 7- تطالب الحركة بفترة انتقالية مناسبة – قبل إجراء أية انتخابات، يتم فيها خلق مناخ موات لإجرائها بنزاهة وعدالة، وحتى لا تصبح الانتخابات وسيلة لخداع الناس. يتضح من هذه الأهداف أنّ الحركة تركز على الطرق السلمية لتحقيق التطور السياسي الذي تنشده .. ولكنها على لسان الناطق باسمها أو لسان الأمين العام لها (إسحاق روحي) تستبعد تحولها إلى حزب سياسي في القريب العاجل.
المطلب الأول: مطالب حركة كفاية: 1- إحداث تغيير سياسي حقيقي في مصر؛ 2- إنهاء الظلم الاقتصادي والفساد في السياسة الخارجية؛
المطلب الثاني: وسائل حركة كفاية لتنفيذ أهدافها: اعتمدت حركة كفاية أسلوب التظاهر والاحتجاج السلمي في أغلب الحالات التي مارست فيها فعالياتها وأنشطتها، كما كانت شبكة الانترنت وسيلة فعالة في التحشيد والتعبئة للحركة، فقد طالبت من كل المواطنين المصريين بتسجيل أنفسهم عبر موقعها كأعضاء في الحركة.
الفصل الثاني: حركة كفاية كحركة احتجاجية / اجتماعية: كثيرة هي الأشكال التي يبتكرها المواطنون في حياتهم اليومية من أجل الاحتجاج أو مقاومة الضغوط الواقعة عليهم أو الالتفاف حولها. وهي أشكال منتشرة لدى الفئات الاجتماعية، خاصة تلك الرازخة منها تحت الضغوط الاجتماعية والسياسية. وتعبر هذه الأشكال عن رفض الضغوط التي يقع تحتها الأفراد والجماعات ومحاولة إيجاد سبل لتجاوزها، سواء كانت هذه الأشكال صامتة أو هادئة أو تسللية أو تراكمية بمعنى القيام بخطوة وانتظار رد الفعل، الذي يليه إما من خلال التراجع مؤقتاً أو القيام بخطوة أخرى . ومن أشكال هذه الاحتجاجات: مقاطعة الانتخابات؛ أو الانسحاب من الحياة السياسية والعامة؛ أو عدم الاستجابة للخطابات المختلفة.
المبحث الأول: الظروف السياسية والاجتماعية التي رافقت نشأة الحركة: السياق التاريخي العام (الاجتماعي والسياسي) الذي تنشأ فيه الحركات الاجتماعية عادة هو سياق (الأزمة)، ومن أهم عناصر هذه الأزمة التي شكلت المناخ العام لظهور تلك الحركات: أزمة الديمقراطية: عادة ما تنشأ الحركات الاجتماعية في مواجهة الدولة نتيجة تعثر الدولة في أداء دورها وتدخل الدولة المتزايد للسيطرة على السوق وتدعيم قوتها وتوسعها على حساب المجتمع المدني، وهو ما يتزامن عادة مع تآكل دور الأحزاب السياسية كمنظمات للتعبئة والتمثيل الشعبي، وعندما تندمج الأحزاب السياسية مع النظام وتدور في فلك الحكومة رغبة ورهبة، وتأخذ شكل الأجهزة الملحقة بالدولة، ومن ثم تفشل الأحزاب في أداء وظيفتها الطبيعية في الرقابة وتقديم سياسات بديلة؛ وحتى أوقات الانتخابات نجدها تتوخى الابتعاد عن القضايا الملحة والخلافية، ولا تركز عليها في برامجها وحملاتها الانتخابية.
1-ظهرت حركة ( كفاية) في لحظة مفصلية في الوضع الدولي المهموم بالحرب على الإرهاب وما صاحب ذلك من الترويج والدفع الأمريكي لنشر الديموقراطية كأداة أساسية في حصر الإرهاب الدولي؛ 2- تمثل حركة ( كفاية) حركة تغيير ثوري وجذري وفقاً لآليات التغيير حالياً وهي العصيان المدني والثورات الشعبية، على غرار ما حدث في بعض دول آسيا وأمريكا الجنوبية وهي تسير في هذا الاتجاه متخذة من العصيان المدني وسيلة لإحداث ثورة سلمية تغييرية؛ 3- لقد كانت الحاجة الماسة إلى التغيير في ظل الحياة السياسية المضطربة في مصر والهوة الشاسعة بين الأغنياء والفقراء وتركز الثروة والنفوذ في أيدي عدد قليل من رموز السلطة، من العوامل المهمة التي دفعت المثقفين وعموم الشعب إلى الثورة ضد هذه الحالة؛ 4- ساهم غياب رؤية بديلة للنظام عند أكثر الأحزاب السياسية المصرية والاعتماد على الشعارات الرنانة والفضفاضة ، شتت أهداف هذه الأحزاب وضيعت مسارها الفاعل والحقيقي بمشاركة شعبية واسعة وجعلها صدى خافت لأحلام بائدة تفتقر إلى الحامل الاجتماعي؛
المبحث الثاني: حركة كفاية كحركة اجتماعية: إن تاريخ كل حركة اجتماعية يبدأ في الغالب الأعم بمرحلة من "التعبئة" الأولية؛ بالمعنى الذي قصده باحث بارز مثل كارل دويتش، حيث قصد بالتعبئة حالة اجتماعية متسمة بتزايد الحركية الجغرافية (الهجرة الداخلية) والمهنية، وسرعة توصيل الأفكار وانتشارها، وكثافة الاتصالات؛ أي أن تعبئة المجتمع -في المعنى الذي استعمله دويتش- تشكل واحدة من مقدمات ظهور الحركات الاجتماعية، ولكن هذا الشرط لا يكفي؛ إذ يقتضي أن يتحرر الأفراد من القيود التقليدية، وأن يطوروا قدرة تنظيمية يستطيعون بفضلها تحديد أهداف مشتركة، ووضع الموارد المطلوبة للوصول إلى هذه الأغراض موضع العمل. وعادة ما يلاحظ في بدء عملية التعبئة وجود مرحلة مبادرات لا مركزية وغير منسقة تطبع بدايات الحركة، وتليها مرحلة العمل المنظم. وهو ماحدث مع حركة كفاية. ويختزل بعض علماء الاجتماع مراحل تطور الحركات الاجتماعية في مرحلتين: الأولى: هي المرحلة التلقائية: حيث لا تتميز إلا بقليل من التنظيم، وتكون الأدوار غير واضحة، والأهداف غير متبلورة بشكلٍ كافٍ؛ والثانية: هي مرحلة التنظيم الواضح: والبناء الاجتماعي الذي تحدد فيه الأدوار، وتبلور الأهداف في إطار أيديولوجية متكاملة. ويمكن القول بأن الحركات الاجتماعية بشكل عام تمر بثلاث مراحل هي: 1 - تبلور فكر جديد واتساع دوائر انتشاره. 2 - حشد التأييد الاجتماعي له. 3- تغيير الواقع، أو الإسهام في تغييره. ويغلب على كل مرحلة نمط خاص من النشاطات والبرامج التي من المفترض أن تسهم في تحقيق أهداف الحركة. وقد مرت حركة ( كفاية) بهذه المراحل الثلاث مجتمعة، وإن كانت لم تزل بعد في تحديد ملامح الطور الثالث من هذه المراحل فمما يحسب للحركة أنها ألقت الكثير من الحجارة في المياه السياسية الراكدة بعد تحييد عمل الأحزاب، وشل أدوارها الاجتماعية والسياسية خاصة فيما يتعلق بتقديم رؤية بديلة للسلطة واكتفائها ببعض المغانم السياسية والمادية الضيق التي تحافظ على وجودها التقليدي دون فعل تغييري حقيقي. فلأول مرة في تاريخ مصر الحديث يتم انتقاد الرئيس بشكل علني وتسير مظاهرات في شوارع المحافظات والمدن تندد بعصره وترفض احتلاله للسلطة متحدّية كل القوانين بما فيها قانون الطواريء التي تمنع مجرد ازدراء من يتولى هذا المنصب، ما جعلها تحظى بتأييد عارم من قبل الشارع المصري المطحون بسياسات السلطة في حياته اليومية،وهو الأمر ذاته الذي جعل المواطن المصري يشعر بقربه من الحركة ومن أنها لا تحصر ذاتها في الإطار النخبوي الضيق، بل على العكس من ذلك نجحت في استقطاب النخب الصامتة في المجتمع خاصة تلك التي تتصور أنّ المشاكل التي تعاني منها هي نتاج قدري وليست نتاج فساد النخبة الحاكمة بعد فشل الأحزاب السياسية المعارضة وضعف أساليبها. وقد استطاعت الحركة تجاوز هذه الأحزاب وقدمت نموذجاً متطوراً للعمل والحراك السياسي ونزلت الشارع ترفض التمديد والتوريث بناء على تعديل المادة ( 76) من الدستور المصري، وقد قاد هذا الموقف الكثير من المنضوين للأحزاب السياسية المصرية إلى ترك أحزابهم والانضمام لحركة كفاية وهو ما يعني ضمناً فقدان شرعية ومصداقية هذه الأحزاب عند عناصرها و نشطائها، أو على الأقل لم تعد تمثل طموحه السياسي في التغيير. ويمكن القول بشيء من الثقة أن دور الأحزاب أصبح أكثر ميلاً إلى إضفاء الشرعية على الدولة، وفي أكثر من مناسبة بدت الهوية الأيديولوجية لهذه الأحزاب باهتة؛ إذ طغت براجماتيتها على أيديولوجيتها، وتمثلت هذه البراجماتية في التزام الأحزاب المحافظة على الاستقرار المؤسسي. وليس أدل على ذلك من الانخفاض الملحوظ في المشاركة في الانتخابات العامة وفقدان الثقة بالسياسيين خصوصاً. وتنشط الحركات الاجتماعية في ظل هذا العجز لتقوم بمهمة تمثيل المصالح وتقديم خطط بديلة والدفع باتجاه التغيير من خارج النظام، ولتمثل قوة ضاغطة تفرض على الدولة تعديل سياساتها وتطوير أدائها. وهي تضم قطاعات واسعة من المواطنين -خاصة أولئك البعيدين عن مراكز القوة- للدفاع عن حقوقهم المدنية من الناحية الفعلية. ومع اتساع ظاهرة اللامنتمين الذين لا يشاركون عادة في التصويت وقد ينضمون للحركات تطلعاً لتحقق تغيير، وأيضاً ذوي الأصوات المستقلة. كما أنّ هذه الحركات الاجتماعية الجديدة تتميز بأنها لا تسعى لامتلاك مؤسسات السلطة، ولا تزاحم الأحزاب السياسية في مجال نشاطها، فقط هي تأمل في ترسيخ نمط فعّال من المشاركة الاجتماعية، على المستويات المحلية والقومية في بلدانها، وعلى المستوى العالمي بالنسبة للحركات التي تنزع نحو هذا الاتجاه، وذلك بغرض التأثير على سلطات صنع القرار وتحقيق مكاسب جماهيرية على مستوى أو أكثر من تلك المستويات. وهي – لذلك - تمثل مرحلة جديدة من مراحل الصراع من أجل الديمقراطية، من خلال الإسهام في إعادة تعريف مفاهيم أساسية مثل الديمقراطية والقوة وأدوات الهيمنة، فهذه الحركات لا تريد منافسة السلطة الرسمية، ولا تعتمد على المنظمات الجماهيرية المعتادة (كالنقابات مثلا) لتوصيل مطالبها إلى السلطة، وتقع في موضع وسط بين المؤسسات الرسمية والمؤسسات الجماهيرية التقليدية، ومع ذلك تنشغل دوماً بقضايا عامة تصب في نهاية المطاف في صالح الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. والواقع أن هذه الحركات تمارس الديمقراطية بمعناها شبه المباشر عن طريق أصغر الوحدات الاجتماعية الممكنة (مثل: الأسرة - المدرسة - الحي... إلخ)، وبالتالي فهي تعمق الممارسة الديمقراطية وتجذرها كممارسة على المستوى الشعبي، ربما أكثر مما تفعله المؤسسات التقليدية (الأحزاب - النقابات)؛ أي أنها تمارس السياسة على المستوى الشعبي -القاعدي. وهي بذلك تساعد على تنمية الوعي الجماهيري، وتترجمه على مستويات تنظيمية دنيا، وهذا النمط من الممارسة الديمقراطية هو الأكثر فعالية على المدى الطويل في تحدي الهياكل المسيطرة، وفي مواجهة الهيمنة القائمة، وبناء هيمنة بديلة على المدى الطويل نسبياً. وهي إذ تدعو إلى الحل غير العنيف لمختلف الصراعات، سوف تساهم في انتشار الرؤية السلمية -من وجهة نظر هذه الحركات- التي يمكن أن تؤثر على الطريقة التي يتم بها حل قضايا مهمة. وإتاحة فرص المشاركة الديمقراطية والقضاء على آليات الإقصاء، وتبني سياسات للاستيعاب عوضا عن سياسات الاستبعاد. وما نود التأكيد عليه هنا هو أن مثل هذه الطريقة تعبر عن تحول نوعي في اهتمامات الحركات الاجتماعية نحو الجمع بين المطالب المادية والأخلاقية في الوقت نفسه، بدلا من التركيز على إعلاء النبرة الأخلاقية فقط .
الخاتمة: لعبت حركة كفاية دوراً كبيراً في الساحة السياسية المصرية من خلال قوتها كحركة اجتماعية لامست مطالب الناس وهمومهم وكانت بمثابة صوتهم العالي في مواجهة الحكومة وسياساتها التعسفية وهي لذلك نجحت في استقطاب المواطنين العاديين والقادة السياسيين من الاتجاهات السياسية المختلفة، ما ساعدها على الانتشار الواسع والتحشيد الكبير منافسة بذلك الأحزاب الراسخة في المجتمع المصري والتي لم تعد قادرة على كسب ثقة المواطن المصري العادي الذي شهد بأم عينه كيف هادنت هذه الأحزاب السلطة الحاكمة من أجل الاحتفاظ بوجودها الشكلي.
المراجع: 1- الحركة المصرية من أجل التغيير ar.wikipedia.org 2- د محمد السيد سعيد، ( ما هي حركة كفاية)، 3- محمود سلطان، ( حركة كفاية المصرية... إذ تنبت الوردة في أرض ملح)، مجلة العصر 2005 4- جورج كتن، حركة -كفاية- المصرية تتجاوز الأحزاب الأيديولوجية، موقع الحوار المتمدن 5- موقع المعرفة، ( حركات الاحتجاج الجديدة في مصر)،موقع مجلة المعرفة.
#دنيا_الأمل_إسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشكالية الإصلاح في النظام السياسي الليبي
-
حول المجتمع المدني
-
المساعي الحميدة في حل النزاعات الدولية الخلاف الحدودي السعود
...
-
عيشة هّنّا
-
عن الحياة والحرب والأمل
-
المؤسسات الإعلامية الرسمية وصناعة الأزمة
-
تقرير جولدستون يحرّك الرأي العام الدولي
-
في مديح الظل المنكسر
-
عن التنمية والمرأة والثقافة
-
أنتظر جنوني
-
فساد المجتمع المدني
-
أجراه مركز معلومات وإعلام المرأة الفلسطينية استطلاع حول تأثي
...
-
ليل لا يفيق
-
حصة المرأة الفلسطينية من التشغيل: المؤشرات والدلالات والمستق
...
-
أمي خلف الحدود
-
عن حال المرأة والصحافة
-
خطة الانفصال/ الانسحاب/ فك الارتباط/ إخلاء المستوطنات تعددت
...
-
مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية
-
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يؤكد استمرار الانتهاكات الإسر
...
-
المرأة والانتخابات المحلية في قطاع غزة
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|