|
حول المجتمع المدني
دنيا الأمل إسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 3060 - 2010 / 7 / 11 - 18:06
المحور:
المجتمع المدني
مفهوم المجتمع المدني:
أولاً: مقدمة تاريخية: شهد مفهوم/ مصطلح المجتمع المدني انتشارا كبيرا في السنوات الأخيرة،عالمياً، ومحلياً، سواء على المستوى الأكاديمي أو السياسي أو الاجتماعي. و على الرغم من انتشار هذا المصطلح، إلاّ أن ثمة صعوبة في تعريفه بشكل جامع مانع و ذلك نتيجة عدة عوامل من بينها أنّ المجتمع المدني من المصطلحات التاريخية التي تعرضت إلى تغيرات كثيرة على مر العصور. ناهيك عن أن المهتمين بمفهوم المجتمع المدني و المتحدثين عنه لديهم خلفيات و تجارب سياسية و اقتصادية و اجتماعية مختلفة،ما أدى إلى فهمه و التعبير عنه بطرق متباينة.1 وهو مصطلح أوربي قديم تمت صياغته خلال النصف الثاني للقرن ال18 لإبراز تحول أوروبا الغربية من الاستبداد إلى الديمقراطية البورجوازية. و قد اختفى هذا المفهوم منذ النصف الثاني للقرن ال19 ولم يظهر من جديد إلا مع جرامشي بعد الحرب العالمية الأولى. فمع بدايات صعود الرأسمالية، التي تمظهرت بداية في ظهور الطبقة البرجوازية في مرحلة صعودها، على أنقاض الإقطاعية الآفلة، ما أفسح الطريق أمام طبقة جديدة، تزامنت مع بروز العقلانية ، والعلمنة ، وانتشار الأفكار الليبرالية ، ومناداة الناس بالديمقراطية، حتى انكفاء الكنيسة وانزوائها داخل مؤسسات دينية ...
ويجمع غالبية علماء الاجتماع ، عن تزامن ظهور المجتمع المدني، مع تحقيق النهضة الأوربية، وانتصار الثورات البرجوازية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ فقد كان من بين مهام الثورة التي أطاحت بالنظام القديم، وأرست دعائم الملكية الدستورية ، أو الجمهورية التي تنحو منحى ديمقراطيا، كان من بين مهامها إقامة دولة المجتمع المدني ، وما عادت الدولة تستمد شرعيتها من ( الحق الإلهي ) كما كان سائداً ، ومأخوذاً به كتقليد متوارث ومسلم به، بل تستمد من الشرائع الوضعية التي يضعها بنو البشر لتنظيم حياتهم.
وقد ظل الصراع قائماً بين دولة الحق الإلهي من جهة وبين دولة المجتمع المدني من جهة أخرى، حيث كانت ما تزال بعض المفاهيم الإقطاعية والكنسية لها مفاعيل في أذهان الناس ، وما شكلت هذه المفاهيم الجديدة من خطر ، بل كانت ضربة قوية لمصالح الإقطاعيين الذين تلفعوا برداء الكنيسة ، وناصروا دعواها في الحق الإلهي للولاية على البشر، حيث كانت الإقطاعية هي السلطة الاقتصادية المهيمنة، وهي بالتالي السلطة السياسية السائدة، وهي أيضاً التي استغلت قوة الكنيسة الروحية والأدبية، واستخدمتها لمصلحتها، لتقصي أي متنافس لها على السلطة والسيادة . فقد عرف توماس هوبز في القرن السابع عشر، المجتمع المدني ، بأنه:" المجتمع القائم على إرادة مشتركة، يتماهى فيه الحاكم المتمثل بالسلطة مع المحكوم المتمثل بالشعب" ، أي أنّ مفهوم المجتمع المدني، ليس سوى دولة مدنية تجمع بين الحاكم والمحكوم بإرادة مشتركة ، وهذا يعني بالتالي إسقاط دعوى من أنّ حق الدولة لاهوتي.. ومن المرجح أن توماس هوبز أدين من قبل إحدى الجامعات في عام 1683 بسبب ما استنتج من محاضراته، من أن أصل الدولة ليس لاهوتيا ، بل هو ناجم عن مخاضات المجتمع ، التي أفضت نتيجتها بالتالي إلى إرادة مجتمعية مشتركة...... وبذلك فإنّ الدعوة إلى المجتمع المدني انطلقت بدايةً كرد فعل على دعاوى محتكري السلطة، وحقهم الإلهي بعرش السلطة كما تقول غالبية المصادر. تالياً: دعا جان لوك إلى: " أنّ أصل الدولة تعاقدي اختياري بين بني البشر، وليس ذو مرجعية لاهوتية" ثم جاء جان جاك روسو ليطور في عقده الاجتماعي مفاهيم جديدة أصبحت فيما بعد قيماً متداولة وشائعة، مثل الدستور ، الأمة ، المساواة ، الحرية ، القوانين، المواطنة.. إلخ وثمة من يقول: إنّ مفهوم المجتمع المدني ينطلق من العقد الاجتماعي لجان جاك روسو، حيث أسس دعائم الدولة الحديثة، والمجتمع المدني بالأساس هو وليد الدولة الحديثة.. بل إنّ روسو كان يقول : إن الذي يخضع للقوانين ينبغي أن يكون هو صانعها ...لأن العقد الذي يقضي بين فريقين ، أحدهما آمر والآخر مطيع ومنقاد عقد غريب.. فيما يرى هيجل ومن بعده ماركس أنّ المجتمع المدني هو الفضاء أو المجال للصراع الطبقي، في حين أنّ جرامشي كان يرى المجتمع المدني مجالاً مقتصراً تنافسه في حقل الأيديولوجيا، لذا دعا القوى التقدمية إلى مواجهة الهيمنة البرجوازية على الاقتصاد ، والسعي إلى الهيمنة من خلال المجال الثقافي والتربوي. مع تطور العلم والتكنولوجيا والتقنية أواخر القرن العشرين ، ظهرت تغييرات في مستوى الوعي الاجتماعي والفكري رسخته أكثر الثورة المعلوماتية وفي مقدمتها شبكة الانترنت للاتصالات والمعلومات الدولية التي أحدثت انقلاباً ذهنياً حطم احتكار الدولة وسيادتها على العلم والتقدم الفكري ، لتتحرر المقدرة الفكرية للفرد والمجتمع وتؤدي إلى نتائج جعلتها من أكبر الثورات التي عرفها الإنسان على مر العصور. ومن ثم كانت نظرية المجتمع المدني إحدى النتائج التي خلقتها ثورة التكنولوجيا والتقدم العلمي في المجتمعات الإنسانية ، لكن الوعي الاجتماعي ازداد اضطراباً مع تسارع هذه التحولات في المجتمع وظهور نقاشات وطروحات نظرية وفكرية حول كيفية تقليص حجم الدولة ًودمقرطة المجتمع لتظهر إرادة المجتمع المدني إلى الساحة، حتى أنه خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، ارتفع عدد المنظمات المدنية من 6000 منظمة عام 1990 إلى حوالي 26000 منظمة مدنية في عام 1999 على شكل منظمات مساعدات وتبرعات خيرية ، منظمات حماية البيئة، مكافحة الألغام والأمراض الوبائية المستعصية و مرض الايدز، ومكافحة المخدرات والخ من المنظمات المدنية ، وقد أوردت منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي أنّ المساعدات الدولية ، التي تم تقديمها عبر منظمات المجتمع المدني قد بلغت حدود 12 بليون دولار في عام 2006. مع ازدياد تطور الوعي الثقافي والعلمي والاجتماعي . ازداد تأثير نطاق المجتمع والمنظمات المدنية في مواجهة الآثار السلبية والضرر التي يحدثه نظام الدولة الضخمة على المجتمع والإنسان ، التي خلقت بدورها قضايا ومشاكل يتم طرحها ومناقشتها مراراً على المستوى العالمي من قبيل قضايا التلوث البيئي و التحرحر العالمي (ارتفاع درجات الحرارة)، التصحر . بالإضافة إلى الفقر الذي ظهر بشكل متزايد في البلدان الفقيرة والنامية، وهذا إنما يدل على انعدام التوازن بين البلدان الغنية المتطورة والبلدان الفقيرة النامية . كل هذا يؤول دور منظمات المجتمع المدني المتزايد بشكل كبير والمؤثر على الصعيد الدولي . فما كان اتساع نطاق هذا التأثير حتى ليمتد إلى النقاشات التي جرت مناقشتها في قمة الدول الثمانية المتقدمة التي تم عقدها في غلين إيلز باسكتلندا في تموز من عام 2005 . عربياً: يرى محمد عابد الجابري، أن المجتمع المدني ليس سوى المجتمع الديمقراطي، الذي يؤسس لدولة ديمقراطية، تحكمها الأغلبية عبر ممثليها، وليست العبرة في وجود مؤسسات – رغم أهميتها- فوجود برلمان ، نقابات، تبقى في كثير من الحالات شكلية غير فاعلة ، ولا تعبر بالضرورة عن أجواء ديمقراطية، لتبعيتها للدولة الشمولية، ولا يتنسم قيادة تلك المؤسسات سوى عناصر انتهازية ، أوتي بها لتعمل تحت وصاية الدولة، هذا في الغالب ؛ لهذا فإنه يؤكد على أنه لا وجود لمؤسسات مجتمع مدني ذات فاعلية في غياب الديمقراطية وفي ظل النظم الاستبدادية. وهو يؤسس رؤيته هذه انطلاقاً من أنّ نشأة مفهوم "المجتمع المدني" في التاريخ الأوروبي الحديث، كانت يتحدد بثلاث دلالات ترجع إلى اعتبارات ثلاثة: باعتباره البديل لسلطة الكنيسة على المجتمع من جهة، والبديل لسلطة الدولة الإمبراطورية التي قوامها ثنائية الراعي والرعية من جهة ثانية، والبديل لهيمنة الأسرة التي تتمثل في الأب الذي يتحول في النظام الأبوي البطريركي إلى شيخ القبيلة، من جهة ثالثة. وإذا نحن انتقلنا الآن إلى المجتمع العربي المعاصر وتاريخ تطوره وأردنا أن نحدد بالضبط ما نعنيه بـ"المجتمع المدني"، حين نفكر في هذا المفهوم، فإنه سيكون من السهل - بل مما يغري- أن نسارع إلى المطابقة بين الاعتبارات المذكورة التي تحدَّدَ بها هذا المفهوم في أوروبا النهضة والأنوار، وبين الاعتبارات التي تحدده الآن في العالم العربي. فإن غضضنا الطرف عن بعض الاختلافات الجزئية بين الأقطار العربية وجدنا أن مفهوم "المجتمع العربي" يعني في تصور النخبة التي ترفعه شعارا: البديل عن المجتمع الذي تهيمن فيه أفكار وتطلعات "رجال الدين" من جهة، والبديل عن سلطة الدولة الاستبدادية الشمولية من جهة ثانية، والبديل عن النظام القبلي والمجتمع الطائفي الذي تكون فيه الكلمة العليا لشيخ القبيلة أو رئيس الطائفة. ومن هنا يقترن مفهوم المجتمع المدني في ذهن النخبة بـ"التحول الديمقراطي".
غير أن هذه المطابقة سرعان ما يتبين خطؤها وخطرها عندما ننتبه إلى ثلاثة أمور:
الأول، أن كلام المفكرين في أوروبا النهضة والأنوار عن "المجتمع المدني" كان يخص مجتمعات كانت تنتقل فعلا من المجتمع الزراعي الإقطاعي إلى المجتمع الصناعي الحداثي.
والثاني، أنه كان جزءاً من سياق تطور تاريخي كان يخضع بكامله للمعطيات الداخلية الذاتية الخاصة بهذا المجتمع الأوروبي أو ذاك، أعني بذلك غياب تأثير سلبي لأي عامل خارجي.
والثالث أن كثيرا من المشاكل الداخلية، الاقتصادية منها والاجتماعية، التي كان يعاني منها المجتمع الأوروبي في ذلك الوقت، قد أمكن تجاوزها بفضل التوسع الاستعماري: الهجرة إلى المستعمرات، موادها الأولية، عائدات أسواقها... إلخ. وهذه أمور غائبة تماما بالنسبة للعالم العربي الراهن.
فالمجتمعات العربية لا تعيش حالة الانتقال من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي، ولا تَسْلم من التدخلات الخارجية التي تعيق التطور في هذا الاتجاه، إضافة إلى وقوعها تحت وطأة استغلال إمبريالي عالمي، وهذه الفوارق الأساسية تفرض على الباحث الأخذ بعين الاعتبار كلا من الزمان والمكان عندما يفكر في مفهوم المجتمع المدني والمفاهيم المماثلة. وإذن، فالمطلوب هو أن نتجه مباشرة إلى الواقع العربي لنلتمس منه محددات مفهوم "المجتمع المدني"، كما يمكن أن يفكر فيها داخل هذا الواقع، مستعينين في ذلك باستحضار الظروف والملابسات التي جعلتنا نتكلم اليوم عن هذا المفهوم بعد أن كان غائبا عن مجال تفكيرنا في العقود الماضية، وذلك على الرغم من أنه كان موجودا كمقولة من مقولات الفكر الأوروبي منذ عدة قرون.
وهكذا فإذا نحن تساءلنا: ما الذي جعلنا ننتبه، في وقت من الأوقات، إلى ضرورة الاهتمام بـ"المجتمع المدني" والمطالبة بالعمل على فسح المجال له لينشأ وينمو، فإن الجواب لابد أن ينطلق، ضمنيا على الأقل، من الواقع التالي، هو أن هناك في بعض المجتمعات العربية اليوم إرهاصات بقيام المجتمع المدني فيها. وهذا أمر يشي بفشل النموذج المجتمعي الذي شيد على الأرض العربية قبل ظهور هذه الإرهاصات. نقصد بذلك النماذج المجتمعية المرتبطة بدولة الحزب الوحيد، ودولة "ثورة الجيش"، ودولة الملكيات المطلقة والرئاسات القبلية والفردية. من هنا سنجد أن مضمون المجتمع المدني يرتبط في أذهاننا اليوم بالطموح إلى تصفية "مجتمع العسكر" و"مجتمع القبيلة" و"مجتمع الحزب الرائد القائد"، وبالتالي فسح المجال لقيام مجتمع المؤسسات القائمة على التعبير الديمقراطي الحر.
وإضافة إلى ذلك فإنه لابد من مراعاة التفاوت الكبير القائم بين الأقطار العربية، بمعنى أن البحث في المجتمع المدني يجب ألا يتقيد بنفس البداية بالنسبة لجميع الأقطار العربية. إن تفاوت التطور واختلاف التجارب في العالم العربي يقضيان أن ننظر إلى مضمون "المجتمع المدني" من مؤشرات متعددة، وأن تكون نظرتنا هذه قابلة للارتداد، مع اعتبار الخصوصية في هذا المجال. فيما يرى د.الطاهر لبيب: " إنّ مفهوم المجتمع المدني عندنا بلا تاريخ، وهذا سبب الحرج العلمي في استعماله" ويضيف أن الاستعمال الطاريء لهذا المفهوم في بلادنا يعبر عن حالة طواريء في الفكر العربي ولا يحيل إلى ممارسة تم تنظيرها ولا إلى تنظير واقع تم ممارسته، حتى الدولة التي نشأ ضدها تستعمله لتحديد من هم أعضاؤه ومن هم خارجون عنه".
المجتمع المدني والديموقراطية وحقوق الإنسان: يستمد المجتمع المدني أسباب بقائه من تحقق الديمقراطية، التي تمثل له إكسير الحياة الهادف لتطويره وتحقيق ذاته. لذلك فالدولة الديمقراطية هي الوحيدة التي تملك نية وقدرة ضمان استقلالية المجتمع المدني. ولكي يعمل المجتمع المدني بكفاءة فإن ذلك يتطلب توفير المناخ الشرعي والذي يمتاز بالشفافية وتمكينه دستوريا من المناظرة الاجتماعية التي تطال كل جوانب الحياة. إنّ التنوع والاختلاف هو جوهر المجتمع المدني الصحي، وبالتالي جوهر الديمقراطية الصحيحة. والمجتمع المدني يمثل ضمير الدولة الحي، يجب الحفاظ على استقلاليته؛ لكي لا يطفو كالزبد على سطح المجتمعات ويتلاشى. من هنا يمكن أن ندرك الارتباط الوثيق بين حقوق الإنسان والمجتمع المدني والديمقراطية. فالمجتمع المدني خلال تفاعله يتطلب حقوقاً دستورية من الدولة لكي يُدير دفة الديمقراطية ومؤسساتها، ولذلك أدوات حقوق الإنسان العالمية يجب أن تشكل الإطار المؤلف لمفاهيم المشاركة المحلية والدولية للمجتمع المدني، وكذلك لمسؤولية الحكومات والمؤسسات المتعددة تجاه المواطنين/ات. وهكذا فإنّ سر قوة المجتمع المدني تكمن في قدرته على تحقيق الصالح العام المشترك بديناميكية شحذ وتدافع اختلاف الرؤى ووجهات النظر للوصول إلى أسلم الحلول. وقد علق كوفي عنان (السكرتير العام السابق للأمم المتحدة) مرة على «الحبل السُرَي» الواصل بين المجتمع المدني والديمقراطية قائلا: «المجتمع المدني النابض بالحياة هو المفتاح لممارسات ديمقراطية ناجعة»، لذلك فإن جينات الديمقراطية الموروثة في المجتمع المدني تشكل القوة المحركة لهذا المجتمع الذي يسعى إلى تعريف وتنظيم الحقوق المدنية قاطبة (السياسية، الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية)، وشرط ولادة مجتمع مدني غير مشوه (لا يكون حجر عثرة أمام تقدم الدولة)، هو حقن الدولة له بمصل الديمقراطية. إن جدلية العلاقة النفعية المتبادلة التأثير بين الدولة الديمقراطية والمجتمع المدني واضحة، ولكل منهما دوره في تطوير الديمقراطية، فالدولة هي الضامنة الوحيدة لاستقلالية المجتمع المدني، ولكنها هي، أيضا، الضامنة والمشرّعة لقواعد اللعبة بشكل أوسع، والتي يسبح المجتمع المدني في فلكها، وهذه القواعد هي تفعيل حكم القانون وأهميته والحقوق الإنسانية والشفافية وغيرها.. لذلك يعي المجتمع الديمقراطي أهمية القانون ويسعى لنشر هذه الثقافة ورفع مستواها بين المواطنين/ات.
في تحديد مفهوم المجتمع المدني: عُرِّف المجتمع المدني بأنّه : «مجموعة التنظيمات التطوّعيّة الحرّة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السّليمة للتنوّع الخلّاق».
مكونات المجتمع المدني: المجتمع المدني ليس وحدة متراصة متناغمة، بل هو بوتقة تضم المنظمات الرسمية وغير الرسمية، والاتحادات، والحركات التي تعبر عن وجهات نظر أعضائها ومنتسبيها. فهو وعاء جامع للقوى الحية بوجهات النظر المتنوعة المتوافقة منها والمتضادة، وهو محيط تعبره وجهات النظر والطروحات المتنوعة الهادفة لتحقيق المصلحة المشتركة. ويضم المجتمع المدني المنظمات الاجتماعية التطوعية وغير الإرثية وغير الحكومية التي ترعى الفرد وتعظم من قدراته على المشاركة المجزية في الحياة العامة" حسب تعريف د سعد الدين إبراهيم. ويصنف البنك الدولي المنظمات غير الحكومية إلى ثلاث فئات هي: أ- منظمات المجتمع المحلي ب- المنظمات غير الحكومية الوطنية ت- المنظمات غير الحكومية الدولية
خصائص المجتمع المدني: 1- الطوعية 2- الاستقلالية 3- غير ربحية 4- لا تخدم القيم والأهداف الخاصة.
وظائف المجتمع المدني: 1- تحقيق مباديء الديموقراطية والعدالة والمساواة 2- المساهمة في عملية التحولات السياسية والاجتماعية 3- حماية الحقوق والتصدي للإنتهاكات 4- تعزيز المشاركة الفردية والجماعية 5- توفير الخدمات ومساعدة المحتاجين 6- ملء الفراغ في حال غياب الدولة 7- التنمية الشاملة.
معوقات تحقيق المجتمع المدني في الوطن العربي: لاشك أنّ محاولات عديدة جرت من قبل المثقفين والمنظمات المدنية عربية لكي تطرح أهم العراقيل التي تعرقل عمل وتطور هذه المنظمات المدنية في المجتمعات العربية على وجه الخصوص، ففي "مؤتمر قضايا الإصلاح العربي" الذي أقيم بمكتبة الإسكندرية في مصر، من 12-14 آذار2005 تبلورت الرؤية في "وثيقة الإسكندرية" التي حددت القضايا الأساسية ، وصاغت من خلال لجان، ضمت شرائح متنوعة من المثقفين العرب، الحلول والآليات المطروحة لتنفيذ الإصلاح برؤية من الداخل. وجاءت "وثيقة الإسكندرية" كمحاولة لترسيخ التجربة العربية أمام العديد من المبادرات الدولية والإقليمية المطروحة لتحديث منطقة الشرق الأوسط، وما أثارته تلك المبادرات من ردود فعل متباينة في العالم العربي، اتفقت في حدها الأدنى على رفض أفكار التغيير من الخارج . لكن تم الإشارة إلى الإصلاح السياسي في الوثيقة و ضرورة أن تتجاوز الأنظمة العربية التخلف الاجتماعي الموجود وإحداث التغيير في دساتيرها يما يتوافق مع معايير الديمقراطية والحقوق الدولية المتعارف عليها ليمكنها بذلك من إفساح المجال أمام حرية الرأي والتعبير ، وبناء المنظمات المدنية التي تقلص من حجم سيطرة الدولة . أما على الصعيد الاقتصادي تم الإشارة إلى ضرورة إحداث إصلاحات في شكل وهيكلية الاقتصاد في هذه البلدان من خلال تحسين الاقتصاد و تطوير رؤؤس الأموال والاستثمارات المصرفية و تجاوز البطالة المتزايدة بشكل كبير في هذه البلدان بالإضافة إلى التنمية الثقافية والاجتماعية . لكن كل هذا بقي نظريا لم يدخل بشكل مجدي حيز التنفيذ والتطبيق لعدة أسباب وعوامل لا يمكن التغافل عنها ألا وهي ؛ لا بد من تطوير الوعي الاجتماعي والثقافي والاستفادة من الثورة المعلوماتية والتكنولوجية الحديثة من ناحية ، أما من ناحية أخرى يجب أن يتم تجاوز التعصب الديني والطائفي والقومي وتأثيرها الأيديولوجي وذلك بتطوير النهج الكونفدرالي للمجتمع المدني الذي سيكون النهج الناجع والحل للتخلص من مرض التعصب بجميع أشكاله وترسيخ الديمقراطية و مبادئ حقوق الإنسان ، التي ستكون المؤسسات الفوقية للمجتمع المدني ومنظماته المتعددة المهام وفي جميع المجالات لا الحصر. من المؤكد أن التحليل العلمي العصري لمجتمعات الشرق الأوسط ستؤدي بنا إلى معرفة العوامل التي تجعل المجتمع المدني طرحاً نظرياً بعيداً عن التطبيق العملي ، وسيسهل بدوره درب بناء و تأسيس منظمات مدنية حقيقية وعصرية تتجاوز السلبيات ، التي سببها نظام الدولة على المجتمع وإجراء التحولات في بنية الدولة بهدف تقليص مهام الدولة إلى حدود تسيير عملية الرفاه الاجتماعي في المجتمع التي تعتبر من إحدى المهام الأساسية للدولة تجاه العلاقة الأساسية ألا وهي الفرد – المجتمع بدلا من أن تكون جهازاً قمعياً وسلطوياً على المجتمع ومقدراته الحياتية. ويمكن هنا إضافة بعض المعوّقات الأخرى،منها: أ- الوضع الراهن لما يسمى بالدولة القطرية العربية ومـا ينجم عنه مـن أسئلة تتعلق بمحاور (الدولة - السلطة - الديمقراطية ). ب. الواقع الثقافي والاجتماعي للمواطن العربي ومدى خطورة تحوله لعقبة كؤود أمام طموحات الاتجاه التوفيقي الرامي لبلورة عملية ونظرية مثمرة لموضوعة المجتمع المدني في المنطقة العربية وذلك بما يتماشى مع خصوصيتها البيئية. ت. الواقع الاقتصادي وإسقاطات ظاهرة مثل ظاهرة الفساد على البناء الاجتماعي وعلى مسيرة مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في المنطقة العربية وتحديداً على بنائها الداخلي وأطرها الهيكلية.
وهنا ينبغي التأكيد على أنه على الرغم من وجود عوائق عدة تحول دون بناء مجتمع مدني منظم في المجتمعات العربية فان ذلك لا يقلل من قيمة أطروحة المجتمع المدني وبالأخص دورها الإصلاحي المتمثل في التصدي لتداعيات النظم السلطوية العربية.
الهوامش:
1. د. سعد الدين إبراهيم وآخرون ، المجتمع والدولة في الوطن العربي ، ( الطبعة الثانية ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، مايو 1996م ) ص 185 . 2- د. محمد عابد الجابري، (المجتمع المدني والواقع العربي الراهن)، جريدة الاتحاد القطرية 3- مركز دراسات الوحدة العربية، ( المجتمع المدني في الوطن العربي ودوره في تحقيق الديموقراطية)،بيروت، 1992، ص357.
#دنيا_الأمل_إسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المساعي الحميدة في حل النزاعات الدولية الخلاف الحدودي السعود
...
-
عيشة هّنّا
-
عن الحياة والحرب والأمل
-
المؤسسات الإعلامية الرسمية وصناعة الأزمة
-
تقرير جولدستون يحرّك الرأي العام الدولي
-
في مديح الظل المنكسر
-
عن التنمية والمرأة والثقافة
-
أنتظر جنوني
-
فساد المجتمع المدني
-
أجراه مركز معلومات وإعلام المرأة الفلسطينية استطلاع حول تأثي
...
-
ليل لا يفيق
-
حصة المرأة الفلسطينية من التشغيل: المؤشرات والدلالات والمستق
...
-
أمي خلف الحدود
-
عن حال المرأة والصحافة
-
خطة الانفصال/ الانسحاب/ فك الارتباط/ إخلاء المستوطنات تعددت
...
-
مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية
-
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يؤكد استمرار الانتهاكات الإسر
...
-
المرأة والانتخابات المحلية في قطاع غزة
-
قصائد قصيرة القامة
-
في الانتخابات الرئاسية الفلسطينية: التجاوزات لم تؤثر على نزا
...
المزيد.....
-
مقتل واعتقال 76 ارهابيا في عملية فيلق القدس بجنوب شرق ايران
...
-
-الدوما-: مذكرة الجنائية الدولية لاعتقال نتنياهو ستكشف مدى ا
...
-
الداخلية الفنلندية توقف إصدار تصاريح الإقامة الدائمة للاجئين
...
-
الإعلام الإسرائيلي يواصل مناقشة تداعيات أوامر اعتقال نتنياهو
...
-
هذه أبرز العقبات التي تواجه اعتقال نتنياهو وغالانت
-
الأمم المتحدة: إسرائيل منعت وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لق
...
-
مقارنة ردة فعل بايدن على مذكرتي اعتقال بوتين ونتنياهو تبرزه
...
-
كيف أثر قرار إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على دعم
...
-
سفير ايران الدائم بالأمم المتحدة: موقفنا واضح وشفاف ولن يتغي
...
-
سفير ايران بالأمم المتحدة: أميركا وبريطانيا تساهمان في استمر
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|