خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3059 - 2010 / 7 / 10 - 20:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعيش الاردن ازمة اقتصادية, لا ينكر المجتمع الاردني الرسمي والمدني وجودها, فهي قد اصبحت مادة الحديث الاجتماعي السياسي الوحيدة اثناء تواصل الناس, فهم يتداولون فيما بينهم الشكوى من عبيء انعكاساتها على وضعهم المعيشي الذي بات مستواه في انحدار مستمر يوازيه استمرار ارتفاع التكلفة.
بالطبع فانه يتفاوت مستوى تحليل سوء الوضع الاقتصادي في التشكيلة الاجتماعية الاردنية, تبعا للدلالة الثقافيية المرشدة لها في تحليل اسباب وعوامل الازمة, وتبعا لذلك تتباين اتجاهات الحلول التي تراها وتسلكها هذه الاتجاهات للخروج منها, وتسلكه عادة بصورة ( مستقلة) لا تاخذ في اعتبارها انعكاساته السلبية على باقي المجتمع؟
بالطبع فان الحجم والموقع الرئيسي في رسم هذه الصورة يحتله الاتجاه الرسمي السياسي المسئول عن ادارة الشان العام الاردني محليا وعالميا, والذي يرى جدل الاقتصادي السياسي الاجتماعي في المعضلة, فينحاز الى اولوية مطلب الامان السياسي الاردني على حساب الجانب الاقتصادي الاجتماعي الذاتي, وهو من الناحية النظرية الحل الصحيح, غير انه لم يكن ( مرشد) مسار التطور الاردني الاقتصادي الاجتماعي في حركته التاريخية. لذلك كانت نتائج مسار التطور هذا تصب باتجاه التعارض مع الهدف لا باتجاه التناغم والانسجام معه.
فلقد دخل الاردن ( القومي الحديث التكوين) وضع الصراع ( المالي ) العالمي, من مدخل التبعية السياسية والاقتصادية, الذي فرضه عليه الاستعمار البريطاني, وفي حين نجح في التحرر من التبعية السياسية, بالاستقلال, إلآ انه فشل في التحرر من التبعية الاقتصادية, فحرية وسيادية القرار الاقتصادي يجب ان يسستكملها حرية الظرف الاقتصادي ايضا, التي لا يوجد لتحقيقها من سبيل سوى بتحويل الاردن الى (بلد انتاج صناعي), ونقصد هنا بنية صناعية اساسية وليس كما هو الحال الان خدماتية تكميلية.
بهذا الصدد لا بد من الاقرار ان الاردن ليس البلد الوحيد الذي يعاني من هذا المصير فاغلب البلدان التي تحررت سياسيا من التبعية للاستعمار لا تزال تعاني من هذه الصيغة الاقتصادية السلبية, لكن ذلك بالطبع لا يبرر استمرار الاردن في الخضوع لهذه الصيغة.
لقد كان للاردن بالطبع اسبابه الخاصة الوطنية والديموقراطية التي اعاقت ولا تزال تعيق عملية تحرره من هذه الصيغة الاقتصادية. فالصراع العالمي فرض عليه ضريبته منذ اصدار بريطانيا وعد بلفور مرورا بقيام دولة اسرائيل وحتى اللحظة, التي تحمل خطر مقولتي (الوطن البديل) و(الخيار الاردني) وهما بالمناسبة لا يحملان نفس المعنى, حيث للاول معنى اقتصادي اجتماعي له علاقة بنهج الترانسفير الذي (تمارسه) عمليا الصهيونية, فيما للاخر معناه السياسي التوسعي ذي الاحتمال العسكري.
فلا شك ان هذه الصورة السابقة فرضت على الاردن تكلفة سياسية اقتصادية عالية, كان مهمتها حماية استقلاله السياسي الى درجة اضطراره لتوقيع معاهدة وادي عربة, باعتبار انها كانت الوسيلة الوحيدة لرفع مستوى امان استقلاله هذا.
اما على الصعيد الديموقراطي الداخلي فقد تقاطعت الصورة السابقة مع افتقاد الدلالة الثقافية الاردنية لتصور سليم لموضوعيته الذاتية المستقلة عن محيطه الاقليمي, لذلك كان التعارض الكبير بين الاتجاه الرسمي لتعزيزاستقلال المناورة الاردنية يعاكسه الاتجاه الاجتماعي المطالب بتوحيد المناورة الاقليمية. الامر الذ تطلب مستوى اقل من العلاقة الديموقراطية بين النظام والمجتمع, ومستوى اكبر من تعزيز سلطة القرارالمركزي, وصل في بعض الاوقات الى درجة اللجوء الى الاجهزة الامنية.
في ظل هذا الهامش نمت وتضخمت الدلالة الثقافية الطبقية التي تاخذ صورة مقولة ( الوطن السوق) والتي كان يقودها, بصورة رئيسية شريحة ( وكلاء) الصناعات الاجنبية لتصبح الحجم الرئيسي في تكوين الصورة الاقتصادية الاردنية المسيطرة على المسار الاقتصادي الاجتماعي الاردني. وهي تستمر في ابقائه رهين الازمة الاقتصادية الذاتية, التي تضخم من اثار انعكاس الازمة الاقتصادية العالمية عليه.
ان الخطر الرئيسي للازمة الاقتصادية الاردنية يتمثل في ارهاقه سياسيا لتصبح مناورته الخاصة رهن التوظيف في لعبة الصراع العالمي بين القوى المركزية العالمية. وبهذا المعنى ولها الهدف تقوم هذه المراكز العالمية بتقديم الهبات والقروض لدول مثلنا. في حين لا ترى الطبقات المحلية المسيطرة بها ومنها سوى ( زيادة في حجم فرصة الاثراء).
ان المشكلة الرئيسية التي ترتبت على هذه الصورة هي في تراجع مستوى اداء المواطنة الاردنية من اقصى حد ممكن الى مستوى الاداء على قدر ( الدخل), ان اداء المواطنة اصبح بيروقراطي ذي انتماء و ولاء لفظي, لا دلالة ثقافية وطنية ديموقراطية حقيقية ترشده, ومن هنا اتى الفساد العام السياسي الاقتصادي الاجتماعي. وتكرست مقولة ( الحل الفردي) وهي المدخل الى التحلل الاخلاقي من الالتزامات العامة.
ان الانحياز العرقي والعشائري في التشكيل الوظيفي و المقايضة الشخصية في اداء المصالح و نهب المال العام وقبول الرشوة باتت هي السبل الوحيدة امام الموظف للانتقال من اطار الفقر والقهر الى اطار الامان.اما المواطن فلم يكن امامه سوى اشكال اخرى لمخالفة القانون الذي لا يستهدف تعزيز وحدة التوجه الاجتماعي بمقدار ما يستهدف ( مخالصة الحقوق) الى درجة كرست الفردية . واسقطت اخلاقية الدلالة الثقافية الاردنية التي كانت تتأطر بمقولة التكافل الاجتماعي.
لقد باتت العلاقة المالية هي مرشد المواطنة الاردنية, فكيف اذا كان حجم الرصيد المالي لهذه العلاقة في تراجع مستمر؟
للاسف فان الادارة السياسية الاردنية لا تقرأ الميزانية العامة للدولة, قراءة نظرية سياسية فلسفية, بل تقرأها قراءة استثمارية يحد اعلاها مطلب الجباية الرسمية ويحد ادناها مطلب الاستثمار الطبقي, لذلك توضع الحلول للمشاكل التي تستعرضها الميزانية في اطار الاستجابة لهذين الحدين, حيث على الجباية ان تستجيب لمسسالة سداد الدين العام ونفقات المؤسسة البيروقراطية, لذلك يزداد عبيء الارهاق الضريبي والغرامات والرسوم الذي لا يتحمله في النهاية سوى جانب الدخل القومي ( الانتاجي) المحدود الحجم والاطار والسعة والمستوى والمردود. فيزداد ارهاقه وارهاق قواه الاجتماعية, وهنا ياتي دور اعادة توظيف المردود المالي الذي يشرف على توجيهه الرؤية الاستثمارية الطبقية فتوجهه الى المشاريع ( المناسبة) لطبيعتها الوكالاتية, والخدماتية, بعيدا عن تطوير قطاع الانتاج ذي الكلفة والمخاطر الاعلى, بل في سياق التعارض معه, الامر الذي يعاد الاشراف على اعادة انتاج اليته مع كل اعادة تكليف وزاري, تحت ظل حماية اقراره من قبل الشرعية البرلمانية في صورة قوانين وتشريعات يختفي من صورتها تعزيز المصلحة القومية الاردنية ويحل محلها في هذه الصورة المصلحة الطبقية.
وفي هذا المجال تسقط للاسف المعارضة الديموقراطية الاردنية, بكل طيفها النظري السياسي, وتتوحد مع المؤسسة الرسمية في الخلل. حيث ليس منهما من يقرأ في الميزانية العامة الاردنية مسالة دور الاساس الاقتصادي في تحقيق التطور الحضاري الاردني. وضرورة التاسيس لحل الازمة الاقتصادية الاردنية الذاتية عن طريق تطوير قطاع الانتاج الاردني الزراعي والصناعي المستقل اللاخدماتي اللاوكالاتي.
ان هيكلة الميزانية العامة الاردنية يجب ان تخدم بصورة رئيسية ابراز صورة هذه العلاقة بين هذه القطاعات الاقتصادية التي ترد عليها المال, ومن ثم عليها ان تبرز نهج اعادة توظيف هذا المردود. الذي يتجه بصورة رئيسية حاليا الى توسيع حجم القطاع التجاري الوكالاتي الخدماتي. على حساب قطاع الانتاج الوطني, حتى بلغ مدى سوء وضع العملية الاقتصادية الاردنية انها بمجملها اصبحت ( بخدماتيتها) تكمل عملية الانتاج الاجنبية التي تتم في بلدان اخرى,
اننا في هذا المقال نحاول لفت الانتباه لمدخل استراتيجي لحل الازمة الاقتصادية الاردنية الذاتية ولا نستهدف توجيه اللوم لهيئة او مستوى في التشكيل الاردني الاداري المؤسساتي او الاجتماعي السياسي, فالتلاوم لا يفيد احد.
لا ينكر احد حقيقة وجود علاقة التأثر والتأثير بين العالمي والمحلي, حيث الترابط السياسي والترابط الاقتصادي والترابط الثقافي الاجتماعي, لكن الذي (يجب انكاره) هو نهج توظيف هذه الحقيقة بطريقة ذرائعية تبرر دائما سوء الوضع الاقتصادي المحلي كانعكاس لسوء الوضع العالمي, والى اللذين لا يفقهون الجوهر والدلالة الثقافية لهذا النهج نقول ان اعتماد هذا التبرير دائنا انما يعني ان لا استقلالية سياسية ولا اقتصادية ولا ثقافية للمجتمع المحلي, وان البلد تابع غير حر؟ وانه اعلان فشل المؤسسة الرسمية الحاكمة , وانه استدعاء لايجاد حركة تحرر وطنية ديموقراطية, تتولى مهمة ايجاد اطار لاستقلالية البلد عن الوضع العالمي. قد تطال مطالب برنامجها اعادة صياغة التشكيل الاداري السياسي في المجتمع.
اننا في الاردن على شفا خطوة من هذا الامر, بعد هذا المدى الزمني الطويل الذي قضي في محاولة علاج الازمة الاقتصادية الاردنية التي تعيد توسيع حجم مساحة الفقر الاجتماعي وهوامش الفوارق بين طبقات مجتمعنا, ولم الية اعادة التمثييلية ولا اعادة التشكيل التنفيذية في انقاذ المجتمع الاردني والخروج به من اطار هذه الازمة. الامر الذي يطرح بالحاح ضرورة طرق سبيل مصارحة التشكيل الاداري السياسي الحاكم في الاردن والمسئول عن العجز عن معالجة هذه الازمة.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟