|
قمة -أهلية- .. دفاعاً عن وطن فى خطر
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 3059 - 2010 / 7 / 10 - 14:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما يكون الوطن فى خطر .. يصبح الاكتفاء بتوجيه السباب المستحق إلى الحكومة عبثا لا جدوى منه، كما يصبح الاقتصار على عتاب المعارضة أو لومها أو تقريعها نوعاً من العدمية السياسية التى تزيد تضييق العقدة فى حين أن المطلوب هو حلها. وعندما تكون الأمة فى خطر .. يصبح الانغماس فى التفاصيل والمعارك الصغيرة تبديداً للجهد وإهداراً للطاقة، إن لم يكن تكريساً للدوران فى نفس الدائرة الجهنمية المغلقة بالضبة والمفتاح. ونحن نعيش للأسف فى واحدة من هذه الفترات الاستثنائية .. فالوطن فى خطر بالفعل. والأخطر هو أن ندفن رءوسنا فى الرمال لنضحك على أنفسنا ونشعر بالاطمئنان الزائف على أن كل شئ على ما يرام، فى حين أن النار تسرى تحت الرماد، ويمكن أن تشعل حريقاً هائلاً يأتى على الاخضر واليابس إذا لم نعترف – أولاً – بواقع الحال دون تهويل أو تهوين، وإذا لم نتحرك اليوم قبل الغد قبل أن يتسع الخرق على الراقع. *** وواقع الحال يقول أن هناك تصدعات هائلة – وغير مسبوقة فى الأغلب الأعم – تهدد التماسك الوطنى والسلم الأهلى. من بينها ذلك التضاغط بين الكنيسة من ناحية والقضاء من ناحية أخرى، فى ظل تداعيات تشكل بوادر لـ "تمرد" جماعى ليس فقط على القانون وأحكام القضاء – صحيحة كانت أو خاطئة – وإنما أولاً وقبل كل شئ تمرد على فكرة الدولة المدنية الحديثة وإعادة لعقارب الساعة إلى الوراء – بوعى أو دون وعى – من أجل تكريس الدولة الدينية على ضفاف النيل فلا نستبعد فى ظل ذلك أن يطالب فريق من المصريين المسلمين بالامتناع عن تنفيذ القانون وأحكام القضاء والاحتكام إلى الشريعة الإسلامية فقط. الأمر الذى يعنى انهيار الدولة وتحت سنابك الطائفية المتصاعدة. وهناك أيضاً ذلك الصدام المروع بين القضاة والمحامين ، الذى يضع العدالة فى أزمة حقيقية، وبالتالى يضع الوطن فى مأزق بسبب ارتباك وتزعزع ركائز دولة القانون. وهناك كذلك اتساع نطاق اهتزاز الثقة – إن لم يكن انعدامها – فى مؤسسات الدولة – وليس فى الأجهزة الحكومية فقط – على النحو الذى ظهر من قبل فى الارتياب الشعبى الجماعى فى النتائج المعلنة لانتخابات مجلس الشورى الأخيرة – وكل الانتخابات العامة السابقة – ثم ظهر اليوم فى التشكيك الواسع النطاق فى التقارير الرسمية المتعلقة بوفاة الشاب السكندرى خالد سعيد. فرغم أن هذا حادث فردى يمكن أن يحدث فى أى بلد من بلدان العالم إلا أن ملابسات هذا الحادث الفردى سرعان ما أظهرت عمق الشروخ القائمة بين الحكام والمحكومين، وبالتالى وجود خطابين فى المجتمع أحدهما خطاب "رسمى" وخطاب آخر "أهلى" وبين الاثنين توجد هوة سحيقة. *** وهناك قبل هذا وبعده مسلسل الفساد الذى ما إن تنتهى إحدى حلقاته حتى تبدأ حلقة جديدة فى عرض مستمر تؤكد تفاصيله المتلاحقة أن الفساد لم يعد مجرد ممارسات فردية منحرفة وإنما تحول إلى "مؤسسة" سائدة ومسيطرة ووقحة ومتبجحة تحتمى بغياب حدود فاصلة بين السياسة والمال، وغياب آليات جادة لمنع تعارض المصالح، وغياب المحاسبة بعد غياب الشفافية. وفى ظل هذه الفوضى العارمة توحشت مؤسسة الفساد وأفرزت سمومها فى فضاءات الاقتصاد والسياسة والقيم الاجتماعية والثقافية بصورة تتآكل معها قيم أساسية للدولة والمجتمع، فى مقدمتها قيمة "الشرعية". *** وعندما نضع ما سبق من ظواهر مخيفة على أرض واقع يتسع فيه نطاق الفقر ليشمل أكثر من أربعين فى المائة من المصريين، ووتخنق الطبقة الوسطى، وتتسع الفجوة بين الفقراء والأغنياء بصورة تزيد أضعافاً مضاعفة عن معظم البلدان الرأسمالية... فإن الصورة تصبح محملة بدواعى كثيرة للقلق، وتجعل أى مصرى حريص على هذا الوطن وهذه الأمة يضع يده على قلبه خوفاً من سيناريوهات متعددة أحلاها مر. *** فى ظل مثل هذه الأوضاع لا يكفى أن نضع أيدينا على قلوبنا، ولا يكفى أن نتبادل الاتهامات، أو أن يحمِّل كل منا للآخر مسئولية ما يحدث من تحلل للدولة وتداعى لمرتكزات الدولة المدنية الحديثة، أو أن نجتر اسطوانات السب والقذف للحكومة أو قصائد الهجاء للمعارضة "مشروعة" كانت أو "محظورة". فمثل هذه الممارسات السابقة مقبولة ومبررة فى التعامل مع التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى الأوقات "العادية". لكنها تصبح خارج السياق عندما يكون كيان الدولة ذاته على المحك. ولهذا تنشأ الحاجة – أولا – إلى تنوير الرأى العام بالمخاطر الحقيقية التى ينطوى عليها الوضع الراهن والتى يحاول الاعلام الرسمى التغطية عليها والتهوين من شأنها، متصورين أنهم بذلك يدافعون عن الحكم فى حين أنهم يقومون – موضوعيا وفى التحليل الأخير – بصب المزيد من الزيت على النار الزاحفة تحت الرماد. *** وتنشأ الحاجة – ثانياً – إلى تحرك مسئول من جانب الجزء الناطق من الأمة – بصرف النظر عن المشارب الفكرية والتوجهات الايديولوجية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار – لرسم معالم خريطة طريق للخروج من هذا المأزق. علماً بان أحد القسمات الرئيسية المزمنة لسلوك النخبة المصرية – على الأقل فى تاريخها الحديث – هو أنها تعرف دائماً "ما لا تريده " لكنها نادراً ما تحدد "ماذا تريد". وعلى سبيل المثال فإن النخبة المصرية رفعت طويلاً شعار "الاستقلال التام أو الموت الزؤام"، الذى يعنى أنها "لا تريد" استمرار الاحتلال. لكن هذا الشعار لم يرسم لنا معالم الدولة الوطنية المستقلة التى "نريد" تشييد دعائمها بعد هزيمة الاحتلال. وفى ضوء سلبيات وإيجابيات التجارب السابقة أصبح منطقيا مطالبة النخبة بالبحث عن "القواسم المشتركة" بين شتى روافد الجماعة الوطنية المصرية – بكل تعدديتها الاجتماعية والثقافية والدينية – على أرضية المواطنة، لـ "عقد اجتماعى جديد" يمكن أن يحقق التماسك الوطنى الذى أصبح مهدداً بعنف من جراء انتهاء تاريخ صلاحية العقد الاجتماعى الحالى، والذى كان فى كل الأحوال "عقد إذعان". وبدلاً من الاكتفاء بخطاب الشكوى من حكومة عاجزة عن الاضطلاع بواجبات الحكم بنزاهة وفاعلية، ومن معارضة عاجزة عن الاطاحة بهذه الحكومة الخائبة.. وبديلاً عن الاقتصار على مناكفات غير مجدية حول قضايا جزئية.. لماذا لا نفكر فى "قمة أهلية" بين عقلاء هذه الأمة للدفاع عن وطن فى خطر، ومن أجل ورسم خريطة طريق للدولة المدنية الحديثة التى "نريد" العيش المشترك فى كنفها.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نصر حامد أبوزيد.. والفيروس القاتل
-
هل نقول للأوروبيين.. -اشمعني-؟!
-
وراء كل -نصر- .. ابتهال
-
فيلم الموسم وكل موسم: »الأرض«.. تراجيديا مصرية.. إخراج أمين
...
-
احبس صحفياً.. نعفيك من الضريبة العقارية!
-
حدث ثقافي وتنموي مهم لم يلتفت له أحد .. »وثيقة القاهرة«.. لح
...
-
لماذا اشتعلت الفتنة فى عهد سيطرة محاسيب الحزب الوطنى على الم
...
-
وصف سيناء »44« منير شاش يتكلم.. اسمعوا وعوا
-
-تحسين مستوى العسل-.. مطلب من البرنامج الانتخابى للرئيس
-
الغاز تحتاج إلي حل .. القمة الرابعة عشرة للمجموعة الخمسة عشر
-
قمة مهمة.. لكن الكرة أهم (1)
-
-تهميش- مصر فى أفريقيا وآسيا .. وبلاد كانت تركب الأفيال
-
الفساد فى محاربة الفساد
-
وصف سيناء : (1)
-
وصف سيناء : (2)
-
صرخة احتجاج من قلب الصعيد الجوانى
-
اقتراح عملي للإبقاء علي »حرارة« المعدات التليفونية
-
يحدث فى العالم العربى فقط: الانتخابات تغتال الديموقراطية!
-
صدمة الحقيقة.. في شرم الشيخ
-
داوستاشي.. بدون تعليق
المزيد.....
-
في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً
...
-
مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن
...
-
مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة
...
-
ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا
...
-
كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة..
...
-
لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
-
صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا
...
-
العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط
...
-
الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|