|
قرأت لك في مجلة -الثقافة الجديدة
عادل ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 930 - 2004 / 8 / 19 - 09:58
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
صدر العدد 312 من مجلة "الثقافة الجديدة"، بعد طول انتظار! وكعادتها نشرت "باقة" زاهية من المواضيع الثقافية المتنوعة، تتصدرها دراسات وبحوث نظرية هي، في حقيقتها ايضا، ذات فائدة عملية كونها تتصدى لمعالجة ما هو آني من مهام تواجه العراقيين، وهم يعيدون بناء وطنهم المدمر على أسس جديدة، في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية.. وبذلك تستحق مساهمة المجلة وكتابها كل الثناء والتقدير من قرائها. ولكي يتأكد القارئ الكريم من موضوعية تقييمنا ندعوه للمشاركة معا في استعراض سريع لمحتوياتها.. تقول هيئة التحرير في مقدمتها:
".. المثقفون العراقيون، وهم يسهمون اليوم في البحث عن سبيل تحقيق هذه الاهداف، يستذكرون ويستخلصون النتائج مما فعله اوائل الماركسيين في العراق: حسين الرحال ومحمود أحمد السيد، اللذين تمر هذا العام الذكرى المئوية لميلادهما، ولهذه المناسبة نظمت "الثقافة الجديدة" ندوة تنشر وثائقها في ملف هذا العدد، يبين دورهما في نشر الفكر العلمي والثقافة التقدمية، ويكشف عن تلازم الفكر والابداع الفني ودورهما في ترسيخ الوعي الوطني وتنظيم الجماهير من اجل التحرر الوطني الديمقراطي".
يتعذر اعطاء القارئ فكرة وافية، في حيز صغير، عن ملف تأريخي غني بمعلومات، لعلها تتجمع لاول مرة، وهو نتاج ندوة شارك فيها كتاب وباحثون سلطوا الضوء، بعمق وبشمولية، على تغلغل الفكر الاشتراكي العلمي في المجتمع العراقي وروافده الاقليمية والاممية كما جاء في بحث د.عامر حسن فياض، الذي كان بعنوان "حسين الرحال – رائد الفكر الاشتراكي في العراق".. وقد اختلف المشارك في الندوة د. كمال مظهر احمد مع تسمية الباحث قائلا: "اعتقد ان الرحال هو الرائد الاول للفكر الماركسي، وليس للفكر الاشتراكي، نجد في جريدة "الزوراء" ان للفكر الأشتراكي في العراق جذوراً عميقة سبقت الرحال.. فقد تطرقت الى الثورة الفرنسية وكومونة باريس. ويتناول د. علي ابراهيم لاول مرة في بحث قيم "المرتكزات الجمالية والفكرية في قصص وروايات الابداع التجاوزي والفكر النقدي".. اما د. شجاع العاني فيطلعنا على "قراءة جديدة في ادب السيد القصصي" تلقى افكاره واستنتاجاته اهتماما لدى المتدخلين.. يعقبه د. حيدر سعيد بدراسة بعنوان "الماركسية العربية وقصة حسين الرحال" تستثير اعتراضا على عنوانها لدى د. علي ابراهيم بقوله "... ان الماركسية منهج لفهم الواقع وتغييره، لذلك لا اتفق مع تسمية د. حيدر للماركسية العربية". وكذلك يبدي عدم اتفاقه ايضا "مع الناقد شجاع العاني الذي اعتبر ان السيد لم يتطرق الى شخصية العامل في كتاباته". في حين ابدى د. كمال مظهر ارتياحه للافكار والاستنتاجات الواردة في كلمة الاستاذ شجاع لعاني.
ومن تسليط الضوء على ما هو تاريخي تنشر المجلة بحوثا لا غنى عنها في الحاضر والمستقبل.. فالعراقيون تواجههم مهمة كتابة دستور جديد لبناء عراق جديد يسد الطريق مرة، والى الابد، امام عودة الحكم الدكتاتوري المقيت. ولهذا طلبت المجلة من عدد من المختصين تناول القضايا المتعلقة بالدستور. واستجاب د. شيرزاد النجار ببحث قيم تناول "ضمانات حماية الدستور"، اعقبه د. سامي خالد ببحث يحمل عنوانا لم نألفه من قبل وهو "الديمقراطية التوافقية" ورأى فيها السبيل الامثل لبناء العراق الجديد. لم يكن العنوان جديدا وحسب، بل ان المقالة نفسها حملت لنا أفكارا جديدة تستحق التأمل، لكن بعمق. اما د. رشيد الخيون فيغور بنا بعيدا في التراث باحثا فيه عن "الانتعاش الفكري في ظل الاختلاف" لدى "الفرق الاسلامية" مما يعزز قناعته، ويريدها للقارئ ايضا، والتي يلخصها بقوله “من كل ما تقدم تبدو الدعوة الى "اسلام بلا مذاهب" عاطفية اكثر منها واقعية، وما هي الا تجاوز للطبيعة التي جبل عليها الناس، والمسلمون ليسوا خارج قانون التباين الطبيعي حتى تضمحل اختلافاتهم لدرجة التوحد رغم التركة التاريخية الثقيلة، والطريق الوحيد الذي يؤثر ايجابا في التقارب بين الفرق هو الاعتراف بالاخر، وان المجتمع الذي يخضع قسرا لفكر او مذهب او دين واحد.. مجتمع خامل خال من حافز التقدم..”.
وتنقلنا المجلة من البحوث والدراسات الى تراث من نوع آخر يسلط الضوء على جانب من سيرة مناضلة شيوعية تنتمي، في جنسيتها، الى الدولة الامبريالية الاقوى في العالم.. الولايات المتحدة الامريكية. والمناضلة هي الرفيقة "ماما بلور"... كنيتها المحببة لدى رفاقها ومحبيها. حقا انها سيرة تلهم الشيوعيين من الشباب، والكهول، على مواصلة طريق خدمة الشعب والشيوعية بعزيمة لا تكل رغم صعوبات النضال وبعد الافق.
"لقد كان من حق ماما بلور ان تلتذ في سن السابعة والثمانين بتقاعدها، لانها ناضلت سبعين عاما من عمرها، بكل قدرتها، في سبيل الطبقة العاملة، ومع ذلك، فعندما تعرض اثنا عشر من قادة الحزب الشيوعي الامريكي، يعني حزبها، للملاحقة والاستجواب استنادا الى قانون سميث سنة 1949 ذهبت الى أوهايو وطالبت - في خطبة نارية، ضمن دفاعها عن الشيوعيين – بوضع حد لاصطيادهم ومطاردتهم، وبعد هذه الخطبة مرضت وعادت الى البيت بدرجة حرارة 40 مئوية".
سيرة حياة المناضلة الشيوعية ماما بلور مليئة بمثل هذه المواقف النبيلة، وقد استعرضت المجلة قسما منها باسلوب اخاذ... حقا لقد أحسن الاختيار سليم عبدالامير حمدان وأجاد في نقل المشاعر بترجمته.
وتواصل المجلة نهجها في ربط قضايا العصر، على الصعيد العالمي، بما هو آني ومحلي، وانعكاساتها بهدف ان تكون الحلول والمقترحات اكثر قربا الى الواقع وباكبر فائدة. ولهذا نجدها قد خصصت حيزا واسعا تحت باب "دراسات" تناولت فيه بالبحث المعمق موضوع "العولمة"، من خلال اربعة بحوث تسلط الضوء على جوانب مختلفة تعكسها العناوين وهي:
ـ العولمة.. رؤى تحليلية نقدية بقلم عبدالامير شمخي الشلاه.
ـ بعض سمات العولمة د. عبدالباري الشيخ علي.
ـ العولمة بين الحتمية والخصوصية الوطنية د. حاكم محسن محمد.
ـ لنفكر عولميا ونعمل وطنيا سامر عطايا – مقالة مترجمة.
وكأنها تستهدف ازالة عبء ما عن القارئ المتعمق في الدراسات والبحوث، فتكرس المجلة الصفحات الاخيرة للادب والفن، لكنها هنا ايضا لا تبتعد عن منهجها في تقديم البحوث، في هذا الحقل أيضا، التي تفيدنا في معالجة ما خلفته الدكتاتورية البغيضة من آثار مدمرة على الثقافة فيقترح، في بحث شيق، الكاتب والناقد القصصي العراقي عبدالله الخطيب "ثورة ثقافية معاكسة لعهد الدكتاتورية" يقول فيها "لايمكن اعادة بناء المجتمع المدني العراقي الذي اندثر الا بثورة ثقافية جذرية معاكسة لا تعرف الترهل والتبريرات، تعتمد الجد والعلم وتجربة الشعوب التي تخلصت وتحررت من الحكم الديكتاتوري الذي يعتمد الجريمة فقط في بقائه السياسي والاجتماعي والسرقة في بقائه الاقتصادي السلطوي، ثورة ثقافية تعتمد الاسس التربوية الفعالة وبقيادة واعية. الثقافة قوة، لاعتمادها الافكار، والافكار تتحول عن طريق العمل الى قوة فاعلة، لها قابلية التغيير في مجالات نشاطات الانسان كافة.." الا يذكرنا قول الكاتب بمقولة ماركسية شهيرة وهي "ان الافكار، عندما تدخل عقول الناس، تتحول الى قوة مادية"؟
يبدو لي، من مقترحات البحث نفسه، ان الكاتب يسترشد بالمنهج العلمي وهو يقترح حلولا عملية، منها الى وزارة الثقافة مباشرة، لمعالجة الاثار المدمرة على الثقافة في العراق، التي خلفها النظام الدكتاتوري المقبور.
ولا تنسى "الثقافة الجديدة" محبي الشعر فتنشر عدة قصائد منها قصيدة لشاعرنا وأديبنا المعروف الفريد سمعان وهو يرثي فقيدته وشريكة حياته "أم شروق"..
لان الاله يحبك أصبحت
عند التقاء المحبين وحدي
> > >
وقصائد تمجد شهداء الحزب والشعب والوطن تكفي الاشارة الى عناوينها لتفصح عن مضمونها، منها قصيدة في حق مؤسس حزبنا الرفيق الخالد فهد تحمل عنوانا معبرا.. "من الليل يولد وجه النهار" للشاعر شعوب محمود. واخرى للشاعر المبدع عبدالكريم هداد بعنوانها الرومانسي الجميل "الصعود العالي حيث مغارة الغزلان". اما الشاعر ابراهيم حيدر الخياط فهو يشدنا لقراءة قصيدة بعنوانها "غير المألوف" لكثير منا، نحن القراء، وقد عشنا سنوات طوال عجاف شحت خلالها وغيبت مصادر القراءة فلا غرابة اذن "لفقر معرفتنا" بدلالة عنوان القصيدة
"الضيوم"، ولكن لنقرأ..
الضيوم: ميزان صرف على واوه
حصرا - تتلبد سماؤنا العجوز،
فأستظهر: الجروح، القيود، القنوط، الديون
الحتوف، الجيوش، القموع، النعوش،
الطفوف، اللصوص، الملوك،
والحدود.. هذه البقعة الدائرة على
دارك التي مثل سمائك وفق الافق
الشرعي - من نصف ألف - وهي ملبدة بالضيوم...
> > >
ويجد محبو القصة القصيرة ضالتهم في "الغنيمة" للقاص ناطق خلوصي، وفي قصة "الشاحنة" للقاص محمد علوان جبر. وتختم المجلة عددها بـ"دروس من الماضي" "البعيد"، وهي ذكريات أعدها حكمت خليل عن "يوميات اضراب السجناء السياسيين عن الطعام" وعن وفاة وتشييع جنازة شهيد الاضراب الرفيق نعمان محمد صالح في 3/12/1951 .
وقبل ان اختم استعراض عدد المجلة اشير الى انها واصلت نشر ما سبق لها وان نشرته في العدد السابق من بحوث ودراسات عن القطاع النفطي وكيفية استخدام الثروة النفطية، فاحتوى على مقالة مشتركة اعدها س. كليمونز ود. عبدالمجيد الهيتي، وفيها يعرضان تجربة "الاسكا" حول الموضوع.
وكما هو معروف عن سياسة المجلة فهي تفتح صفحاتها "الرأي الاخر" حتى وان خالف وجهة نظر هيئة التحرير وهو ما سأفعله لاحقا بالتأكيد معترضا وبحماس على قول "كلمة العدد"، وهي كما يفترض تعبر عن وجهة نظر هيئة التحرير، "ليس ثمة شيء حتمي في تاريخ المجتمعات، هناك قوانين موضوعية تؤشر التطور باحتمالات متعددة مفتوحة، تطور ظرفي ديالكتيكي لا ميكانيكي، تؤثر فيه مختلف العوامل الموضوعية منها والذاتية،وتلعب فيه الصدفة، المكملة للضرورة، دورا في حسمه وتعزيزه".
#عادل_ياسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شهادة للحاج .. لا للتاريخ
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|