|
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....7
محمد الحنفي
الحوار المتمدن-العدد: 3058 - 2010 / 7 / 9 - 17:19
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
الإهداء:
ـ إلى كل مواطن أمسك عن ممارسة الفساد في إطار الإدارة الجماعية.
ـ إلى كل موظف جماعي امتنع عن إفساد العلاقة مع الموطن العادي في الإدارة الجماعية؟
ـ إلى كل عضو جماعي أخلص لمبادئه، ولضميره فامتنع عن أن يصير وسيلة لتكريس الفساد الإداري.
محمد الحنفي
وإذا وجد هناك إعلام، وتواصل جماعيان: فما هو واقع هذا الإعلام؟ وما هو واقع هذا التواصل؟.....3
وانطلاقا من كون الإعلام الجماعي ضحلا، وفقيرا على مستوى المعلومة، ومضللا، وغير واضح، فإن هذا الإعلام الجماعي، المفترض قيامه، إن وجد، هو عبارة عن الدعاية المستمرة لصالح الأعضاء الجماعيين.
ذلك، أن الأعضاء الجماعيين محكومون، لا بهاجس خدمة مصالح سكان الجماعة، بقدر ما هم مهووسون بضمان الاستمرار في العضوية الجماعية، وبالوصول إلى تحمل المسؤولية، وبالاستمرار في المسؤولية.
فخدمة مصالح سكان الجماعة، هي مسألة غير واردة، إلا من باب ذر الرماد في العيون، لإيهام الرأي العام الجماعي بأن المجلس الجماعي انتخب للقيام بخدمة مصالح المواطنين. وهذا الإيهام يهدف إلى:
ا ـ جعل الإعلام الجماعي المفترض ضحلا. وضحالته تتحقق من خلال بث الأوهام بين سكان الجماعة، من أجل أن يستمروا في الحلم بقيام المجلس الجماعي بخدمتهم، خدمة ترقى إلى مستوى ما تقوم به الجماعات المحلية في البلدان الديمقراطية. وهو أمر يصعب تحقيقه؛ لأن المغرب بلد غير ديمقراطي، بدليل غياب دستور ديمقراطي، يضمن سيادة الشعب على نفسه.
ب ـ جعل الإعلام الجماعي المفترض قيامه فقيرا من حيث المعلومات التي يبثها في صفوف سكان الجماعة، وهذا الفقر في المعلومات، يعتبر عملا مقصودا؛ لأنه يحقق، بذلك الفقر في المعلومات، غايتين أساسيتين:
الغاية الأولى: ضمان استمرار جهل سكان الجماعة بما يجري في جماعتهم، حتى يتمرسوا على انتظار الذي يأتي، ولا يأتي.
والغاية الثانية: ضمان استمرار الأعضاء الجماعيين في القيام بزراعة الوهم في صفوف سكان الجماعة، حتى يتأتى لهم الاستمرار في التربع على الكراسي الوثيرة للجماعة، التي تمكن الأعضاء من الاستمرار في نهب الموارد الجماعية، لتوفير الأموال الضرورية لشراء ضمائر الناخبين، ولإفساد الحياة السياسية، ولضمان استمرار الفساد الإداري في الإدارة الجماعية.
وهاتان الغايتان كفيلتان، بضمان استمرار جهل سكان الجماعة بما يجري في جماعتهم، مما يؤدي إلى تحقيق أهداف الأعضاء الجماعيين من التواجد في المجلس الجماعي.
ج ـ تضليل الإعلام الجماعي، المفترض قيامه، لسكان الجماعة، حتى يعتقدوا أن ما يقوم به الأعضاء الجماعيون، هو عين العمل الجماعي، الذي يفترض فيه غير ذلك. وهذا التضليل الإعلامي الجماعي ليس إلا امتدادا للتضليل الإعلامي العام، بهدف جعل المواطن يغيب عن الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ومن أجل فرض تكريس ظاهرة اللا مبالاة السائدة في صفوف السكان بصفة عامة، وفي صفوف سكان الجماعة بصفة خاصة.
ونظرا لأن التضليل الإعلامي يجعل السكان لا يهتمون بالواقع، فإن التضليل الذي يمارسه الإعلام الجماعي، يحقق كذلك غايتين أساسيتين:
الغاية الأولى: تكريس تضبيع سكان الجماعة، حتى يبنوا كل آمالهم على أساس ذلك التضبيع، الذي يحصر اهتمام الأفراد من سكان الجماعة في الاهتمام باليومي، والانصراف عن التفكير في المشترك الجماعي، الذي يقتضي الاهتمام بالشأن الجماعي، وبالشأن العام، الذي يدفع إلى البحث عن المصداقية في القول، والعمل.
والغاية الثانية: اعتبار ذلك التضبيع وسيلة لنهب الثروات الهائلة من الموارد الجماعية، من قبل الأعضاء الجماعيين، ومن قبل المسؤولين عن أقسام، ومصالح الإدارة الجماعية، استعدادا لشراء الذمم في المحطات الانتخابية القادمة، ولكراء جيوش الحملات الانتخابية باسم الأحزاب التي ينتمي إليها الأعضاء الجماعيون، الذين ليس لهم إلا إفساد الحياة السياسية.
وهاتان الغايتان، تلعبان دورا أساسيا في إعادة إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، المنتجة لنفس الهياكل السياسية على مستوى الجماعة، تلك الهياكل المنتجة لنفس التشكيلة السياسية / المخزنية / الجماعية على مستوى المجلس الجماعي.
د ـ عدم الوضوح في الإعلام الجماعي، المفترض قيامه، الذي يحرص المسؤولون عنه على الغموض اللا محدود للإعلام الجماعي، إن وجد. وإذا لم يوجد فإن الأمر سيكون أكثر غموضا.
والغموض في الإعلام الجماعي، يحقق غايتين أساسيتين:
الغاية الأولى: جعل أفراد سكان الجماعة يلجأون إلى التأويلات المتضاربة، إلى درجة التناقض المطلق. والتناقض المطلق يجعل السكان لا يهتمون بالواقع القائم، ولا يسعون إلى تطويره بما يتناسب مع طموحاتهم اللا محدودة، ولا يعملون على تغييره، لسبب واحد. وهذا السبب يتمثل في كون السكان لا يعيرون أي اهتمام لما يجري في جماعتهم، مما لا يخدم إلا مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، وما سوى هذا التحالف، لا يساوي قيد أنملة: أي أن سكان الجماعة من الكادحين، المتمثلين في العمال، وباقي الأجراء، والعاطلين، والمعطلين، والتجار الصغار، والحرفيين الصغار، والفلاحين الصغار، والمعدمين، ومن سواهم من باقي المهمشين، لا وجود لهم إلا في حالة واحدة، وهي مناسبة الانتخابات، حيث يصيرون هدفا لشراء ضمائرهم، التي تعيد أعضاء المجالس الجماعية، الذين ينهبون الموارد الجماعية، باستمرار، إلى العضوية الجماعية، لإعادة إنتاج نفس الهياكل الجماعية المسؤولة عن الخروقات، التي تطال مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
والغاية الثانية: جعل الوجوه المعروفة في المجالس الجماعية، والمسؤولة عن الفساد السياسي، والفساد الإداري في دهاليز الإدارة الجماعية، مبيضة في نظر الرأي العام الجماعي، استعدادا لجعل سكان الجماعة يعيدون انتخابها في الانتخابات المقبلة.
وتبييض الوجوه المعروفة في المجالس الجماعية، يعتبر مهمة أساسية، بالنسبة إلى الإعلام الجماعي، المفترض قيامه، حتى يقوم بالدور الذي وجد من أجله الإعلام الجماعي، إن كان هناك إعلام جماعي: أي أن الإعلام الجماعي لا يخدم إلا مصالح أعضاء المجالس الجماعية. وأعضاء المجالس الجماعية يعتبرون امتدادا للتحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، لتصير خدمة الإعلام الجماعي، المفترض قيامه، لصالح التحالف المذكور، بطريقة غير مباشرة.
وهاتان الغايتان، لا يحضر فيهما سكان الجماعة من سائر الكادحين، إلا باعتبارهم هدفا انتخابيا، ليس إلا، وما سوى ذلك، فعلى الإعلام العام، والإعلام الجماعي، أن يقوم بتضليل الكادحين، من أجل أن يفتقدوا القدرة على سلامة التفكير، الذي يؤهلهم لمواجهة الخروقات التي يقوم بها الأعضاء الجماعيون، ومن أجل أن ينتبهوا، مستقبلا، للمخاطر التي تستهدفهم، بسبب تلك الخروقات، سعيا إلى امتلاك الحس السياسي / الديمقراطي، الذي يعدهم لأن يكونوا أسياد أنفسهم في أي انتخابات جماعية مقبلة، حتى يختاروا من يقوم بخدمة مصالحهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تعد سكان الجماعة، من أجل امتلاك القدرة على مراقبة الممارسة، التي ينتجها الأعضاء الجماعيون بشكل فردي، أو في إطار المجلس الجماعي، وفضح كل الخروقات التي يقوم بها الأعضاء الجماعيون، سواء كانت فردية، أو في إطار المجلس الجماعي، وصولا إلى تحقيق مجالس جماعية للحق، والقانون.
وتحقيق مجالس جماعية للحق، والقانون، يعتبر هدفا أسمى بالنسبة للكادحين، من أبناء الجماعات المحلية، حتى يتأتى لهم فرض التغيير اللازم لجماعاتهم، على جميع المستويات، التي تجعل سكان الجماعة يطمئنون على مستقبل جماعاتهم.
وبناء على ما ذكرنا، فإننا نعتبر الدعاية المستمرة لصلح الأعضاء الجماعيين، من المهام المحورية للإعلام الجماعي، المفترض قيامه، نظرا للاعتبارات الآتية:
الاعتبار الأول: أن هذا الإعلام يمول من ميزانية الجماعة المحلية، سواء كان مسموعا، أو مقروءا، أو مرئيا. والذي يتحكم في الميزانية الجماعية، هو المجلس الجماعي، وعن طريق رئيسه. وما دام الأمر كذلك، فإن هذا المجلس الجماعي لا يمول الإعلام الجماعي إلا إذا كان في خدمة مصالح أعضائه، أو في خدمة رئيسه، حتى يتأتى لهم الحضور المستمر في فكر، وممارسة المتلقي، مهما كان ذلك المتلقي من سكان الجماعة، أو من خارجها.
والاعتبار الثاني: أن المنفذين لذلك الإعلام، هم من موظفي الجماعة. فهؤلاء الموظفون هم الذين يتحملون مسؤولية إخراج الإعلام الجماعي إلى الوجود، سواء تعلق الأمر بالشكل، أو بالمضمون. ذلك أن هذا الإعلام، بقدر ما يخدم مصالح الأعضاء الجماعيين، يخدم كذلك مصالح مكرسي الفساد الإداري، الذي يعشش في دهاليز الإدارة الجماعية. وهو ما يجعل المصالح واحدة، لتقوم العلاقة العضوية بين الأعضاء الجماعيين، وبين الموظفين الجماعيين. وهذه العلاقة العضوية هي التي تستدعي ضحالة الإعلام الجماعي، وفقره، وتضليله، وغموضه.
ولذلك فالمستهدفون بالإعلام الجماعي، المفترض قيامه، يجب أن يعوا بطبيعة هذا الإعلام، وبالمصالح التي يخدمها، حتى يتجنبوا الانخداع به، وحتى يقيموا مسافة بينهم، وبين الإعلام الجماعي من هذا النوع. وهو ما يعتبر مقدمة لامتلاك القدرة على مواجهة هذا النوع من الإعلام، بالعمل على تتبع الإعلام الجاد، والمسؤول، الذي تقدمه الإطارات المناضلة على مستوى الجماعة، والتي تسعى إلى أن يصير العمل الجماعي في خدمة سكان الجماعة، حتى يتأتى للجماعة أن تصير جماعة للحق والقانون.
والاعتبار الثالث: أن هذا الإعلام الجماعي المفترض قيامه، لا يرتبط إلا بمناسبات معينة، يقدم فيها المجلس الجماعي، كيفما كان هذا المجلس، على التصرف في قسط مهم من الأموال الجماعية، من أجل الدعاية للأعضاء الجماعيين بطريقة غير مباشرة، والدعاية لنزاهة المسؤولين في الإدارة الجماعية، من أجل التغطية على الفساد السياسي، الذي حمل الأعضاء إلى شغل عضوية المجلس الجماعي، وعلى الفساد الإداري، الذي يتخلل ممارسة الإدارة الجماعية.
ومعلوم أن تصرفا من هذا النوع، يعتبر مناسبة لنهب المزيد من الموارد الجماعية، خاصة، وأن الأنشطة المناسباتية التي يقدم المجلس الجماعي على تنفيذها، لا تتناسب مطلقا مع الاعتمادات المالية المرصودة لها، وهو ما يعني أن ارتفاع التكاليف يساوي نهب الموارد الجماعية، والنهب لا يخدم إلا جيوب المتصرفين في الموارد الجماعية.
والاعتبار الرابع: أن السلطة الوصية على الجماعات المحلية، المسؤولة عن مراقبة صرف الأموال الجماعية، لا يحركون أي ساكن تجاه ممارسات المجلس الجماعي، الذي يبذر الأموال يمينا، وشمالا، في مناسبات معينة. وهو ما يجعل هذه السلطة شريكا في عملية النهب المشار إليها. وهذه الشراكة القائمة في السر، وفي العلن، هي التي تعطي الشرعية لعملية النهب الممارسة على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، الأمر الذي يقتضي الشراكة كذلك في تحمل المسؤولية.
وحتى لا نصل إلى هذا المستوى من التوريط، نجد أن الإعلام الجماعي يعتبر نفسه، كذلك، معنيا بحماية السلطة الوصية، وبالعمل على جعل مسؤولي السلطة الوصية، وكأنهم غير معنيين بما يجري على مستوى ما يقوم به الأعضاء الجماعيون، وعلى مستوى ما تقوم به الإدارة الجماعية. وهذا التبييض الإعلامي لمسؤولي السلطة الوصية، لا يأتي هكذا في الإعلام الجماعي، بقدر ما هو اعتراف بجميل هذه السلطة، وبدورها في إيصال من تريد إلى المجلس الجماعي، والذي لا ينساه الأعضاء الجماعيون المنتمون إلى أحزاب السلطة، التي تمت صناعتها في دهاليز السلطات المحلية، وعن طريق الانتخابات الجماعية التي لا تكون إلا مزورة.
وهذه الاعتبارات المذكورة، التي اعتمدناها لاعتبار الإعلام الجماعي لا يهتم إلا بالدعاية المستمرة، ومن أموال سكان الجماعة، لصالح الأعضاء الجماعيين، ومن يدور في فلكهم، استعدادا للانتخابات القادمة.
والدعاية المستمرة للأعضاء الجماعيين لا تتم إلا ب:
1) الترويج للأوهام الجماعية، التي تتحول إلى هم يومي لسكان الجماعة، وكأنها تحققت، وكأن تحققها غير الجماعة اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، لصالح مجموع السكان، في الوقت الذي لا تزيد فيه أوضاع الجماعة إلا ترديا.
والترويج للأوهام ليس إلا ممارسة ضحلة، فقيرة، مضللة، غير واضحة. وهذه السمات التي تسم الإعلام الجماعي المفترض قيامه، هي التي تساعد هذا الإعلام على الاستمرار في زراعة الوهم، إلى درجة أن سكان الجماعة ينتقلون، على مستوى الأفكار، إلى منطقة اللا زمن، واللا مكان؛ لأن منطقة اللا زمن، واللا مكان، هي وحدها الكفيلة بقبول زراعة الوهم، بأن سكان الجماعة، سوف يحققون طموحات سكان الجماعة، حتى ولو لم يبق إلا بضع دقائق على انتهاء مدة صلاحية المجلس الجماعي.
2) التعامل مع التجربة الجماعية، وكأنها في بداية التكون، من خلال الإعلام الجماعي، وكأن المجلس الجماعي لم يجد أمامه لا مشاريع، ولا إدارة جماعية، ولا منجزات، ولا مهندسين، ولا تقنيين، ولا ميزانية، ولا هم يحزنون، من أجل جعل سكان الجماعة ينتظرون، حتى يتم الشروع في بداية صياغة التجربة الجماعية، التي يخوضها مجلس معين.
والمفروض أن الحياة لا تتوقف أبدا. فالتجربة الجماعية الجديدة تبتدئ من حيث انتهت التجربة القديمة، سواء كانت إيجابية، أو سلبية، حتى لا يتوقف العمل الجماعي.
غير أن الأعضاء الجماعيين الذين تفرزهم الانتخابات المزورة، يوقفون صيرورة التاريخ، وكأن المجالس السابقة غير موجودة أصلا، وكأن المجلس الجديد لم يجد أماه إلا فراغا. والفراغ لا يولد إلا الفراغ. وهو ما يجعل الإعلام الجماعي يهتم بما سماه غاستون باشلار بالقطيعة. والقطيعة تعني الفصل بين زمنين: زمن ماض، وزمن حاضر، ولا شيء يجمع بينهما، فكأن السكان غير قائمين، وهم غير قائمين فعلا؛ لأنهم لم يعرفوا الحرية، والنزاهة في اختيار ممثليهم في المجلس الجماعي، وكأن الإدارة الجماعية غير موجودة، وكأن الأرشيف غير موجود، وكأن ما خلفه المسؤولون الجماعيون السابقون غير موجود. فمخرج القطيعة، سوف يجد فيه الإعلام الجماعي وسيلة لاعتبار المجلس الجماعي القائم ابتدأ من الصفر، مع أننا عندما نرجع إلى أرشيفنا، سنجد أن كل فرد يسال عن أبيه، وعن جده من أبيه، وعن أمه، وجده من أمه، بمعنى أن صيرورة الحياة لا توجد فيها قطيعة.
ولذلك، فالإعلام الجماعي إنما يتمحل الأسباب التي تبرئ ذمة المجلس الجماعي القائم، حتى يرضى عن القائمين بتنفيذ الخطة الإعلامية، التي وضعها المجلس الجماعي القائم.
3) اعتبار إنجاح الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وبالمهرجانات، والمواسم، التي تقام عادة على أراضي الجماعة، إنجازا جماعيا متميزا.
وهذا الاعتبار يحضر في اهتمام الإعلام الجماعي، المفترض قيامه، من أجل الدعاية لمنجزات المجلس الجماعي القائم. مع أن المناسبات الوطنية لا يقررها المجلس الجماعي، فهي مقررة مسبقا، وكل ما يقوم به المجلس الجماعي، هو الإعداد للاحتفال بما يتناسب مع طبيعة المناسبة الوطنية، أي أن المناسبات التي تحتفل بها الجماعات ليست إنجازا جماعيا، ونفس الشيء نقوله بالنسبة للمواسم المحكومة بالعادات، والتقاليد، والأعراف. وكل ما يفعله المجلس الجماعي، أنه يوظفها حتى تصير من منجزاته. وهذا التوظيف يسعى إلى تكريس التضليل، وزراعة الوهم، بأن المجلس الجماعي القائم يهتم بالمواسم التي تعود سكان الجماعة على إقامتها كل سنة، حتى يظهر، ومن خلال الإعلام الجماعي، المفترض قيامه، على أنه يهتم بمصالح المواطنين، في الوقت الذي يستغل تلك المواسم لنهب جيوب السكان، من المقيمين للموسم، سواء كانوا تجارا، أو فلاحين فقراء، أو معدمين. وذلك لمضاعفة مداخيل المجلس، من أجل أن يجد الأعضاء الجماعيون ما ينهبون.
أما المهرجانات، فحدث، ولا حرج. فالجماعة عندما تقيم مهرجانا معينا، أو عندما تصير شريكا في مهرجان معين، تقيمه جهة معينة، فإن عملية النهب التي تعرفها الموارد الجماعية، تبقى مفتوحة على جميع الاحتمالات.
والغاية من اهتمام الإعلام الجماعي، المفترض قيامه، بالمناسبات الوطنية، وبالمهرجانات، والمواسم التي تقام على أرض الجماعة، تتحقق على مستويين:
المستوى الأول: إيهام سكان الجماعة، بأن المجلس الجماعي يهتم بالأمور التي تهم سكان الجماعة، سواء كانت اقتصادية، أو وطنية، أو ترفيهية.
والمستوى الثاني: استغلال مختلف المناسبات، التي يهتم بها المجلس الجماعي، لإفساد الحياة السياسية، ولتخريب القيم الاجتماعية النبيلة، حتى يتأتى له إعداد السكان الذين تخربت قيمهم النبيلة، من أجل إنجاح المحطة الانتخابية القادمة، لصالح عودة الأعضاء الجماعيين إلى عضوية المجلس الجماعي.
وهذان المستويان، لا يمكن تحقيقهما إلا بوجود إعلام جماعي، يستطيع إنجاز المهام المنوطة به، لصالح الأعضاء الجماعيين. وهو أمر لا يستطيع السكان الاستفادة منه إلا على مستوى الوهم.
4) النفخ في البرامج، والقرارات التي يعلن عنها المجلس الجماعي، بعد الانتهاء من أي اجتماع عادي، أو استثنائي، او بمناسبة عقد شراكة معينة، مع جهات معينة، لإبراز المجلس، وكأنه يقوم بالمعجزات، وكأن معجزاته تعود على سكان الجماعة بالخير العميم.
والواقع أن الإعلام الجماعي المفترض قيامه، عندما يهتم بما تسفر عنه اجتماعات المجلس الجماعي، وبعقود الشراكة مع جهات معينة؛ فلأنه يريد بذلك ممارسة التضليل بأشكاله المختلفة، لإيهام سكان الجماعة، بأن المجلس الجماعي يهتم بالشؤون الجماعية. وهو في الواقع لا يهتم إلا ببيع الجماعة إلى الخواص، وبتفويت أراضيها، وممتلكاتها إلى المنتمين إلى التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، وبالتحايل على المشاريع العامة، التي تتعلق بالمظهر العام للجماعة، من أجل التلاعب فيما يتم رصده لها، دون أن تنجز في الواقع، وإذا تم إنجازه فإنه لا يكون إلا شكليا.
فالنفخ في البرامج، والقرارات التي يعلن عنها المجلس الجماعي، يعتبر مهمة أساسية بالنسبة للإعلام الجماعي، المفترض قيامه، لتحقيق غايتين أساسيتين:
الغاية الأولى: تلميع الأعضاء الجماعيين: من الرئيس إلى العضو العادي، وإظهار صورة السير الجماعي، بما في ذلك السير العادي للإدارة الجماعية، وكأن ذلك السير لا تشوبه أية شائبة، وذلك للتغطية على الممارسات، والخروقات التي ترتكب هنا، أو هناك من تراب الجماعة، وعلى جميع المستويات: والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والتي يساهم في ارتكابها المجلس الجماعي، بأعضائه، وبمسؤوليه الذين يسعون بتلك الخروقات إلى تنمية ثرواتهم، استعدادا للانتخابات القادمة.
والغاية الثانية: تضليل سكان الجماعة، وجعلهم لا يرون ما يحصل في جماعتهم، من تفويتات للممتلكات الجماعية، إلى فلان، أو علان، من الأعضاء، أو غيرهم، ممن يصيرون من الوصوليين، والانتهازيين، والمرشين للأعضاء الجماعيين. وهذا التضليل، ومن هذا النوع، هو عصب الإعلام الجماعي، الذي يختصر كل همه في إقامة جدار سميك، ومن حديد، بين ما يقوم به المجلس، وبين سكان الجماعة، الذين يجب أن لا يهتموا بشؤون جماعتهم، التي تبقى مجرد لغز بالنسبة إليهم، في انتظار أن يعود الأعضاء الجماعيون إلى السكان، لعرض عضلات برامجهم، في الحملات الانتخابية المقبلة، ودون حياء يذكر من السكان، الذين يصيرون جاهلين بكل شيء يتعلق بشؤون الجماعة، في عهد ولاية المجلس القائم، ودون حساب يساهم فيه سكان الجماعة، ودون تقديم التقرير الأدبي، والمادي عن فترة الولاية.
وهاتان الغايتان مرتبطتان ارتباطا عضويا؛ لأن التلميع يساوي التضليل، والتضليل يساوي التلميع، كما هو الشأن بالنسبة للإعلام العام، الذي توجهه الدولة المخزنية.
وإذا تعاملنا مع المسألة من منظور طبقي، وقلنا إن الدولة هي أداة السيطرة الطبقية، كما يذهب إلى ذلك المنظرون الماركسيون، وأن هذه الدولة وجدت لتحمي المصالح الطبقية للطبقة المسيطرة، فإن المجلس الجماعي أيضا هو أداة السيطرة الطبقية على الجماعة، وعلى ممتلكاتها، لتصير في خدمة الطبقة المسيطرة، أي أن السكان من غير ألأفراد المنتمين إلى الطبقة المسيطرة، لا شأن لهم بما يجري في اجتماعات المجلس الجماعي، ولا بما يجري في الإدارة الجماعية؛ لأن ذلك لا يهمهم، لا من قريب، ولا من بعيد، ما داموا لا ينتمون إلى الطبقة المسيطرة، وإذا أرادوا قضاء بعض المآرب من الإدارة الجماعية، عليهم أن يكونوا عملاء للطبقة البورجوازية. وهو ما يسمى عند الماركسيين بالعمالة الطبقية.
ولذلك نجد أن الإعلام الجماعي، المفترض قيامه، لا يلمع إلا صورة المجلس الجماعي، باعتباره أداة السيطرة الطبقية على مستوى الجماعة، وباعتبار ذلك التلميع تلميعا للطبقة المسيطرة على مستوى الجماعة، التي تساهم بشكل كبير في جعل موظفي الجماعة يرتشون، من منطلق أن ما يتسلمونه من رشوة، من المنتمين إلى الطبقة المسيطرة، ليس إلا حلاوة، أو قهوة، حتى وإن كان يقدر بالملايين، التي ترفع بعض المسؤولين الإداريين في الإدارة الجماعية، إلى المستوى المادي للتحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، باعتباره طبقة مسيطرة على مستوى الجماعة.
والمجلس الجماعي عندما يتحول إلى مجرد وسيلة لحماية مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، كطبقة مسيطرة على مستوى الجماعة، فإنه يصير كذلك وسيلة لتحقيق التطلعات الطبقية لأفراد البورجوازية الصغرى، التي تصير أكثر إرشاء للعاملين في الإدارة الجماعية، من أجل تحقيق تلك التطلعات.
وهكذا يتبين أن الدعاية المستمرة لتلميع صورة الأعضاء الجماعيين، هي مهمة إعلامية للإعلام الجماعي، المفترض قيامه، باعتباره امتدادا للإعلام الوطني، الذي يقوم بنفس الدور تجاه الطبقة الحاكمة، من أجل جعل هذه الطبقة بمثابة المنقذ من الضلال، كما يقول الإمام الغزالي.
وبناء عليه فمصير سكان الجماعة بيد هذه الطبقة، وعن طريق المجلس الجماعي، الذي يضع بعض المساحيق، التي يمكن اعتبارها خدمات مقدمة إلى السكان.
فهل يستمر الإعلام الجماعي على نهجه في التعامل الإعلامي مع الشؤون الجماعية؟
ألا يطرح المعيقات الكبرى التي تحول دون جعل المجلس الجماعي يهتم بالشؤون الجماعية المشتركة بين جميع السكان؟
ألا يطرح الإشكاليات الكبرى التي تحكم علاقة السكان بالإدارة الجماعية؟
هل يهتم بالمسألة الانتخابية، التي تصير وسيلة للوصول إلى عضوية المجلس الجماعي؟
ألا يتساءل عن الأصوات المعتمدة في الوصول على عضوية المجلس الجماعي؟
ألا يعتبر أن تلك الأصوات هي أصوات الكادحين، الذين يتحولون إلى مجرد بضاعة في الانتخابات الجماعية؟
ألا يلتفت هذا الإعلام الجماعي، المفترض قيامه، إلى أن على المجلس الجماعي ألاهتمام بمصالح السكان الكادحين، الذين أوصلوه إلى عضوية الجماعة؟
ألا ينتبه هذا الإعلام إلى أن سكان الجماعة الكادحين، قد يمتلكون وعيهم الحقيقي في يوم ما، وقد يتحولون إلى مارد جارف، يأتي على الأعضاء الجماعيين، وعلى التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف؟
إن الإعلام الجماعي المفترض قيامه، وبالشكل الذي يوجد عليه، وبالأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، هو إعلام لا يمكن أن يقوم إلا بوظيفة التلميع، التي تستهدف التحالف البورجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، من خلال تلميع صورة الأعضاء الجماعيين بصفة عامة، والمسؤولين الجماعيين بصفة خاصة. وما سوى ذلك غير وارد في نظر هذا الإعلام الجماعي، المفترض قيامه.
#محمد_الحنفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....6
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....5
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....4
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....3
-
الغياب الدائم للهمة عن منطقة الرحامنة، وعن جماعة ابن جرير: ا
...
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....2
-
الإعلام والتواصل الجماعيين: أي واقع وأية آفاق؟.....1
-
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إطار لجميع المغاربة، وفي خدمت
...
-
الحزبوسلامي بين الحرص على استغلال المناخ الديمقراطي، والانشد
...
-
هل الشعب المغربي صار تحت رحمة لوبيات الفساد....؟ !!!...4 / 2
-
هل الشعب المغربي صار تحت رحمة لوبيات الفساد....؟ !!!...4 / 1
-
الشهيد محمد بوكرين، أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي –
...
-
الشهيد محمد بوكرين، أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي –
...
-
الشهيد محمد بوكرين، أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي –
...
-
الشهيد محمد بوكرين، أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي –
...
-
الشهيد محمد بوكرين، أو الثلاثية المقدسة: الامتداد التاريخي –
...
-
الحزبوسلامي بين الحرص على استغلال المناخ الديمقراطي، والانشد
...
-
هل الشعب المغربي صار تحت رحمة لوبيات الفساد....؟ !!!...3 / 2
-
هل الشعب المغربي صار تحت رحمة لوبيات الفساد....؟ !!!...3 1
-
هل الشعب المغربي صار تحت رحمة لوبيات الفساد....؟ !!!...2
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|