|
هل الإسلام دين عقل ؟
محمد الحداد
الحوار المتمدن-العدد: 3057 - 2010 / 7 / 8 - 19:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أكتب هذه المقالة كرد على تعليق أخي حسام علم الدين ، ويبدوا لي أني بالآونة الأخيرة أكتب مقالاتي كتعليقات على ما يعلقه الأخوة والأخوات هنا وهناك ، وهي بآن واحد مؤشر جيد وسيء ، جيد لأنه معبر عن التفاعل المتبادل بين القراء والكتاب ، وهذه حالة صحية ، وبنفس الوقت مؤشر سيء لأنها دليل على عدم تغطية الكتاب ومنهم أنا لكل الأفكار التي يطرحها القراء دون الحاجة لطرحهم ، أي أن تكون الأفكار نابعة ذاتيا من الكتاب قبل طلبها نتيجة حاجة التفاعل بينهما . فقط قال أخي حسام التالي : هل يمكن أن تفسر لي عقليا هل يمكنه أن تدرك وجود الله عقليا فأجيب : نعم يمكن إدراك وجود الله عقليا ، بل أني أراه موجبا وليس كخيار حتى يكون إيمان المؤمن حقيقي وليس كإيمان العجائز حين تسألهم ، فلا يجدون إجابة عقلية ، بل كلها نقلية عن غيرهم ، فعن فلان وعلان ، وإن لم تسعفهم الذاكرة ، فيقولون هكذا وجدنا أنفسنا وآباءنا ، فلا تكفر . السؤال عن الخالق حير البشرية من يومها الأول ، وكان من أوائل أسئلة الفلاسفة ، فهو مرادف لأسئلة ما الخلق ، ومم خلقنا ، ولم خلقنا ، وهل نبعث بعد مماتنا ، و... و... وستبقى الإنسانية تسأل وتسأل ، وطبعا ستبقى الإجابات غير كاملة ومنقوصة ، وستكون متغيرة حسب زمانها ومكانها ، وحسب إدراك المجيب أو الباحث ، ومدى وجود أدوات بحثية لديه ، ومدى تمكنه من علوم عصره الذي يعيش فيه ، بل ومدى إيمانه وتصديقه لما توصل إليه أبناء عصره ، فهل هو رافض له ، أم مصدق ومؤمن به . فما نعرفه اليوم من علوم ، قد يدحضه ما يأتي به غدا من جديد ، ولكن أن نرتكز على علوم عفا عليها الزمان وشرب ، أو تفسيرات لا تمت للواقع أو للعلم بشيء ، فهو مجرد مضيعة للوقت ، وإدخال القارئ خاصة غير المتعلم علوما طبيعية بمتاهات لا طائل تحتها ، بل ربما نضعه بمعسكر الضديد للعلم والمرافق للخرافة . فمثلا الذي يفسر الوجود والخلق بالعودة إلى فكرة المكونات الأربعة ، الماء والهواء والتربة والنار ، لهو دليل على عجز الباحث علميا ، وعلى تأثير كتابات الأولين عليه ، وعلى استعارته لما عفا عليه الزمان من أفكار وإطلاقه على زمن تطورت به العلوم أيما تطور ، وهو ما زال داخل عوالم المواد الأربعة . وهو دليل أيضا على عدم إدراكه لمكونات التربة ، والهواء ، بل وعدم معرفته لكينونة النار ، وعدم معرفته عن أي ماء يتحدث ، هل هو ماء طبيعي ، وكم نسبة الأملاح المختلفة فيه ، أم هو ماء مقطر ، أم ماء معدني ، أم مياه غازية !! نعود لموضوع الإيمان بالله ، أو الخالق ، أو سمه ما شئت ، يهوه مثلا ، فبالعودة لما آمنت به البشرية ومجتمعاتها سابقا ، لوجدنا تعدد للآلهة ، وبدأت من إيمان بوجود أله لكل حدث كبير لا يجد الإنسان له تفسير ، كالبرق ، الرعد ، المطر ، الرياح ، الزلازل ، وغيرها كثير . بل أن أسماء الأيام في كثير من لغات شعوب العالم الآن ما زالت تعني أسماء لآلهة معينة عند تلك الشعوب كانت تعبد بسابق أيامها . ثم نظرت البشرية إلى السماء ، ورأت كواكب تظهر ، وأخرى تخبوا ، ووجدوا لها مسارات وحركات ، وكلها بنتيجة المراقبة ، ولكنهم لم يفسروها كحركات لأجرام فلكية ، ولكن فسروها كآلهة ، خالقة ومتحكمة بحياة البشر والحيوان ، والكون ، بل أن الكون عندهم كان لا يتعدى معرفتهم البسيطة بالبيئة التي تحيطهم ، لذا وجدوا أرضهم مسطحة ، ولم يدركوا تكورها ، واعتقدوا أنهم مركز الكون ، بل ومركز الخلق . ثم جاءت الأديان ، تعددية الآلهة ، وتوحيدية ، وحاولت كل هذه الأديان أن تجيب عن هذه التساؤلات ، ولكنها محاولات لقيت نجاحا أحيانا عدة لدى العامة المغيبة العقل ، والتواقة للأسطورة والخيال كإجابة ، ولكنها قلما لقيت نجاحا لدى الإنسان المفكر ، لأنه ما دام يستعمل عقله ، فأنه يضع كل ما يسمعه ويتعلمه تحت منظار العقل ، ويخضعه للتجربة إن أمكن ذلك ، أو للمنطق إن لم يستطع التجربة المعملية . فهو يستجوب الإجابات التي تعطيها الديانات ، ويمحصها ويدققها ، ولا يتركها إلا مفككة ، على الأقل تحليليا . وطبعا نجد في كل دين تقريبا إلا ما ندر خطاب موجه للعقل ، ولكن أكثر الخطاب موجه للعاطفة ، فهو يركز عليها تركيزا عاليا ، لأنها هي الجاذبة لروح الإنسان العادي ، وبذا كانت العاطفة والأسطورة والخيال ركائز أساسية في الخطاب الديني . ولكن كذلك نجد فسحة لتحرك العقل داخل هذا الخطاب ، أقلها محاولة إجابة تساؤلات الإنسان الأولية حول الخلق والخالق ، وفي كل الأحيان يلجأ الخطاب الديني لما وراء الحسيات بإجابته تلك ، ويعتبر الإيمان والتسليم بها من المسلمات التي لا تقبل نقاشا . ولكن هذا لا يمنع العقل المفكر من وضع هذه المسلمات تحت التمحيص والتدقيق ، ويعود ليطرق الأسئلة ذاتها ، ويجد إجابات من داخل الدين الذي يؤمن به ، وأحيانا كثيرة يتصنع تلك الإجابات ، أو يتحايل بالإجابات حتى يقنع نفسه أقلها بصحة إيمانه . نعود للإنسان ونرى هل بإمكانه الوصول لوجود الخالق من ذاته دون الحاجة لدين معين حتى يجيبه عن الوجود ، أم سيبقى محتاجا لهذا الدين وتفسيراته حتى يعرف الخالق ، أو لنقل إلهه ، أو مجموعة آلهته . فلنرى أولا كيف يتعاط الإنسان مع محيطه ، وكيف يدرك عقله هذا المحيط ، فكلنا يعرف أن للإنسان خمس حواس ، وهي النظر ، اللمس ، السمع ، التذوق والشم ، وهناك من يزيد عليها بحاسة غير ملموسة هي الإحساس . هذه الحواس هي أدوات العقل الأولية والبدائية ، والتي يقوم الطفل بتمرين العقل على استخدامها وفق بيئته الأرضية التي يعيشها . فالعقل محبوس داخل جدران الجمجمة ، وهو بمكان مظلم ، وليس له أي اتصال مع العالم الخارجي إلا عن طريق هذه الحواس ، وبدون هذه الحواس يبقى العقل عاجزا بذاته أن يعرف أين يعيش ، وماذا عليه فعله من أمور حتى يستمر بالعيش داخل الجسم الذي يحمله . وبتراكم التجربة وبالذاكرة وفعل المقارنة مع أحداث مضت يستطيع العقل الانتقال لنوع جديد من التفكير يسمى الوعي ، فالطفل ليس لديه وعي ، ولكن لديه عقل بدائي يجرب عن طريق حواسه عالمه ، ويبدأ بعدها بإدراكه . وبما أن العقل هي الأداة الفعالة والمدركة داخل الجسم البشري ، لذا وجب تركيزنا عليه ، وعلى أدواته الحسية التي ذكرناها ، وأدواته المعرفية التي يتعلمها بمرور الوقت ، والتي تأتيه عن طريق تفعيل حواسه واستخدامها . فالقراءة والكتابة تعتمد على النظر ، عدا القراءة بطريقة بيرل التي تعتمد على اللمس ، وأحرف الكتابة ما هي إلا رموز لا تعني شيء بذاتها ، ولكن بعد توافق المجتمع على دلالاتها الصوتية والسمعية أصبح لرمز الكتابة صوت ينطق به ومعنى يدل عليه . وحاسة النظر لا ترى كل ما حولنا ، فهي محدودة بين طولي موجتي البنفسجي والأحمر ، فلا ترى ما فوق البنفسجي ولا ما هو تحت الأحمر ، لذا فنحن لا نرى موجات الراديو أو التلفزيون أو الموبيل . كذا حاسة السمع محدودة بين 20 ذبذبة بالثانية إلى 20 ألف ذبذبة بالثانية ، وبذا لا نسمع مثلا بعض أصوات الحيوانات ، كصوت الخفاش مثلا ، بينما حيوانات أخرى كالكلاب تسمع مديات لا نسمعها نحن البشر . وهذا معناه أن العقل البشري يبقى ناقصا بالوصول إلى كل الحقائق لو أعتمد على حواسه فقط ، بل يمكن حتى خداعه عن طريق هذه الحواس ، وهذا ما يفعله جهاز التلفزيون ، حيث أنه لا توجد به صورة كاملة ، وليس للصورة حركة ، ولكن عبارة عن نقطة تمر على الشاشة بسرعة عالية جدا لا تستطيع العين متابعتها ، وكما نعلم تبقى الصورة التي تراها العين لحظات بسيطة على الشبكية قبل أن تمحى ، استغلها صانع التلفزيون حتى يولد صورة كاملة ومتحركة . فبالعودة لعنوان مقالتنا نرى أن العقل يبقى قاصرا على الإجابة الكاملة على كل الأسئلة الأولية التي طرحها ، وبعضها يمكنه من الاستدلال عليها بالمنطق أو التجربة المعملية أو بأجهزة مساعدة تقرب لنا الغير مدرك حتى يكون ضمن دائرة إحساس حواسنا ، وبعضها لا يمكنه حتى بالمنطق أن يصل لنتائجها . فيمكن بنقاش منطقي أن تصل لوجود خالق ، وهذا الخالق هو واحد وليس اثنين أو ثلاثة ، ويمكن أيضا بالمنطق أن تستدل على عدم وجود الخالق ، وهذا كله يعتمد على أي منطق تستخدم ، وما هي مفرداته الأولية وأساسياته وطرق استنطاقه للظواهر التي يحسها بحواسه .
محمد الحداد 08 . 07 . 2010
#محمد_الحداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما هو الاستبداد ؟!
-
المُسْتَبِدُ أبنُ بِيئَتِهِ ، وَهُوَ صانِعُها
-
والشعب يصنع المستبد
-
تعليمات كأس العالم
-
قِ نَفْسَكْ
-
فِ عَهْدَكْ
-
هل الخِرفانُ أصْلُها عَربي !؟
-
الإنتاجُ فِكْرٌ أمْ عَمَل ؟
-
قَطّارَة النَتائج
-
الأخلاق الانتخابية
-
توضيح مهم لكافة القراء الكرام حول مقالنا الموسوم لو كان البع
...
-
لَو كانَ البَعثُ دِيناً وَ رَبّاً لَكَفَرتُ بِه
-
الجدار الناري
-
عِ قَوْلَكْ
-
القاعدة والتكفير وأحمد صبحي منصور
-
نظارات جدتي
-
أين العقلاء في مصر والجزائر ؟
-
مِيزان قبّان
-
مقالات علمية بسيطة ج 2
-
رزوق دق بابنا
المزيد.....
-
بقائي: حسب فتوى اعلى شخصية دينية وسياسية في بلادنا نحن لن نب
...
-
المقاومة الإسلامية بالعراق تستهدف موقعا عسكريا شمال إسرائيل
...
-
الزاوية الخُتنية.. مدرسة صوفية في القدس تحوّلت إلى مكتبة
-
إكس توقف حساب المرشد الأعلى الإيراني بعد منشور بالعبرية
-
مش هتسمعى منهم زن تاني.. تردد قناة طيور الجنة 2024 للأطفال ع
...
-
“تي تي تي تي يلا نلعب ياكتاكيتي” استقبل تردد قناة طيور الجنة
...
-
قائد حرس الثورة الاسلامية:العدوان الصهيوني الذي فشل في تحقيق
...
-
قائد حرس الثورة الاسلامية:العواقب المريرة للعدوان لايمكن تصو
...
-
-كنت أقرب إلى الجنة-.. تسعينية أمريكية تخوض تجربة مثيرة على
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق: هاجمنا هدفا عسكريا إسرائيليا ش
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|