أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - عبدةُ الزهور الجميلة














المزيد.....

عبدةُ الزهور الجميلة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3057 - 2010 / 7 / 8 - 19:08
المحور: سيرة ذاتية
    


هَبّةُ هواءٍ عاصف تفتحُ بابَ الفصل. فيسألنا معلّم الرياضيات: مَنْ دخل الآن؟ فتهتف "أنْبَهُ" بنتٍ في الفصل (أنا طبعا!) قائلةً: "فاي"! يرمقها الأستاذ جمال مرسي بعتبٍ ويقول: غلط! ويجيب تلميذٌ آخر "نَبيْه كمان": صفر يا أستاذ؟ وتتوالى الإجابات "الغلط" من تلاميذ صف أول متوسط بالمدرسة التجريبية التي دشّنت إدخال "الرياضيات الحديثة" لأول مرة بمصر في نهاية السبعينيات الماضية، وسط تخوّف الآباء على أولادهم ظنًّا منهم أن هذا التحديث جعل الرياضيات ألغازًا وطلاسم. أما "فاي"، ويُكتب رياضيًّا هكذا: Ø، فهو "اللا شيء" أي "العَدَم". وهو قيمة افتراضية لا وجود لها. لذا رفض المعلم إجابتي "العبقرية" لأن الذي دخل الفصل هو "كتلةٌ من الهواء"، يعني "شيء محدد"، وليس عَدَمًا. وأما زميلي العبقري الآخر افترض أن "لا أحد دخل الفصل" يعني صفرًا، لأننا لم نر أحدًا/ إنسانًا، يدخل، فوقع في مغالطة اعتباره أن البشر وحدهم قابلون للعد والإحصاء، ولم ينتبه أن الهواء الداخل يحمل ملايين الذرات والإلكترونات الخ. بل هو في ذاته، الهواء، مكوّن من عدة غازات وأبخرة مختلطة، ومن ثم مستحيل أن يكون صفرًا. وتعلمنا يومها أن هذا الصفر، الذي نراه "تافهًا"، هو رقمٌ ضخم جدًّا جدًّا جدًّا. إذ إنه يسبق عددًا لا نهائيًّا من الأرقام السالبة. فالصفر يتربّع كملك متوّج في منتصف خط الأعداد الذي يمتد يمينًا ويسارًا بغير انتهاء إلى حيث يشاء الله. أكبر أرقامه، التي تقع على يمينه، (+ ما لانهاية)، وأصغر أرقامه، التي تقع على يساره، (– ما لانهاية)، وكلاهما رقمٌ افتراضيّ لا وجود له لأنه متناهٍ في الكبر أو في الصغر. مثلما نأتي بحبل طوله متر، ثم نقسمه نصفين كلّ منهما نصف متر، ونقسم كل نصف إلى ربعي متر، وهكذا بشكل دائم. لن نحصل على الصفر أبدًا، بل على قِطع من الحبل متناهية القصر. لأن الصفر ليس له مضاعفات ولا أجزاء. لو ضربته في/ أو قسمته على رقم، ستحصل على صفر أيضًا. لكن لو قسمت رقمًا عليه ستحصل على قيمة غير متعيّنة، لا وجود لها في حقل الأعداد الطبيعية ولا المُتخيّلة. هذه "الإعجازية" لرقم الصفر هي التي دعت الفيثاغوريين، نسبة إلى فيثاغورس، إلى احترامه واعتباره أحد مفاتيح ألغاز الكون، حتى لُقِّبوا بـ"عبدة الصفر". وهي كذلك التي دعت الرياضيين الجدد إلى ابتكار الرمز فاي Ø للتدليل على العدم أو اللاشيء، لكي يردوا الاعتبار للصفر العظيم الذي هو بوابة العدم، وليس العدم. الصِّفرُ مفتاحُ العدم. قياسًا على "الصبر مفتاح الفرج". أعني المفتاح الذي عبره ندلف إلى عالم الأرقام السالبة التي لا نهاية لها. هذه "اللانهائية" هي التي بنى عليها السفسطائي العظيم زينون الإيليّ، في القرن الخامس قبل الميلاد، معظم مفارقاته وحججه التي حيّرت المناطقة والرياضيين. إذ تنطوي على سلامة منطقية فلسفية وإن خالفت الظاهرة الفيزيقية المرئية. مثل استحالة أن يسبق أخيلُ السلحفاةَ! فيما أخيل هو أسرع عدّاء إغريقيّ وصفته الإلياذة بالسريع القدمين. فقط لو بدأ السباق متأخرًا عن السلحفاة ولو بمسافة قدرها بوصة واحدة. لأن السلحفاة سوف تترك مكانها قبل وصول أخيل ببرهة من الزمن، وسيكون عليه دائمًا قطع عدد لا نهائيّ من المسافات الضئيلة التي قطعتها السلحفاةُ قبله، وبذلك لن يسبقها أبدًا منطقيًّا ورياضيًّا! وهي إحدى مفارقات "زينون" الشهيرة التي بناها على نظرية "المتوالية الحسابية والهندسية". تلك المفارقات نبهت علماءَ محدثين مثل آينشتين إلى اندماج الزمان والمكان بحيث لا يمكن فصلهما فغدا الزمنُ بُعدًا رابعًا للكون وبه يوصف المكان. في حين فصل زينون الزمان عن المكان فذهبت إحدى مفارقاته إلى استحالة حركة جسم من نقطة إلى نقطة بما إن عليه أن يقطع "عددًا لا متناهيًا" من المسافات. وبما أن اللامتناهي لا وجود له، فلا يمكن قطعه في زمن متناه. كذلك بما أن كل جسم "الآن" موجودٌ في مكان محدد، فبالتالي هو ساكن، وبما أن الزمن مكون من عدد لا متناه من هذه "الآنات" فإذن كل الأجسام ساكنة لا تتحرك! وهنا الفكرة وراء الرسوم المتحركة التي تعتمد على عرض صور ساكنة بشكل متتال متتابع فنشعر بحركة الأجسام الساكنة أصلا.
المهم، كنتُ أتجوّل في حي "حدائق القبة" بالقاهرة وقد أنهيتُ لتوي قراءة كتاب "عبدةُ الصفر" للفرنسي آلان نادو. لمحتُ محلاً للزهور مكتوبًا عليه "عبدة للزهور الجميلة". أعجبني الاسم وقلت لابد صاحبه شاعرٌ، إذ آمن أن الزهور لابد لها من محرابٍ للتعبّد. دخلت المحل وصافحت المدير بحرارة وأنا مستبشرة بارتقاء الوعي والذائقة لدى تجّار مصر. وهمستُ باستحياء: ليتكَ فقط تمحو الحرف الزائد (اللام) ليغدو الاسم "عبدةُ الزهورِ الجميلة" بدلا من "عبدةٌ للزهور الجميلة"، فخرج معي إلى بوابة المحل ورفع بصره قائلا: "عبده... للزهور الجميلة"، أنا اسمي "عبده" وهذا المحل ملكي! ما لك يا ست سلامة عقلك!" الرؤية العمانية



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثالثُ المرفوع، وغير المرفوع
- لأن معي أتعاب المحامي
- أزمة الإنسان واحدةٌ فوق المكان والزمان
- درسُ سلماوي الصعب!
- يوميات قبطي، واحد م البلد دي
- مندور، ابنُ الزمن الجميل
- كتابٌ مخيف من ترجمة طلعت الشايب
- فاروق الباز، أيها المصريّ
- أن ترسمَ كطفل
- سعد رومان ميخائيل يرصّع اللوحات العالمية على جداريات دار الأ ...
- هزْلُهم... فنٌّ
- أعمدةُ الجمال، بين رسالة والساقية
- أن تصطادَ عصفورًا من النيل، فأنتَ إذن إبراهيم أصلان
- عاطف أحمد، فنانٌ من بلادنا
- الفنُّ تكسيرًا للصورة النمطية للعرب
- قرطبة مدينة الشعراء والتاريخ المزدوج
- كهاتين في الجنّة
- الشِّعرُ في طرقات قرطبة
- فاطمة ناعوت والسعي وراء تأنيث العالم
- لهو الأبالسة، وفنُّ القراءة


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - عبدةُ الزهور الجميلة